ثمة حاجة لحوار عميق حول حصيلة تطبيق مدونة الأسرة يتجاوز الاختفاء وراء بعض المؤشرات الرقمية للتهرب من مناقشة أسباب الفشل في تجسيد أهدافها وروحها التي أعلنت قبل سبع سنوات، وهي الحاجة التي يؤكدها التفاعل الذي تم مع افتتاحية يومية التجديد يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2010 حول موضوع مدونة الأسرة والوهم السائد ونشر في يومية أجوردوي لوماروك في عدد الأربعاء 14 أكتوبر 2010 للصحفي عمر الذهبي، وهو تفاعل رغم الخلاف القائم في النتائج والمقاربة يحرص على الانطلاق من نفس المرجعية ويعبر عن وعي بنفس التحديات المطروحة على الأسرة المغربية وخاصة ما يهم الاتفاق على غاية العمل في صيانة تماسك الأسرة وحمايتها من التفكك. لكن في المقابل سقط الكاتب في نوع من التحريفية عندما قال بأن الحل الذي طرحته افتتاحية التجديد هو في اللجوء في القانون والتراجع عن التسهيلات المسطرية التي أدت إلى ارتفاع الطلاق وأن ذلك يعكس نزعة ذكورية تؤمن بسمو الرجل وتدعو لجعل الطلاق محصورا عليه، فمن جهة وبكل بساطة لم يرد ذلك في الافتتاحية بل هو مجرد تأويل واستنتاج لا يسنده دليل أو قرينة من النص المنشور، ومن جهة أخرى فإن ذلك الحل والاستنتاج يتناقض كلية مع ما سبق أن ورد في الافتتاحية، ذلك أن المشكل الجوهري والذي طرح بجلاء فيها، ليس هو النص القانوني للمدونة بل في تطبيق مقتضيات هذا النص، وأن اعتبار موضوع الأسرة تم حسمه بمجرد صدور نص قانوني فذلك وهم كبير، وللأسف فهو السائد ويغذيه الاحتفاء السنوي بارتفاع أرقام الطلاق، ولهذا كانت الافتتاحية صرخة لتكسير هذا الوهم والانكباب على إنتاج وتطبيق سياسة أسرية ميدانية لا تختزل في إصدار تشريعات قانونية، ومن جهة ثالثة فإن الافتتاحية والتي صدرت في اليوم الوطني للمرأة المغربية جاءت للحديث عن الآثار السلبية للتطبيق الأعوج لمدونة الأسرة على المرأة وحقوقها عكس ما توهم به مقالة أجودوي لوماروك، وخاصة ما يهم موضوع التماطل البين في عدم إحداث صندوق التكافل العائلي، وهو ما ينفي كل تأويل ذكوري . إن التحدي القائم هو في كيفية الانسجام مع روح المدونة وأهدافها وما يقتضيه ذلك من سياسات فعلية وملموسة إن على مستوى أنظمة الصلح والوساطة والتحكيم أو دعم الأسر الحديثة الزواج أول على مستوى التسريع بإخراج صندوق التكافل العائلي أو على مستوى مراقبة وتأهيل مؤسسات ومراكز الاستماع الأسرية، أو على مستوى التشجيع على الزواج والتكوين على كيفية حل النزاعات والخلافات الأسرية، ولعل في التجارب العالمية خير دليل على أن المراجعات القانونية في مجال الأسرة تبقى رهينة توفير الشروط الثقافية والاجتماعية والمؤسساتية التي تضمن تحقيق أهداف تلك المراجعات، وإلا فإن هذه الأخيرة تتحول إلى نقمة، كما تخدم عكس أهدافها النبيلة. إن نجاح الحوار المطلوب حول تطبيق مدونة الأسرة يستلزم الابتعاد عن أدلجة وتسييس النقاش حتى يمكن تأسيس أرضية مشتركة للنهوض بالأسرة المغربية.