إن المتأمل في الواقع المغربي يرى غياب وعزوف المرأة عن المشاركة في الحياة السياسية، رغم أنها قادرة على القيام بدور فعال وحقيقي في بناء المجتمع المعاصر، وقد كانت مشاركة المرأة السياسية في مرحلة الاستعمار مشاركة نوعية من حيث حمل السلاح إلى المقاومين والمجاهدين، وحماية الثغور وحراسة الحدود، وهذا ما جعل هذه المشاركة تتوج بسقوط العديد من الشهيدات المغربيات في ساحة المعركة حيث كانت تشارك في المظاهرات، بل كانت أحيانا تتصدرها، خصوصا تلك المظاهرات التي قام بها الشعب المغربي ضد ما أسماه الاستعمار بالسياسة البربرية. وذلك ما اضطر الحماية الفرنسية إلى تأجيل الإجراءات المقررة في هذا الصدد إلى سنة 0391. هذا الدور الريادي للمرأة المغربية تراجع بعد الاستقلال حيث تقلصت نسبة المشاركة النسائية في العمل السياسي، وذلك نتيجة مجموعة من العوائق التي حالت دون هذه المشاركة، ومنها: 1 ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء. 2 ضعف الوعي السياسي للمرأة واستغلالها كورقة رابحة في الانتخابات. 3 المشاكل الناجمة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور لفئة عريضة من المجتمع المغربي. 4 ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بدرجة كبيرة، وخاصة في حالة الطلاق والترمل. 5 النظرة الدونية للمرأة في وسائل الإعلام والتي كرست نظرة الزوجة النمطية التي لا تتعدى حدود بيتها و"المرأة الجنس" التي لا تصلح إلا لتلبية رغبات الرجل كيفما كانت. 6 الموروث الثقافي وما يلعبه من تأثير على الرجال والنساء على السواء من حيث أن المرأة لا هم لها بالسياسة، وأن هذه الأخيرة حكر على الرجل فقط، وأن المرأة لا حول لها ولا قوة، وأنها ضعيفة ولا تتحمل مشاكل السياسة المعقدة. وهذه الصورة القاتمة القاتلة هي التي جعلت المرأة تتراجع عن دورها الريادي في المشاركة السياسية الواعية. غير أن النهوض بأوضاع المجتمع وإصلاح أحواله لا يمكن تحقيقه إلا إذا مكنا المرأة من الإسهام في ذلك وأعناها على ذلك لتتحمل مسؤولياتها، وحاولنا إيجاد الحلول لقضاياها الأساسية عوض أن نرمي بها في نقاشات عقيمة الهدف والزج بها في قضايا ثانوية عوض البحث عن حلول حقيقية مناسبة لواقعها ولدينها وأعرافها. فهذه القضايا الثانوية لا تحقق مصلحة المرأة ولا تعمل على تغيير واقعها المزري الذي يحتاج إلى تضافر جميع الجهود من حكومة وأحزاب وهيئات وجمعيات...فقضية المرأة ليست قضية نسائية بل هي قضية مجتمع بأكمله، فالمرأة التي تهز المهد بيمينها قادرة أن تهز العالم بشمالها. فلتتضافر الجهود لنعيد للمرأة موقعها السياسي في الخريطة السياسية لبلادنا ولنرجئ القضايا الثانوية إلى حين أن تتحسن وضعيتها، فمشاركتها في القضايا الوطنية لبلادها نابع من مفهوم الاستخلاف وتدبير الشأن المحلي والوطني نابع من تكليفها بعمارة الأرض وفق السنن الكونية والتاريخية، ومن إيمانها بأن هذه المشاركة أصبحت فرض عين على المرأة والرجل، وليس فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الآخر. فكل من الرجل والمرأة مطالبان بهذه المشاركة الواعية في قضايا الأمة، وإصلاح المجتمع وتنميته لا يتم إلا بإشراك الرجال والنساء على السواء، لأن هذا العمل يتطلب تكاملا في المهام بين الجنسين وكما قال صلى الله عليه وسلم: >النساء شقائق الرجال<، فلن ينهض المجتمع ولن يتقدم ولن يواصل الحياة الكريمة إلا إذا أدى جميع أفراده نساء ورجالا الأعمال المنوطة بهم، ومن هنا أقر الإسلام إنسانية المرأة المساوية لإنسانية الرجل انطلاقا من الآية الكريمة: "والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم". عشوشة شقور المزالي المنسقة الوطنية للجنة المرأة والأسرة لحزب العدالة والتنمية