تناولت يومية وطنية في عددها ليوم السبت والأحد الماضي ملفا تحت عنوان المحظورات الاجتماعية.. ظلنا الأبدي؛ وضعت فيه الثقافة الجنسية والأمهات العازبات والشذوذ الجنسي والحب الرقمي والمساكنة والتمرد على الثوابت الدينية وشرب الخمر والتعاطي للقمار في خانة المحظورات الاجتماعية والدينية والأخلاقية، واعتبرت في مدخل ملفها أنه قد حان الوقت ليعيد المجتمع المغربي النظر في المحرم والمقدس، وأن يعيد الحسابات مع حظر تجول الأفكار والرغبات واعتقال الأحلام وتنظيم حملات تمشيطية في حق المتحررين، متسائلة في الأخير:هل المغاربة مستعدون للدخول في هذا الشوط والورش الجديد والمصيري؟. في البدء لا بد أن نميز بين ثلاث مستويات في هذه الموضوعات التي حشرتهم هذه اليومية في خانة واحدة: 1 الموضوعات التي يلزم أن يتم تحريرها من ثقل التقاليد التي لا أصل لها في الدين، ومن ذلك مسألة الثقافة الجنسية التي ينبغي أن تشكل جزءا أساسيا من تربية المسلم وثقافته. 2 الموضوعات التي تمس بالثوابت الدينية والعقدية، ومن ذلك مسألة الإفطار في شهر رمضان، والدعوة إلى التمرد على فرائض أو سنن دينية مثل عيد الأضحى. 3 الموضوعات التي حسم فيها الشرع والقانون معا؛ معتبرين إياها جرائم تمس إما بالآداب والأخلاق العامة أو تندرج ضمن الفساد الأخلاقي والمجتمعي. المشكلة أن الملف المذكور حشر كل هذه الموضوعات في خانة واحدة كما لو كانت التربية الجنسية، التي يلزم أن تشكل أحد أبعاد العملية التربوية، مثل الشذوذ الجنسي، بل والأخطر من ذلك، لقد انزلق الملف إلى حد إدراج القمار وتعاطي الخمر ضمن الحريات التي ينبغي أن يتم توجيه الأفق النضالي لها ضمن ما أسمته الملف الورش الجديد والمصيري الذي جعلت من بين سماته الرئيسة طرح السؤال على هذه المحظورات ونقدها وتحريك أدوات النقاش والحوار العلمي بصددها. والحقيقة التي لا مرية فيها، أن الذين يحاولون أن يروجوا لهذه الأطروحة الجديدة، هم أبعد ما يكونون عن الانخراط في النقاش العلمي الحقيقي، ويكفي في هذا الصدد أن كل ما كتب في هذا الملف بلغة حماسية جريئة مما لم يتم إسناده بأي دليل علمي، تم نسفه كلية من قبل مختص في علم الاجتماع حاورته اليومية في الملف نفسه، إذ أكد شعباني أن لكل مجتمع ثقافة مستمدة من الدين أو الأخلاق أو من الحياة العامة والتعايش المشترك، يعيش وفقها ويحترمها ويخضع لتعاليمها، وأشار إلى أن تحريم الإسلام للزنا واللواط والسحاق وشرب الخمر وغيرها، مؤكدا أن لهذه الأمور أضرارا على الفرد والمجتمع ذكر منها: الأمراض والفساد والتفسخ والانحلال الأخلاقي وتفشي الجريمة والانحراف في المجتمع، متسائلا:هل يعقل أن يسمح بكل ما يمكن أن يخل بالاستقرار الاجتماعي والصحة والأمن في المجتمع؟ هذه فقط عينة واحدة تفضح محاولة دعاة هذه الأطروحة الاختباء وراء الحرية وطرح السؤال لتبرير هذه الظواهر التي تمس بعافية النسيج المجتمعي، وأنهم أبعد الناس عن الاستماع إلى حقائق العلم بخصوص الكوارث التي تشكلها هذه الظواهر على صحة الأفراد والمجتمع، سواء تعلق الأمر بالكلفة الاجتماعية لتناول الخمور والتعاطي للقمار، أو بعلاقة الشذوذ بالسيدا، أو بالأضرار التي تنتج عن تكسير أسس التماسك المجتمعي المعياري والرمزي.صحيح أن تحريك السؤال ضروري، وصحيح أيضا أن التحرر من ثقل الموروث الثقافي الجامد شرط للتقدم، لكن أولى من هذين الأمرين أن يتحرر التناول لمثل هذه القضايا من اللغة الانطباعية التي تعبر عن الرغبات والنزوات أكثر مما تستند إلى الحجج والبراهين، وأن تنعطف إلى النقاش العلمي حول هذه الموضوعات، بدل أن تتحول طريقة تناول هذه الموضوعات، وبثقل إعلامي غير مفهوم، إلى طابو جديد يراد أن يفرض علينا عدم المساس به، ويصور بذلك كل رافض للشذوذ الجنسي والمجاهرة بقيمه في الفضاء العام على أنه عدو للحريات الفردية، وكل مستنكر للمس بالثوابت الدينية على أساس أنه يرفع سيف الأخلاق ليمنع الناس من ممارسة معتقداتهم الفكرية!.وما دام أصحاب هذه الأطروحة يفرون من العلم فرارهم من مواجهة الواقع، وما داموا لا يراعون حقيقة الرفض المجتمعي لهذه الظواهر ولا يقيمون له وزنا، ويلقون باللائمة على الدين والأخلاق، فإن الثقل الإعلامي الذين يعطونه لمثل هذه الظواهر يطرح أكثر من سؤال حول خلفيات ذلك، ولمصلحة من يتم وضع هذه القضايا المناهضة للدين والقانون والمجتمع في خانة الحريات التي يرشحه ملف اليومية ليكون بمثابة ورش جديد مصيري في المغرب !