ينظر مليون ونصف المليون ناخب مغربي الذين منحوا أصواتهم لحزب "العدالة والتنمية" بالكثير من الترقب إلى ما ستسفر عنه مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، في الوقت الذي ينظر فيه الناخبون الذين منحوا ثقتهم للأحزاب الأخرى بنوع من الريبة للمدى الذي يمكن أن تبلغه الطموحات الإصلاحية لرئيس الحكومة المكلف السيد عبد الإله بنكيران. ومع هذا الشعور المركب، بدأنا نتفهم الإحساس المزدوج الذي ينتاب السيد بنكيران بعد تجاوزه بنجاح للمرحلة الأصعب من المشاورات مع حلفاء متمرسين يقدرون، من دون شك، المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تجسيد روح ميثاق الغالبية، الذي وقعوا عليه يوم الجمعة "المقدسة" الموافقة ل16 دجنبر الماضي، ليُؤطر عمل الفريق الجديد وفق رؤية تعاقدية تحترم ثوابت الأمة ومقتضيات الدستور الجديد. وإذا كان حزب رئيس الحكومة قد رفع شعار مكافحة الفساد والاستبداد أمام ناخبيه المتحمسين لرؤية أولى بوادر الإصلاح تبدأ من اختيار التركيبة البشرية للحكومة الجديدة، فإن ذلك يشكل في حد ذاته تحديا كبيرا يعزز من فرص نجاحها في تجسيد تعهداتها الطموحة بإصلاح القضاء والاهتمام بالتعليم والصحة والعمل والسكن قبل مباشرة الملفات الإستراتيجية الكبرى. الحكمة التي قادت صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى مباشرة الإصلاحات التي طلبها شباب حركة 20 فبراير وقبلهم الأحزاب السياسية الوطنية، هو نفس المنطق الذي يُمكن أن يُلهم السيد رئيس الحكومة وحلفاءه لمباشرة معالجة الملفات التي ترتبط، على الخصوص، بمسار تنمية البلاد وترسيخ وحدتها الوطنية والترابية وتعزيز انفتاحها على محيطها الجهوي والإقليمي والدولي. ولا شك أن رفض برلمان الاتحاد الأوروبي تمديد البروتوكول السنوي لاتفاقية الصيد البحري مع المملكة المغربية وإصرار جبهة البوليساريو، عقد مؤتمرها الثالث عشر، مرة أخرى، في صحراء "تفاريتي" وهي أقرب نقطة بالمنطقة العازلة، إلى الحدود الشرقية للمغرب يحملان في طياتهما بعض الرسائل، غير المطمئنة، للحكومة المغربية قيد التشكيل. وبالعودة إلى لغة الأرقام التي تتأسس عليها الممارسة الديمقراطية، فإننا لا بد أن نتعايش مع المنطق الذي سمح لزُهاء 326 نائبا أوروبيا بتوجيه الرأي نحو وقف اتفاقية الصيد، بنفس القدر، الذي يسمح فيه لحوالي 2000 مؤتمرا، حضروا مؤتمر البوليساريو، لتكريس وضع غير مقبول يرهن مستقبل أجيال بكاملها، ما تزال تُعاني، في شمال المغرب وفي جنوبه، من النزاع الصحراوي. ويُدرك المغاربة أن ملايين "الأوروهات"، التي تتحسر إسبانيا وبلدان أوروبية أخرى على إضاعتها في فترة توقف أسطولها عن العبث بثروات المياه الإقليمية للبلاد، لا تشكل شيئا، أمام خسارة المغرب لنقطتين، على الأقل، سنويا، في مؤشر تنميته الاقتصادية، جراء استمرار النزاع في الصحراء، تُضاف إلى نقطتين ضائعتين نتيجة فشل الدول المغاربية في إقامة مشروع الاتحاد المنتظر. وفي فترة المراوحة، يعيش الصحراويون المغاربة والمغاربة الصحراويون، على حد سواء، حكاية ألم ومُعاناة ما تزال مستمرة منذ زهاء 40 سنة، جُربت خلالها كل الخطط العسكرية والنظريات الثورية وتعددت المحاولات لتقريب وجهات النظر بين الأطراف من دون أن تفضي إلى حلحلة المشكل، اللهم ما سُجل من نجاح مُقدر للمغرب في "حيازة الأرض، من دون أن يتمكن من الظفر بقلوب البشر". وحري بالحكومة المغربية الجديدة، التي لا يتوقع منها أحد طرح ملف سبتة ومليلية أمام اللجنة الأممية الرابعة لمكافحة الاستعمار، أن تعيد تصفح أوراق الملف الصحراوي، للوقوف على ما تحبل به من ثغرات تُضعف من موقف أصحاب الإرادات الحسنة في الجانبين، لإيجاد حل يلبي حاجة سكان المنطقة المتزايدة إلى الاستقرار والأمن، في ظل التحولات المشهودة التي تعيشها منطقة الساحل والصحراء. ولا يخفى على نباهة المهتمين أن كلفة النزاع، المادية والبشرية، باتت تطرح المزيد من التحديات على بلدان المنطقة والقوى الإقليمية والدولية الشريكة في مكافحة الإرهاب، بعد نجاح بعض رجال تنظيم القاعدة في الإغارة على مخيم اللاجئين الصحراويين في "الرابوني"، على التراب الجزائري، في شهر نوفمبر الماضي واختطاف ناشطيْن إسبانييْن وإيطالي. وما يهم الصحراويين، الذين منحوا أصواتهم بكثافة لأول مرة لحزب "العدالة والتنمية"، الذي أصبح ممثلا بثمانية نواب، من بينهم ثلاث نائبات منحدرات من الصحراء، هو أن يتأكدوا من أن حكومتهم الرشيدة ستكون على بينة مما يستحقون من اعتبار لقدرهم ووفائهم وعزيمتهم الراسخة على الاستمرار في البناء، بنفس القدر من الاهتمام، الذي ستوليه للمناطق الأخرى الأكثر تهميشا. إن من يختزل ملف الصحراء في ما يبديه بعضنا من ولاء لقيم الوحدة مع المغرب أو لمبادئ الوفاء للجزائر التي أحسنت وفادة البعض الآخر على أرضها، لا يمكن أن يقدم تقييما موضوعيا لهذا الملف المثقل بالأخطاء والمثخن بالجراح والمآسي التي تؤدي ضريبتها العائلات المكلومة والأجيال الضائعة من الجانبين. وقد تابعنا في فترة احتدام احتجاجات "اكديم إزيك"، التي نشبت في شهر نوفمبر 2010، كيف نجحت بعض وسائل الإعلام المغربية في إذكاء نعرة التمييز بين مواطني الأقاليم الصحراوية، بين سكان أصليين وسكان وافدين، بأوصاف ومسميات تزيد من إشعال فتيل الفتنة وتكرس عدم الاستقرار.ويجب الاعتراف بأن التحولات المتسارعة التي تشهدها قضية الصحراء، ستضع مشروع الجهوية الموسعة على المحك، باعتباره من الأوراش المؤسِّسة، التي ستتأثر، على الأرجح، بمستوى انخراط الساكنة المحلية في إنجاح هذا الرهان الجديد، في أفق إعمال مبادرة الحكم الذاتي، التي طرحها المغرب على طاولة مفاوضاته مع البوليساريو برعاية الأممالمتحدة. وما زلنا نؤكد على أنه لم يبلغ الضيق ببعض الصحراويين مبلغا ليعلنوا فيه عن موقف من الوحدة والانتماء للوطن، إلا بعد لأي وبعد انسداد الأفق نتيجة تراكمات يعرفها القائمون على شأن الصحراء ويقدرون، من دون شك، عواقبها، التي قد ترهن مستقبل الثقة التي يتعين تكريسها في مستقبل ينعم فيه الجميع بالهدوء والاستقرار. ولذلك فإنه سيكون من الحكمة أن ينصرف القائمون على الشأن العام في المغرب الجديد إلى توظيف الحكمة في التعاطي مع ملف شائك، يتعين أن نستحضر امتداداته الأممية في تكريس العدالة المطلوبة والتعامل مع عناصره المتشعبة بالواقعية الممكنة والنظر في تجسيد مفهوم التنمية المندمجة التي تجعل الإنسان في صلب المشاريع، التي يتعين أن تراعي الخصوصية المحلية للمدن الصحراوية ولسكانها.