لا زال فيلم "كازا نيكرا" يسيل مداد الناقدين من جهة، ويشيد به الداعمون لمنظومته الفكرية من جهة أخرى، كما أن أخبار ارتفاع عدد مشاهديه لا زال في تقدم، حيث بلغ عددهم لحد الآن 230 ألف متفرج، وهو رقم كبير، وقد أرجع الكثير من المتتبعين أن سبب ارتفاع عدد مشاهديه ليس بسبب جودته السينمائية وإنما بسبب النقاش الذي أثير حوله منذ عرضه في مهرجان طنجة الوطني العاشر أواخر السنة الماضية، فهل فعلا يستحق هذا الفيلم هذه النسبة من المشاهدة؟ "" لا شك أن السينما تلعب دورا كبيرا في الدعوة إلى منظومة فكرية معينة ولا تقتصر على الإمتاع زمن الفرجة فقط، بل هي بمواضيعها وصورها والقيم التي تقدمها للجمهور تصبح فاعلا داخل منظومة المجتمع، غير أن محاكاة الظواهر المنحرفة بحجة تصوير الواقع وكشف الطابو وتوضيح حقيقة المكشوف، يجعل من هذه السينما ورقة تطبيع خطيرة مع تلك القيم السلبية، خصوصا إذا لم يتم تقديم حلول وانتقادات لتلك الظواهر، وهو ما يؤسس عند المتلقي صورة سلبية على مجتمعه تجعله يساهم في ذلك الواقع المتردي بحكم أن تلك الظواهر صارت معممة في المجتمع!! وهذا ما يريده مخربو القيم الذين استغلوا الإعلام وخصوصا السينما لبث مفاهيمهم وقيمهم العلمانية التي تجعل الجنس وتحقيق المتعة واللذة بكل الممارسات ولو كانت خارج إطار القيود المنظمة الشرعية أو الوضعية، لأن الحرية الفردية فوق كل ذلك.. وبالنسبة لفيلم "كازا نيكرا" الذي لا زال يسيل مداد الناقدين، فهو يسير في نفس هذا النسق السينمائي الذي لا يعطي للقيم الدينية مصداقية ولا للخلق والأدب وزنا، وهو ما يمكن استنتاجه من عدم توظيف أي قيمة أو حمولة دينية في الفيلم، بل تم توظيف اللحية والحث على العمل الصالح من أجل الدخول للجنة توظيفا سلبيا عندما اختار المخرج مشهد رجل ملتح أخرج عينيه وهو يهدد غيره، ليوظفها في سياق الأمور التي يريد بطل الفيلم التخلص منها بسفره إلى دولة السويد، ولا يخفى دلالة السويد وإحالتها على الحريات الفردية ودلالة اللحية على إنكار المنكر التي تحد من ممارسة الحريات الفردية بالمفهوم العلماني المتسيب، ويتضح التوظيف الخبيث للدين عندما يصرح أحد بطلي الفيلم قائلا: "بغيت نتهنا من هادوك لحايا لباغين يدخلوك للجنة بزز".في إحالة جبرية على أن الدين مسألة شخصية. "كازا نيكرا" ومعناه الدار الكحلة، هو اسم يحمل من مدلوله بعض الحقيقة إذا ما غصنا في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها فئة كبيرة من البيضاويين، لكن ذلك السواد لا يؤثر على نور طريق السائرين فيها المتبصرين بالإيمان واليقين بالقضاء والقدر،العاملين على أن تنقشع هذه السوداوية بعملهم الدءوب في نشر قيم الإصلاح والعدالة والعفة والنزاهة، فالفيلم أغفل قصدا كل مظاهر الصلاح ورجوع الناس إلى التدين وعملهم على محاربة كل ما حاول أصحاب "كازا نيكرا" أن يجعلوه هو السائد في "كازا بلانكا". وأما عن القيم السلبية التي يدعو الفيلم إلى التطبيع معها ولا ينتقد إلا القليل منها، فيمكن حصرها كالتالي: 1- استغلال الأطفال في تجارة الممنوعات.. 2- مخالفة الشرع والقانون الوضعي.. 3- شرعنة السباب والكلام الفاحش، مع سبِّ الدين.. 4- الحلم بجنة أوربا (السفر للسويد والافتتان بالسويديات).. 5- الانتشاء عند السرقة.. 6- شرب الخمر بشكل مقزز.. 7- شرب الدخان والمخدرات.. 8- إطعام الأقرباء المال الحرام.. 9- الاستهانة بالكذب.. 10- تعاطي القمار.. 11- إشاعة الجريمة، والاستخفاف بالدولة.. 12- إباحة الجنس خارج مؤسسة الزواج.. 13- الشذوذ (ويظهر في توظيف لوطي يبحث عمن يمارس عليه الجنس، وكذلك في اللباس النسائي الداخلي الذي يلبسه الرجل الفرنسي..). 14- الدعارة (دعارة البيوت الراقية، ودعارة الشوارع..).. 15- الاستغلال الجنسي للمغربيات من طرف الأجانب.. 16- الرقص بطريقة مثيرة جنسيا.. 17- الدعوة لارتياد المراقص وحانات الخمر والقمار.. 18- توظيف اللباس المتهتك في بعض اللقطات.. 19- العنف ضد النساء.. 20- تصوير العادة السرية.. 21- ممارسة التعذيب.. 22- الاعتداء والتهديد.. غالب هذه الظواهر والقيم السلبية لم يتم تناولها إلا بالشكل الذي يخدم التطبيع معها، حيث لم يتم نقضها ولا محاولة إصلاحها ولا تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية التي يعيشها أبطال الفيلم، بل دائما تقدم الحلول السوداء والأكثر سلبية، فهل هذه هي القيمة التي تقدمها لنا السينما؟ إن أفلام الجنس والعري والجريمة والظواهر السلبية الخالية من أي معنى والتي تستجيب للغرائز فقط لا يمكن اعتبارها فنا حتى بالمفهوم الفلسفي لكلمة فنان، بله أن يتوج هذا الفيلم بجوائز من مهرجانات وطنية وأجنبية!! إن فيلم "كازا نيكرا" يدخل في خانة الأفلام الاستفزازية للعواطف والتحريضية على الانغماس في نسق مجتمعي بعيد عن أخلاقنا وقيمنا الدينية والمجتمعية، لذلك لا يستحق إلا الإنكار!!