منذ البداية لم يكن مريحا ذلك الترحيب المبالغ فيه من طرف حماس بزيارة الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، أولا لأننا لا نتحدث عن فتح دبلوماسي يستحق الاحتفال بلقاء رجل ترك السلطة منذ سنوات بعيدة، وثانيا لأن التجربة ما زالت تؤكد أن أكثر ألاعيب الاستدراج في السياسة إنما تأتي في الغالب من أناس خارج السلطة يتقمصون دور الوسطاء، أو من سياسيين وباحثين وكتاب وبرلمانيين يعملون لحساب دوائر بحثية وغير بحثية ذات صلات بالصهاينة أو بمراكز صنع القرار في الغرب (لماذا أصر على مقابلة عدة قيادات في أماكن مختلفة؟،). هذا ما تقوله تجربة حركة فتح والفصائل الفلسطينية، وسائر الحركات الثورية، وكذلك الحركات الإسلامية التي كانت تطالب بتقديم تنازلات مجانية، فتبدأ بشلح ثوابتها واحدا إثر الآخر من دون أن يتقدم الطرف الآخر خطوة نحوها. لعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل كانت حماس هي المعطل لعملية التسوية عندما وصلت الجدار المسدود في كامب ديفيد، أم أن العرض الذي قدّم للفلسطينيين كان من الهزال بحيث كان من الصعب تمريره؟. الآن ، هل عرض الإسرائيليون على محمود عباس ما يحفظ ماء الوجه ثم وقفت حماس في طريقه ، ولماذا يراد الحصول على ختم الحركة على اتفاق لم تكشف ملامحه بعد؟، لقد بدأت معضلة حماس من لحظة دخول الانتخابات تحت سقف أوسلو الذي لم ينتج سوى سلطة تابعة للاحتلال مصممة لخدمة مصالحه ، ثم تفاقمت أكثر بعد الحسم العسكري. في البداية قبلت الحركة ما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني رغم مخالفتها لبرنامجها وخطابها من أجل حكومة الوحدة الوطنية ، فكان أن بقيت الوثيقة وذهبت الحكومة ، واليوم لن يتجاوز هذا الخطاب الذي نسمعه لعبة التنازلات المجانية ، ومن يعتقد أن الأطراف المعنية ستتنازل عن هدفها المتمثل في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انتخابات مطلع 2006 إنما يغرق نفسه في الوهم. لقد حشرت حماس نفسها في قطاع غزة، وصار فك الحصار هو الهدف الذي تدور السياسة من حوله ، مع أن الجميع يدرك أن القطاع ليس هو أس الصراع، وهو لا يشكل سوى واحد ونصف في المئة من فلسطين، ولا تسأل قبل ذلك وبعده عما نالها من مصائب في الضفة الغربية. كيف تقبل حماس بفكرة الاستفتاء على اتفاق لم تكشف تفاصيله، وماذا لو قرروا عرضه على فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 67 دون سواهم؟ ثم ماذا لو كانت النتيجة هي الموافقة في حال كان الاتفاق على شاكلة أوسلو غامضاً يقبل التأويل فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائي، بينما يكرس الدولة المؤقتة قبل ذلك؟، عندها على حماس أن تقبل بمقدمات خريطة الطريق وعلى رأسها وقف المقاومة، وبعد ذلك تذهب لانتخابات نتيجتها معروفة ، لأن نظام القائمة النسبية في ظل مقاطعة الجهاد لن يمنحها أكثر مما منحها في المرة السابقة 44 (في المائة)، هذا إذا لم يلجأ القوم إلى بعض التزوير، والنتيجة هي عودة القطاع إلى سلطة أوسلو، ولكن بعد خسارة الكثير. أليس من الأفضل في ضوء ذلك أن يعود القطاع إلى السلطة البائسة بطريقة مختلفة، في ظل التمسك بالثوابت الأساسية؟. نعلم أن عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني هو بند مهم ما زالت تصر عليه حماس ، ولكن ما قيمة ذلك بعد الاستفتاء في حال نجح، وهو سينجح بتوفر الغطاء العربي والفتحاوي ، وفي ظل غموض بناء محتمل. أتمنى أن يعيد أحبتنا النظر في هذا المسار، وألا يواصلوا تجريب المجرب. ويبقى أن نكرر ما قلناه من قبل حول السقوط المؤكد للاتفاق القادم في حال مر بطريقة ما، حتى لو تطلب إسقاطه مزيدا من التضحية والمعاناة، فجبهة المقاومة والممانعة برصيدها الشعبي الكبير في وضع أفضل من أعدائها، ومن ضمنها حماس التي لن تغادر هذا المربع، حتى لو اضطرتها الظروف، وربما الأخطاء إلى شيء من التراجع هنا أو هناك.