يمكن تناول ولوج المرأة المغربية سوق الشغل من زاويتين: الزاوية الأولى تهم فئة من النساء نالت ما يكفي من المؤهلات العلمية والمهنية يجعلها تمارس العمل فعلا كحق من حقوقها كما تنص عليه القوانين الوطنية والدولية ويمنحها المكانة الاجتماعية اللائقة، وهذه الفئة تشكل أقلية من مجموع العاملات بالمغرب. أما الزاوية الأخرى فتتعلق بنساء دخلن مجال العمل بمؤهلات بسيطة أو منعدمة تحت ضغط ظروف اجتماعية معينة كالترمل والطلاق أو غيرهما كالهجرة القروية والتفكك الأسري وهن يصبحن معيلات أسرهن أو لأنفسهن إذ يتهددهن الجوع والتشرد إذا لم يشتغلن، كل هذا في ظل تحولات عميقة ونوعية في بنية العلاقات الاجتماعية والأسرية وفي ظل تدني الدخل الفردي وانتشار البطالة في صفوف من كان يفترض أن يكون هو المعيل الأساسي كالزوج والأخ والأب داخل الأسرة التقليدية. داخل هذا القطاع من العاملات لا يمكن أن نتحدث عن علاقة متوازنة بين المشغل والعاملة مؤسسة على حقوق وواجبات بين الطرفين واضحة بقوة النصوص القانونية، بقدر ما هي علاقة مبينة على الاستغلال والاضطهاد. ومصطلح اليد العاملة النسائية الذي نتداوله يعكس هذه الرؤية. إذ عندما نتحدث عن يد عاملة نلغي كيان العاملة الإنسانة بكل ما يستدعي ذلك من توفير الكرامة والاستمتاع بالحقوق مقابل الواجبات. بهذا التجريد والفصل يمكن قراءة النتائج مباشرة: اليد العاملة النسائية هي الأرخص على الإطلاق داخل معامل النسيج والتصبير والقطاعات الخدماتية الموسمية والهامشية. أجور زهيدة مقابل الجهد المبذول. انعدام الخدمات الاجتماعية وتمديد ساعات العمل إلى أكثر من عشر ساعات والاشتغال ليلا في غياب وسائل النقل والأمن. تنصل المشغل من المسؤوليات المترتبة عن حوادث الشغل في معظم الحالات مع عدم توفير شروط السلامة. التسريح الجماعي أو الطرد بدون تفاوض أو حتى بدون إخبار مسبق وفي المقابل نلاحظ عدم تشغيل الرجال بصفة عامة في هذه القطاعات اللهم أن يكونوا رؤساء وحدات أو أطرا عليا. هنا تتوفر كل شروط القهر النفسي والجسدي للمرأة العاملة ومع أنها تساهم في التنمية الاقتصادية ورفع الإنتاج الوطني إلا أن المجتمع لا يعترف لها بذلك ويصنفها في أسفل السلم الاجتماعي نظرا للاعتبارات السابقة. وإذا كانت النقابات تثير بطريقة مناسباتية وضعية العاملات في القطاع الخاص، فإن الأحياء الصناعية بالمغرب تشكل نقطة حرجة وشائكة للباحثين والباحثات في مجال النهوض بأوضاع المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف والتمييز، إذ لا تأخذ حقها من البحث والدراسة بالقدر الذي تناله وضعية المرأة داخل الأسرة أو داخل بيت الزوجية الذي قد يكون أرحم بكثير من العنف الصناعي الرأسمالي. وانطلاقا من استمرار تدني نسبة الزواج وارتفاع نسبة الطلاق فإن عدد النساء الباحثات عن لقمة العيش في هذه الأحياء الصناعية أو غيرها من المعامل أو في ممارسة مهن سرية أو مشبوهة مرشحة للارتفاع ليطرح تحديا حقيقيا لكنه انتكاسي إذ سيتم مزيد من الإجهاز على المكتسبات ومزيد من تجريد النساء من كافة ضمانات المساواة والكرامة مقابل دراهم معدودات مما يناقص الخطابات الرسمية وبنود مدونة الشغل. هذا المسار وما يرافقه من تداعيات تعيد إنتاج نفس المنظومة المجتمعة المكرسة للتمييز الجنسي واستضعاف الأنثى. في أفق البحث عن المعالجة الشمولية نوضح أن النظام الرأسمالي المنتوج اليوم بالعولمة واقتصاد السوق ينزع بطبيعته الباحثة عن الربح إلى سحق الأغلبية لصالح الفئة القليلة المالكة لرأس المال لكن الذي يكبح جماحه ويقلم أظافر نزعته الاستعبادية بحكم النشأة والتطور هو أن تتواجد بموازاة معه مؤسسات سياسية قوية شفافة وديمقراطية تدافع عن القانون وتلعب دور المؤطر والمراقب والمقوم للانزلاقات المحتملة ولعل هذا هو سر نجاح هذا النظام في الغرب، إذ ترتبط التنمية الاقتصادية والإنتاجية بالتنمية البشرية للأفراد وضمان حقوقهم. من دون هذه المؤسسات فإن الترسانة القانونية التي تحمي العاملات يجب أن تكون ذات قيمة بسبب الجرأة على الخرق السافر لها وبسبب الحلقة المفرغة والمفزعة التي ما تزال تحاصر المرأة المغربية وتجعلها تراوح مكانها فالأمية في القرية ما تزال تهدد النساء الفقيرات المرشحات للهجرة إلى المدن وكل فتاة أمية هي مشروع امرأة منتهكة الحقوق وعاجزة عن ممارسة المواطنة حقوقا وواجبات.