كتبنا غير مرة خلال الأسابيع الماضية حول رؤيتنا لتفضيل بوش على كيري كرئيس للولايات المتحدة خلال المرحلة الماضية، لكن ما جرى كان أفضل مما توقعنا، ذلك أن النتيجة الجيدة التي حصل عليها صاحبنا لا بد ستدفعه قدما نحو ذات السياسة اليمينية المتطرفة التي انتهجها، على اعتبار أن الجمهور قد صوت لذات السياسة وأعلن دعمها بكل قوة. هكذا سيدخل الرئيس بوش دورته الجديدة متسلحاً ببيعة شعبية واضحة، خلافاً لحاله في المرة الأولى، الأمر الذي سيمنحه الكثير من الثقة للاستمرار في ذات النهج، وربما بقوة وغطرسة أكبر من تلك التي اتسم بها خلال ولايته السابقة. واقع الحال هو أن تفضيل كيري على بوش لم يكن يملك الكثير من المنطق، أقله من وجهة نظرنا، ليس لأن موقفهما من الملف الفلسطيني يتسم بذات الانحياز الأعمى فقط، وإنما لأن التعويل على شيء مختلف في العراق من طرف كيري لا يبدو مقنعاً، اللهم إلا في السياق المناهض للأحلام العربية، وحيث يمكن له أن يقاسم الآخرين شيئاً من الكعكة كي يورطهم في اللعبة، الأمر الذي يجعل من مقاومتها أمراً أكثر صعوبة. من مجمل ما سمعنا من كيري، فقد وجدنا أننا إزاء رجل يقيس لعبته السياسية بأقل قدر من العنجهية والغطرسة مع الآخرين، من دون أن يعني أن موقفه العام سيكون ليناً، فقد تعلمنا أن لكل رئيس أمريكي حربه أو حروبه الخاصة، فضلاً عن أن الإمبراطوريات لا يمكنها الاستغناء عن منطق الحروب، ونتذكر أن كلينتون ذاته قد خاض ثلاث معارك خلال ولايتيه (يوغسلافيا، هاييتي، وأخيراً العراق في حرب جزئية عام 1998). الآن، نفرح بفوز بوش، لكننا نفرح أكثر بفوزه الواضح، الأمر الذي سيمنحه الكثير من غرور القوة الذي لا بد منه كي يواصل سياساته الحمقاء هنا وهناك، وبذات الروحية من الغطرسة والتجاهل للوضع الدولي. من المؤكد أن ثمة مخاوف حقيقية من أن تؤدي سياساته المتغطرسة إلى مزيد من التراجع في المواقف العربية، أكان في الملف الفلسطيني أم العراقي، الأمر الذي سنلمسه بوضوح في مؤتمر شرم الشيخ الذي سيعقد قبل نهاية هذا الشهر، لكن ذلك لن يعني الكثير، لسبب بسيط هو من الطبيعي أن تعاني الأمة بسبب الهجمة الأمريكية أكثر من معاناتها من سياسة الابتزاز الناعمة. والحال أن مصالح الأمة لا تقاس بالراهن، أو بالمستقبل القريب، لكنها تقاس بالأبعاد الاستراتيجية، وفي هذا السياق يبدو أن بوش مرشح لمزيد من الحماقات السياسية التي تدخل بلاده في حروب استنزاف كثيرة تستهلك طاقاتها وثرواتها وتضيع الكثير من أبنائها. وإذا كانت حرب العراق قد كلفت 200 مليار دولار حتى الآن، فإن المستقبل القريب سيحمل الكثير من الاستنزاف في مغامرات أخرى. سيقول البعض إن بوش سيتخلص في دورته التالية من عقدة إرضاء اليهود، وهو أمر ليس صحيحاً بحال من الأحوال، لأن الرجل سيبقى أسيراً لرغباتهم، والسبب هو أن غالبية الكونغرس بجمهورييه وديمقراطييه ستظل تطارده، سيما وأن المسيحيين المتطرفين لهم موقفهم الأيديولوجي لصالح الدولة العبرية، فيما يقف الآخرون في إدارته وأنصاره في ذات المربع المتطرف ويميلون إلى عسكرة الوضع الدولي، وهم ذاتهم أصحاب كشروع قرن إمبراطوري أمريكي جديد. والنتيجة أنهم جميعاً مع مواصلة المغامرة العراقية التي تشمل إيران وسوريا ومن ثم العالم العربي برمته تحت لافتة مشروع الشرق الأوسط الكبير. ما يجهله بوش وجموع اليمينيين المتصهينين من حوله هو قدرة جماهير هذه الأمة على التماسك ورد العدوان، سيما حين تتحلل من عقد أنظمتها، وإذا كان تجربة العراق لم تعلمهم فقد يعني ذلك مغامرة جديدة تمنحهم تجربة جديدة!! قصارى القول هو أننا حين نقارن بين الزعيمين بكثير من العناية، فسنكتشف بالفعل أن بوش هو العدو الأسهل، والأفضل لأوضاعنا المستقبلية. والله أعلم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني