يمكن أن نتحدث باعتزاز عن كل المكتسبات التي راكمتها المرأة المغربية على المستوى القانوني والحقوقي والسياسي، لكن يمكن أن نتحدث أيضا بمرارة عن مسار من التراجعات والانتكاسات التي تتربص بشريحة واسعة من نساء المغرب. وإذا كان النهوض بأوضاع المرأة لا يتم بدون تغيير ثقافي يرسم في وعي المجتمع صورة مشرفة للمرأة من حيث أنها إنسان كامل المواطنة، متنوع الأدوار، قوي العطاء إذا منح الفرص المناسبة للتكوين والتأهيل. لقد سبق لبعض الجمعيات النسائية أن عقدت أياما دراسية تنتقد فيها مضامين بعض الأشرطة الدينية التي تباع أمام المساجد وفي الأماكن العامة والتي حسب رأيها تروج لخطاب سلبي حول المرأة، ورفعت توصيات بمراقبة ومحاربة هذا النوع من الأشرطة. ويمكن القول أن هذا الأمر يحمل جزءا من الصواب خاصة في ما يتعلق بأشرطة سمعية وأقراص مظغوطة ( ) وافدة تحمل فكر وتقاليد بيئات متشددة في كل ما يتعلق بالمرأة لدرجة حرمانها من الحق في قيادة سيارتها. لكني أتساءل لماذا يغض الطرف عن منتوجات إعلامية أخرى عبارة عن أقراص مضغوطة (سي ديات) تباع على الأرصفة بدرهمين وتبت على الهواء مباشرة بمكبرات الصوت في جل الأسواق الشعبية المغربية في المدن والقرى، يتحلق حولها الصغار والكبار. هذه السي ديات المجهولة النسب تستنسخ بالآلاف وتوزع دون رقيب، وتشكل في نظري تهديدا حقيقيا للنساء المغربيات لأن الكثافة التي تنتشر بها تجعل الوعي المجتمعي يعيش تحت ضغط صورة وحيدة نمطية للمرأة المغربية إنها صورة المرأة التي لا تجيد سوى هز البطن واستعراض المؤخرة على إيقاع كلمات مهينة ومحقرة للنساء من المفروض أن يكون مكانها محدود داخل الكباريهات والعلب الليلية، يذهب إليها من يطلبها باختياره. أما أن تصبح أجواء الكباريهات في متناول الجميع، الراشد مثل القاصر، فإن كل المعارك التي تخوضها النساء من أجل المساواة لن تكون سوى جعجعة بدون طحين. ففي ظل غياب تأطير بديل، وفي ظل أمية متفشية تصبح تلك الصورة بكل انفلاتاتها الأخلاقية سيدة المكان والزمان وتصبح كل النساء في الذاكرة الشعبية مادة دسمة للاحتقار والاغتصاب والشبق الجنسي وتتسلل الصورة لكي تغذي خيالات المهووسين والمتسكعين والمخمورين ولذلك ينتشر التحرش الجنسي في شوارعنا أكثر من شوارع باريس وتتعرض له كل النساء بدون استثناء وفي مختلف الأعمار لأن الثقافة الذكورية الإباحية تعتقد أن كل امرأة هي مشروع عاهرة. إن الطغيان الصارخ لنموذج رقصني يا جذع والمنتشر عبر سي ديات ما يسمى بالأغاني الشعبية يجعل التمييز صعبا بين الفن والمتاجرة في أجساد النساء حيث تجعلهن وقودا لفن هابط منحط بل إن بعض السي ديات بطلاتها فتيات قاصرات مكانهن الفصول الدراسية أولا. لست ضد الفن ولكنني ضد استغلال الأنوثة لأهداف تجارية. لا بد أن الكرامة الحقيقية للمرأة هي التي تتحقق عير التحصيل الدراسي والتفوق العلمي والتأهيل المهني، وكلما انتسبت المرأة أكثر لعالم المعرفة كلما تضاءلت نسبة راقصات الكباريهات، حيث العربدة بالكرامة النسائية منتهاها أو على الأقل اشتغلت في ظروف أكثر إنسانية. هناك من المواطنين والمواطنات في القرى النائية من لا يكاد يعرف أن هناك برلمانيات مغربيات وعالمات وباحثات في كل التخصصات، لكنه يعتقد أن كل ما تستطيع أن تحققه امرأة بعيدا عن أسرتها هو أن تصبح شيخة لأن آليات التجهيل هي الأكثر قدرة على اختراق عزلة المهمشين وبناء قناعاتهم الخاطئة حتما. و عندما تهاجر الفتيات من القرى إلى المدن يحملن معهن نفس القناعات القاتلة، فلا تكاد تنجو واحدة من الشراك المفخخة. لكي نكون مخلصين للقضية النسائية لا بد أن نملك الجرأة الكافية لتكسير طابوهات جديدة تختفي وراءها إشكاليات حقيقية تؤزم حياة البشر وتهدد الأمن الاجتماعي.