تقييم معقولية ومصداقية الوقائع الواردة بالمحضر المزور بعد هذه الملاحظات الأساسية حول الوقائع، وإضافة إلى ما قدمته من توضيحات حول بعضها، أقدم هنا مثالين بارزين: المثال الأول: ما سمي بواقعة توجيه السيد محمد الشعباوي إلى اختراق سلك الشرطة. بداية، ما هي الواقعة التي تتحدث عن هذا التوجيه، أي ما هي الأجوبة عن الأسئلة التالية: متى؟ كيف؟ وأين؟.. لا نجد جوابا في المحضر المزور. ثانيا، سياق هذه الواقعة المزعومة يقول إنني كنت خارج الوطن حينها وتحديدا بفرنسا حيث كنت أتابع دراساتي العليا (دبلوم الدراسات المعمقة في التحليل الاقتصادي والمالي من جامعة أورليان بفرنسا، ودبلوم الدراسات العليا في التدبير بإ؟؟ري بفرنسا) وذلك منذ أواخر سنة ,1985 وهو ما معناه أن ارتباطي بالمغرب أصبح محدودا. وعليه، فأقل ما يقال في هذه الواقعة إن لم نقل ببطلانها فأن نقول باحتمال حصولها، والحال أنه لا حجة مع الاحتمال، الاحتمال لا يبني ولا يؤسس القناعة، بل هو يصب لجهة الشك والشك يفسر لفائدة المتهم كما تنص ديباجة ق.م.ج. ثالثا، لو تأملنا في روايات المعنيين بهذه الواقعة، فماذا نجد؟ في المحضر المزور المنسوب إلى السيد الركالة، لا وجود لأي إشارة لهذا التوجيه المزعوم. أما في المحضر المنسوب للسيد المعتصم فنجد العبارة التالية: لم يسبق أن شجعته على ذلك. أما في محضر السيد الشعباوي فنجد التأكيد على أن المرواني لم يسبق له ان وجهه إلى ذلك. فما الذي تبقى من صدقية وحجية لهذه الواقعة؟ رابعا، لاحظوا معي السيد الرئيس في خلال عشرين سنة، لم نقم سوى بتوجيه فرد واحد إلى سلك الشرطة.. فهل هذا هو الاختراق كما تزعم المحاضر المزورة للضابطة القضائية؟ إن من يستطيع توجيه فرد واحد يستطيع بالتأكيد في عدة أفراد.. وهذا مؤشر أخر على تهافت الواقعة وعدم صمودها أمام المساءلة والتمحيص، وهي مؤشر أيضا على ما طال محاضر الشرطة القضائية من تزوير مكشوف ومفضوح. خامسا، لنتساءل السيد الرئيس معا. ما الذي قدمه السيد الشعباوي لهذا التنظيم الإرهابي المزعوم؟ لاشيء.. لقد بين لكم السيد الشعباوي من خلال المناقشة معه استحالة وامتناع المنسوب إليه. السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون، إن إدراج اسم السيد الشعباوي في هذه النازلة كان جزءا من الاخراج الرديء من أجل التضخيم والتهويل. ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فمن حيث أرادوا إدانتنا واتهامنا يأتي دليل براءتنا ولله الحمد الخلاصة، السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون، هي أن هذه واقعة فاقدة لمواصفات الواقعة القانونية، فلا جواب عن متى ولا أين ولا كيف؟ وهذا كاف لإبطالها. ثم إن هذه واقعة محتملة الوقوع (ولا حجة مع الاحتمال)، وواقعة متعددة الروايات (ولا حجة مع تعدد الروايات). ولهذا كله، فإن لم تقولوا ببطلانها، فهي ليست دليلا يمكن الاستناد إليه في متابعتنا. المثال الثاني: ما سمي بواقعة إنشاء جناح مسلح أو جناح خاص.. بداية، لاحظوا معي السادة أعضاء هيئة الحكم هذا البناء في نص المحضر المزور: ما بين سنة 1988 و,1990 اتفاق على تأسيس جناح مسلح والحال أنني كنت حينها بفرنسا أتابع دراساتي العليا للحصول على دبلوم الدراسات العليا في التدبير.. ويضيف المحضر المزور: في سنة ,1990 تفكير جدي لإنشاء الجناح المسلح دون ذكر التاريخ بالضبط (أي لا اليوم و لا الشهر) ولا الإجراءات المتخذة من أجل ذلك ودون مقدمات، ودون ذكر للتدابير التي اتخذت لإنشاء الجناح المسلح المزعوم، يخبرنا المحضر المزور أنه في سنة ,1992 بدأ الشروع في تفعيل هذا الجناح فهل تم إنشاؤه حتى يتم تفعيله؟ وهذه مفارقات وعجائب هذا المحضر المزور: تفكير بجدية ثم اتفاق ثم تشاور ثم ة ثم تفعيل(!). ثانيا، هذه المعطيات المذكورة تفتقد لمواصفات الواقعة القانونية أي لا تجيب عن تفصيلات الزمان و المكان و الكيفية.... ثالثا، لنتساءل السادة أعضاء هيئة الحكم، لماذا سنؤسس جناحا مسلحا؟ ما الحاجة إليه؟ وما الداعي إليه؟ يذكر المحضر المزور أربعة دواعي: الأول، هو حماية أفراد الاختيار الإسلامي. ونحن نتساءل: ممن ومماذا؟ من كان يهددهم وخاصة أن السياق العام في البلاد في بداية التسعينات كان يعرف دينامية سياسية هامة (حركة سياسية تمثلت من ضمن ما تمثلت في تقديم الكتلة الديمقراطية لملتمس الرقابة) كما كان يعرف حيوية اجتماعية مدنية (المركزيات النقابية التابعة للكتلة كانت وراء اضرابات عامة..) خ إذن الزمن كان زمن الفعل السياسي والاجتماعي بامتياز، بحيث لم تكن البلد في حرب أهلية أو تعرف مواجهات مسلحة. وعليه، فإن منطق السياق الموضوعي للمغرب في تلك الآونة ( أي بداية التسعينات) يجعل مجرد التفكير في إنشاء جناح مسلح أمرا مستحيلا وممتنعا. الآن لننتقل إلى الداعي الثاني حسب نص المحضر المزور.. إنه ضمان مصادر تمويل ونحن نقول .. إن خيارنا الاستراتيجي كان وسيبقى دوما هو الاعتماد على الذات والتمويل الذاتي وذلك لحماية وصيانة استقلالية قرارنا السياسي التنظيمي. ثم إذا كان الهدف هو تمويل جريدة الجسر..فإننا نذكركم السيد الرئيس والسادة المستشارون بان الجريدة صدرت في دجنبر 1992 في حين أن العمليات المزعومة لم تتم إلا بعد ذلك ودائما حسب المحضر المزور وأضيف أنه من عجائب هذه النازلة أن كل المحاولات المزعومة كانت فاشلة والحال أننا استطعنا إصدار الجريدة.. فمن أين استطعنا تمويل الجريدة؟ وأفتح هنا قوسين السيد الرئيس والسادة المستشارون لأقول: لماذا كل العمليات المزعومة كانت فاشلة؟ في حين أننا نرى اليوم تنفيذ عمليات ناجحة بالسكاكين في حين نحن، حسب وزير الداخلية السابق، نمتلك أسلحة حربية ولم نستطع إنجاح أي عملية من تلك العمليات المزعومة؟ أليست هذه مفارقة في هذا الملف المفبرك؟؟ أما عن الداعي الثالث لتأسيس جناح مسلح بحسب المحضر المزور فهو الرد على الأحكام القاسية على ناشطين إسلاميين وهذا نموذج للتزوير الفاضح. لقد سألوني عن أسباب التأخر في التبلور السياسي القانوني، فكان جوابي واضحا: السلطة هي المسؤولة، فبسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أولا (ما تعرض له الإسلاميون واليساريون نموذجا) وبسبب ضيق الحريات العامة والهوامش الديمقراطية بحيث حرمنا ومنعنا من تأسيس حزب الوحدة والتنمية في يوليوز 1992 ثانيا. وللأسف استعملوا هذه الاجوبة في غير سياقها في محاولة لبناء خلفية لما ادعوه ونسبوه لنا من وقائع ومنها تأسيس جناح مسلح مزعوم. ولبيان فساد هذا البناء أقول إن محاكمة الإسلاميين تمت في سنة 1983 والتأسيس (أي تأسيس الجناح المسلح المزعوم) لم يتم إلا في سنة 1992 هذا حسب المحضر المزور، بمعنى أنه انتظرنا تسع سنوات لنرد على محاكمة أولئك الإسلاميين. هذه مفارقة والغريب في كل هذا، هو أنه في سنة 1994 سيتم إطلاق سراح غالبيتهم مع بدء الانفراج الحقوقي الذي عرفته بلادنا. وأخيرا أتساءل كم محاولة قمنا بها لإخراج أولئك المعتقلين من السجن؟ ما دام أحد الدواعي لتأسيس الجناح المسلح المزعوم هو تحرير أولئك المعتقلين .. لا شيء.. أليس هذا عبثا أيها السيد الرئيس / أيها السادة المستشارون. السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون الآن لنتأمل حصيلة هذا المشروع المزعوم خلال 20 سنة؟ خمسة وثلاثون (35) شخصا لا يعرف بعضهم بعضا بلا أية علاقات تنظيمية وبمحاولات فاشلة وبعلاقات منقطعة في الزمن بين من يتعارفون تصل إلى خمسة سنوات وفي بعضها إلى عشر سنوات أو يزيد. ثم حين نقول تنظيم.. فمعناه: لقاءات منتظمة في الزمان والمكان، وتوسع في القاعدة التنظيمية ووجود هيكلة وتراتبية تنظيمية.. فأين هي هذه المعاني في هذا المشروع المزعوم؟ ألم أقل السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون إننا أمام إخراج رديء.. نتائج وخلاصات تمرين المحاكمة العادلة السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون، بناء على ما تقدم اسمحوا لي أن ابسط بين أيديكم ثمان نتائج أساسية: النتيجة الأولى، وبميزان مرجعيتنا وهويتنا الفكرية والسياسية ورؤيتنا الإصلاحية، فليس هناك ما يجرح في هويتنا المدنية والسلمية. فنحن نرفض العنف وننبذه ولسنا فقط من دعاة الوسطية بل ساهمنا معرفيا وباقتراحات عملية في كيفية الوقاية و المعالجة من الغلو والتطرف والعنف. وإذا كان العمد، في الجرائم العمدية، يعني العلم بارتكاب فعل إجرامي وإرادة ارتكابه .إذن علم وإرادة، فقد قدمنا بيانات بمثابة أدلة إثبات قاطعة وجازمة على قصدنا السياسي السلمي المدني فيما عجزت النيابة العامة، عن تقديم أية وثيقة فكرية أو سياسية تثبت نزوعنا للعنف والغلو والتطرف. وهذا كاف لوحده لإسقاط الركن المعنوي للجرائم المفترضة المنسوبة إلينا إدعاء بلا بينات ولا أدلة ولا حجج تفيد الجزم واليقين. النتيجة الثانية، إن وجود مسطرة جزئية ضمن وثائق الملف يقتضي توظيف نتائجها واستخلاصاتها في مناقشة الموضوع وإلا توجب سحبها من ملف القضية. ثم إن غياب مساطر جزئية فيما يتعلق ببعض الوقائع يطرح بنظرنا جدوى الدعوى العمومية بخصوصها في غياب الطرف المتضرر بحيث لا يوجد ضمن وثائق ملف القضية أية شكاية أو ما يدل على إقامة دعوى مدنية من قبله وهو ما يرجح فرضية الاختلاق بهدف التضخيم ومستندنا القانوني في هذا هو منطوق المادة 2 من ق.م.ج، أما فضيحة هذا الملف فهو متابعتنا بواقعة مسطرتها الجزئية مضمنة بملف قضية آخرى وصدر بخصوصها حكم قضائي (واقعة ما سمي بماكرو فيما سمي بقضية اطلس أسني في 1994). والنتيجة الاجمالية هي ان من هذه الوقائع/الجرائم ما تحتمل الوقوع كما تحتمل عدم الوقوع، والحال انه لا حجة مع الاحتمال، ومنها ما يترجح فيه الاختلاق ولا حجة مع الاختلاق ومنها ما يترجح فيها الامتناع والاستحالة و لا حجة مع الامتناع و الاستحالة. وعليه، لا يمكن الركون إليها في تكوين قناعة المحكمة لأنها لا تفيد الجزم واليقين. النتيجة الثالثة: ان الرابط بين الجريمة (أو الجرائم) والمتهم (أو المتهمين) بما يفيد الجزم واليقين هو جوهر المحاكمة العادلة. فإلى حدود اللحظة لم توضع بين أيدينا أدلة او بينات او حجج حتى يمكن مناقشتها وبالتالي حتى يمكنكم ان تؤسسوا عليها قناعتكم وتبنوا عليها مقرركم. السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون، بمقتضى المنطوق الصريح للمادة 287 من ق.م.ج الذي يؤكد على انه : لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا امامها وبمقتضى المادة 305 من ق.م.ج التي تحدد مشمولات بحث القضية من استنطاق المتهم إن كان حاضرا والاستماع إلى الشهود والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع وبمقتضى ما ورد في ديباجة ق.م.ج من وجوب تمتيع كل شخص بالحق في العلم بجميع ادلة الاثبات القائمة ضده ومناقشتها وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 286 من ق.م.ج التي تنص على انه إذا ارتأت المحكمة أن الاثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته أي إما الاثبات وإما التصريح بالبراءة. فإنني ألتمس منكم السيد الرئيس المحترم ان تطلبوا من كاتب الضبط ان يسجل انه لم يوضع بين أيدينا للمناقشة سوى المحضر وبلا قرائن. النتيجة الرابعة: بمقتضى المادة751 من ق.م.ج تعتبر اجراءات الايقاف والتفتيش والحجز معيبة وبالتالي تعد كأنها لم تنجز. النتيجة الخامسة: لقد عرفت هذه القضية في منشأها وتدبيرها انتهاكا جسيما لقرينة البراءة ولسرية التحقيق مما كان له أبلغ الأثر على مجمل القضية وذلك بتوجيهها كليا، وخلال مختلف المراحل، لخدمة اطروحة الادانة المسبقة. النتيجة السادسة: إن طعننا بالزور في محضر الضابطة القضائية يجب ان يترتب عليه في الحد الأدنى إن لم نقل البطلان فعلى الأقل اجراء بحث تكميلي للبحث عن الحقيقة وبيانها، والتعامل مع طعننا بالزور (وهو ما ندعيه) في المحضر، وتشبث النيابة العامة به (وهو ما تدعيه) على قدم المساواة، وهو مقتضى من مقتضيات المحاكمة العادلة. النتيجة السابعة: إن حرماننا من حقنا المشروع في اجراء التحقيق التفصيلي قد افاد الجهة التي كانت حريصة على إدانتنا ولذلك فقد عمدت وعن سبق اصرار إلى عرقلة إجراء هذا التحقيق، وهذا يفترض فتح تحقيق في الاسباب الحقيقة الكامنة وراء حرماننا من اجراء التحقيق التفصيلي ومن هي الجهات التي تقف وراء ذلك الحرمان؟ النتيجة الثامنة: مقرر الحكم الابتدائي إن لم نقل إنه بدون تعليل فهو ناقص التعليل ونقصان التعليل كالعدم سواء وذلك: 1 لأنه استند إلى محضر الضابطة القضائية والحال انه مجرد معلومات إذا كان سليما (فكيف ونحن نطعن فيه بالزور وقد قدمنا بيناتنا؟). 2 استناده إلى محضر الضابطة القضائية جاء بلا قرائن (لأن القرائن لم تعرض ولم تناقش حتى يمكن الاعتداد بها في التعليل: لم تقدم امامنا شهادات المتهمين ضدنا حتى يمكن مناقشتها او اجراء المواجهة بخصوصها) 3 فيما يتعلق بشهادة متهم على متهم: الاستنجاد بهذا الدليل يبين هشاشة الاثبات الجنائي بهذه القضية، ق.م.ج لم يذكره من ضمن وسائل الاثبات(صحيح أن الاثبات حر ولكن عدم ذكره يدل على أنه ليس دليلا أولويا)، الاتجاه العام للاجتهاد القضائي يروم استبعاد هذه الوسيلة. (انظر قرار المجلس الأعلى عدد 7931 و تاريخ 05/12/86 ملف جنحي عدد 8942 مجموعة قرارات المجلس الأعلى (1981 - 1995 ) ص87 إن المشرع حدد وسائل اثبات الجرائم كشهادة الشهود و القرائن و المحاضر إلى غير ذلك، إلا أن المشرع لم يذكر من بين هذه الوسائل شهادة متهم على متهم.... و بالتالي استبعد هذه الوسيلة من يد القاضي الزجري لعدم استقامتها 4 في تقدير الاعتراف: الاعتراف امام الشرطة القضائية ليس بحجة بل هو مجرد معلومات إذا كان سليما من حيث الشكل، هناك اعترافان قضائيان الأول أمام قاضي التحقيق و الثاني أمام قاضي الحكم، الأسئلة التي تطرح هنا: أ ما الذي يجعل المتهم يعترف امام قضاء التحقيق وينكر امام قضاء الموضوع ولماذا التمييز في الأخذ بالأقوال؟ ب ما هو الاعتراف الأكثر حجية وكيف نرجح بينهما؟ أعتبر أن ما راج في المحكمة أقوى، وذلك لثلاثة أسباب : ليس هناك ضغط شرط العلانية ثم حرماننا من حقنا في التحقيق التفصيلي (البيان والمواجهة).