يستعيد مشهد الهجمة الشاملة التي تتعرض لها حركة حماس هذه الأيام، وعموم المشهد السياسي الفلسطيني منذ ترتيبات ما بعد اغتيال عرفات مشهداً مماثلاً تابعناه عشية وبعد قمة شرم الشيخ عام 1996، والتي اجتمع فيها زعماء العالم أجمع كما لم يجتمعوا لأحد من قبل إثر عمليات حماس التي جاءت رداً على اغتيال المهندس يحيى عياش. ونتذكر أن صعوبة المرحلة التي عاشتها الحركة منذ ذلك التاريخ قد امتدت حتى نهاية أيلول من العام 2000، وربما بعد ذلك بأسابيع عندما اقتنعت قيادة السلطة أنها أمام انتفاضة حقيقية واسعة يعلن فيها الشعب الفلسطيني يأسه من مسار أوسلو ومخرجاته، بما في ذلك السلطة التي كان الفساد قد عشش في جنباتها على نحو كان يستثير شماتة الإسرائيليين بين يوم وآخر ينعكس أخباراً وتحليلات في صحفهم. هكذا يجتمع القوم على حركة حماس من جديد؛ الدولة العبرية التي ترى في حماس عدوها الألد على الإطلاق، قادة السلطة وحركة فتح، جحافل من كارهي الظاهرة الإسلامية برمتها، والجزء المقاوم منها على وجه التحديد، الوضع العربي وعلى رأسه مصر التي تعتبر نفسها مرجعية السلطة، وبخاصة بالنسبة لقطاع غزة، وإن لم تفعل ذلك على نحو شامل تبعاً لإيمانها بضرورة الحفاظ على قدر من الوحدة في الشارع الفلسطيني، الولاياتالمتحدة التي يتحرك قلبها وعقلها على إيقاع الهواجس الإسرائيلية، الوضع الدولي المتراجع أمام الولاياتالمتحدة والمتعاطف بدوره، وأقله المجامل رغباً ورهباً لمتطلبات السياسة الإسرائيلية. الآن يجتمع هؤلاء جميعاً على حركة حماس، ومن تابع تفاصيل المشهد السياسي خلال الأسابيع الأخيرة لا بد سيدرك ذلك من دون رتوش؛ من تصريحات شارون حول مشاركة حماس في الانتخابات، إلى الموافقة الأمريكية عليها، إلى تأييد الرباعية الدولية، إلى تعاطي السلطة مع انفجار جباليا، إلى هجمة شارون الشرسة على الحركة والتي تفوقت في الضفة الغربية حتى على حملة اعتقالات عملية السور الواقي ربيع العام 2002، وإلى جانب ذلك كله هجمة كارهي الظاهرة الإسلامية، أكانوا من أبواق السلطة أم غير ذلك على الحركة بذرائع مختلفة، لعل أهمها نشاطها السياسي الذي ينطوي برأيهم على تحد، وربما منافسة لفتح على السلطة!! ما يبدو واضحاً للمراقب المتعاطف مع حركة حماس هو أن تعاطيها مع مرحلة ما بعد شرم الشيخ كان أكثر حكمة من تعاطيها مع المرحلة الجديدة، فهناك كانت إجاباتها أكثر وضوحاً وربما توفيقاً على الأسئلة التي طرحتها المرحلة، وهي العلاقة مع السلطة، المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي، الموقف من المقاومة. في سياق العلاقة مع السلطة كان الموقف، وما يزال في حقيقة الأمر، هو رفض الصدام معها بصرف النظر عن بؤس مواقفها داخلياً وتفاوضياً، ثم كان رفض المشاركة في الانتخابات، وبعد ذلك التعاطي مع المقاومة بذكاء يبقي الراية مرفوعة مع تهدئة غير معلنة تحصر ما تيسر من عملياتها في جنود ومستوطني الأراضي المحتلة عام 67، وأحياناً بإعلان المسؤولية عنها من قبل أسماء جديدة مثل كتائب عمر المختار، الاسم الذي استخدم في النصف الثاني من التسعينات. هذه المرة ومنذ قرار المشاركة في الانتخابات بدأت المشكلة، لأن ما تريده السلطة هو مشاركة محدودة لحماس تمنح الشرعية لمسار إشكالي قادم، في حين تريد حماس مشاركة فاعلة لكنها تبتعد عن الوصول إلى السلطة، في ذات الوقت الذي كانت شعبية حماس تخيف حركة فتح وقادتها فيميل قادتها إلى البحث عن آليات تآمر ضد الحركة، كما جرى وسيجري في سياق الصدامات المسلحة مع عناصر من الحركة والتي تهد أولاً إلى تنفيذ البند الأول من خريطة الطريق بشأن البينة التحتية للإرهاب، وثانياً من أجل تشويه صورة الحركة قبل الانتخابات التشريعية. ثم كانت عملية القبول بالتهدئة المعلنة مع العلم بأن كافة الشروط التي وضعت لن تتحقق، وصولاً إلى ما جرى مؤخراً من استعراضات وانفجار جبالياً الذي استغل من طرف السلطة على نحو بشع، فيما استغل شارون الرد المحدود عليه بحملة اعتقالات رهيبة لها صلة بقراره منع الحركة من المشاركة في الانتخابات في الضفة، الأمر الذي يرتبط برؤيته لتطورات التسوية. الأكيد أن حركة شاملة ذات جذور دينية واجتماعية ونضالية ولها هذا السجل الحافل بالعطاء السخي من الشهداء والأسرى، لن تتراجع أما هجمة من هذا النوع سبق أن مرت بها من قبل، لكن المصيبة هي أن ما يجري يمس الوضع الفلسطيني برمته أكثر مما يؤثر على حركة حماس ومستقبلها على رغم ما ستعانيه الحركة تبعاً لذلك. هذا الأمر لا يجد صدى على ما يبدو في عقول بعض قادة فتح من المسكونين بشهوة الحفاظ على السلطة ولو على حساب الفلسطينيين وقضيتهم ودمائهم، ومن هنا تبدو عملية المطاردة والتحجيم لحركة حماس هي صاحبة الأولوية في برنامج هؤلاء المعلن وغير المعلن، فيما يبدو أن مصر الحريصة على بقاء خاصرتها الفلسطينية بعيداً عن "فيروس الأصولية" ما زالت تنسجم مع هذا الطرح بشكل من الأشكال. ما ينبغي أن يقال هنا هو أن حرص شارون على ضرب حماس إلى جانب إقصائها عن انتخابات المجلس التشريعي لا يعنيها كحركة فقط، بل يعني الشعب الفلسطيني برمته، نظراً لدلالته الخطيرة على الحاضر والمستقبل، فشارون لا يعنيه أن تشارك حماس في انتخابات غزة، لكنه يرفض مشاركتها في انتخابات الضفة، وهو أمر قرأه المحلل الإسرائيلي المعروف (ألوف بن) بوصفه تقسيم للدولة الفلسطينية الموعودة، ونقل عن مصادر في وزارة الدفاع أحاديث حول استعادة وضع ما قبل حرب 67، يوم كانت غزة مع مصر والضفة مع الأردن، مع التذكير بأن حدود الجدار هي الثابتة ومعها بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة، ما يعني ترحيلاً طوعياً للفلسطينيين نحو الأردن. وفي أحسن الأحوال فإن ما لدى شارون في حال فشل هذا المشروع هو تكريس الدولة الفلسطينية المؤقتة (غزة مع كانتونات في الضفة) والتي تعاني مجرد نزاع حدودي مع جارتها!! في ضوء ذلك يتضح أن مخاطر الحملة على حماس تستبطن مخاطر أكبر على قضية الفلسطينيين برمتها، ما يستدعي توافقاً مع قيادات السلطة على أسس لمواجهة المرحلة بل التقاتل على كعكة هزيلة يتحكم المحتل بها من كافة أطرافها. من هنا نقول أن الذين يشاركون في الحملة على حماس لا يمكن أن يكونوا معنيين بمواجهة برنامج شارون قدر عنايتهم بتنفيس عقدهم تجاه الحركة والظاهرة الإسلامية عموماً، ومع أننا مطمئنون لمستقبل حركة بهذا التجذر والعطاء إلا أننا نأمل أن تحمل المرحلة التالية بذور تفاهم بين الفلسطينيين على أسس لمواجهة برنامج شارون، لاسيما وهو برنامج يعتمد على نجاح المشروع الأمريكي في العراق في حين يبدو ذلك المشروع في طور الفشل كما تقول معظم المؤشرات.