في منتصف شهر أكتوبر 2009 عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع لتقييم واستعراض دور البث الإذاعي الأمريكي الدولي لدفع عجلة مصالحها القومية في العراق وأفغانستان، ونشاط الإذاعات الأمريكية في مناطق النزاع ومدى تأثيرها على شعوب تلك المناطق للوصول إلى الأهداف المرجوة من إنشائها. ما نشر في الولاياتالمتحدة عن مناقشات اللجنة انحصر على بحث دور البث الإذاعي والتلفزي الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان ساحتا الحرب الرئيسيتين لواشنطن. ترأس الجلسة السيناتور كوفمان، وقد تحدث في الجلسة بجانب جواكين بلايا محافظ ورئيس شبكة تلفزيون الشرق الأوسط باللجنة الفرعية بمجلس المحافظين، والدكتور جيفري هايرشيبرج محافظ ورئيس إذاعة أوروبا الحرة (راديو ليبرتي)، وستيفن سيمونز محافظ ورئيس صوت أمريكا باللجنة الفرعية بمجلس المحافظين الخاصة بالإذاعات. توافقت الآراء خلال الجلسة على أن الاتجاه العام داخل الحكومة وخارجها هو أن سلاح القوة بمفرده لا يمكن أن يسود كأسلوب للمعالجة ضد خصوم الولاياتالمتحدة، وأنه من الضروري واللازم لمواجهة ما سموه «خطر التطرف» إشراك الجماهير في رسم استراتيجية المواجهة، ولن يتم تفعيل أدوار الجماهير ومشاركتهم إلا عن طريق نجاح الإذاعات الأمريكية كنوع أخر من تأثير تدابير القوة بالطرائق السلمية. وأكد المشاركون في الجلسة على أهمية دور وآثار البث الإذاعي في وقتي السلم والحرب كما كان لصوت أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية من آثار عميقة أسهمت في هزيمة النازية الألمانية. وأثناء الحرب الباردة الطويلة، حيث كان لكل من صوت أمريكا وإذاعة أوروبا الحرة (راديو ليبرتي) آثار ساعدت على إحباط الشمولية السوفيتية. وأقرت غالبية الآراء بالنمو الملحوظ في حجم وتأثير البث الإذاعي الأمريكي الدولي نتيجة الدعم المالي المخصص من قبل الكونغرس، والذي زاد من 400 مليون دولار إلى أكثر من 700 مليون دولار. وخلال المناقشات تم التطرق الى عدد من المحطات الإذاعية المسيرة بمخطط وتمويل أمريكي في كل من العراق وأفغانستان تحقيقا للأهداف الأمريكية. وفي ختام الجلسة، أكد الجميع على الدور الحيوي الذي يلعبه مجلس البث الدولي الأمريكي لتحقيق ودفع الأهداف والمصالح القومية الأمريكية، فالبث الدولي الأمريكي هو السلاح الأمريكي في العراق وأفغانستان كورقة رابحة. ما كشف عن مناقشات لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ليس سوى جزء من قمة جبل الجليد العائم، حيث أنه لم يتم التطرق الى ما يسميه العديد من الخبراء بأخطبوط الهيمنة الإعلامية الأمريكية الصهيونية أو ما يطلق عليه آلة غسل أو تضليل العقول، والتي تشمل السيطرة بإسلوب أو بآخر على كم ضخم من الصحف والإذاعات والتلفزات ليس في القارتين الأمريكيتين وحدهما، ولكن عبر الجزء الأكبر من دول المعمور، ولم يتم التطرق الى آلاف ملايين الدولارات التي يتم إنفاقها لشراء ذمم الصحفيين والمساعدة على صدور صحف ومجلات وكتب تساعد على تنفيذ المخططات الأمريكية وتحشد وراءها أحيانا كثيرة دعم جماهير مخدوعة ومضللة. الساسة الأمريكيون لا يزالون يغنون على اسطوانة إسمها أسطورة الحياد: في حين أنه ثبت أن غالبية اجهزتهم الإعلامية تتبع على نطاق واسع عمليات التضليل الإعلامي الذي يقتضى واقعا زائفا، هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا، إذ يجري تضليل الشعب بحياد مؤسساته، لكن الحقيقة غير ذلك، فمع مرور الأيام تعترف الصحافة وتنظيمات أخرى، إن العديد من التحقيقات والأخبار لا يتوخى فيها الإنصاف والموضوعية، لأن وسائل الإعلام جميعها وإن كانت تجارية فإنها في قبضة هؤلاء الذين يشكلون الجماعات التي تصنع القرار السياسي في البيت الأبيض وهي أساسا المركب العسكري الصناعي. الحرب النفسية الإعلامية الثالثة كتب ليستشكين وشيليبين في كتاب «الحرب النفسية الإعلامية الثالثة» الذي صدر في نهاية القرن الماضي باللغة الروسية. «بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في حرب المعلومات تمكنت الولاياتالمتحدةالأمريكية من بسط سيطرتها بشكل منفرد على العالم. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تمتلك مخزونا هائلا وخبرة كبيرة في حرب المعلومات، لديها أحدث الأسلحة الفتاكة والدقيقة، ولديها إمكانيات مالية ضخمة تسمح لها بضرب اقتصاد أية دولة بلا استثناء عمليا، مستخدمة هذه العوامل الثلاثة، تخوض الولاياتالمتحدةالأمريكية الصراع من اجل تحقيق سيادتها المطلقة على العالم». بعد انهيار الأتحاد السوفيتي حصل تحول في أولويات أجهزة الدعاية التابعة لواشنطن وأصبح المستهدف الأساسي خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويوركوواشنطن، الأقطار العربية التي لا تسير ضمن قطار التبعية لها. والملفت أن المعركة الإعلامية لم توفر حتى هؤلاء الذين يصنفون كأصدقاء لواشنطن، حيث أن المخططين وضعوهم في مرتبة الإهتمام الثانية لمجرد انهم لا ينفذون كل الأوامر الصادرة من البيت الأبيض ومراكز ضغطه وشركاته العالمية. حملة تضليل العقول ترافقت مع الأحداث المتتالية والمتسارعة التي تعصف بالمنطقة العربية التي يحرك خيوطها التحالف الصهيوأمريكي بنفسه، أو من خلال مندوبيه من دول الجوار لعالمنا الكبير، وكذلك عبر عملائهم المحليين وجماعات سياسية أو عرقية أو دينية تتلقى الدعم والتوجيه مباشرة من البيت الأبيض أو تتحرك كالكراكيز بخيوط لا ترى من يمسك بها وتتوهم أنها تخدم مصالح شعوبها وأقطارها. والإعلام يلعب بشتى أقسامه «المرئي والمسموع والمكتوب « الدور الأهم في هذه المعركة، من خلال نقله للأحداث بمواصفات وتفصيلات تتوافق مع الوسائل المتاحة والغايات المطلوبة للطرف الأقوى ماديا وتقنيا في المعادلة، والذي يحاول جاهدا أن يظهر سياساته العسكرية الجائرة، وتهديداته الوصائية اللامنطقية، وتدخلاته الحظرية التأديبية، بمظهر المحرر المضحي من دافع المصلحة العالمية العامة. الإعلام والمؤسسة العسكرية يكشف كتاب «الإعلام والمؤسسة العسكرية» الذي أصدره بيتر يونغ، وبيتر جيسر، وتضمن خلاصة ما توصل اليه باحثون وخبراء أمريكيون رصدوا فيه بدأب وإحصاء دقيق ووقائع محددة عملية الهيمنة التي تمارسها المؤسسة العسكرية الأمريكية بأذرعها المختلفة، الاستخبارية والأمنية بشكل خاص، على وسائل الإعلام، سواء داخل الولاياتالمتحدة أو المناطق الأخرى خاصة التي تملك فيها نفوذا جيدا، إذ يؤكد هؤلاء الخبراء على أن حرب فيتنام كانت فاصلة في هذه المسألة، لأن المؤسسة العسكرية اعتبرت أن سبب الهزيمة في فيتنام كان بسبب الانفلات المطلق للإعلام الأمريكي وتأثيره السلبي على الرأي العام الأمريكي والعالمي، ومن يومها بدأ شحذ وتكثيف الأفكار والبرامج لوضع آليات احتواء النشاط الإعلامي أوقات الحروب والمواجهات والصدامات السياسية. الكتاب يكشف أن الصلة بين المؤسسة العسكرية وأذرعها الأمنية والاستخبارية الغربية، أكبر مما نتصور في السيطرة على توجهات الإعلام ليس في الغرب وحده بل في مناطق شاسعة أخرى من العالم، وتتمحور هذه الآليات حول ثلاثة محاور أساسية: أولها: وأهمها هو تبادل المنفعة بين رغبات المؤسسات الإعلامية في التغطية الحية والسريعة وجذب الجمهور، وبين تلبية رغبات المؤسسة العسكرية ومشروعاتها في نشر ما تريد أن تنشره سواء كانت تقارير ميدانية أو صور أو تغطيات إخبارية بأي شكل. والمحور الثاني: هو التمويل المباشر لبعض الأنشطة الإعلامية من خلال أفراد أو من خلال جهات الإدارة مباشرة. المحور الثالث: هو محور الردع والعقاب المهني لمن يحاول اختراق هذه الهيمنة، ويشير المؤلفون إلى واقعة إهانة بعض الصحفيين الأمريكيين الذين حاولوا الوصول إلى الواقع الميداني في كوبا أثناء أزمة خليج الخنازير، حيث تم اعتقال بعضهم بداعي الاشتباه في تأييدهم الشيوعيوة، ووقوفهم عرايا أمام لجان تحقيق، ويتتبع الكتاب نماذج عديدة من الحروب الحديثة مثل: حرب فيتنام، وحرب الفوكلاند، وحرب العراق الأخيرة وغيرها. الإمبريالية الاتصالية تحدث باحث السلام النرويجي البروفيسور يوهان غالتونغ جوهان غالتونغ عام 1971 عن نظرية الإمبريالية الاتصالية فيقول: تعتمد هذه النظرية على المقولات الرئيسية لمدرسة التبعية، وهو يرى أن العالم منقسم إلى دول مركز قوية وغنية، ودول أطراف ضعيفة وتابعة. لكن بداخل دول المركز والأطراف على حد سواء نخب مهيمنة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا مقابل جماهير أقل نموا وتطورا تمثل دور الأطراف أو الهوامش. ويوجد تنسيق في المصالح بين المراكز أو النخب في دول المركز والأطراف، بينما تختلف مصالح الأطراف (الجماهير) في دول المركز والأطراف. وأشار غالتنغ إلى أن التدفق الاتصالي يجري من المركز إلى الأطراف، وليس العكس، في الوقت نفسه يقل التدفق والتفاعل بين دول الأطراف، وأكد غالتنغ أن هذه المظاهر تعبر عن إمبريالية اتصالية أو إعلامية هي أحد جوانب ظواهر الإمبريالية، التي تشمل الإمبريالية الاقتصادية، والإمبريالية السياسية، والإمبريالية العسكرية، والإمبريالية الثقافية، والامبريالية الاتصالية. وأوضح غالتنغ أن ظاهرة الإمبريالية أي الاستعمار، مرت بثلاث مراحل، الأولى: مرحلة الاستعمار العسكري المباشر، والثانية: مرحلة الاستعمار الجديد التي تقوم على منح الدول المستعمَرة (بفتح العين) الاستقلال مع إيجاد آليات ومصالح النخب في دول المركز مع النخب في دول الهامش (الأطراف)، أما المرحلة الثالثة فهي أكثر أشكال الاستعمار جدة أو ما يطلق عليه الاستعمار الجديد - الجديد. وستشهد هذه المرحلة توحيدا ودمجا بين النخب المسيطرة في المركز والهامش (الأطراف) من خلال سرعة الاتصالات الدولية. من هنا يمنح غالتنغ وزنا كبيرا في نظريته لوسائل الاتصال الدولية. ويؤكد أن السيطرة على وسائل الاتصال الدولية هي نمط مميز من الإمبريالية، لأنها تتيح للنخب في المركز والأطراف (الهامش) سرعة الاتصال وتنسيق المصالح لمواصلة ودعم كل أشكال الإمبريالية. كذا تكشف لنا نظرية غالتنغ عن جانب من أسباب حرص الدول الصناعية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات على الهيمنة على بيئة الاتصال الدولي وعلى وسائل الاتصال الدولية. تراجع السيادة والثقافية الوطنية يشير المنظرون في مجال العولمة والإعلام إلى أن من معطيات العولمة، حالة التراجع الملحوظة في السيادة والثقافية الوطنية. ذلك أن تقنية الاتصال المعاصرة تسمح للفرد بالانفتاح على مجالات إعلامية وثقافية متعددة من دون أن يعي أهدافها التي قد تكون في غير صالح وطنه وشعبه. هذا الانفتاح وما يقابله من تدفق معلوماتي مقصود تجاه المشاهد المستقبل لابد أن يؤثر إلى الدرجة التي يمكن معها أن يرتبط المستقبل برصيد معرفي مشترك مع المصدر «الآخر» القوي، الذي قد يؤثر في سلوكه وتفكيره أكثر من ذلك المتعلق بهويته الأصلية. لقد تم تحويل مشروع «العولمة» كما حلم بها المستضعفون إلى «العولمة» كما يريدها الأقوياء وكما يمارسونها على أرض الواقع. وبذلك أضحى العنف المادي والرمزي مضاعفا، وأصبحت الهيمنة أكثر شراسة إذ لم تعد الهيمنة تقتصر على التأثير والضغط على مراكز القرار السياسي في الدول الصغرى بل تعدته إلى الهيمنة على أفراد تلك الدول مجتمعين أومنفردين، مستفيدة من امتلاكها لوسائل الإنتاج الجديدة في الثورة الإنسانية الجديدة وسائل الإعلام والإتصال. في أواخر الثمانينيات طرح الباحثان «سنغهام وهون» نظرية الهيمنة الثقافية: واعتمدا فيها على مفهوم المفكر الإيطالي «غرامشي» للهيمنة على المجتمع بطرق وأساليب غير عنيفة، أهمها التعليم والإعلام. وأشار الباحثان إلى أن الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدة تهيمن على النظام الاتصالي العالمي وترفض أي محاولة لتعديله أو إصلاحه، لأنه يضر بمصالحها ومصالح الدول الرأسمالية المسيطرة على العالم. وميز «سنغهام وهون» بين أنواع مختلفة من الهيمنة هي: الهيمنة النووية، والهيمنة السياسية، والهيمنة الاقتصادية، والهيمنة الثقافية. وأوضحا أن الهيمنة الثقافية تتطلب وتتضمن بالضرورة هيمنة اتصالية وإعلامية، وأكدا أن الهيمنة على الاتصال والإعلام الدولي تدعم أشكال الهيمنة الأخرى من خلال نشر نماذج النمو الرأسمالي، والترويج لأنماط من السلوك والاستهلاك التي تدعم من هيمنة الدول الصناعية المتقدمة أو دول المركز الرأسمالي. كذلك فإن الهيمنة على الاتصال والإعلام تمكن من الهيمنة السياسية على النظام الدولي. وعلى سبيل المثال يشير الباحثان إلى تأييد الإعلام الغربي للحكومات المتحالفة مع الدول الغربية، وهجومه بل وتشويهه للحكومات المعارضة للسيطرة الغربية. وكذلك قيام وسائل الإعلام الغربية بتعريف العناصر والقوى التي تقاتل من أجل تحرير بلادها بالعناصر الإرهابية، ما دامت هذه القوى لا تتفق والمصالح الغربية. في الوقت ذاته فإن الإعلام الغربي يطلق على عناصر وقوى تقاتل في أماكن أخرى من العالم تعبير المدافعين عن الحرية، ما دامت مصالحهم تتفق مع الغرب. ويشار هنا الى مدى التأييد الإعلامي للحركات الإنفصالية في العديد من الدول العربية والإسلامية. غزو من نوع جديد يذكر «جوزيف ناي» وهو مسؤول سابق في البنتاغون وعميد معهد كينيدي في جامعة هارفار في مقال كتبه بالإشتراك مع «وليم جونز» ونشرته مجلة «الشؤون الخارجية» في عدد أبريل من عام 1996 كيف أنه سيكون من السهل على أمريكا أن تسيطر سياسيا على العالم في المستقبل القريب، وذلك بفضل قدرتها التي لا تضاهي في إدماج النظم الإعلامية المعقدة، ويبين شارحا وجهة النظر الأمريكية هذه إلى أي مدى تأثرت مفاهيم السيادة القومية تحت وطأة الاختراق الإعلامي عبر شبكات التلفزة الفضائية والإنترنت وغيرها، حيث لم يعد بإمكان الدول ذات السيادة التقليدية أن تحجب عن فضاءاتها الغزو الثقافي والإعلامي، الأمر الذي كانت توفره إجراءات سيادية تقليدية من مثل إغلاق بوابات الحدود الجغرافية في وجه عمليات الغزو الآتية من الخارج. وقد وصف عدد من الخبراء الإنكليز هذه الظاهرة العالمية ب القوة الناعمة التي تستطيع أن تحقق غاياتها الاستعمارية على نطاق واسع من دون أن تخلق ردات الفعل الكلاسيكية الثورية من جانب الشعوب التي تتعرض كرامتها القومية والدينية للمهانة وسيادتها للانتهاك وأرضها للاحتلال. الإعلام وقبله كانت الثقافة دائما قوة ناعمة أو سلطة ناعمة تسبق السلطة المادية وتمهد الطريق لها. حدث ذلك مع بعثات التبشير بالديانة المسيحية تمهيدا للاستعمار الأوروبي التقليدي في القرون الماضية. ونفس الدورة تتكرر الآن فقط على مستوى أعلى وبأدوات أنجع وفي أوقات قياسية لكن الهدف واحد وهو: استباحة الآخر وامتلاكه وإكراهه على الإذعان والرضوخ. آلة رهيبة للترديد خلال القرن العشرين وشيئا فشيئا، حولت الحرب «الإعلامية» التي تتحكم في مقاليدها الولاياتالمتحدة وحلفاءها الأكاذيب الى واقع، والواقع الى أكاذيب، وأصبح ربح المهيمنين الجدد للحرب الإعلامية، كارثة ونكسة خاصة فيما يخص دعوة قوى التحرر للشعوب إلى حمل السلاح من أجل التخلص من الإحتلال والإستعمار الجديد. والموجهون والمخططون في الولاياتالمتحدة خاصة والدول الغربية عامة اذا لم يستطيعو شراء ذمم بعض الصحفيين أو مؤسساتهم تمكنوا عن طريق معاهد أبحاثهم من إيجاد الطرق والكيفية التي يتمكنون عبرها من جني أفضل النتائج عبر الانفعالات الطبيعية لدى الصحفيين ومن المسائل التجارية والتسويقية للصحافة. المفكر الأمريكي هربرت شيلر وفي كتابه الصادر بعنوان «الاتصال والهيمنة الثقافية» يركز على البعد الثقافي لعملية الهيمنة، آخذا في الاعتبار الأبعاد السياسية والاقتصادية الأخرى، ويوجه نقدا قويا للأوضاع الإعلامية والثقافية على المستوى الدولي التي تدعمها الولاياتالمتحدةالأمريكية بما لها من نفوذ قوي تسعى من خلاله إلى السيطرة الثقافية والهيمنة الإعلامية بهدف إحداث نوع من التبعية الفكرية لها بحيث يصبح النموذج الأمريكي مصدر المعرفة الذي يسعى المثقفون من أبناء الدول النامية إلى تقليده وتبني أفكاره ورؤاه دون وعي لما يمثله هذا النموذج من خطر داهم من حاضر بلادهم ومستقبلها. ويطرح الكتاب قضيةَ الهيمنة الثقافية من حيث منابعها وسياقها وأساليبها، حيث يؤكد الدور الأمريكي في هذه الهيمنة من خلال وكالة التنمية الدولية والشركات متعددة الجنسية التي تعمل على تقديم الأموال والخبرات اللازمة لدعم البحوث والمراكز العلمية والتعليمية في بلدان العالم الثالث، والتي تخدم في النهاية الأغراض الأمريكية وتحقق لها أكبر قدرٍ من المصالح والمكاسب، وذلك من خلال خلق أطر علمية من أبناء هذه البلدان يكون ولاؤهم للولايات المتحدة أكثر من ولائهم لبلادهم، وربط النظام التعليمي في هذه البلدان بالنظام المتبع في الولاياتالمتحدة وسحق المفكرين والقادة الوطنيين في الدول النامية الذين يسعون إلى الخروج من دوائر الهيمنة الأمريكية لما يمثلونه من «خطر» على المصالح الغربية في تلك الدول. اتهامات ويشير المؤلف إلى أن هناك قاسما مشتركا للحملات الإعلامية التي يتم توجيهها ضد الأنظمة السياسية التي لا تقدم الولاء والطاعة للنظام الأمريكي، والتي تجتهد للخروج من دائرة الهيمنة بكافة أشكالها، وبالتالي فإنه يتم تشويه صورة هذه الأنظمة بتوجيه سلسلة من الاتهامات إليها، ومن بين ذلك: - أنها أنظمة غير ديمقراطية. - أنها تنتهك حقوق الإنسان. - أنها تظلم الأقليات وتحرمها من المشاركة في الحكم أو تهمشها اقتصاديا وثقافيا. - أنها تنهب ثروات شعوبها وتوزعها على حكامها وأقلية محظوظة، وتترك غالبية الشعب لينهشه الفقر والجوع والمرض. - أنها تنتهك حرية الرأي ولا تسمح لوسائل الإعلام بالتطرق الى ما تريد من مواضيع. - أنها تشجع الإرهاب. - أنها تهدد السلام الدولي بترسانتها العسكرية وسعيها إلى السلاح النووي. ويؤكد المؤلف أن الإعلام الأمريكي هو الذي يصنع مثل هذه المقولات ويروج لها ويلصقها بالمعارضين للهيمنة الأمريكية، بالإضافة إلى أنه يملك من قوة الضغط السياسي والاقتصادي والإعلامي ما يمكنه من العمل على محاولة ترسيخ هذه المفاهيم لدى الكثير من حكومات وشعوب العالم، وبذلك تقوم مثل هذه الحروب الإعلامية بالتمهيد والتعبئة للرأي العام العالمي لما يمكن اتخاذه من إجراءات عسكرية ضد هذا النظام أو ذاك. ويوضح المؤلف كذلك الدور الذي تلعبه وكالات الأنباء العالمية والشركات متعددة الجنسية ووكالات الإعلان الأمريكية في بسط هذه الهيمنة على الدول النامية، سواء أكانت في المجال التكنولوجي المرتبط بأجهزة الإعلام أم في المجال الثقافي والإعلامي أو الأكاديمي، حيث توجيه البحوث الإعلامية الوجهة التي تخدم الأغراض الأمريكية بدلا من التوجه إلى الدراسات النقدية التي تكشف الهيمنة الأمريكية في تلك المجالات. وفي هذا الكتاب تلتقي أفكار شيلر مع العديد من الكتاب في الشرق والغرب الذين كشفوا في كتاباتهم عن مخاطر محاولة دول الشمال الكبرى للهيمنة على دول الجنوب عبر إمكاناتها التكنولوجية والإعلامية. طابور إعلامي خامس تقرير من مراكز الرصد الألمانية تسربت بعض محتوياته الى الصحف بداية سنة 2009، ذكر أن الولاياتالمتحدة وخاصة عبر مراكز الأبحاث ووكالات توصف بالمستقلة داخلها وخارجها وجمعيات مهاجرين ذات اتجاهات معلنة ثقافية أو دينية أو عرقية، وشركات متعددة الجنسية، تقوم بحملات مكثفة ومتواصلة لإقامة إعلام موالي. وقد خصصت لهذا المشروع المتجدد ملايير الدولارات، وبتمويل مباشر أو غير مباشر من الحكومة الأمريكية ووكالاتها الإستخبارية، وشركات المركب الصناعي العسكري ووكالات صهيونية تم ويتم إنشاء صحف ومجلات ومحطات تلفزية وإذاعية جديدة في العديد من دول العالم مستفيدين من عملية الدمقرطة والإنفتاح بهذه الدول. وسائل الإعلام هذه اهدافها متعددة من بينها الدعاية للمقولات الأمريكية وتمريها الى مواطنيها أو التحريض في دول معينة على نظريات ومقولات تخدم أهداف الإنفصال والتشرذم داخل الأمة الواحدة وتخلق البلبلة وتشكك في سياسات حكومتها كلما أظهرت خروجا على الطوع الأمريكي. كما دفعت وسائل الإعلام المحدثة أو التي سقطت تحت طوق الطاعة الى إغراق مواطنيها في معارك هامشية بعيدا عن القضايا الأساسية والمصيرية، وذلك في ظل شعارات براقة وإدعاءات بالحرص على مصالح وهوية الأمة. وثمة ممارسة لغوية تشكل قاعدة ونظرة مشتركين بين الإعلام الصهيوأمريكي وذلك الذي يمكن أن يوصف بالمأجور، ألا وهي المشاركة في الطرق التي يعتمدها فرسان العولمة الأمريكيون في توظيف المفردات المستمدة من العلوم الاجتماعية كحقوق الإنسان والسوق الحرة والتعددية الثقافية، فهذه المفردات توفر العبارات التي تساهم في ترسيخ مرجعية جملة هذه البرامج الكوكبية وإضفاء الصفة الشرعية على أغراضها الخاصة._ مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تجمع زخم من الدعاية المناهصة للعمليات الإستشهادية في فلسطين، حيث وصفت بأنها فعل إرهابي وإجرامي، لأنها تسقط ضحايا من المدنيين العزل، وبدون الخوض في نقاش حول مفهوم العزل في فلسطينالمحتلة نسى محركو هذه الحملة أن جزء هاما من مسببات نصر الحلفاء على المانيا واليابان كانت في قدرتهم على إلحاق أكبر الخسائر بالمدنيين العزل. قبل 12 أسبوعا من استسلام قوات الدفاع الألمانية (فيرماخت) ورغم أن الحرب العالمية الثانية كانت على وشك أن تضع أوزارها وأصبحت هزيمة النازيين مسلما بها. شن الطيران الملكي البريطانية وطيران الجيش الأمريكي بين 13 و 15 فبراير 1945 غارات أثارت حتى جدلا داخل الدول المنتصرة بسبب ما وصف حينها بالعنف المفرط الذي استخدم فيها ضد المدنيين دون مبرر وإعتبرها الكثير من المؤرخين جرائم حرب. فقد شاركت 1300 مقنبلة ثقيلة في قصف المدينة التي لم تكن تملك أي منشأة عسكرية تستحق الذكر، وألقت في المجمل أكثر من 3900 طن من المواد شديدة الانفجار والأجهزة الحارقة في أربع غارات، مدمرة مساحة نحو 34 كيلومتر مربع من المدينة، والتي هي بمثابة العاصمة الباروكية لولاية ساكسونيا الألمانية. كما تسبب القصف في عاصفة نارية التهمت مركز المدينة. تفاوتت تقديرات أعداد الضحايا المدنيين ومايزال الجدل محتدما بهذا الخصوص. غير أن أرقاما موثوقا بها تتحدث عن 300000 قتيل. وتشير العديد من التقديرات إلى أن عدد ضحايا ذلك القصف من المدنيين هو الأكبر من نوعه في كل الحرب العالمية الثانية متجاوزا حتى عدد الضحايا المدنيين للقنبلة النووية على هيروشيما ونكازاكي. زيادة على ما سبق، فخلال حرب الخليج الثانية وغزو أفغانستان سنة 2001 ثم غزو العراق سنة 2003 والحروب المستمرة في هذين البلدين والصومال وغيرها قتل الأمريكيون وحلفاؤهم مئات آلاف المدنيين العزل ولم يتحدث أحد في إعلامهم المهيمن سوى عن أخطاء مؤسفة وأضرار جانبية تحتمها ضروريات ساحة الحرب. المهم أنهم عبر وسائل إعلامهم وعملائهم نجحوا في أن يفرضوا على الفلسطينيين وعبر مؤسساتهم تحت أي تسمية وضعت، على وقف العمليات الإستشهادية التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت تصدم إسرائيل وتدفع آلاف المستوطنين الى الهجرة بعيدا عن «أرض الميعاد». خطر الداخل خطر عملاء الداخل أكبر من خطر الأعداء المعلنين ذلك أنه من الممكن التشكيك في معلومات مدسوسة مصادرها أجنبية ولكن الأمر يختلف عندما يكون المدافع عن هذه المعلومة أو القضية صحيفة أو شخص يصف نفسه بالمستقل الذي يعمل بعيدا عن تأثير القوى السياسية التقليدية. عندما تعذر على القوى الإستعمارية المهيمنة أن تروض في الأمة العربية التي تمتد من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي، القوى الوطنية الحقيقية التي قادت معارك الإستقلال والتحرر والمطالبة بالوحدة ورفض الأفكار المستوردة أو السقوط في لعبة تصارع القوى الإقليمية التي تحركها قوى خارجية، لجأت إلى تشجيع صنع القوى التي تقوم على أسس عرقية ذات نظريات شوفينية، أو منابع دينية وكأنها وريثة الله على أرضه وساهرة على انعتاق الأمة وهي تدري أو لا تدري أنها تنفذ مخططات قوى إقليمية ترعرعت تحت ثياب الدين وهي في الواقع لا تريد سوى فرض هيمنتها. ومن آخر مظاهر هذه المواجهات الحرب ضد الحوثيين في اليمن والسعودية. الإعلام العميل أو المأجور أو المخدوع، هو الساحة التي تغذيها مؤسسات تصدير المعلومات، الفرق بينها وتلك التي تعتبر منبرا وطنيا حقيقيا أن الأخيرة لا تقبل المعلومة دون تفحص وبحث وتحقق عن الأهداف الحقيقية من خلفها. يقول أنصار السلام في العالم: يبلغ عدد الشركات التي تسيطر على قطاع الاتصال المعلوماتي والترفيهي في العالم 24 شركة وهي (رويتزر الاسوشيتدبرس اليونايتدبريس وكالة الأنباء الفرنسية واتارتاس الروسية). هذه المؤسسات ومن خلال توزيعها حوالي 32 مليون كلمة في اليوم إضافة للصور والمواد المتلفزة المصورة تعتبر أهم ممر لموجهي الأعلام المخصص لتحوير الحقائق ولإثارة القلائل وتوجيه الصراعات الى قضايا هامشية، حيث أنه مثلا بين كل عشرة أخبار دقيقة يمكن دس خبر يراد به الحاق الضرر بمعارضي الإمبراطورية العالمية الجديدة. لقد صار التدفق الإخباري والإعلامي تبادلا رأسيا لا يراعي متطلبات التبادل الأفقي بين كل دول العالم، وهو تدفق إعلامي باتجاه واحد ووجهة نظرة واحدة تعبر عن رأي القوى المسيطرة فقط._ رشى البنتاغون كشفت صحيفة «لوس انجلس تايمز» الامريكية في تقرير لها بقلم «مارك مازيتي» و»بوزو داراغا» يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2005 عن فضيحة جديدة لادارة الاحتلال الامريكية في العراق. مفادها أن القوات الامريكية تقوم بتقديم رشى لبعض الصحف العراقية لنشر تقارير يكتبها ضباط وحدة العمليات الاعلامية في وزارة الدفاع الامريكية وهي احدى الكتائب العسكرية الامريكية المتخصصة بالدعاية والتضليل الاعلامي، وتتضمن هذه التقارير التي تنشر على انها من اعداد صحفيين عراقيين الثناء على الاحتلال الامريكي للعراق، والترويج والدعاية والدفاع عن أعمال الجنود الأمريكان ووصفهم بالمحررين، وذلك من أجل تبييض صورة أمريكا أمام الرأي العام العربي خاصة والعالمي عامة. وتتم ترجمة المقالات التي يعدها مركز معلومات العمليات التابع للجيش الامريكي للعربية وتنشر في صحف بغداد، ويتم هذا عبر مساعدة يقدمها وسيط متعهد في الأمور الأمنية. وتحتوي المقالات والتقارير علي شجب للمقاومة ونعتها بالارهاب وثناء علي الجهود الامريكية لبناء العراق ووصف للجهود العسكرية في التصدي للمقاتلين. وكشفت صحيفة «لوس انجليس تايمز» عن حجم العملية التي بدأت عام 2005 من خلال تقارير ومقابلات مع مسؤولين امريكيين، حيث دفعت مبالغ ضخمة للصحف العراقية لكي تنشر مقالات تحت عناوين مثل «العراقيون مصمون علي العيش برغم انف الارهاب». ومن اجل التعمية علي العملية، قام الجيش باستئجار شركة تعهدات علاقات عامة اسمها لينكولن غروب مقرها في واشنطن تقوم بترجمة المقالات ووضعها في الصحف العراقية. ويقوم موظفو الشركة العراقيون بالتظاهر بأنهم كتاب صحافيون يتعاملون بالقطعة أو أنهم مدراء شركات إعلانات عندما يقومون بنقل المقالات إلى دور الصحف. المتحدث بإسم البيت الأبيض في ذلك الحين سكوت ماكليلن سارع كالعادة إلى الإعراب عن «قلق البيت الأبيض من قيام الجيش الأمريكي بنشر تقارير في الصحف العراقية تظهر تلك القوات بصورة جيدة. وقال «سنعمل على التحقق من هذا الأمر مع البنتاغون». وقال ماكليلن «نحن قلقون للغاية بشأن تلك التقارير».