أطروحتنا السياسية السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون.. كما قلت آنفا الرابط هو الجواب الجنائي عن علاقة المتهم بالجريمة. فلا يكفي ان تقع جريمة ويعتقل متهم (أو يتابع غيابيا) وتتم إدانته دون الجواب عن السؤال الجنائي التالي: ما الذي يربط بين المتهم والجريمة على وجه الجزم واليقين؟ والسؤال الجنائي هنا جوابه متعين. والجواب المتعين لسؤال الرابط الجنائي تحدده المادتان 304 و305 من ق.م.ج وتسنده المواد 286 إلى 296 من ق.م.ج التي تتحدث عن وسائل الاثبات وأهميتها الحاسمة في بناء قناعة المحكمة على الجزم واليقين. وبهذا المعنى يصبح الرابط هو جوهر المحاكمة العادلة. وهنا قد يقول قائل إن المادة 305 من ق.م.ج (والتي تحدد مشمولات بحث القضية) ترهن استدعاء الشهود والخبراء وتقديم ادوات الاقتناع بشرط الاقتضاء وهنا يؤول مآل النقاش القانوني إلى بحث جدوى (والأصح جدوية) تلك الأدلة والأدوات في بناء قناعة المحكمة على الجزم واليقين. وبتقديرنا، هناك أكثر من اعتبار قانوني وواقعي لترجيح اقتضاء الأدلة ووسائل الإثبات في هذه القضية، ومنها على وجه الخصوص: 1 نحن امام قضية جنائية ضخمة حسب ما يذهب إليه الإدعاء وأمام (حسب نفس الادعاء)، تنظيم إرهابي على درجة كبيرة من الخطورة (!)، وبالتالي فنحن بحاجة إلى أدلة دامغة لا إلى مجرد استنتاجات عقلية وذهنية لا تستند إلى قرائن مؤيدة، مهما بلغت قيمتها، لا يمكن أن تخرج عن دائرة الظن ولا يمكنها انتاج اليقين. وصدق الشاعر إذ يقول: والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء 2 وجود مسطرة جزئية ضمن وثائق الملف يقتضي استغلال نتائجها من حيث الشهود فيما يتعلق بالواقعة المعنية (واقعة محاولة الاعتداء على مواطن مغربي). 3 نحن امام قضية تنتمي إلى الجرائم العمدية حسب الإدعاء، وبالتالي نحن بحاجة إلى شهود من نوع خاص لبيان ما إذا كان هناك قصد جنائي أم هو أمر ممتنع ومستحيل؟ والشهود المقصودين هنا هم اهل الرأي والعلم والسياسة والفكر والثقافة. 4 فيما يتعلق باقتضاء الخبرة والخبراء، فلأن هناك إدعاء بوجود أشياء سميت أسلحة، ونحن بحاجة إلى الخبرة لإثبات صلة الموضوع بنا ( بصمات، آثار جينية ADN). 5 ومادام الاثبات حرا، فكل ما يفيد من أدوات الاقتناع في تكوين قناعة المحكمة على الجزم واليقين امر مطلوب كما تنص على ذلك المواد 286 و 287 و422 من قانون المسطرة الجنائية. 6 ثم لا يمكن الاعتداد بمحاضر الضابطة القضائية، فنحن نطعن بالزور فيها، وكما هو معلوم فالمحاضر إذا كانت سليمة تعد مجرد معلومات (المادة 291 من ق.م.ج) فكيف إذا كان مطعونا فيها بالزور؟ نعم، جاءت النيابة العامة بسند من الاجتهاد القضائي لا يمنع من الأخذ بها (هذا إذا كانت سليمة طبعا) إذا جاءت معززة بقرائن. فآل مآل هذا المستند إلى مناقشة القرائن ولكن أين هي القرائن حتى يمكن مناقشتها؟ وحتى تضع النيابة العامة بين أيدينا ما تدعي انه قرائن معززة للأخذ بمحاضر الضابطة القضائية أكتفي بالإشارة هنا إلى أن القرينة استنتاج على سبيل الجزم واليقين وهنا يمكن ان يستند إليها مقرر هيئة الحكم. أما الشك فهو استنتاج على سبيل الإمكان ولا تبنى عليه الإدانة بالنتيجة لأنه ليس دليلا ويخطيء القاضي إن استعملها كدليل لأن الشك في قيمة القرينة يفسر لصالح المتهم ولأن اليقين لا يزال بالشك كما تقول القاعدة الفقهية القانونية. 7 يضاف إلى ما سبق ما تعرضنا له من حرمان مع سبق الإصرار من التحقيق التفصيلي وقد كانت مناسبة لاستدراك الخروقات والانتهاكات التي عرفتها مرحلة البحث التمهيدي لكنها ضيعت. السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون: إذن نحن بحاجة إلى ادلة لمناقشة مدى وجود رابط بيننا وبين المنسوب إلينا من وقائع وتهم أم لا. ولدي بهذا الخصوص ثلاث مستندات قانونية حاسمة: - الأول: ما ورد في ديباجة ق.م.ج من تنصيص واضح على مبدأ: أن يتمتع كل شخص بالحق في العلم بجميع ادلة الاثبات القائمة ضده ومناقشتها - الثاني: هو المادة 287 من ق.م.ج التي تعلن بوضوح صريح لا يحتمل التأويل : لا يمكن للمحكمة ان تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها - لثالث: هو المادة 305 من ق.م.ج التي تحدد مشمولات بحث القضية من استنطاق المتهم إن كان حاضرا والاستماع إلى الشهود والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء، وقد وضحنا اعتبارات ترجيح الاقتضاء بخصوص هذه القضية. تقييم معقولية ومصداقية الوقائع الواردة بالمحضر المزور السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون لقد ناقشنا الوقائع في غياب وسائل الإثبات لأن النيابة العامة، التي يقع عبء الإثبات عليها في المادة الجنائية عجزت كليا عن ذلك. والحال أن المواد 286 و287 من ق.م.ج تشدد على أهمية ذلك في بناء مقرر هيئة الحكم. لقد عبرنا عن مرونة عالية حين تجاوزنا هذا الأمر لنناقش محضر الضابطة القضائية أثناء المرحلة الابتدائية من هذه المحاكمة على الرغم من طعننا بالزور فيه وبرغم كونه مجرد معلومات لا يمكن أن تشكل مستندا في بناء القناعة القاطعة الجازمة. كما قمنا بتمحيص وقائعه المفترضة. وفيما يلي تذكير بمنهج ذلك التمحيص وخلاصاته: أولا: في منهج تمحيص الوقائع المفترضة: لقد اعتمدنا في تمحيص الوقائع المفترضة لهذه النازلة المفبركة على المنهج التالي: أ منطوق القانون ومنطقه. ب إعمال القواعد الفقهية القانونية. ج التوجهات الرئيسية للاجتهاد القضائي وللفقه القانوني في المادة الجنائية فيما يتعلق بالإثبات. د قواعد المنطق السليم. ه منطق السياق التاريخي ذاتيا وموضوعيا. و القناعات والوقائع على المستوى الفكري والسياسي. ثانيا: خلاصات ونتائج التمحيص والمساءلة للوقائع المفترضة: السيد الرئيس المحترم السادة المستشارون المحترمون يمكن إجمال الخلاصات فيما يلي: 1 أن مختلف الوقائع لا تنضبط لمواصفات الواقعة القانونية إما كليا وإما جزئيا. وهذا ناقض لقانونيتها وبالتالي لحجيتها في هذه النازلة. مثال: توجيه السيد محمد الشعباوي إلى سلك الشرطة، واقعة لا تحدد الزمان ولا المكان ولا الكيفية وهذا ما يبطلها ويسقطها. 2 باستثناء واقعة محاولة الاعتداء المفترض على مواطن مغربي التي تستند إلى مسطرة جزئية، فإن باقي الوقائع بدون مساطر جزئية مرجعية ومعناه إما أنها قد وقعت ونسبت إلى جهة ما مثلا ما سمي بعملية ماكرو، أو أنها لم تقع أصلا أي أنها مختلقة، أو أنها حصلت ولم يعثروا على الجناة وهذه النازلة فرصة لتصريفها بهدف تضخيم الملف وتحيين مؤشرات أداء الشرطة القضائية (!).. ومجموع هذه التخمينات يؤدي إلى نتيجة واحدة هي أن هذه الوقائع تحتمل الوقوع كما تحتمل عدم الوقوع، والحال أنه لا حجة مع الاحتمال. أما بخصوص المسطرة الجزئية لواقعة الاعتداء المفترض على مواطن مغربي فقد تضمنت شهودا إلا أن النيابة العامة مانعت في حضورهم كما أن هيئة الحكم رفضت استدعاءهم. وبالتالي فهي مسطرة جزئية عديمة الفائدة لأنه لا يمكن ترتيب الآثار عليها إلا بإحضار الشهود للتعرف على الجناة فيما إذا كانوا من بين الأضناء وهو ما لم يتم. 3 إنها وقائع متعددة أو متناقضة الروايات ، فكل رواية هي في شأن، ولا حجة مع التناقض. مثال: الواقعة المزعومة بتسليم السلاح للسيد لقمان. في المحضر المزور المنسوب للسيد لقمان، نجد أن الأمر يتعلق بتسليم كيس بلاستيكي يحتوي على مجموعة من الأسلحة، ولم تتم الإشارة إلى حضور السيد بريغش أثناء عملية التسليم. أما في المحضر المزور المنسوب للسيد بريغش، فنجد أن التسليم كان بمعيته وقد هم مسدسا واحدا. هذا مثال صارخ من ضمن أمثلة كثيرة في المحاضر المزورة والملفقة. ملحوظة:الرواية الصادقة لا تتعدد وتكون مطابقة للواقع، فالصدق طمأنينة والكذب ريبة كما يقال. 4 إنها وقائع متناقضة مع المنطق السليم (مثال: ما سمي بلقاء طنجة سنة 1992 كيف يعقل في أول لقاء يتم التحدث في تأسيس جناح مسلح؟) ومتناقضة مع منطق السياق الذاتي (يوليوز1992 تأسيس حزب الوحدة والتنمية، دجنبر 1992 إصدار جريدة الجسر، 10 دجنبر 1992مبادرة الميثاق في الجامعة المغربية لمنع العنف والاحتراب بين فصائل الحركة الطلابية)، ومتناقضة مع منطق السياق الموضوعي (بداية التسعينات شهدت دينامية سياسية واجتماعية هامة، وهي دينامية لا يمكن إلا أن ترجح الجانب السياسي السلمي في البيان والعمل). 5 وفضلا عن سقوط أركانها المادية فهي وقائع يعوزها القصد الجنائي. وقناعاتنا الفكرية والسياسية كما تبينها المقالات المختلفة التي عبرنا عنها في الجرائد كما الأفعال التي قمنا بها حينها كلها تبين الطابع السلمي المدني لهذا المشروع السياسي. ومن المعلوم قانونا أن الإثبات ينصب على الركن المادي والمعنوي للجريمة. فيما يتعلق بالركن المادي فقد بينا بالأدلة والإثباتات (وإن كان عبء الإثبات يقع على النيابة العامة) عدم انعقاده. أما الركن المعنوي، وخاصة في الجرائم العمدية، فإن العمد يعني العلم بارتكاب فعل إجرامي وإرادة ارتكابه إذن علم وإرادة. وقد قدمنا بيانات وتصريحات مكتوبة بمثابة أدلة إثبات قاطعة وجازمة على قصدنا السياسي السلمي المدني فيما عجزت النيابة العامة عن تقديم أية وثيقة فكرية أو سياسية تثبت نزوعنا للعنف والغلو والتطرف. وزيادة على كل ما سبق، فإن السياق التي برزت فيه هذه النازلة ينقض صدقيتها ويجرح في معقوليتها وواقعيتها. لقد كنا بصدد تأسيس حزب سياسي لتتحول هذه الرحلة إلى دراما إرهابية من إنجاز وإخراج جهات لا تريد لبلادنا أن تقلع وتنتقل ديمقراطيا. وعليه إنها نازلة/صناعة أمنية وسياسية لتصفية حساب سياسي وهي لا تمت إلى الحقيقة بصلة. إنها نازلة مليئة بالشوائب والشبهات ولذلك لا تصلح أن تكون مستندا لإدانتنا بل هي دليل قاطع على براءتنا، لأن الحدود تدرأ بالشبهات والشك يفسر لصالح المتهم والأصل براءة الذمة. ملحوظة: الوقائع المزعومة تنتمي إلى مرحلة قديمة نسبيا (أتكلم هنا عن القدم لا عن التقادم) وللمرء أن يتساءل: لماذا؟ ولماذا لم يتم الاستناد إلى وقائع حديثة؟ ثانيا، لماذا الاكتفاء بعمليات فاشلة؟ ! فهل هو مجرد صدفة( !) أم هو تدبير مقصود؟ إنني أميل إلى أنه تدبير مقصود لأنه لا نكون بحاجة إلى أدلة في العمليات الفاشلة كما هو الحال في العمليات الناجحة لوجود ضرر بين وواضح.