طوي أول أمس الأربعاء فصل من الترقب والانتظار دام عدة أشهر وحمل معه آمالا في حصول تغير في الإدارة الأمريكية، على شاكلة ما شهدته الانتخابانت الإسبانية في مارس الماضي، حيث جاءت النتيجة النهائية على خلاف القراءات الاولى المتسرعة والتي أعطت الفوز لمرشح الحزب الديموقراطي جون كيري، لتنكشف النتيجة النهائية الأولية عن فوز جورج بوش بعد أن تقدم بفارق أكثر من 3,5ايين صوت وبنسبة 51,1 أصوات الناخبين و286 من الناخبين الكبار مقابل 48,5يري و252 من الناخبين الكبار لصالحه، وجعل من غير المجدي انتظار نتائج ولاية أوهايو والتي كانت المؤشرات راجحة لبوش فيها، وهي نتيجة مرة عبرت عن هزيمة قاسية للحزب الجمهوري، وانتصار بين لبوش، وتجدد معها مخاوف العالم عموما والمنطقة العربية والإسلامية من سياسات بوش، وتفتح بالتالي البشرية على مخاطر أربع سنوات من اللاستقرار واللأمن واستفحال هيمنة اليمين الصهيوني المؤيد لإسرائيل في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. عوامل الحسم تعددت قراءات المحللين للأسباب المفسرة، إلا أن ثمة اتفاقا على أن شريط أسامة بن لادن الأخير كان ذا مفعول حاسم لصالح إعادة انتخاب بوش وبشرعية شعبية أقوى بكثير من نتائج انتخابات ,2000 حيث أن عامل الأمن وجه السلوك الانتخابي للمواطن الأمريكي، والذي كان الدافع لحوالي 85 في المائة ممن صوت لصالح بوش، حسب ما أفادت استطلاعات الرأي التي أعقبت التصويت، أما العامل الثاني فقد تمثل في فشل رهان الحزب الديموقراطي على توسيع الكتلة الناخبة من الشباب، حيث لم تعرف هذه الكتلة تغيرا وازنا بالمقارنة مع انتخابات ,2000 مما نجم عنه نوع من الاستقرار في الكتلة الناخبة، وجعل التوجهات المفصلية فيها لا تتغير، اللهم إلا ما جرى في موقف المسلمين الأمريكان حيث أعلنوا دعمهم لصالح كيري نهاية الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر الماضي، حيث لم يرق التصويت الانتخابي لهم إلى درجة تشكيل ما يمسى بالكتلة الحرجة في عموم الولايات، إلا أن ذلك كان له أثره في كل من ولايات صوتت مشيجان وبنسلفانيا ويسكونسن، أما ولايتي أوهايو وفلوريدا فلم يكن لذلك اثره المحدد، بل إن هاتين الولايتين ساهمتا بشكل مباشر في ضمان فوز بوش، وفي المقابل كانت الدوافع الدينية المسيحية المحافظة ذات تأثير حيث كشفت استطلاعات الرأي أن 78 في المائة ممن صوتوا لصالح بوش كان الدافع دينيا وأخلاقيا في مقابل 19 في المائة ممن صوتوا بنفس الاعتبار على كيري. انتخاب بوش ومستقبل قضايا المسلمين لقد جاء فوز جورج بوش بعد حملة انتخابية صعبة وحرجة، وجد نفسه أثناءها أمام تحديات ومعضلات حقيقية في مسار السياسية الخارجية الأمريكية إزاء كل من العراق وفلسطين، وفي مواجهة التدهور المسجل في الحريات المدنية للمسلمين داخل الولاياتالمتحدة، وهي قضايا حملت معها تهديدا فعليا بعدم إعادة انتخابه، كما كشفت عن عمق الشرخ الذي أحدثته السياسة الأمريكية ليس فقط على صعيد صورة الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي والعربي، وبل وعلى صعيد أمريكا نفسها، وهو ما يجعل بوش أمام تحدي المراجعة الشاملة لسياساته تجاه المسلمين داخل وخارج أمريكا. لم يكن برنامجا الحزبين مختلفين إزاء قضايا العالم الإسلامي، بل إن كيري غالى أكثر من بوش في موقفه من الكيان الصهيوني، ولم تعرف الحملة مؤشرات عن حصول انعطاف إيجابي في برامج الحزبين المستقبلية خاصة وأن جزءا مهما من توجهات السياسية الخارجية يلعب الكونغريس دورا مقدرا فيه ما يفرض توافقا بين الحزبين في التوجهات الكبرى، رغم استمرار تفوق الحزب الجمهوري داخل الكونغريس، وبهذا الاعتبار فإن فوز بوش أو كيري لم يكن من الناحية البرنامجية سيحمل تغيرا كبيرا. إلا أن المشكلة تتجاوز البرامج إلى المسؤولين فمع بوش ستزداد سيطرة اليمين المحافظ الجديد ذي المرجعية المسيحية الصهيونية في توجيه وتحديد الأولويات والأدوات التفصيلية لتنفيذ تلك البرامج، بمنطق تحكمه الهيمنة والاستفراد وتهميش الأممالمتحدة وتوظيفها لصالح استراتيجيات محددة كما هو الشأن في قضية سوريا، أو تعميق الخلط الفعلي بين الإسلام والإرهاب وتشديد الخناق على الهيئات والمؤسسات الإسلامية في العالم. ومن ذلك أيضا الموقف من القضية الفلسطينية، فرغم ما صدر من اعتراف بالحق في الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أن الواقع الفعلي سار في الاتجاه المعاكس من حيث التغطية على الجرائم الصهيونية لشارون وحكومته في كل من الضفة والقطاع ومواصلة مشروع جدار الضم والعزل العنصري، والاستعمال المتكرر لحق الفيتو لمواجهة أي قرار لمجلس الأمن حول تلك الأعمال العدوانية، مما شكل حماية فعلية لتسريع تنفيذ برنامج شارون في تصفية الانتفاضة، أما العراق فإن التقرير الأخير حول بلوغ عدد القتلى من المدنيين العراقيين من جراء الحرب لعتبة المائة ألف منذ الحرب على العراق دليل كاف حول حقيقة الاحتلال الأمريكي للعراق وطبيعة مشروعه له. وعلى صعيد آخر فإن تجربة المسلمين الأمريكان مع إدارة دعموها في الانتخابات السابقة كانت تجربة مرة وسيئة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وما تلاه من اعتماد قانون باتريوت أكت الخاص بمكافحة الإرهاب و تدهور في الحقوق المدنية مما تجلى في عمليات التسجيل الإجباري للمهاجرين وخاصة من المسلمين، وتعقيد سياسة الهجرة، وشن حملات تحقيق واعتقال موسعة للعرب والمسلمين، واحتجاز أزيد من خمسة آلاف دون توجيه تهم مباشرة لهم، فضلا عن نكث وعود الإدارة في تبني سياسة منفتحة تجاه الهيئات الإسلامية، ونعتبر أن المؤشرات المتداولة التي تحيل على تغيير وزير العدل جون أشكروفت صاحب عدد من هذه الإجراءات التمييزية، تدفع هي الأخرى لضرورة مراجعة سياسة الإدارة تجاه المسلمين الأمريكيين. المغرب وانتخاب بوش أما بخصوص المغرب فسنجد أنفسنا مع إدارة جمهورية حرصت على تنمية علاقتها مع المغرب بسبب دوره في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، ومن ذلك إبرام اتفاقية للتبادل الحر وإعلان المغرب حليفا استراتيجيا أكبر خارج حلف الأطلسي، وتخفيف الضغط لصالح مخطط بيكر الثاني مما أفضى لاستقالته، والدعوة لحوار مغربي جزائري حول نزاع الصحراء المغربية، ثم اختياره لاحتضان آخرها قمة منتدى المستقبل والانخراط في التحضير لها ومن ذلك الجولة الأخيرة لوزير الخارجية محمد بنعيسى على عدد من الدول العربية، أي أن المغرب في ظل هذه المعطيات غير مرشح لتحولات سلبية في السياسة الأمريكية تجاهه، بل على العكس من ذلك هو مرشح لمزيد من الاندراج في مشاريع الإدارة الأمريكية نحو المنطقة، مما ستكون له تداعيات سلبية على المستوى الشعبي مما نلحظه من الآن في الموقف الرافض لاحتضان المغرب لمنتدى المستقبل. خلاصة بكلمة إن بوش وإدارته المقبلة مدعو لأخد دروس الحملة الانتخابية بجدية أكبر، والانسجام مع إعلانه في السعي لصيانة الوحدة الوطنية الأمريكية، وأن تكون توجهات المرحلة الجديدة مرتبطة بتغييرات حقيقية في الطاقم البشري القائم عليها، فأمام بوش فرصة أخرى وشعاراته في تحقيق الأمن والاستقرار والإصلاح ستبقى فارغة إذا لم ترتكز على مراجعة في السياسات الخاصة بالعالم الإسلامي وقضايا المسلمين في أمريكا والعالم، تتجه نحو سياسة متوازنة وعادلة وخاضعة لقواعد الشرعية الدولية، أما العالم العربي والإسلامي فهو الاخر مدعو للاستعداد لمرحلة صعبة تفرض تعزيز العمل العربي المشترك، وتقوية خيارات المصالحة بين الأنظمة والشعوب. مصطفى الخلفي ردود فعل حول النتائج انتصاراليمين المسيحي أبدت العديد من الكنائس المسيحية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وخاصة اليمينية المتشددة منها فرحا كبيرا بفوز الرئيس جورج بوش بفترة رئاسية ثانية تمتد 4 سنوات، وأعلنت أنها ستقيم صلوات في الكنائس ابتهاجا بهذا الفوز. وأصدرت جماعات دينية مسيحية متشددة تنتمي للكنائس المحافظة الإيفانجيليكية بيانا صحفيا الأربعاء 2004/11/3 ذكرت فيه أنها ستحتفل بانتصار الرئيس بوش بإقامة الصلوات في الكونجرس والكنائس وفي جميع أنحاء أمريكا. وقال القس روب شانك مدير المجلس القومي للقساوسة ورجال الكنيسة الذي يضم في عضويته قساوسة إيفانجيليكيين وكاثوليك: إن المجلس سيعقد جلسات للصلاة في الكونجرس وفي جميع كنائس أمريكا شكرا للرب على خسارة كيري وفوز بوش. وقال: هذه الانتخابات تظهر أن الديمقراطيين وقادة الحزب الديمقراطي قد تحركوا بعيدا عن الإجماع الأخلاقي والديني لأمريكا، وذلك في إشارة إلى رفض الديمقراطيين الرموز الدينية في الأماكن الحكومية والرسمية، وتأييدهم لزواج الشواذ وإجهاض المرأة. ودعا الديمقراطيين إذا كان لديهم رغبة في استعادة تأثيرهم السياسي إلى مراجعة مواقفهم تجاه تلك القضايا الدينية. من جانبه اعتبر المحلل السياسي الأمريكي ماكس بلومينثال أن نتيجة الانتخابات دليل دامغ على تفوق الحركات المسيحية المتشددة في أمريكا. وأشار إلى أن هذه الانتخابات كشفت أن الأعداد الكبيرة من الأمريكيين الذين أدلوا بأصواتهم يميلون لليمين أكثر كثيرا من الوسط أو اليسار. ورأى أنه على الديمقراطيين لمواجهة الحركات المسيحية المتشددة تقوية تحالفاتهم مع الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية، علاوة على الجماعات الليبرالية المعتمدة على العقيدة، أي على اليسار الديني. وقد حرص بوش خلال حملته الانتخابية على إرضاء الكتلة الدينية التصويتية (اليمين المسيحي الجديد)، ووعد بتنفيذ مطالبهم، كما عمد إلى استخدام تعبيرات دينية في خطبه المتكررة. وكان آخر هذه التعبيرات وصف نائب الرئيس ديك تشيني لبوش في خطاب إعلان الفوز بالانتخابات اليوم الأربعاء بالرئيس المؤمن. إحباط عربي شعبي لفوز بوش جاءت ردود الفعل الشعبية في المنطقة العربية معبرة بصفة عامة عن مشاعر إحباط إزاء فوز الرئيس جورج بوش بفترة رئاسية ثانية تمتد 4 سنوات أخرى. فيما صدرت تصريحات رسمية من عدد من الدول العربية تعلن استعداداها للتعاون مع الرئيس الأمريكي أيا كان، لكنها تتحفظ على السياسة الخارجية الأمريكية خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقال ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري المعارض في مصر: بوش أكثر رجل مكروه في المنطقة ومذهبه طبيعي ضد الإسلام والمسلمين، وكيري أفضل لسبب بسيط وهو أنه ليس بوش. وتوقع عماد شعيبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة دمشق أربع سنوات أخرى تمر مثل الكابوس على المنطقة العربية خلال ولاية بوش. وقال جاسم علي وهو محلل سياسي بحريني: إن إعادة انتخاب بوش تمثل أنباء غير طيبة للشرق الأوسط. بوش قد يعتبر إعادة انتخابه علامة على أن سياساته الخارجية في المنطقة ناجحة وربما يشدد مواقفه. سيكون هناك المزيد من أعمال القتل وإراقة الدماء. وقال خالد المعينا رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز السعودية: إن أربع سنوات أخرى من حكم بوش تعني أنه سيكون قاسيا في حربه ضد ما يطلق عليه الإرهاب وسيقع المزيد من الأبرياء ضحايا. وإذا لم يحط بوش نفسه بأشخاص أكثر تعقلا فلا أعرف ماذا يمكن أن يحدث. وعلى المستوى الرسمي العربي، أصدر عدد من الدول العربية تصريحات تعلن استعدادها للتعاون مع الرئيس الأمريكي أيا كان، لكنها تتحفظ على السياسة الأمريكية ككل، وتأمل في أن تتبع واشنطن سياسة خارجية متوازنة تجاه منطقة الشرق الأوسط. فرحة إسرائيلية من جانبهم أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن فرحتهم بإعادة انتخاب بوش. وقال زلمان شوفال المستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون: تملك إسرائيل وكل العالم الحر الأسباب كافة للارتياح لهذه النتيجة، واعتبر السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن أن عملية إعادة انتخاب بوش ستسمح بتعزيز العلاقات أكثر بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، وبتسهيل تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة المتوقع إتمامها خلال عام .2005 ردود فعل أوربية وبالنسبة للقارة الأوربية، فقد تواردت ردود فعل رسمية مهنئة بفوز بوش وتعلن الاستعداد للتعامل معه، إلا أن مراقبين للشؤون الأوربية أشاروا إلى أن الدول الأوربية كانت ترغب في فوز المرشح الديمقراطي جون كيري؛ لأنه وعد باتباع سياسة خارجية تقوم على تقوية العلاقات مع الحلفاء الأوربيين والتشاور معهم في القضايا الخارجية. فقد أعلن وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر اليوم الأربعاء في برلين أن ألمانيا تعمل جيدا مع أي حكومة أمريكية، متمنيا تعاونا وثيقا مع واشنطن لمواجهة التحديات الصعبة في العالم. وهنأ الرئيس الفرنسي جاك شيراك الرئيس بوش على إعادة انتخابه، وقال إنه يأمل أن تشكل ولاية بوش الثانية فرصة لتعزيز العلاقات الفرنسية الأمريكية. ونقلت الصحف الفرنسية نتائج استطلاع رأي أظهر أن إعادة انتخاب بوش شكل شيئا سلبيا بالنسبة ل65 في المئة من الفرنسيين في حين اعتبر 23 في المئة فقط أن ذلك أمر إيجابي، بينما بقي 12 في المئة بدون رأي. وذهب 74 في المئة من الفرنسيين إلى أن العلاقات الفرنسية الأمريكية لن تتغير، بينما توقع 12 في المئة تحسنها، وتوقع تدهورها 7 في المئة ويقي 7 في المئة منهم دون رأي. وكالات أنباء