يترقب المغرب خلال الأسابيع المقبلة صدور تقريرين هامين حول الاتجار في البشر، الأول للأمم المتحدة، والثاني لوزارة الخارجية الأمريكية، وهي تقارير كثيرا ما وجهت انتقادات حادة للمغرب، بحيث تعتبره البؤرة السوداء الأولى عربيا من حيث انتشار جرائم الاستغلال الوظيفي من خلال العمل القسري، والاستغلال الجنسي أو ما يسمى بالرقيق الأبيض، وكذا الاتجار في الأطفال من خلال البيع والعمل في المواد الإباحية والسياحة الجنسية. وقد نبه التقرير الأمريكي للسنة الماضية الحكومة المغربية إلى أنها لا تلتزم بالمعايير الأساسية من أجل القضاء على تجارة البشر، وأكد أن المغرب بات مصدرا ووجهة ومعبرا للظاهرة. وحسب الإحصائيات الوطنية المعلنة، فإن المغرب استطاع تفكيك أزيد من 2200 شبكة خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما كشفت دراسة أجرتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج سنة 2009 أن المغاربة ضحايا شبكات الاتجار في البشر يوجد في أغلب الدول العربية، ففي ليبيا حيث يوجد نحو 100 ألف مغربي، أكدت أن 10في المائة منهم يتوفرون على عقود عمل، أما الباقي فيعملون في الخفاء وبأجر هزيل. زيادة على حرمانهم من مزاولة 60 وظيفة. وفي الإمارات أكدت الدراسة أن 13 ألف مغربي سافروا إلى هذا البلد الخليجي عن طريق شبكات الدعارة. وفي آخر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عام ,2010 كشف أن خريطة الاتجار في النساء المغربيات واستغلالهن جنسيا تتم في أكثر من 12 دولة، تمتد من دول الخليج مثل الإمارات وقطر والبحرين، إلى الشام في سوريا والأردن ولبنان، مرورا بقبرص وكوريا الجنوبية وأوربا الشرقية، وإيطاليا، ثم نجيريا والسنغال. بحيث يتم ترحيل النساء والرجال والأطفال فوق التراب المغرب نحو تلك الدول وغيرها من أجل إرغامهم على القيام بأعمال قسرية واستغلالهم جنسيا. وهو التقرير نفسه الذي نبّه الحكومة المغربية إلى أنها لا تلتزم بالمعايير الأساسية من أجل القضاء على تجارة البشر. هذا الواقع الصادم، يفسر بغياب سياسة وطنية ناجعة لمحاربة الاتجار في البشر، والتي تزدهر في ظل تفشي الفساد، وعدم احترام القانون. وقال الحبيب حاجي، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، إن المغرب يتوفر على بعض النصوص القانونية التي تحمي الأطفال والنساء من الاغتصاب ومن التشغيل، واردة في القانون الجنائي وفي مدونة الشغل. لكن - يقول حاجي- القانون المغربي يعاني من ثغرات كبيرة كشفتها الممارسة، ذلك أن النص لا يتعامل بشكل حاد وزجري لحماية الأطفال ضحايا العمل القسري، والفتيات ضحايا الاستغلال الجنسي، مشيرا إلى أن الملاهي الليلية والمقاهي والخمارات تملؤها في الغالب القاصرات من الفتيات، يتم استغلالهن تحت أعين السلطات دون أن تتحرك لحمايتهم. وما يزيد من تعقيد المشكلة أن القضاء وفي أغلب الحالات التي عُرضت عليه أبدى نوعا من التساهل وعدم الجدية، ولم يشدد في العقوبة لردع باقي المجرمين. وأضاف حاجي أن عدم انخراط المغرب في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة يعبر عن غياب إرادة سياسية وديمقراطية لحماية حقوق الإنسان، كما يعبر عن رغبة في احتكار الثروة دون اقتسامها مع فئات الشعب لتوفير العيش الكريم حتى لا يضطر طفل أو فتاة للعمل في ظروف غير قانونية. ورغم أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، فإنه لم يصادق بعد على البرتوكول الملحق بها والمتعلق بمنع وقمع الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال، كما لم يصادق بعد على البرتوكول المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو. كما لم يصادق على قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها العامة يوم 4 دجنبر ,2000 أكدت فيه أن العنف الجنسي والاتجار بالنساء والفتيات لأغراض الاستغلال الاقتصادي، والاستغلال الجنسي عن طريق البغاء وغيره من أشكال الاستغلال الجنسي وأشكال الرق المعاصرة تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ويعتبر الاتجار في البشر ثالث أخطر اتجار عالمي، بعد الاتجار في السلاح، والاتجار في المخدرات.