سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار شامل .. الأستاذ محمد نزال - عضو المكتب السياسي لحركة "حماس": لا منطق لمن يطالبوننا بالتحول إلى حزب سياسي لأن وجود الاحتلال يفرض وجود المقاومة، ولا يمكن لنا أن نفقز عن وجود هذا الاحتلال
على الرغم من أن جيش الاحتلال الصهيوني وأجهزته الاستخباراتية "الشاباك والموساد.." يلاحقهم بضراوة داخل فلسطينالمحتلة وخارجها، لاغتيالهم –في إطار حملة التصفيات التي بدأت في أواسط العقد الماضي، وطالت حتى الآن قيادات سياسية وميدانية بارزة، يضاف إلى ذلك أن الإدارة الأمريكية تمارس لحساب دولة الكيان الصهيوني أكبر حملة ضغط على الحكومات العربية خصوصا- لترحيل قياداتهم وكوادرهم، و تجنّب تقديم مأوى لهم، وتجفيف منابعهم، فإن قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يواصلون أنشطتهم المعتادة تبعا للبرامج المقررة داخلياً، مع الأخذ بالحيطة الأمنية المتاحة.. قيادة حركة "حماس" ترى أن تجميد أنشطتها معناه أن العدو نجح في تحقيق جزء من أهدافه، وهذا ما لا يجوز السماح به. وهذا الحوار مع "الأستاذ محمد نزال" عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" تم اختيار زمانه ومكانه مراعين الاعتبارات الأمنية، وبعد رحلة ناجحة قام بها إلى الجزائر. كان حوار حاولنا فيه أن نستطلع رأي الحركة في كثير من الأمور، فكانت -أجوبته مكثّفة- قال فيها ما يريد أن يقوله فعلاً، وليس ما يريده محاوره.. ومن الطبيعي أن يتناول الحديث الأزمة الداخلية الفلسطينية التي انفجرت في منتصف الشهر الماضي والتي تم تسكينها إلى حين، ووجهة نظر حركة حماس تجاهها، ورؤيتها لسيناريو الأيام التالية، وأيضا الحوار الذي شهدته القاهرة مؤخراً، وضم مسؤولين بارزين في الحكومة المصرية وقيادة الحركة، والنتائج التي تم التوصل إليها في هذه الاجتماعات، ومستقبل قطاع غزة إذا انحسر عنه ظل الاحتلال الصهيوني المتوحش، وأخيراً العلاقة المقطوعة بين القيادة الأردنية وحركة حماس والتي تتصاعد أصوات عاقلة ومسؤولة في الأردن مطالبة بإعادتها إلى سابق عهدها، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة. قلت للأستاذ محمد نزال: * ذهبت إلى الجزائر مع معرفتك بأن الموساد يلاحقكم في عواصم الدنيا، وقبلها ذهبت إلى البحرين وغيرها.. كيف؟. قال: زيارة الجزائر كانت تلبية لدعوة تلقيتها من الأخوة في "حركة مجتمع السلم" الجزائرية التي تربطنا بها علاقات وثيقة لحضور جامعتها الصيفية، والحقيقة أننا ورغم الظروف الأمنية، فقد أخذنا قراراً بتفويت الفرصة على العدو الذي يريد تجميد حركتنا وفصلها عن محيطها الطبيعي الذي تسبح فيه، لذا فإن تحركنا ستمر في فضاء أمّتنا للقيام بواجبنا ودورنا تجاه قضيتنا. *هل هي زيارتك الأولى للجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد؟ لا، هذه هي الزيارة الثانية لي شخصياً، زيارتي الأولى كانت في أيار "مايو" عام 1991م قبل اندلاع المواجهات المؤسفة التي أدخلت الجزائر في دوامة عنف تجاوزت العقد. لكن زياراتنا للجزائر لم تتوقف، حيث زارها العديد من الإخوة في قيادة حركة "حماس" في فترات مختلفة، فالجزائر تمثل لنا رمزاً مضيئاً، حيث خاض الجزائريون معركة التحرير ببسالة منقطعة النظير، وفاوضوا في اللحظات الأخيرة عندما نضجت الظروف الموضوعية من دون أن يتخلوا عن البندقية وإلى أن تحقق جلاء المحتلين.. وكانت زيارتي الأخيرة فرصة لتكثيف التواصل والتشاور مع الأخوة في الجزائر، سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي، وقد لقيت في الجزائر حفاوة كبيرة، وتعاطفاً شديداً لا نظير له مع القضية الفلسطينية، وأستطيع القول إن القضية الفلسطينية هي موضع إجماع وطني جزائري، فالجزائريون يمكن أن يختلفوا في قضايا كثيرة في إطار التعددية السياسية، ولكنهم لا يختلفون على نصرة القضية الفلسطينية وضرورة دعمها في مواجهة العدوان الصهيوني الواقع على شعبنا الفلسطيني. *هل شملت لقاءاتكم في الجزائر بعض المسؤولين الحكوميين؟ نعم، التقيت بمسؤول كبير في الحكومة الجزائرية، وكان لقاءً إيجابياً، عرضت خلاله تصوراتنا للتطورات على الساحة الفلسطينية ووجهة نظرنا فيها، وأكدت على ضرورة مواجهة العدوان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني، ولقيت تفهماً من المسؤول الجزائري الذي أكد لنا أنهم مع القضية الفلسطينية، وأنهم لن يتأخروا عن دعمها ومساندة شعبها.. *وهل كانت لكم لقاءات مع أحزاب جزائرية أخرى إضافة إلى حركة مجتمع السلم الجزائرية؟ لدينا علاقة مع معظم الأحزاب الجزائرية، الإسلامية منها والوطنية، وإذا كنت لم أتمكن في زيارتي هذه من اللقاء مع تلك الأحزاب- لضيق الوقت وقصر الزيارة- فإن أخوة آخرين في قيادة الحركة التقوا بهذه الأحزاب قبل وقت قصير. *هل لمستم في هذه الزيارة تياراً شعبياً داعيًا لفك الحصار المضروب حول حركة حماس –خصوصاً- والمقاومة الفلسطينية –بشكل عام- ؟ أو دعنا نسأل: هل أسستم في زيارتكم لمثل هذا التيار؟ لا شك أن هناك حصاراً سياسياٍ وشعبياً ومالياً يحاول أعداء الحركة وأعداء القضية الفلسطينية فرضه وضربه حول حماس –خصوصاً- ،لكن "حماس" –بفضل الله أولاً، ثم بدماء وتضحيات مجاهديها، ووعي قياداتها - تمكّنت من تفكيك هذا الحصار، وكلّما ضربوا طوقاً علينا تمكّنا من كسره أو الالتفاف عليه. ولعّل مثل هذه الزيارات تسهم في ذلك، حيث إنها تعطينا إطلالة على جماهير هذه الأمة، لنمارس دورنا بوضعها في صورة الوضع وتعبئتها باتجاه هذه القضية المركزية، كما أنها تسهم في شرح وجهات نظرنا لجميع القوى والأحزاب، وما لمسته في زيارتي هذه للجزائر، وفي زيارات أخرى لدول عربية.. هو مدى التعاطف الذي تحظى به "حماس" –على وجه خاص- والقضية الفلسطينية –بشكل عام-. لقد وجدت أن شهداء "حماس" القادة أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإبراهيم المقادمة، وصلاح شحادة، وإسماعيل أبو شنب، وجمال منصور، وجمال سليم، وصلاح الدين دروزه، ويحيى عياش وغيرهم.. حاضرة أسماؤهم وجهادهم في نفوس أبناء الأمة، وينظرون إليهم كأمثلة للقادة العظام الذين ضحوا من أجل الدفاع عن مقدسات هذه الأمة وكرامتها. *طالما أننا في إطار الحديث عن الجزائر، فأنت تعلم أن واحدة من أكبر الأزمات التي واجهتهم هناك هي النزاع بين الداخل والخارج في مرحلة من المراحل في عقد الخمسينيات، فاسمح لي بسؤال يتناول ما أشيع عن خلافات بين "حماس" في الداخل و" حماس" في الخارج.. هل هذا قائم فعلاً..؟ في الحقيقة حاولت الأطراف المعادية لحركة حماس، وحتى بعض التي لها خصومات سياسية أو فكرية معها.. المراهنة على انقسامات داخل الحركة، خصوصاً بين الداخل والخارج، باعتبار أن الجغرافيا السياسية عادة ما تلعب دوراً في إذكاء الخلافات والتباينات. ولا أريد أن أكون هنا مثالياً فأنكر وجود تباينات سياسية أحياناً، لأننا لا نتحدث عن ملائكة ولكننا نتحدث عن بشر. هناك تباينات، ولكن هذه التباينات لم تؤسّس على قاعدة "الداخل" و"الخارج"، وإنما هي تباينات طبيعية، تعود إلى اختلاف التقديرات وزوايا النظر، ولكني أؤكد على أنه كلّما كانت الحركات والفصائل أكثر شورية" وديمقراطية، كلّما وجدت متّنفساً ومنبراً لاستيعاب كل الآراء والتقديرات.. وأستطيع القول بكل اعتزاز أن حركة "حماس" حافظت منذ انطلاقتها وحتى الآن- رغم كل الظروف الصعبة –على "المؤسسية" و"الشورى" في اتخاذ قراراتها، فليس عندنا "القائد الفرد" الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس لدينا "القائد الفرد" الذي يطوع الناس لخدمة مصالحه واجتهاداته الشخصية.. نحن حركة مؤسسية وشورية نحتكم إلى صناديق الاقتراع في اختيار قياداتنا، وإلى التصويت في حسم قراراتنا المصيرية والعادية، وإذا حافظنا على ذلك –إن شاء الله- فإنني أطمئن كل الغيورين علينا إلى أننا سنبقى حركة متماسكة موحدة، وأن غياب بعض القيادات الكبيرة لن يؤّثر على مسارنا وتوجهاتنا. *لعّلك أستاذ محمد تشير ضمناً إلى مسببات الأزمة الراهنة داخل "حركة فتح" أو لنقل داخل "السلطة"..؟ لا شك أن السلطة الفلسطينية تعيش في المرحلة الحالية أسوأ أوضاعها، فلقد عبّرت الأحداث المؤسفة التي وقعت في قطاع غزة أولاً، ثم امتدت إلى الضفة الغربية.. عن وجود أزمة حقيقة، وإنه ما لم يبادر السيد ياسر عرفات لقطع الطريق على كل من يحاول استغلال وجود حالة الفساد السياسي والمالي والتنظيمي في "السلطة الفلسطينية" فإن الأمور ستتجه نحو الأسوأ. وإذا أردنا أن نشخّص الصراع القائم حالياً، فإننا يمكن أن نقول بأمانة وموضوعية أنه صراع على السلطة، وإن الذين يتحدثون عن الفساد من غالبيتهم ينطبق عليهم القول المأثور "كلمة حق يراد بها باطل"، فالفساد موجود ولا يمكن لأحد أن ينكره، أو أن يدافع عنه، ولكن الذين يرفعون راية محاربة الفساد هم في غالبيتهم من الفاسدين، ومن الذين أذاقوا شعبنا ويلات كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية. *موقفكم المعلن سواء في البيان الذي أذيع أو في حديث الاستاذ خالد مشعل الذي نشرته بعض الصحف، اقتصر على الجانب الأخلاقي.. لم تحددوا موقفاً مع أو ضد؟ قلتم أنكم ضد اللجوء إلى السلاح للحسم؟ كان يمكن لحركة حماس أن تتعامل بانتهازية سياسية مع الأزمة، بحيث تعمل على صب الزيت على النار كما يقولون، ولكن حركة "حماس" بأخلاقيتها ومبدئيتها وحرصها على المصلحة الوطنية العليا.. وقفت موقفاً حازماً وواضحاً في رفض الاحتكام إلى السلاح كوسيلة لحل الخلافات السياسة أو التنظيمية، وبادر الأخ خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- إلى الاتصال الهاتفي بالسيدين ياسر عرفات ومحمود عباس ومطالبتهما بالعمل على قطع دابر الفتنة، والوقوف أمام أي محاولات لحرف الشعب الفلسطيني عن مساره في مقاومة الاحتلال. كما دعونا في الحركة مع فصائل أخرى إلى عقد مؤتمر شعبي كان يفترض أن يعقد في قطاع غزة كخطوة أولى، ولكن التيار الذي استخدم العنف هو الذي عمل على تعطيل عقد هذا المؤتمر لأنه وجد فيه إدانة له، أو عقبة تعترضه لإكمال مشوراه في فرض مطالبه بالقوة والعنف. *هل تنظرون إلى التيار الذي استخدم العنف أنه هو "دابر الفتنة" الذي طالبتم بقطعه؟.. إن أي تعارضات يتم استخدام السلاح فيها أو القوة ..تعني فتنة فلسطينية- فلسطينية، ومثل هذه الفتنة ينتظرها الاحتلال الصهيوني، بل إنه راهن منذ دخول السلطة الفلسطينية عام 1994 على تحويل المواجهة على الأرض من مواجهة فلسطينية –صهيونية إلى مواجهة فلسطينية – فلسطينية !! وتحديداً انتظر العدو الصهيوني أن تقوم المواجهة بين "حماس" و"السلطة"، ولكن حركة حماس تسامت على جراحها، وحافظت على بوصلة بندقيتها باتجاه الاحتلال، وعلى الرغم من كل الممارسات القمعية التي تعرضت لها، فإنها لم تستدرج لمواجهات مسلحة مع السلطة. بعد هذا الإنجاز الذي تحقق، أعني أن الصراع بقي فلسطينياً- صهيونياً، وخصوصاً بعد انتفاضة الأقصى التي توحدت فيها القوى الفلسطينية مجتمعة في مواجهة الاحتلال، فإن أي تراجع عن هذا الإنجاز، سيدخلنا في دوامة يمكن أن تؤدي –لا قدر الله- إلى فتنة، وهذه الفتنة إذا اشتعلت ستحرق الأخضر واليابس، لذا كان موقفنا حاسماً وجريئاً وحازماً ضد أي طرف فلسطيني يستخدم السلاح والقوة في مواجهة أي طرف فلسطيني. *كان ابقراط –أبو الطب- يقول: اقضِ على السبب.. وسبب الأزمة لا زال موجوداً أليس كذلك؟! برأيي أن جذر الأزمة التي ينبغي أن تتوجّه الأنظار إليه هو الاحتلال، فالاحتلال لا يزال موجوداً وجاثماً على أرضنا الفلسطينية، إذا تعاملنا مع هذه الحقيقة فإنّه لا مبرر لصراع يقع على سلطة غير موجودة في حقيقة الأمر، إن السلطة الموجودة هي سلطة هزيلة، ذليلة، منقوصة السيادة مسلوبة القرار، وبالتالي فإنه لا معنى لصراع على كعكة سلطة موجودة شكلاً، وغير موجودة حقيقة. في رأينا أنه ينبغي أن توجه كل الجهود نحو إزالة الاحتلال وأي اتفاقات سياسية جديدة مع العدو تعني أننا سندور في "حلقة مفرغة"، وأن هذه الاتفاقات ستعطي العدو الصهيوني الفرصة لكسب الوقت بترسيخ وجوده واحتلاله للأرض، والمضي في مشاريعه كبناء الجدار الفاصل وتوسيع بناء المستوطنات، وفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني. لذا نقول بكل وضوح: علينا أن نتمسك بالمقاومة، وأن نعمل على تصعيدها وتطويرها فهي الأداة الرئيسة والأساس التي يمكن أن تفرض وقائع جديدة وموازين على الطرف الآخر. *لكن حركة حماس لم تقدم حتى الآن برنامجا مكتوبا لتكتيل قوى المقاومة-أو هذا هو ما يقال-، هل قدمتم مثل هذا البرنامج أستاذ محمد؟ طرحت حركة حماس أكثر من مرة برنامجاً سياسياً يمكن أن يشكّل قاسماً مشتركاً لجميع القوى الفلسطينية، ولكن لنكن صرحاء أن هناك أطرافاً فلسطينية اتخذت منهجاً سياسياً معيناً تريد أن تفرضه على كل الأطراف الأخرى، وهذا المنهج السياسي يفرط بوحدة الأرض، ووحدة الشعب.. ونحن لا يمكن لنا أن نكون جزءاً من برنامج سياسي يفرّط بوحدة شعبنا ووحدة أرضه، فهناك مرتكزات أساسية لأي برنامج سياسي يمكن أن نتعاطى معه، من هذه المرتكزات على سبيل المثال: حق العودة للشعب الفلسطيني.. فتلك القوى التي أعنيها تتحدث عن حق العودة في بياناتها وأدبياتها، ولكنها تمارس على الأرض ما يلغي حق العودة من الناحية العملية؟! وإلا بماذا نفسر "وثيقة جنيف" التي شاركت في وضعها ووقعتها شخصيات فلسطينية تشغل مواقع في السلطة الفلسطينية وفي غيرها، تفرط بهذا الحق الذي أقرته القوانين الدولية.. لذا نقول بكل وضوح: إن محاولة البعض إشهار "سيف" البرنامج السياسي في وجوهنا دائماً لا يمكن أن يرهبنا أو يدفعنا لتقديم برنامج سياسي ينسجم مع ما يريده هؤلاء. *اسمح لي أن أنتقل إلى سؤال ملح حول النتائج التي أسفرت عنها المباحثات الأخيرة في القاهرة بين وفد رفيع من حماس والحكومة المصرية.. ما هي طبيعة تلك المحادثات..؟ قام وفد من حركة "حماس" برئاسة الأخ خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- مؤخراً بزيارة إلى القاهرة، التقى خلالها بعض الأخوة المسؤولين في مصر، وهذه الزيارة تأتي في سياق تواصلنا المستمر مع القيادة المصرية، حيث إننا، وبمعزل عن التباينات السياسية بيننا وبين الأخوة في مصر، ندرك أهمية مصر ووزنها وثقلها، في المنطقة من ناحية، وفي موضوعة الصراع العربي الصهيوني من ناحية أخرى، وعليه فإن هذه الزيارة جاءت لمناقشة موضوعين أساسيين: الأول: خطة شارون للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة. والثاني: الوضع الداخلي الفلسطيني. فيما يتعلق بالموضوع الأول، فقد أوضحنا للأخوة في مصر خطورة أي انسحاب يتم من قطاع غزة مقابل ثمن سياسي، إذ إن شارون يريد أن يكون انسحابه بثمن يقايض فيه الانسحاب من غزة بالبقاء في الضفة الغربية، والإبقاء على الجدار الأمني الفاصل، وعلى توسيع المستوطنات، فضلاً عن رفضه لحق العودة للشعب الفلسطيني.. لقد أوضحنا للأخوة في مصر أننا مع أي انسحاب صهيوني، وأننا نعد ذلك، انجازا للمقاومة الفلسطينية الباسلة، ولكن لا يجوز أن نفسد فرحتنا بهذا الانسحاب بترسيخ وجود الاحتلال على بقية أرضنا المحتلة. أما بالنسبة للوضع الداخلي الفلسطيني، فقد عبرنا عن قلقنا الشديد لانتقال الخلاف الداخلي بين أجهزة السلطة وتيارات فتح إلى الأرض، واستخدام السلاح والقوة في معالجة هذه الخلافات، وطرحنا ضرورة "تشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة" تشكل "مرجعية عامة" للشعب الفلسطيني، تعمل على ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني والتوافق على برنامج وطني يشمل كافة الجوانب السياسية والتنظيمية .. هذا هو حقيقة ما تم طرحه خلال زيارة الوفد إلى مصر.. *لكن التحليل الذي نشرته الأهرام يقول أشياء كثيرة بين السطور؟! لا أريد الحديث نيابة عن الأخوة في مصر، إنني أنقل الخطوط العامة لما قاله لنا الأخوة في مصر فقط.. لقد أكدا لنا أن أي خطة سياسية سيكونوا جزءاً منها، ستأخذ بعين الاعتبار موافقة الأطراف الفلسطينية كافة عليها، وكل الملاحظات التي تثار من طرف القوى الفلسطينية والتي تحقق المصالح العليا للشعب الفلسطيني والأمة العربية. أما فيما يتعلق بأية صيغ وأفكار تتناول الوضع الداخلي الفلسطيني، فقد رحبوا بأية صيغ من شأنها أن توحد الساحة الفلسطينية، وأنهم سيقفون مع ما يتوافق عليه الفلسطينيون بهذا الشأن.. كما تم الاتفاق معهم على استمرار الحوار الفلسطيني – الفلسطيني لبلورة صيغ متفق عليها، على أن تحتضن مصر الحوار الفلسطيني الشامل في الوقت الذي تكون فيه الأمور ناضجة للاتفاق. *هل قدّم وفد حماس القيادي رؤية الحركة لمرحلة ما بعد الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة..؟ من السابق لأوانه الحديث عن مصير خطة شارون التي لا يمكن الجزم الآن بأنها ستسير قدماً كما هو مخطط لها، فلا تزال دونها عقبات عديدة، منها ما يتصل بالخلاف داخل حكومة الأئتلاف الصهيونية، وعدم قبول الغالبية بها. ومنها ما يتصل بالانتخابات الأمريكية وما ستفرزه.. وبالتالي، فإننا لا نرى حكمة في الإعلان عن مواقف نهائية إزاء الصورة التي سيكون عليها قطاع غزة بعد هذا الانسحاب المفترض.. ولكن ما ينبغي أن يكون واضحاً هو أن التلويح باستخدام القوة ضد حماس أو أي طرف فلسطيني، من قبل أي جهات .. لا يمكن أن يخيفنا، فقد سبق لمسؤولين أمنيين فلسطينيين أن تحدثوا عن "اجتثاث وتدمير لحركة "حماس" ولكنهم ذهبوا يجرون أذيال الخيبة في وقت لا تزال فيه "حماس" قائمة وموجودة – بفضل الله تبارك وتعالى- بل في وضع أفضل مما كانت عليه حينما صدرت تلك التهديدات.. *أريد أن أسأل بصراحه أكثر: هل قدمتم وعوداً للمصريين؟ هل وعدتم – كما يشاع- بوقف القصف بصواريخ القسام للمغتصبات الصهيونية..؟ نحن لم نقدم تعهدات لأي طرف فلسطيني أو عربي أو إقليمي أو دولي بوقف المقاومة، أو بالكف عن تحديث أسلحتنا أو استخدام صواريخ القسام وغيرها. نحن نرى أن صواريخ القسام هي "سلاح دفاعي" يستخدم عندما يقع الاعتداء على شعبنا، ونستغرب أن تطالب "حماس" بوقف صواريخ القسام في الوقت الذي لا يطلب أحد من شارون أن يكف عن استخدام طائرات الأباتشي وال F16 وال F18، كما نستغرب أنه عندما كانت الدبابات تدك منازل الآمنين في رفح وبيت حانون وخان يونس ومدينة غزة ... كانت تلك الأصوات غائبة ولم نسمع لها حساً..؟! *أعود بكم مرة ثانية إلى موضوع التعهّدات، من يقرأ تقرير جريدة الأهرام يفهم أن هناك تعهدات ما..؟ ينبغي أن نتعامل مع ما نشر على أنه تقرير صحفي، وليس موقفاً مصرياً رسمياً مَهمَا بلغت العلاقة بين القائمين على هذه الصحيفة والجهات الرسمية، ونحن في حركة "حماس" وللأمانة والموضوعية، عُرِفنا بفضل الله بمصداقيتنا، وعندما نقدم تعهدات لأي طرف، فإننا لا نخجل من إعلانها.. ليس لدينا ما يمكن إخفاؤه تحت الطاولة –كما يقال- وفي الوقت الذي نتفق فيه مع أي طرف سنبادر إلى إعلانه. لسنا مع منطق الاتفاقات السرية، لأنه في عالم اليوم لا يمكن الحديث عن اتفاقات سرية، ولا بد من خروج الاتفاقات إلى العلن. * لدى "حماس" فيما أظن برنامجها المستقبلي في غزة المحّررة، في رأسه الحفاظ على حقوق الشهداء والأسرى وأصحاب البيوت المتضررة.. هذا ما جرى الإعلان عنه في وقت مبكر..!! حماس ترى أنه في حال الانسحاب من قطاع غزة، لا بد أن يدار هذا القطاع إدارة مشتركة تكون حماس جزءاً منها، نرفض منطق الاستئثار والاستفراد والتهميش والإقصاء.. وإدارة قطاع غزة إما أن تكون من خلال توافق وطني، أو من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع وهو ما نحبذه في مراحل لاحقة على الأقل إذا تعذر أن يكون في المرحلة الأولى.. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا أن ذلك –الانسحاب- لا يعني نهاية الصراع، فما دام الاحتلال جاثماً على أرضنا لا يمكن لنا إلا أن نواصل مسيرة المقاومة ضد الاحتلال، ولكننا سنعتبر قطاع غزة خطوة على طريق التحرير. *هل لمستم أن لدى المصريين معلومات مؤكدة عن انسحاب القوات الصهيونية من قطاع غزة..؟ إذا أردنا أن نكون موضوعيين، هناك خطة طرحها شارون، وهو يعمل على تنفيذها مدعوماً من الإدارة الأمريكية، وينبغي أن نكون جاهزين للتعامل مع كل الاحتمالات الممكنة، ولكن طرح هذه الخطة –من جانب شارون- لا يعني بالضرورة أنها ستجد طريقها للتنفيذ، فهناك عقبات كثيرة يمكن أن تحول دون تطبيقها، أو على الأقل يمكن ألا تطبق بشكلها المطروح الآن.. *هناك من يشيع بأن "حماس" تنوي التحول إلى "حزب سياسي" وربما كان وراء هذه الإشاعات تمنيات.. هل هناك مثل هذه الفكرة؟ الذين يطالبون حركة "حماس" بأن تتحول إلى "حزب سياسيسهألأأ" لم يوجهوا مطالباتهم طيلة عقد كامل إلى "حركة فتح" بأن تتحول إلى حزب سياسي.. لقد بقي اسمها "حركة التحرير الوطني الفلسطيني" وبعد سبعة أعوام على اتفاق أوسلو عادت للإنخراط في العمل العسكري المسلح تحت عنوان "كتائب شهداء الأقصى" و"كتائب أبو الريش".. لذلك نقول: لا منطق لمن يطالبوننا بالتحول إلى حزب سياسي، ليس لأن فتح لم تفعل ذلك -وقد ذكرت فتح على سبيل المثال ليس إلا-، ولكن لأن وجود الاحتلال يفرض وجود المقاومة، ولا يمكن لنا أن نفقز عن وجود هذا الاحتلال.. *اسمح لي أستاذ محمد أن انتقل إلى موضوع حسّاس، فمنذ فترة نقرأ في الصحافة الأردنية كتابات ومقالات يتم من خلالها الدعوة إلى استئناف العلاقة بين الحكومة الأردنية وحركة حماس، حتى إن أحد الكتاب الأردنيين المعروفين حمّل ضمناً الاستاذ خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- المسؤولية عن عدم استئناف العلاقة "لإصراره على العودة إلى الأردن كجزء من استئناف العلاقة"..؟ *ما هو تعليقكم على ذلك، خصوصاً أن الكاتب المشار إليه استغرب وجود علاقة حميمة –كما وصفها- بين مصر المرتبطة بكامب ديفيد، في حين لا توجد علاقة مماثلة للأردن المرتبطة باتفاقية "وادي عربة" فهل تضع حركة "حماس" شروطاً لاستئناف العلاقة مع الحكومة الأردنية؟ وما هي هذه الشروط؟ ليس صحيحاً القول إن حركة حماس تضع شروطاً لاستئناف العلاقة مع الحكومة الأردنية، ولقد أبلغنا الحكومة الأردنية –بشكل مباشر وغير مباشر-أننا مع استئناف هذه العلاقة على قاعدة أن حركة "حماس" هي حركة تحرر وطني فلسطيني، وأسوة بعلاقة الحكومة الأردنية مع كل الفصائل الفلسطينية الأخرى. ولكن للأسف هناك موقف سلبي من قبل الحكومة الأردنية نفسها، حيث إنها لا تزال على موقفها بعدم التعامل مع حركة "حماس" لأسباب لا نجدها منطقية أو مبرّره، منها مثلاً أن "حماس" معارضة للسلطة الفلسطينية، هو مبرر غير منطقي، لأن "حماس" ليست وحدها التي تعارض السلطة، كما أن لها هي نفسها علاقة مع السلطة الفلسطينية. وأود التأكيد هنا بهذه المناسبة على أن "حماس" لا يمكن لها أن تنسى الدور الرائد للشعب الأردني في الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وأن دماء الأردنيين امتزجت مع دماء الفلسطينيين على ثرى فلسطين، وعلى ثرى الأردن، وأنه لا يمكن التوقف عند التباينات السياسية مهما بلغ حجمها، في إقامة علاقة سياسية بين الحكومة الأردنية وأي فصيل فلسطيني، خصوصاً إذا كان هذا الفصيل بحجم وثقل حركة حماس.. *وماذا عن ملف المبعدين من قادة حماس وعلى رأسهم الاستاذ خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس-؟ هذا ملف آخر لا علاقة له بالعلاقة السياسية بين الحركة والحكومة الأردنية. *هل يمكننا القول بأنكم تمدّون أيديكم لإعادة علاقة حماس مع الحكومة الأردنية إلى سابق عهدها..؟ بالتأكيد. كان الوقت قد أزف لكي يغادر الأستاذ محمد نزال، وانقطع الحديث الذي كنت أؤمل أن يمتد، ففي الجعبة الكثير من الأسئلة، ولكن حديث القائد في حركة حماس شديد التكثيف، ينحكم إلى الوقت الضيق الذي لا ينفسح لأكثر من ذلك.