هل يعيد التاريخ نفسه؟ هل نعيش لحظة شبيهة بلحظة حصار بيروت سنة 1982؟ هل هناك تهييئ لطرد عرفات نهائيا من أراضي السلطة الفلسطينية على اعتبار أن السماح بدخوله في إطار اتفاقية أوسلو كان خطأ كما يقول الصهاينة وعلى رأسهم شارون؟ ذلك ما توحي به بعض التسريبات والتصريحات التي تأتي من هنا وهناك، ولعل ذلك هو عين ما يخطط له الكيان الصهيوني بمباركة أمريكية، وذلك ما يرفضه رفضا مطلقا عرفات بصراحة ووضوح على حينما قال كلمته المدوية.. "وأنا أقول.. بل شهيدا، شهيدا، شهيدا". كان إخراج عرفات بعد حرب همجية على الفلسطينيين في لبنان قادها شارون نفسه وانتهت بمذبحة رهيبة هي مذبحة صبرا وشاتيلا وبعد أن نفذ الجيش الصهيوني جرائمه الوحشية تدخلت أمريكا لترتيب خروج مشرف لعرفات أي للإعلان رسميا عن نهاية المقاومة الفلسطينية على أرض لبنان بعد أن تمت تصفيتها قبل ذلك في الأردن وأمنت اتفاقية السلام مع مصر الحدود الجنوبية للكيان الصهيوني فأخرج عرفات إلى تونس خروجا "مشرفا" ولكنه مهين للأمة العربية، مهين للجهة التي قبلت استقباله على أرضها. وبعد سنين أمضاها عرفات في تونس جاء اتفاق أوسلو بعد ظروف ما بعد حرب الخليج ودخل عرفات... وسمح بإقامة سلطة الحكم الذاتي في الضفة والقطاع وكان ذلك مخططا يراد منه إنهاء قضية الشعب الفلسطيني وفق الرؤية الصهيونية والأمريكية. وتقضي هذه الخطة بإقامة دولة صورية منزوعة السيادة لا تملك جيشا ولا سلاحا، تحكم في كانتونات تخترقها الطرق الالتفافية والمستوطنات، بدون قدس وبدون عودة للاجئين.. وباختصار دون أن تلبي أدنى المطالب العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني. وجاءت انتفاضة الأقصى بعد وصول مخطط التسوية إلى الطريق المسدود وانهيار اتفاق اوسلو، ورفض عرفات التفريط في القدس وتنفيذ المطالب الصهيونية الأمريكية بإخماد صوت الانتفاضة وضرب حركات المقاومة.. وجاء بعدها مؤتمر القمة الذي سمح بتقارب كويتي عراقي، وقبله رفض زعماء عرب في الظاهر على الأقل ضرب العراق، فأطلقت أمريكا يد شارون تعيث فسادا وإجراما وإرهابا للشعب الفلسطيني بدعوى ضرب ما تسميه بنية "الارهاب"، وبدا وكان عرفات والسلطة الفلسطينية لم يستجيبا لما هو مطلوب منهما أي أن يتحولا إلى أداة في يد الكيان الصهيوني، ويقنعا بالفتات وأن لا يتحدثا عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ولا عن لاجئين ولا عن مستوطنات، وبدأ التهديد بطرد عرفات مجددا خارج الأراضي المحتلة وتناقلت الأنباء أن الرباط مرشحة لاستقبال عرفات الطريد بعدما رفضت ذلك مصر والأردن وربما غيرها من العواصم العربية. استقبال عرفات طريدا لا يشرف الرباط. الرباط لا يشرفها سوى استقبال عرفات رئيسا لدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على أرض فلسطين، دولة عاد إلى أراضيها اللاجئون وفككت على أرضها المستوطنات. والقبول باستقبال عرفات هو قبول بالتآمر على الشعب الفلسطيني ولا يليق بالمغرب الذي يرأس دولة القدس أن يسجل عليه في التاريخ خذلان الشعب الفلسطيني والرئيس الفلسطيني الذي يرفض أن يكون طريدا، ويفضل إذا اقتضى الحال أن يكون شهيدا.. شهيدا .. شهيدا..