يشير د/ إبراهيم أبراش، باحث سياسي مهتم بالقضية الفلسطينية، إلى أن إبطال التداعيات السياسية والقانونية السلبية لخطة شارون تتطلب جهدا فلسطينيا وعربيا ودوليا، فلسطينيا يتطلب الأمر تشكيل قيادة وحدة وطنية تحدد استراتيجية للعمل ونوع الشراكة السياسية في المرحلة القادمة، والتي يجب أن تكون شراكة في النظام السياسي الفلسطيني وفي مشروع وطني موحد. وفي هذا الجزء الثاني من مقاله، إذ يبسط الباحث سيناريوهات ما بعد التنفيذ وضرورة المشاركة الجماعية لمقاربة أبعاد الانسحاب وعلاقته بخريطة الطريق. بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة بهذا الشأن ، فبالرغم من صعوبة التنبؤ بما تحمله الأيام القادمة وصعوبة التنبؤ بالخطوة التالية لحكومة شارون والتي ستتأثر بمدى ثبات التهدئة الفلسطينية مع إسرائيل من جانب والتهدئة ما بين الفلسطينيين من جانب آخر، كما ستخضع لحصيلة الجدل الدائر في إسرائيل حول الخطة من جهة والثمن الذي ستأخذه إسرائيل من الفلسطينيين، وربما من العرب من جهة أخرى مقابل الانسحاب. خطورة الخطة ستتبين عندما يحين موعد تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، حيث نعتقد أن شارون سيتخلى عن شرط عدم التفاوض مع الفلسطينيين، وسيطالب المصريين والأمريكيين بجر مسؤولين فلسطينيين للجلوس على طاولة المفاوضات، ولكن لفرض إملاءات أمنية وليس لمفاوضات سياسية، حيث سينتزع من السلطة الفلسطينية التزامات أمنية كضمان عدم مهاجمة إسرائيل وعدم التعرض للعملاء وعدم التحريض ضد إسرائيل وجمع الأسلحة الخ، بل قد يشترط قبل أي انسحاب بدء السلطة بتطبيق ما عليها من التزامات أمنية حسب خطة خارطة الطريق إن ألحت السلطة على الربط ما بين خطة شارون وخارطة الطريق. وعلى كل حال يمكننا وضع السيناريوهات التالية لتنفيذ الخطة: السيناريو الأول: هو الأكثر تفاؤلا والأقل حظا بالتطبيق، وهو أن يلتزم شارون بالانسحاب الكامل من غزة ومستوطنات في الضفة، معلنا عنها مسبقا ويقبل بأن يكون الانسحاب جزءا من خطة خارطة الطريق، ويلتزم بضمانات دولية لذلك.. السيناريو الثاني: أن تنسحب إسرائيل من غزة فقط، وترهن الانسحاب من المستوطنات الأربعة بالضفة بمدى قدرة السلطة على حفظ الأمن في غزة وبوقف العمليات العسكرية الفلسطينية في الضفة وعبر الحدود.. السيناريو الثالث: أن تنسحب إسرائيل من القطاع مع الحفاظ على بؤر استيطانية أو مواقع عسكرية على الشريط الحدودي في الجنوب وفي الشمال كما فعلت في جنوب لبنان، وبالتالي يتحول الجهد الفلسطيني والعربي والدولي نحو إلزام إسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعة الفلسطينية.. السيناريو الرابع : أن تنسحب إسرائيل دون أية تفاهمات مع الفلسطينيين وحتى مع المصريين، وتترك الساحة في غزة للفصائل الفلسطينية ببرامجها المتناقضة وبما هي عليه من انفلات أمني، وهي تراهن في ذلك على حدوث اقتتال داخلي. السيناريو الخامس : أن يتم تأجيل الانسحاب بذرائع متعددة، مثلا أن تتعاظم المعارضة اليمينية للخطة وتقرر الحكومة الإسرائيلية اللجوء للاستفتاء، أو يتم الانسحاب على مراحل، بحيث ينشغل الفلسطينيون والعالم بهذه العملية وتداعياتها لسنوات قادمة. الاستشراف على مستوى ما بعد التنفيذ 1 مخطط شارون وما هو معلن حتى اللحظة يرمي لفك الارتباط مع الفلسطينيين من طرف واحد، وخطورة هذه الخطوة تكمن في تهرب شارون من كل الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين ومن قرارات الشرعية الدولية ، وعدم اعترافه بهما، وبالتالي تغييب أي مرجعية دولية أو قانونية للحقوق الفلسطينية.وبالتالي يجب البحث المتأني والحذر للوضعية القانونية لغزة بعد خروج الجيش الإسرائيلي؟ هل هي سيادة فلسطينية أم حكم ذاتي موسع؟ هل سيكون الانسحاب تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية أم تطبيقا لخارطة الطريق أم دون أية مرجعية إلا مشيئة شارون؟ والوضعية القانونية لغزة ستختلف حسب مرجعية وسيناريو الانسحاب . 2 مخطط الانسحاب من غزة من طرف واحد أخطر من خريطة الطريق حتى بالتحفظات الأربعة عشر التي وضعها شارون، فخطة خارطة الطريق حتى بالصيغة الإسرائيلية كانت تعترف بوجود طرف فلسطيني مفاوض، وكانت ترتب حقوق والتزامات على كلا الطرفين، والأهم من ذلك أنه كان يلوح بالأفق دولة فلسطينية ذات سيادة، وكلها أمور مفتقدة في خطة شارون الحالية. 3 هزال المُنجز والمتحقق مقارنة بحجم التضحيات والمعاناة طوال اثنين وأربعين شهرا من الانتفاضة. فقبل اندلاع الانتفاضة في شتنبر 2000 كان بيد الفلسطينيين من الأرض أكثر مما سيمنحهم شارون الآن، بل رفضت السلطة في بداية وجودها السيطرة الكاملة على غزة كخطوة أولى، والانتفاضة كانت من أجل الانسحاب من كل غزة والضفة ومن أجل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وأن يقبل الفلسطينيون بسيطرة غامضة وغير كاملة على غزة، يطرح تساؤلات حول إنجازات الانتفاضة وحول نهج إدارة الصراع عند السلطة والمعارضة. 4 الخشية أن تكون غزة أولا وأخيرا، وخصوصا أن هيمنة اليمين في إسرائيل ورداءة الوضع العربي ولا مبالاة العالم الخارجي، بالإضافة إلى محاصرة المقاومة الفلسطينية، كل ذلك لا يشير باحتمال أن يكون الانسحاب من غزة خطوة نحو الانسحاب من بقية الأراضي المحتلة . 5 الخشية أن يكون هدف شارون نقل المعركة إلى داخل الصف الفلسطيني ،مستغلا حالة التسيب والفوضى داخل مناطق السلطة، وانشغال الفلسطينيين بالصراع على السلطة . 6 الخطة لا تتحدث بوضوح عن انسحاب من كل قطاع غزة، بل من مستوطنات غزة، كما تتحدث عن عدم وجود عسكري دائم في القطاع. وهذا يعني إمكانية العودة مجددا أو التوغل عند الحاجة أو إبقاء مزارع شبعة فلسطينية وبالتالي استمرار مصادر للتوتر. 7 لا يوجد أي ذكر لسيادة فلسطينية على غزة، بل الحديث عن سيطرة أمنية ،وفرق كبير بين السيطرة الأمنية والسيادة. فالخطة تتحدث عن فك الارتباط مع الفلسطينيين وليس مع فلسطين أو أرض فلسطينية. وهذا يعني أن غزة ستكون تحت حكم ذاتي فلسطيني وسيطرة أمنية فلسطينية مصرية محدودة ،فيما السيادة والأمن العام بيد إسرائيل. 8 هناك غياب لأي إشارة لموضوع الدولة، فهل ستسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بأن تقيم دولة ذات سيادة في غزة تكون منطلقا لاستكمال استعادة ما تبقى من غزة والضفة. 9 الخوف من تردي الوضع الاقتصادي في غزة إذا ما تم الفصل مع إسرائيل من طرف واحد، فاقتصاد غزة ضعيف وهش، وسيكون الوضع الاقتصادي أكثر رداءة إذا مُنع الفلسطينيون من فتح المطار ومن بناء ميناء غزة وربط اقتصادهم بالاقتصاد المصري. 10 ضعف السلطة في غزة ووجود حالة من الفلتان الأمني مما يثير شكوكا فلسطينية حول القدرة على ضبط الوضع الداخلي، ونعتقد أن الحديث عن دمج الأجهزة الأمنية ليس هو لب المشكلة، بل حال الأجهزة، ذلك أنها جزء من البنية الفاسدة والعاجزة للسلطة، ولا يمكن لأجهزة يكثر حولها الحديث عن الفساد آن تتسلم ملف أمني خطير يشمل الأمن المجتمعي والأمن السياسي، وبالتالي فهي تحتاج ليس لإعادة تدريب أمني، بل لإعادة تأهيل أخلاقي وقانوني وضبط قانوني. 11 وفي نفس السياق، فإن الملف الأمني غير مقتصر على الحسم في الخلافات التي قد تنشأ ما بين السلطة والمعارضة الإسلامية، بل داخل صفوف السلطة وداخل التنظيم الحاكم، الذي يشهد حالة من التفسخ شبيهة بحالة أحزاب الأنظمة الشمولية قبيل انهيارها. وحالة الانفلات الأمني، التي تفاقمت في الآونة الأخيرة ليست عفوية، فتفاقمها قبيل تنفيذ خطة الانسحاب يشير لوجود مخطط كبير وخطير، مفاده تبليغ رسالة تقول بما أن الفلسطينيين غير قادرين على حفظ الأمن بما هو متاح بيدهم من أرض الآن، فكيف سيحفظونه بعد الانسحاب، إذن يجب البحث عن أطراف خارجية لتملأ الفراغ الأمني!. 12 بالرغم من التصريحات المطمئنة من حماس إلا أن خوفا ينتاب البعض من استعداد حماس والجهاد الإسلامي للخضوع للسلطة ضمن الاشتراطات الأمنية الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى غياب الثقة والمصداقية بين الطرفين. 13 هناك ما يبرر التخوف من وجود دور أمني وسياسي للمصريين في غزة، فتجربة الغزيين مع الأجهزة الأمنية المصرية قبل 1967 ولاحقا معاناتهم على المعابر وفي المطارات المصرية، تركت انطباعا سلبيا لديهم .إلا أن خطورة أي تواجد مصري أو دولي في القطاع قبل قيام الدولة تكمن في كون هذا التواجد يشكك بالسيادة الفلسطينية على الأرض، فالدور المصري في حقيقته هو دور أمني يخدم الإسرائيليين وسياسي ينقص من سيادة الفلسطينيين . 14 خطورة الخطة ستتبين عندما يحين موعد تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، حيث نعتقد أن شارون سيتخلى عن شرط عدم التفاوض مع الفلسطينيين، وسيطالب المصريين والأمريكيين بجر فلسطينيين هو الذي سيحددهم للجلوس على طاولة مفاوضات، ولكن لفرض إملاءات أمنية وليس لمفاوضات سياسية، حيث سينتزع من السلطة الفلسطينية التزامات أمنية كضمان عدم مهاجمة إسرائيل وعدم التعرض للعملاء وعدم التحريض ضد إسرائيل وجمع الأسلحة الخ، بل قد يشترط قبل أي انسحاب بدء السلطة بتطبيق ما عليها من التزامات أمنية حسب خطة خارطة الطريق إن ألحت السلطة على الربط ما بين خطة شارون وخارطة الطريق. 15 ندرك أن المسؤولية السياسية تحتم التعامل مع كل ما هو مطروح من مخططات، ولكن في ظل نفس بنية السلطة المأزومة والتي ينخرها الفساد والعجز والصراعات الداخلية، هل يمكن تحويل خطة شارون إلى فرصة تقربنا من هدفنا الوطني؟ أم ستكون القنبلة التي ستفجر النظام السياسي الفلسطيني وتدخل الشعب الفلسطيني إن لم يكن في حرب أهلية، ففي حالة من التنازع والتسيب والبحث عن مكاسب آنية أو تصفية حسابات سياسية . 16 تزامن تنفيذ الخطة مع ثبات الهدنة ومع الحديث عن إصلاح النظام السياسي يطرح تساؤلات عميقة حول قدرة النظام السياسي على التوفيق بين هذه المكونات الثلاث دون الحسم بطبيعة المرحلة ،بناء دولة أم مرحلة حركة تحرر؟وهل يمكن استمرار ما يعتبره البعض بالغموض البناء بالمزاوجة ما بين النضال الديمقراطي والنضال التحرري المسلح؟. 17 من الواضح أن شرط إسرائيل الرئيس والذي على أساسه ومن أجله تتدخل مصر هو تفكيك المنظمات الجهادية، وما الحديث عن استيعاب حماس وكتائب شهداء الأقصى والمنظمات المعارضة الأخرى في السلطة، ما هو إلا التخريجة التي يريدون أن تكون مشرفة لوضع حد للحالة الثورية الانتفاضية والمسلحة للشعب الفلسطيني. فهل ستتخلى هذه التنظيمات بسهولة عن سلاحها وأهدافها وتقبل بواقعية الثوار المقهورين؟أم ستجبر على نزع سلاحها؟ وفي هذه الحالة، هل الأجهزة الفلسطينية لوحدها هي التي ستجبرها أم ستتدخل قوات أخرى للقيام بهذا الدور؟. 18 من الواضح أن الانسحاب الإسرائيلي سيقتصر على غزة وربما تقوم إسرائيل بحركات استعراضية وإعلامية بالتظاهر بتفكيك بعض البؤر الاستيطانية في شمال الضفة، سيقاومها المستوطنون بإيعاز من شارون نفسه مما سيؤدي لتأجيل موضوع مستوطنات الضفة بذريعة عدم تعطيل مسيرة الانسحاب من غزة وفي هذه الحالة ما هي طبيعة العلاقة التي ستربط الضفة المحتلة بالكامل مع غزة الخاضعة لسلطة إدارية وأمنية فلسطينية ومصرية؟ وهل سيكون هناك نظام سياسي في غزة ونظام آخر في الضفة؟وما هي التداعيات النفسية والسياسية على أهالي الضفة الغربية؟ . 19 وعلى المستوى الاقتصادي والتنموي ،فهل ستستمر المشاريع التنموية خاضعة لسلطة مركزية مقرها حكومة غزة؟أم سيتم البحث عن مخططات تنموية في الضفة مغايرة لما هو الحال في غزة؟. 20 يلاحظ أن الخطط والمشاريع الاقتصادية التي يطرحها الأوروبيون كدعم لخطة شارون تقتصر على غزة ، وهذا يثير تساؤلات وتخوفات سياسية واقتصادية حول مصير الضفة والمسار السياسي والتنموي فيها بمعزل عن غزة. 21 تداولت وسائل الإعلام موضوع مصير المستوطنات وإمكانية بيعها لمستثمرين ، هذا الأمر يحتاج لخبراء في القانون الدولي لبحث مصير المستوطنات من ناحية قانونية، وإذا كان يجوز لإسرائيل بيع المستوطنات أو تطالب بتعويضات في حالة تركها للفلسطينيين ، فعلى السلطة الفلسطينية مطالبة إسرائيل بتعويضات عن استغلالها لأراضي المستوطنات طوال 38 سنة، وعن الأضرار البيئية الناتجة عن المستوطنات ،تلويث المياه الجوفية وتلويث الشواطئ وعن تجريف الأراضي المحيطة بالمستوطنات الخ . كما يجب على المفاوض الفلسطيني ألا يقبل بالمقارنة مع ما جرى في طابا حيث تم تعويض إسرائيل عن المنشآت السياحية التي أقامتها في طابا، فما جرى في طابا كان نزاعا حول الحدود في منطقة طابا وقرار محكمة لاهاي في سبتمبر 1988 أكد السيادة المصرية على منطقة طابا مقابل تعويضات عن المنشآت التي أقامتها إسرائيل. 22 الطريقة التي سيتم فيها الخروج من مستوطنات غزة ستكون سابقة لأي انسحابات في الضفة، وهذا يتطلب من السلطة الفلسطينية الاستعانة بخبراء من مختلف التخصصات وخصوصا القانونية والاقتصادية قبل أي خطوة تقدم عليها حول الموضوع مع التأكيد على الحضور الدولي والمرجعية الدولية للانسحاب. 23 ما يقال عن غزة ينطبق على الضفة من حيث الوضعية القانونية ذلك أن حديثا راج حول إرسال قوات أردنية للضفة وعودة الدور الأردني هناك، إن صحت هذه الأخبار، فهل هذا يعني وجود مخطط للالتفاف حول السيادة الفلسطينية على أرض فلسطين وعودة الوصاية مجددا، وصاية مصرية على غزة ووصاية أردنية على ما تبقى من الضفة ووصاية أمنية أمريكية ووصاية مالية أوروبية على كليهما . 24 خطورة الحديث عن خصخصة المعابر والميناء والمطار، أي خصخصة رموز السيادة قبل أن نحصل عليها ويعترف بها العالم .الخصخصة أو الخوصصة وهي تفويت حق الملكية والإشراف على مؤسسات للقطاع العام إلى القطاع الخاص أي لأصحاب رؤوس الأموال من شركات وأفراد محليين أو أجانب شيء مقبول في زمننا الراهن وكل دول العالم تقريبا تعرف هذه الظاهرة ،إلا أن ما تعرفه دول العالم هو أن الدولة أو السلطة ذات السيادة هي التي تقرر خصخصة ما تريد من مؤسسات عمومية، وبالتالي، فإن الخصخصة تندرج ضمن إعمال الدولة لحقوقها السيادية وانطلاقا من تمتعها بالسيادة تستطيع أن تشرف على الموضوع أو تلغي عقد الامتياز الممنوح للقطاع الخاص ،أيضا لم نسمع بدولة خصخصت مطارها الوحيد وميناءها الوحيد! . هل من استراتيجية فلسطينية لمواجهة خطة شارون؟ الأشهر القليلة القادمة حبلى بالتطورات والتوقعات والمراهنات، منها ما نملك خيوطها والقدرة على تحديد مسارها وضبط تداعياتها، وغالبيتها تملك إسرائيل خيوطها وتحدد مسارها. ولا نبالغ إن قلنا بان المرحلة القادمة والتي عنوانها تطبيق خطة شارون شبيهة بمرحلة اوسلو ، فالآتي هو مخطط سياسي جديد، ولكنه يأتي في ظل متغيرات محلية ودولية أقل تفاعلا وتجاوبا مع حقوقنا المشروعة، وفي ظل موازين قوى عسكرية وحضارية أكثر ميلا لصالح لإسرائيل، وفوق ذلك أن نفس النخبة السياسية، التي أنجزت أوسلو وحكمت طوال اثني عشر سنة ووصلت إلى طريق مسدود هي التي تتسلم ملف الانسحاب من غزة . لن نعود للجدل القديم /الحديث حول أوسلو وأين كان الخلل ،هل في نهج التسوية بحد ذاته؟أم في نصوص أوسلو؟ أم في طريقة تطبيقه؟... الواقع الراهن يقول بأن المنجزات كانت أقل بكثير من المتوقع والمأمول واقل كثيرا من الثمن الذي دُفع، وأن طرقة إدارة الأزمة طوال العقد الماضي كانت سيئة. ونخشى أن تتكرر اليوم تجربة أوسلو، ولكن بشكل أكثر مأساوية لأنه لم يعد لدينا شيء سنساوم عليه مستقبلا . في أوسلو فاوضوا بسرية وبارتجالية وبدون لجان متخصصة، وفي السنوات الأولى من تنفيذ الحكم الذاتي تكالب البعض على السلطة ومنافعها وتجندت المعارضة لتخريب السلطة ونهجها، وباسم المصلحة الوطنية ارتمت السلطة في أحضان أمريكا وراهنت على حسن نية إسرائيل، وباسم المصلحة الوطنية رفعت المعارضة راية الجهاد والاستشهاد، وأعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد الصهيونية ومن يقف معهم، وضاعت المصلحة الوطنية وسط مدعي العمل من أجل المصلحة الوطنية . اليوم هناك ملامح أوسلو جديدة تحمل عنوان خطة شارون، مفاوضات سرية ولجان سرية ونفس الوجوه ونفس الانقسام في الساحة الفلسطينية! .فماذا أعددنا لها سلطة ومعارضة ؟. عندما أعلن شارون عن خطته انبرت المعارضة لتقول إن شارون يهرب من غزة تحت وقع ضربات المقاومة، وبما أنه يهرب فلننتظر حتى يكمل هروبه ثم نرفع رايات النصر على أنقاض مستعمراته ولنجعل غزة قاعدة لاستكمال المشروع التحريري! وفي السلطة بعضهم كرر خطاب المعارضة مع شيء من تلطيف اللهجة، وبعضهم قال بما أن شارون سينسحب بإرادته المنفردة وسيفك الارتباط من طرف واحد، فلا أحد يمنعه وعلينا أن نجلس وننتظر!. المواقف المعلنة للسلطة والمعارضة من خطة شارون لم تكن تعبر عن قناعات حقيقية عند القادة الكبار الذين يعلمون حقيقة مخطط شارون ،يعلمون بأن شارون لا يهرب من غزة بقدر ما انه يقدم القليل ليأخذ الكثير ويعلمون بأنه لن يخرج دون شروط سيفرضها على الفلسطينيين وبضمانات أمريكية وأوروبية وعربية و ما جرى في قمة شرم الشيخ هي البداية .لقد قالوا ما قالوه، لأن شارون أربكهم بخطته، ولأنهم لا يملكون البديل، فالانتفاضة وصلت لمأزق والمفاوضات وصلت لمأزق، وكلا الطرفين ،سلطة ومعارضة يكابر ولا يريد أن يعترف بفشله. إبطال التداعيات السياسية و القانونية السلبية لخطة شارون تتطلب جهدا فلسطينيا وعربيا ودوليا . فلسطينيا يتطلب الأمر تشكيل قيادة وحدة وطنية تحدد استراتيجية للعمل ونوع الشراكة السياسية في المرحلة القادمة، والتي يجب أن تكون شراكة في النظام السياسي الفلسطيني وفي مشروع وطني موحد، وليس شراكة في إدارة قطاع غزة فقط، فهذه الأخيرة قد تفجر خلافات وصراعات على مكاسب موهومة أيضا يتطلب الأمر وضع حد للصراع داخل الحزب الحاكم وبين أجهزة السلطة، فإذا خرجت القوات الإسرائيلية من غزة قبل حسم هذه الصراعات، فسيكون الوضع مأساويا،حيث ستتسابق التنظيمات ومراكز القوى والأجهزة للسيطرة على الأرض والمعدات داخل المستوطنات، بل قد يصل الأمر لأن يتنطع البعض خارج إطار الإجماع الوطني لإعلان كيانية سياسية في غزة.. استحسنا تشكيل لجنة وطنية للتعامل مع خطة شارون متغاضين عن تساؤلات تفرض نفسها، مثلا لماذا لا تشارك قوى المعارضة في هذه اللجنة. نعتقد بأن تحديات كبيرة ستواجه اللجنة وخصوصا عندما ستجري المفاوضات مع الإسرائيليين حول تنسيق الانسحاب، متمنين أن لا تتكرر نصوص أوسلو الغامضة وتفسيراتها المدمرة، ونهج تعامل السلطة والمعارضة مع استحقاقات أوسلو، فالخروج من غزة ليس هروبا لجيش الاحتلال، بل مخطط سياسي متكامل له تداعيات خطيرة سياسية واقتصادية وقانونية