الرقم الذي أعلن عنه المنظمون لسهرة ''سيداكسيون'' 2010 مساء الجمعة 17 دجنبر 2010 لا يؤشر على أكثر من استعادة المبادرة بعد ما سجلت سنة 2008 تراجعا كبيرا في التبرعات وصل إلى 6 مليون 741 ألف درهم بعدما سجلت الحملة الأولى لسنة 2005 مبلغ 13 مليون درهم. وبدون الدخول في تفسير أسباب التراجع ما بين 2005 و ,2008 وعلاقة ذلك بثقة المغاربة، فإن استعادة المبادرة في حذ ذاتها، تعبر عن وجود استعداد للمغاربة لدعم كل الجهود التي تهدف إلى محاربة السيدا بل وانخراطهم الفعلي في ذلك. بيد أن استعادة المبادرة هذه، بالإضافة إلى وجود استعداد قوي للمواطن المغربي للانخراط في محاربة السيدا، كل ذلك يتطلب أن تنفتح الجمعية المغربية لمحاربة السيدا على كل المقاربات الناجعة التي تتبناها مكونات المجتمع لمحاربة داء السيدا، وتنويع الآليات بما يتسع لإدماج مقاربات أخرى مرتبطة بثقافة المجتمع وقيمه، كما يقتضي من جهة ثانية الاعتراف بالجهود التي قام بها العديد من الشركاء الذين، للأسف، تم تهميشهم مع أنهم قاموا بجهد مقدر في محاربة السيدا، ونخص بالذكر الرابطة المحمدية لعلماء المغرب. فهذا التغييب يرمز في العمق إلى التهميش الملاحظ للمقاربة الدينية والتربوية في تلك المحاربة، والتخوفات التي يبديها البعض من اعتماد مقاربة قيم العفة في الحرب على السيدا، بل وتكريس مقاربة مناقضة لتلك القيم وهو ما تعبر عنه بعض مضامين السهرة التي اعتمدت أغاني تحمل بعض مضامينها ما يعارض قيم العفة، بل وما يشجع على نسج علاقات الحب والغرام، ومن من ذلك الأغنية التي تصف ''بنات المغرب'' بكونهم ''ناشطات'' وهو ما من شأنه تكريس الصورة النمطية التي تربط مرض السيدا بالمرأة وحدها. كان يفترض، في اللحظة التي يتم فيها التماس الإحسان العمومي من قبل كل الشرائح، أن يتم تقديم مواد تتوفر على القاسم المشترك الذي يستوعب مكونات المجتمع المدني، أو على الأقل كان يفترض أن تقدم مواد لا يتعارض مضمونها مع ركائز إحدى المقاربات التي يرجى إسهامها الفعلي في محاربة السيدا. لكن، يبدو أن هم التهميش والتغييب للمقاربة الدينية لا يزال مستمرا. الملاحظة الثانية بخصوص سهرة سيداكسيون لسنة ,2010 تتعلق بجدوى التركيز على السفير الفرنسي، فقد صعد إلى المنصة، وهو ما لم يوفره المنظمون لمسؤولين مغاربة، كما تم إجلاسه في المكان الذي لا تغادره الكاميرا، وهو ما يحمل أكثر من دلالة، لا نستطيع بالضبط معرفة حيثياتها، ليبقى التساؤل مفتوحا عن الدور الفرنسي. إن الموضوع يجري في المغرب، والجمعية التي تقوم بجمع الإحسان العمومي هي جمعية مغربية، والمستهدفون بالتبرع هم مغاربة، والقناة التي نظمت السهرة هي قناة مغربية، فالقضية كلها شأن مغربي خالص، فما علاقة السفير الفرنسي بالموضوع؟ إن وجود السفير الفرنسي، وتركيز الكاميرا عليه، والحرص على إصعاده إلى المنصة وذكره كل مرة وحين، ليس أمرا عاديا، وهو ما يحتاج إلى توضيح، لأن هناك العديد من الأسئلة التي يمكن أن تطرح بهذا الخصوص، منها ما يتعلق بالأجندة الأجنبية في المغرب، وما إذا كان المغرب يشكل حقل تجارب، وهل لاستعادة المبادرة في موضوع جمع التبرعات علاقة ما بالموضوع؟ أما الملاحظة الثالثة، فتتعلق، بالشفافية في تدبير التبرعات المحصلة عن طريق الإحسان العمومي، لاسيما وقد سبق أن ثار الجدل بخصوص هذا الموضوع، وتفجرت انتقادات كثيرة للجمعية المغربية لمحاربة داء السيدا. في مثل هذه الحالات، يصبح من الضروري للجمعية المذكورة، حرصا على مصداقيتها ورصيد التضمان المجتمعي الذي يمكن أن يكون رقم التبرعات المحصل عليها مؤشرا عليه، أن تنشر تقريرا سنويا يتضمن حجم التبرعات التي حصلت عليها، والجهات التي تقدمت بالتبرع، وبقية المداخيل الأخرى، وأوجه الصرف التي آلت إليها، فأحكام القانون 71,004 المتعلق بالتماس الإحسان العمومي، تلزم الجمعيات، أن تبعث إلى الأمين العام للحكومة داخل أجل لا يتعدى شهرا يبتدئ من تاريخ انتهاء المدة المخصصة لعملية التماس الإحسان العمومي، تقريرا حول الظروف التي جرت فيها العملية مرفقا ببيان للمداخيل المحصل عليها ومآلها والوثائق المحاسباتية المثبتة لذلك. المؤكد أن الجمعية المذكورة لحد الساعة لم تنشر أي تقرير يتضمن التبرعات التي جمعتها خلال الحملة الأولى ,2005 وحملة ,2008 وكيفية تدبيرها لمال الإحسان العمومي. فقط ما يتم الإعلان عنه هو مبلغ التبرعات المحصل عليها، وهو مؤشر غير كاف لإثبات شفافية التدبير المالي عند جمعية ما. المطلوب، لاسيما والأمر يتعلق بمرض عضال فيه معاناة إنسانية، أن تحضر مؤشرات الشفافية بالشكل الذي لا يترك أي مجال لمن يطعن في ذمة الجمعية المالية، وهو ما ننتظر أن تستدركه الجمعية وتعمل خلال هذه السنة إلى نشر تقرير مفصل عن طريقة تدبيرها للمال العمومي الذي اكتسبته عن طرق الإحسان العمومي.