ليس ثمة جديد في مسودة البيان الختامي لمؤتمر شرم الشيخ الذي سيعقد هذا اليوم الثلاثاء، لأنه في واقع الحال مجرد احتفال لتكريس واقع تكرس منذ أسابيع بالمواقف الحقيقية؛ المعلن منها وغير المعلن بشأن الملف العراقي. نتذكر أن موعد المؤتمر قد أعلن قبل الانتخابات الأمريكية ببضعة أسابيع من أجل تحسين فرص بوش في الفوز في بالانتخابات، وهو ما كان، حيث أدرك المعنيون رسالة المؤتمر منذ الإعلان عنه، والتي خلاصتها أن المجتمع الدولي قد قرر الخروج من دائرة الفرجة على الورطة الأمريكية في العراق إلى دائرة العمل والمساعدة في إخراجها منها، وإن تم ذلك تحت عناوين براقة مثل مساعدة الشعب العراقي على تحقيق الحرية والأمن والاستقلال والسيادة. كان هدف بوش هو الرد على مقولات خصمه كيري حول فقدان الحلفاء الدوليين بسبب سياساته في العراق، فقد كان حضور المؤتمر هم جيران العراق وبعض الدول المؤثرة عربياً وإقليمياً، إضافة إلى الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الثماني الصناعية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، وخلاصة الرسالة مرة أخرى، هي أن هؤلاء جميعاً قد قرروا العمل جنباً إلى جنب مع الولاياتالمتحدة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في العراق. كان الأمل هو أن لا يحل موعد المؤتمر إلا ويكون التمرد في الفلوجة والمدن السنية قد أخضع، في إشارة إلى أن الانتخابات قادمة والمشاركة فيها ستكون واسعة، وهي القضية التي يعول الغزاة عليها في سياق الإيحاء بأن الاحتلال قد انتهى وأن القوات الأمريكية الموجودة في العراق هي قوات صديقة موجودة بأمر من الحكومة العراقية المنتخبة. لكن المقاومة التي أفسدت البرنامج الأمريكي من مبدأه وحتى الآن، كانت له بالمرصاد هذه المرة أيضاً، فالمقاومة لم تخضع بسهولة والمدينة الصغيرة ومجاهدوها الذي لا يتجاوزون ألفين تمكنوا حتى الآن من فرض إيقاع معركة رائعة أرهقت الغزاة وأفسدت عليهم خططهم في لجم المقاومة، كما جعلت احتمال عقد الانتخابات، فضلاً عن إنجاحها أمراً مشكوكاً فيه. هكذا يأتي موعد لمؤتمر فيما روائح الموت والدمار تنبعث من الفلوجة، وإلى جانبها أنباء بسالة المقاومة واتساع نطاقها في العديد من المدن العراقية، في ذات الوقت الذي تعاني فيه الأنظمة العربية من عزلة شعبية بسبب موقفها مما يجري، وهي التي ما كان لها أن تخرج بمواقف معقولة على مشارف المؤتمر العتيد، وبخاصة الدولة المستضيفة التي طالب وزير خارجيتها بالحرص على حياة المدنيين في الفلوجة كي لا يقعوا ضحايا القصف الجوي والبري!! من المؤكد أن معركة الفلوجة قد أفسدت أجواء المؤتمر العتيد، لكن ذلك لن يغير الكثير بالنسبة لأنظمة عربية خائفة من السوط الأمريكي الذي يأتي هذه الأيام أكثر قوة وغطرسة بعد فوز الزعيم (بوش) بغالبية معقولة في الانتخابات، الأمر الذي ينطبق على مواقف دولية بدت أكثر انسجاماً مع الولاياتالمتحدة، على رغم أن هذه الأخيرة لم تقدم لأي أحد وعوداً حقيقية باقتسام الكعكة في حال ساعدها في الخروج من الورطة. من الواضح أن مد المقاومة العراقية الهادر قد غدا مصدر قلق للجميع، لا لشيء إلا لأنها مقاومة تضرب الرأس الأكبر في هذا العالم، ومن يتجرأ على الرأس لن يتوقف عند ما تبقى. لكن هذه المقاربة لا تبدو منطقية في الواقع العربي، فلو وقفت الأنظمة بشكل من الأشكال إلى جانب المقاومة العراقية، فإنها ستحظى برضا الجماهير التي تقدم معركتها مع الهجمة الأمريكية على مشاكلها الداخلية مع فساد الأنظمة. لكن السؤال الإشكالي في هذا المقام هو "من يقنع هذه الأنظمة بأن تحالفها مع شعوبها وأمتها أفضل لها من التحالف مع الخارج هرباً من إصلاح الداخل؟". ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني