الدفاع عن الشرف موقف لايوجد فقط في ثقافة المسلمين والعرب، ولكن كذلك لدى شعوب أخرى بما فيها من يعيش بدول أوربا كالإيطاليين واليونانيين إلا أن كثرة الجرائم المرتبطة بالشرف والدفاع عنه من خاصيات المسلمين والعرب، إذ يكفي اليوم الاطلاع على مواقع الجريمة بالانتيرنيت لمعرفة مدى قيام هذه الظاهرة بالدول العرب / إسلامية التي يعتبر المغرب واحدة منها. فلا يمكن مرور شهر او شهرين دون السماع عن جريمة من هذا النوع، جريمة يكون القاتل فيها أب او أخ والضحية إما بنت او أخت او عشيقها واما زوج قتل زوجته او عشيقها الذي تخون زوجها معه او هما معا. بالطبع، تبقى نزاعات اخرى قد تحتويها العائلتان في حالة اعتداء جنسي لرجل او شاب على شابة في سن البلوغ فيتزوجها ويحل المشكل ولو مرحليا. قضية اليوم تتعلق بقتل صديق لصديقه لكون الثاني استمر في علاقته بأخت الاول رغم أمره بالابتعاد عنها. تفاصيل القضية التي ناقشتها غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء مؤخرا ندرجها كالتالي: كالعادة ، كانت القاعة المخصصة للملفات الجنائية المدرجة ابتدائيا خاصة بالنساء اكثر من الرجال الى درجة ان خارج القاعة تحول الى شبه تجمع غير مرخص به حيث تقف مجموعات صغيرة من النساء والفتيات - ما بين 3 الى 5 - ومن خائضات في الحديث حول هذه القضية التي اعتبرتها هيئة الحاكمة جاهزة للمناقشة بعد الزوال، ومع ذلك لم تنصرف تلك النساء لحال سبيلهن كما لو أنه ليس لديهن عمل او مسؤولية عائلية!؟ الجيران يعرفون كل شيء يمكن القول أننا حتى وان كنا لا نأخذ بعين الاعتبار ما يقال خارج القاعة من طرف العوم او المتقاضين، اذ نسجل فقط ما تتم مناقشته من لدن الاطراف حضوريا بالجلسة العلنية، حتى نكون مرتبطين بالاحداث كما عرضت على القضاء وحتى لا نكون منحازين لأي جهة كانت، فإن كل هذا لايمنعنا من الاستئناس بما يحكى من طرف الجيران لمعرفتهم كلمتهم وللضحية معا وكذلك لسبب هذ ه الجريمة. ما سمعناه خارج القاعة تأكد لنا من خلال ماراج داخلها من نقاش منطلق اولا هنا دون في محضر الضابطة القضائية، والامر بالاحالة المنجز من طرف قاضي التحقيق ثم ما صرح به الشهود او اعترف به المتهم قضائيا ودون تخويف او إكراه، وما تضمنته مرافعات النيابة العامة وكل من دفاع الضحية ومحام المتهم. أصدقاء بدون منازع المتهم والهالك صديقان منذ مايزيد عن عامين، ذلك ما أكده الشهود واعترف به المتهم، حيث كان الاول يتسقبل الثاني ببيت أسرته، ويخرجان معا للمقهى لمشاهدة مباريات كرة القدم لحبهما لنفس الفريقين المغربي والاسباني، كما كانا يتناولان بعض المخدرات او الخمور، بل كانا يتبادلان حتى الالبسة وخاصة الخارجية منها الى درجة ان عائلة كل واحد منهما كانت تعرف أين تجد ابنهما اذا ما تأخر عن العودة ليلا. بالطبع كان الصديقان يقضيان اكثر اوقاتهما في منزل المتهم، حتى وان كان من يمول الجلسة وطقوسها هو الضحية. احساس الام صائب استمرار هذه الصداقة لهذه المدة جعل عائلة المتهم تظن أول الامر انه مازال هناك شبان يمكنهم ان يكونوا اصدقاء فيما بينهم دون ادنى طمع او انتهازية بل لكونهم يجتمعون على الاعجاب بفريق رياضي او يتقاسمون هواية معينة، لكن مع مرور الزمن لاحظت والدة المتهم أن الهالك الذي كان متعودا على زيارة صديقه في أوقات معينة لوجوده بالمنزل، فإنه بدأ يأتي للمنزل، في غيابه مما جعل الام تخبر ولدها بذلك طالبة منه ان ينبه صديقه بألا يقدم على زيارته الا بعد ان يتصل به هاتفيا ويتأكد من تواجده بالمنازل. الام أفهمت ابنها بأنه مادامت بالبيت اخته وهي فتاة في مقتبل العمر ولازالت تتابع دراستها بالثانوي فقد يعتقد البعض ان صديقه بأخيها خارج اوقات تواجده هو لتكون الفرصة سانحة له برؤية الاخت والحديث إليها ولربما حتى مغازلتها. اكتشاف الحقيقة المؤلمة في بداية الامر، لم يكترث المتهم للامر الذي اخبرته به أمه، معتبرا ذلك مجرد كلام خاصة وانه يعرف كيف يتصرف صديقه مع الفتيات، وبالتالي فإنه كان يظن ان صديقه لن ينظر الى أخته احتراما لصداقتهما ولكونه هو لاتسمح له أخلاقه ان ينظر الى أخت الضحية الا بعين اخوية. مع مرور الوقت لاحظ المتهم ان الضحية لم يبق يقوم بزيارته، كما كان باستمرار بل إنه في بعض الحالات، حتى بعد الاتصال به هاتفيا والاتفاق على اللقاء في المقهى فإن الضحية غالبا ما لا يأتي، وهذا مازاد في تساؤلات المتهم حول هذا التصرف الجديد. هذه التساؤلات لم تدم طويلا اذ اخبره احد أبناء الزقاق الذي يسكنه انه رأى أخته وصديقه صدفة يتجولان بالحديقة، ولما عادت أخته استفسرها في الامر فنفت الحقيقة، لكنه عندما ذهب عند صديقه للتأكد اخبره انه يحبها، فأمره بالابتعاد عن أخته وقطع كل صلة به . الحل هو القتل كانت العلاقة الغرامية قد توطدت بسرعة بين الصديق واخت صديقه الى درجة اصبحا يلتقيان باستمرار وتأتي من يخبر المتهم بما يقومان به. لم يستطع المتهم ان يتقبل هذه العلاقة التي أصبح على يقين أن الضحية قد خطط لها بإظهار سخائه ليس فقط معه هو عندما كانا صديقين ولكن كذلك لأخته التي أخبرت أمها بحقيقة حبها للهالك ولرغبتهما في الزواج.. وبما أن الشبان يعرفون بعضهم البعض فإن المتهم كان على يقين ان الضحية لايريد عقد علاقة مع أخته تؤدي الى زواجهما،اذ لو كان كذلك لصارحه وأمه بذلك متقدما وأسرته لخطبتها، وقتها يمكنهما الخروج بالالتقاء معا. كان المتهم يفكر في مستقبل أخته الذي سيضيع، وأنها ستصدم ولربما قد تنقطع على الدراسة لهذا فكر في إبعاد «صديقه» عنها. بعد تفكير طويل لم يجد طريقة سوى قتله، فاقتفى أثره حتى وجده مع أخته التي أمرها بالانصراف فباغته بطعنة أولى ثم ثانية ثم ثالثة بسكين ليرديه قتيلا ولاذ بالفرار. المحكمة وظروف التخفيف بمكان الحادث كان هناك بعض الشهود الذين اعطوا أوصاف المتهم للضابطة القضائية التي حضرت لعين المكان، وهذا ما سهل عليه التعرف على المتهم وإلقاء القبض عليه بسرعة وإنجاز محضر لأقواله وتقديمه أمام الوكيل العام لدى المحكمة الاستئناف بالبيضاء الذي امر بإجراء تحقيق والمتابعة من أجل القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد . طبقا لمقتضيات الفصل 393 من القانون الجنائي الذي ينص على أن «القتل العمد مع سبق الاصرار او الترصد يعاقب عليه بالاعدام». بعد انتهاء التحقيق الذي لم يدم طويلا لأن المتهم اعترف بدون أي محاولة للنفي او التملص أكد قاضي التحقيق المتابعة و احال المتهم على غرفة الجنايات لمحاكمته من أجل المنسوب اليه. المحكمة من جهتها، وامام اعترافه القضائي، وبعد استماعها لبعض الشهود، ولمرافعات ممثل النيابة العامة ودفاع الهالك ومحام المتهم آخذت هذا الاخير وحكمت عليه ب 18 سنة سجنا نافدا وغرامة وتعويض لعائلة الهالك. وهكذا انتهت علاقة كانت من منطلقها مبنية على مصلحة من أحد طرفيها.