لقد كان الوزاني سباقا إلى طرح المسألة الديموقراطية منذ فترة الحماية بحيث ظل يربط دائما بين "المعركة السياسية من أجل الديموقراطية الشورى، بالمعركة من أجل الاستقلال". فقبل أن ينال المغرب استقلاله كتب الوزاني بأن "الاستقلال لا يمكن أن يكون حقيقيا ولا في صالح الأمة جمعاء إلا إذا قام على أساس الشورى والديموقراطية الحديثة، وذلك في دائرة ملكية قوامها الدستور وفصل السلطات العامة والحريات الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية وغير هذا مما تنص عليه جميع الدساتير العصرية في الأمم الراقية: فبهذا وبهذا وحده يكون الاستقلال في صالح الشعب والوطن". فالاستقلال في نظره لا ينفصل عن الديموقراطية "لأن التحرر من السيطرة الخارجية يجب أن يصحبه التحرر من كل استبداد سياسي في الداخل"( كان محمد حسن الوزاني يتوجس خيفة من هيمنة بعض القوى السياسية البارزة في تلك الفترة وهي : قوة حزب الاستقلال وقوة المؤسسة الملكية). وظل الوزاني طيلة مساره السياسي يفتخر بمذكرة 23 شتنبر 1947 التي تقدم بها حزب الشورى والاستقلال إلى الحكومة الفرنسية والتي اشتملت على بعض المضامين المتقدمة من الناحية السياسية والدستورية في تلك الفترة، ومنها "المطالبة بوضع دستور للبلاد يصون ما للعرش من حقوق تاريخية ثابتة ويعيد للدولة سيادتها وللشعب حريته وحقوقه، فيجدد أداة الحكم، ويبث روح الشورى في الأمة". وإذا كانت مرحلة المنفى قد شكلت بالنسبة للوزاني فرصة مناسبة "للتنظير" السياسي والتفكير في وضع الأسس العامة التي ينبغي أن تستند عليها دولة الاستقلال، فإن هذه المرحلة وما بعدها (الاستقلال)، لم تخل من التدقيق في الاختيارات النظرية الكبرى، وطرح المسألة الدستورية بكل وضوح وجرأة، بما تعنيه هذه القضية من نقاش حول: السلطة التأسيسية وحول مسؤولية الحاكم وحول العلاقات بين السلط إلى غير ذلك من الأفكار التي اقتبسها الوزاني من مباحث الفكر الدستوري متأثرا في ذلك بمصادر تكوينه الليبرالية. فقد تناولت مذكرة 23 شتنبر 1947، قضية السلطة التأسيسية التي ينبغي أن توكل إليها مسألة وضع الدستور، وعبرت عليها بالصيغة التالية: "..أن يعهد إلى مجلس وطني يمثل الرأي العام المغربي بوضع دستور يصبح -في دائرة ملكية ديموقراطية- القانون الذاتي، والنظام الأساسي لمغرب الغد المتمتع بحريته واستقلاله". فقبل حوالي ثمان سنوات من إعلان استقلال المغرب، كان الوزاني يرى بأن الجهة المخولة بوضع الدستور هي "مجلس وطني يمثل الرأي العام المغربي"،ولا توضح المذكرة في تلك الفترة الكيفية التي سيشكل بها "المجلس الوطني" هل بالانتخاب أم بالتعيين؟ وما هي أبعاد ومحددات هذه التمثيلية؟ وعلى أي أساس ستتم؟ و"ماهو المقصود بالرأي العام؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المسطرية التي ظلت معلقة في البداية. ويبدو بأن هذا الغموض راجع إلى طبيعة المرحلة التي كان يراهن فيها الوزاني على تثبيت مبدأ الإعداد الجماعي الديموقراطي للدستور فقط، دون الغوص في التفاصيل وقطع الطريق منذ البداية على أي محاولة للاستفراد بالسلطة التأسيسية من طرف جهة واحدة.