لمجرد الشك في سلوك أنثى يعطي القانون الحق لولي أمرها قتلها ، ويكون جزاؤه البراءة أحياناً أو حكماً مخففاً في أغلب الأحيان ، وكأنه تواطأ مع ذكورية المجتمع من أجل إهدار دم النساء العربيات ، وخبراء حقوق الإنسان يرجعون هذا التواطؤ إلى أن المشرع في النهاية يكون رجل وسط ثقافة ذكورية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن " هل سيبقى الوضع كما هو عليه؟ ولماذا يصر الرجل على ظلم المرأة التي أوصى عليها الحبيب المصطفى عندما قال "رفقاً بالقوارير"؟ بسياسة احتكار المرأة يتعامل الرجال الشرقيون مع ذواتهم ، لذا لا يحق للمرأة في المجتمعات البدوية والريفية أن تخالط رجالاً أغراباً عنها وإلا كان الموت مصيرها الأكيد ، ولأنها ملك له يحق له قتلها وقتما يدب الشك في قلبه ، ولعل ذلك ما قام به قام رجل سوري دون أن يتقصى الحقائق ، فقتل زوجته عندما سمع صوتاً صادراً من سطح بيته معتقدا أنه عشيقها ، وبعد جريمة القتل تبين أن هذا الصوت من السطح ما هو إلا "خربشة قطة" ! في سوريا .. 300 ضحية سنوياً تحالف شقيقان واتفقا على قتل أختهما العروس بعد أن طلبت منهما تأجيل زفافها لمدة شهرين، إذ لم يتركا لأنفسهما فرصة للتأكد من عذريتها بعد أن أخبرهم ابن أختهما الأكبر أن خالته ( حامل) بطريقة غير مشروعة, وأنها في الشهر السابع من الحمل, وتضع رباطاً على بطنها لإخفاء معالم هذا الحمل وقد سبق لها أن زارته وهي في اليوم الأربعين من الحمل وطلبت مساعدته -لإنزاله- فأحضر لها حبوب منع الحمل ولكنها لم تفلح . إلا أن الطب الشرعي بعد تشريح الجثة أثبت عذريتها. هذه ليست الجريمة الوحيدة من نوعها في سوريا التي تحتل المرتبة الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار "جرائم الشرف"، ويقدر خبراء سوريون عدد الجرائم المرتكبة بداعي "الشرف" سنوياً بنحو 300 جريمة معظمها في المجتمعات الريفية ، مشيرين إلى انتشارها في الآونة الأخيرة . وبالرغم من ذلك تعطي المادة 548 من قانون العقوبات السوري الرجل الذي يقتل زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته بداعي "الشرف"، حق الاستفادة من العذر الذي يجعله في حكم البريء، أو الاستفادة من الحكم المخفف إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر، تشترط التلبس للعمل بها. وتدعم هذه المادة من القانون أيضاً العادات والتقاليد الاجتماعية التي لا تزال تحفر في الذاكرة العربية منذ عصر الجاهلية حتى الآن، وتوفر تلك القيم الحماية الكافية للشخص الذي يرتكب "جريمة الشرف". من جانب آخر نجد سوريا ليست الدولة العربية الوحيدة التي تنتشر بها جرائم الشرف، حيث تتقاسم معها اليمن أيضاً الايمان بتطبيق تلك الجرائم حفاظاً على شرف العائلة ، ويكون الشك هو بطل الجريمة في الغالب . فقد أثبتت دراسة أكاديمية بجامعة صنعاء باليمن ، تناولت انتشار ظواهر جرائم الشرف والزواج المبكر والانتهاك الجنسي للأطفال في اليمن ، أن تعرض الفتيات إما للقتل أو انتهاك حقوقهن كأطفال، لمجرد الظنون أو الشبهات. وذكرت الدراسة أن المفهوم المجتمعي له بدا متسعاً لدرجة احتساب البعض حديث الفتاة مع رجل ماساً بالشرف مما يؤدي إلي انتهاكات كثيرة لحقوق الأطفال بداعي حماية الشرف. الأردنيات في قفص الاتهام أقدم شقيقان أردنيان في وضح النهار وبإحدي ضواحي عمان، على تهشيم رأس أختهما بالبندقية حتى الموت "غسلا للعار"، وذلك بعد أن لاحقاها من منزل زوجها إلى الشارع. أما المارة في الشارع فلم يتعدى دورهم دور جمهور المتفرجين علي فيلم في السينما . وأشارت الصحف الأردنية إلى أن الشقيقين قتلا المرأة بعد أن أكدا أنها أقامت علاقة غرامية خارج نطاق الزوجية واحتجزت في سجن للنساء "والحجة حفاظاً على سلامتها" ، إلا أنه تم إطلاق سراحها بعد أن وقعت العائلة تعهدا بضمان سلامتها. يرجع خبراء علم الاجتماع تفشي جرائم الشرف في الأردن إلى الطابع العشائري الذي تتميز به المملكة ، وتشير الإحصاءات الرسمية الأردنية إلي أن عدد جرائم الشرف لعام عام 2005 التي نظرتها نظرت المحاكم الأردنية 18 قضية ، وعدداً مماثلا في عام 2006 ، ولكن بعض نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير. ولكن انتهاك حقوق المرأة في الأردن لا يقف عند حد القتل فقط ، بل قد يصل في بعض الأحيان إلي دخولها السجن محل الجاني ، فقد ذكر تقرير آخر لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ، أن الحكومة الأردنية تسجن النساء المهددات بجرائم "الشرف" ، بدلاً من أقاربهن الذكور الذين يهددونهن، وفي الحالات التي تُزهق فيها أرواح النساء، يحكم القضاء على القتلة بأقل عقوبة ممكنة. وفي هذا الإطار ، تؤكد ليلي نفّاع ، عضو جمعية "النساء العربيات" الأردنية، أن جرائم الشرف في المجتمع العربي بصفة عامة والأردني بصفة خاصة تأتي كإحدى صور ونتائج العنف الأسري ، كما أن القانون يعطي للجاني الحق في القتل بذريعة الدفاع عن الشرف ، والسبب أننا نعيش في مجتمع ذكوري طغت ذكوريته وتمجيده للرجال على القانون الذي يفترض أن يكون منصفاً لكلا الطرفين . الشك سندهم الأول رغم أن الشك هو سند الرجال الوحيد في 79% من جرائم الشرف المصرية ، بحسب دراسة لمركز قضايا المرأة المصري ، إلا أن القانون يعطي الرجل الحق في التخلص من زوجته لأي أسباب أخرى كالرغبة في الزواج عليها ، أو التخلص من نكدها ، والحجة هي الدفاع عن الشرف ، من أرض الواقع الفعلي لجريمة الشرف تؤكد ذلك المحامية هالة عبدالقادر مدير المؤسسة المصرية لتنمية المرأة ، والناشطة الحقوقية في قضايا المرأة وتضيف قائلة : في مصر لا يوجد عقوبة لما يسمى بجرائم الشرف ، وإنما القتل بسبب الشك في سلوك المرأة ، وهنا عندما يقتلها الرجل يعطي له القانون ميزة تصدر من المادة 17 في قانون العقوبات تعطي الحق للقاضي أن يخفف العقوبة لدرجتين أقل ، وفي حين أن أصل الجناية سبق إصرار ، تصل مع التخفيف إلى جنحة وهي أقل درجات العقوبة ، وتكون مبرر القاضي في مثل هذه الحالات متعاطفاً مع الرجل "الجاني" الذي شك في سلوك زوجته أو الذي تشكك فيها وأنه حبيس لضغوطه النفسية ، أو أن المجني عليها هي التي استفزته وخرجت عن العرف ، وهذا في رأيي قمة التمييز الموجود في القانون . لذا ترى مدير المؤسسة المصرية لتنمية المرأة أن هذا التمييز يعتبر قمة صور العنف ضد المرأة ، حيث يعطي الرجل مبرراً للقتل داخل الأسرة ، ويكافئه أيضاً بعقوبة مخففة ، ليكون في النهاية دم المرأة مهدر دائماً كضحية لمجرد شائعة ، فمن الممكن جداً أن يثير الرجل نفسه حول زوجته شائعات تلوث سمعتها ويقتلها طمعاً العقوبة المخففة ، وهدفه الأصلي التخلص منها لأي سبب كان . تمييز قوانين الزنا وتقول المحامية هالة عبد القادر : رغم أن القرآن ساوى بين الرجل والمرأة في حالة الزنا إلا أن القانون المصري لم يقر هذه المساواة في عقوباته ، مخالفاً بذلك الشريعة الإسلامية ، فعقوبة الزاني في القانون المصري ستة أشهر ، أما الزانية سنتين ، ويصل حد التمييز إلى أن الرجل له الحق أن يثبت زنا زوجته في أي مكان ، أما الرجل فلا تقع عليه العقوبة إلا إذا زنا داخل منزل الزوجية فقط ، ومباح له الزنا في أي مكان آخر . في نهاية حديثها ترى المحامية والناشطة الحقوقية هالة عبد القادر أن هذا التمييز من شأنه إباحة الفاحشة داخل المجتمع بأسره . مجتمع ذكوري من جانبه ، يرجع الدكتور رفعت عبد الباسط الأنصاري ، أستاذ علم الاجتماع ، التمييز الواقع على المرأة إلى طبيعة المجتمع الذكورية ، خاصة في المجتمع الخليجي والبدوي الذي يفضل الذكر عن النثى ، وعند الإنجاب يتمنى أنه يكون المولود ذكراً ، ولو كانت ذرية الرجل من البنات يتزوج من امرأة أخرى بحثاً عن الولد . يقول أستاذ علم الاجتماع : هذا المجتمع الذكوري لا يجرم القتل المبرر بالدفاع عن الشرف ويعتبر الجاني بطلاً ، بينما يجرّم السرقة إذ يراها من نواقص الرجال . والحل في نظر الدكتور رفعت عبد الباسط ، يمكن في القضاء على الأمية وانتشار الثقافة بين جميع طبقات المجتمع ، فقد أصبح العالم الآن قرية صغيرة ، ومنظمات المجتنمع المدني لا تكف عن المناداة بالقضاء على التمييز . قانون غير إسلامي أما الدكتور أحمد حمد أحمد أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ، يؤكد أن هذه القوانين مخالفة لشريعة الإسلامية ، ولا يحق لولي الأمر قتل امرأته لمجرد الشك ، وإن فعلها ، فيطبق عليه حد قتل النفس بغير حق ، أي يُقتل مثلما قتل . مشيراً إلى موقف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عندما أُتهمت عائشة في شرفها ، حيث تحلى بالصبر وجاءت تبرئتها في القرآن ، وكان الحكم على من يسب امرأة بفاحشة الجلد 80 جلدة ، لذا ينصح أستاذ الشريعة والقانون بعدم تهور الرجال وراء الشك وليكن لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . ويضيف : كما أن الشريعة الإسلامية نصّت على وجود أربعة شهود عدول ( أي لا يوجد علبهم انتقاد أخلاقي ) يعدلوا في شهادتهم ويكون قد رأوا حالة الزنا وأثبتوها حتى يتم تنفيذ الحكم . وعن عقوبة الزنا في الشريعة الإسلامية يقول الدكتور أحمد حمد : عقوبة غير المحصن وغير المتزوجة الجلد 100 جلدة ، هذا في حال ثبوت الزنا عليهم بشهادة الشهود ولم تختلف الشهادة بيهنم ، حيث قال تعالى ففي سورة النور : "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ" . ويضيف : أما لو كانا محصنين تكون عقوبتهما الرجم حتى الموت ، ويشهد عليهم أربعة من الشهود . هذه العقوبة ثُبتت ونُفذت في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، ونفذت كذلك في عهد عمر بن الخطاب . في الوقت نفسه اختلف فيها العلماء المسلمين ففريقاً يرى أنها تكون مطلوبة شرعاً مطلوبة ، ويمكن لولي الأمر تركها ، ولكني أنا لا أرى ذلك في الحصن ، ويجب أن يرجم إذا توفر أربعة شهود عدول ، وهناك فريق آخر من العلماء يرى أن هذه العقوبة ثابتة في القرآن لكنها نسخت هذه الآية ، حيث كانت تالية للآية التي تنص على جلد الزانية والزاني في صورة النور والتي يقول فيها تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ " ، ويقول العلماء أن الآية التالية لهذه الآية كانت " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ا