سارع العديد من الفاعلين داخل المجتمع المغربي إلى مباركة بلاغ وزير الداخلية الذي تحدث عن «التصدي، بكل حزم، لكل الممارسات المنافية لقيم المجتمع المغربي ولكل المنشورات والكتب والإصدارات التي ترمي إلى المس بقيمه الدينية والأخلاقية في إطار القانون». ترى كيف تلقى بعض الفاعلين في الحقل الديني بلاغ وزارة الداخلية؟ وما هي ملاحظاتهم حول ما تنشره وسائل الإعلام حول الشذوذ الجنسي؟ وكيف ينظرون إلى آفاق حماية الأخلاق داخل المجتمع المغربي بعد صدور هذا البلاغ؟ ثمن عبد الله بوغوتة، عضو سابق بالمجلس العلمي المحلي بالناظور، بلاغ وزير الداخلية لكونه «يدعو إلى ضرورة صيانة الأمن الأخلاقي للمواطن، وتحصين المجتمع من كل تصرف غير مسؤول مسيء إلى هويته ومقوماته الحضارية»، ولكونه أشار إلى أن «الدولة، في شخص وزارة الداخلية، ستعمل على التصدي، بكل حزم وفي إطار القوانين الجاري بها العمل، لكل الممارسات المنافية لقيم المجتمع المغربي». وأضاف بوغوتة، أستاذ باحث وخطيب، أنه من «الأهداف الرئيسة لإقامة الدولة في الإسلام إقامة الدين وتحقيق العبودية لله تعالى وحده لا شريك له، وإقامة العدل، وإصلاح دنيا الناس، ولا يتحقق هذا كله إلا في ظل منظومة أخلاقية شاملة ومتكاملة، مستمدة من ديننا الحنيف، وقيمنا الأخلاقية والإنسانية، وهويتنا الحضارية». ويرى أنه آن الأوان -بعد إعادة هيكلة مجموعة من الميادين والقطاعات، كالحقل الديني والحقل السياسي- لإعادة هيكلة المنظومة الأخلاقية، مشيرا، في تصريح ل»المساء»، إلى أن خطوة الداخلية قد تحقق هذه الهدف، لكنها تحتاج إلى أن تتلوها خطوات أخرى في «إطار عملية الإصلاح والتحديث التي يعرفها المغرب، الذي رسمت أهم معالمه الخطب الملكية السامية، في إطار من التوازن الرفيع بين ما هو أصيل، مع الانفتاح على الإنتاجات الثقافية والتجارب الحضارية التي وصل إليها الآخرون والتي لا تتعارض مع الشرع الحنيف، لتحقيق المصلحة العليا للبلاد والعباد». ومن باب النصح لولاة الأمور، يقول بوغوتة: «أقترح أن تكون هناك خطوات مقبلة في هذا الصدد، من أهمها التصدي لآفة الخمر التي تهلك الحرث والنسل، وتخرب اقتصاد البلاد والعباد، وهذا التصدي يجب أن يتم بجرأة وقوة وحزم، فيمنع تصنيعه وبيعه وشراؤه واستهلاك، لتجنيب البلاد ما لا تحمد عقباه». وذكر أن الخمر أم الخبائث وأصل البلايا والرزايا، وقال إنه ينبغي على الوزارة وكل القطاعات الحكومية وغير الحكومية أن تتخذ خطوات من شأنها تطهير البلاد من هذه الآفة ومثيلاتها. بلاغ الداخلية جاء في سياق تصاعد الحديث عن الشذوذ ، غير أنه لم يسبق أن صدر بلاغ مماثل حول العديد من الظواهر، من قبيل انتشار الخمور التي يتم بيعها في الحانات للمسلمين بالرغم من أن القانون يحظر ذلك. وتعليقا على ما سبق، قال مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة: «إذا كانت هذه الظواهر قد أسفرت عن نفسها الآن، قد أفضت إلى التهيؤ لتصحيحها، بوصف مجتمعنا المغربي مجتمعا إسلاميا، وإذا كانت قد خرجت إلى العلن فإنها لن تبقى إلى الأبد، فلا بد أنها ستصحح ويعود المجتمع إلى الصواب وإلى مساره الصحيح». بلاغ شكيب بنموسى، وإن كان لم يسم الظواهر المشينة بمسمياتها، فإنه أشار إلى ما نشرته وسائل الإعلام حول ال شذوذ الجنسي، بعدما قررت جمعية «كيف كيف» تنظيم ندوة حول «المثلية الجنسية بالمغرب»، حيث قال: «لوحظ في الآونة الأخيرة تعالي بعض الأصوات، عبر منابر إعلامية، تحاول الترويج لبعض السلوكات المشينة، مستفزة بذلك الرأي العام الوطني، دون أخذ بعين الاعتبار لقيم مجتمعنا الأخلاقية والعقائدية». وقد اعتبر مصطفى بنحمزة أن التناول الإعلامي لظاهرة من الظواهر يمكن أن يكون بطريقة معقولة ومفيدة كما يمكن أن يكون سلبيا ولا يفيد في معالجة القضية، لأن هذه الظاهرة عندما تعالج على أساس أن فيها مساسا بالثوابت ولا تعالج على أنها قضايا احتمالية، يمكن أن تكون فيها وجهة نظر أخرى، فلا بد أن يكون هناك إجماع على حماية الأمة وإلا فالمجال لا يتسع لآراء أخرى مغايرة تتصل مباشرة مع سلوك يرفضه القرآن والآيات فيه (الشذوذ الجنسي) صريحة، فلا يقبل أن تلتمس الأعذار من منطلق الحرية أو بمبرر المرض. وقال بنحمزة إنه «ينبغي أن يتم وضع حد لبعض الظواهر التي لا تشرف المجتمع المغربي لأنه مجتمع إسلامي يهتدي بالقرآن ويلتزم بالكتاب والسنة. ومن جهته، انتقد رضوان بنشقرون، رئيس المجلس العلمي بفاس، ما ينشر حول الشذوذ الجنسي، إذ قال: «تطلع علينا بعض المنابر الإعلامية بمقالات وتعليقات تخالف تماما ثوابت الأمة المغربية أو تطعن فيها أو تمسها، والتي لا يتساهل فيها مغربي أو يتهاون في الوقوف ضد من يريد النيل منها». وقال بنشقرون: «إن الذين يشرفون على هذه المنابر عليهم أن ينتبهوا إلى هذا الأمر، وأن يحترموا مشاعر المغاربة، سواء تعلق الأمر بثوابت العقيدة أو بثوابت المواطنة أو بالثوابت التي ترسخت لدينا منذ الماضي، وهي عنوان وحدة الأمة ومجدها وعزتها، والأمر يتعلق بالمسائل الدينية أو بالمسائل السياسية المذهبية التي دأب عليها المغاربة والعقيدة الأشعرية وإمارة المؤمنين. وأكد بنشقرون، في تصريح ل«المساء»، أن المنابر الإعلامية الأصل فيها أن توجه الناس إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وليس العكس، موضحا أنه «عندما نجد بعض المنابر الإعلامية تأخذ معاول لتهدم العقيدة أو الثوابت، فهذا لا يليق بهذه الأمة، وينبغي أن يتم التصدى لها وإيقافها عند حدها، لأن الأمر لا يتعلق بحرية الصحافة، فحريتي تنتهي عندما تنتهك حقوق غيري». ولم يستثن بنشقرون الإعلام الرسمي، خاصة القناتين الأولى والثانية، هذه الأخيرة التي يعتبرها البعض تمس بثوابت الأمة عبر نشرها لإشهارات حول القمار، إذ قال: «نحن نتحدث عن جميع وسائل الإعلام، كانت قنوات أو فضائيات أو كيفما كان نوعها ومصدرها، رسمية أو غير رسمية، وسواء اتخذت من نفسها ممثلا لفئة معينة من الناس أو كانت تمثل هيئة حزبية معينة أو غير ذلك». «فالمفروض على وسائل الإعلام أن تحترم إرادة الشعب ومقدسات الأمة، يقول بنشقرون، وإن الذين يقومون بعكس ذلك لا يمكن أن ننفي عنهم المغربية ولا الإسلام، وإذا فعلنا ذلك فسيثورون ويغضبون ويقولون: هل الإسلام لك وهل أنت لوحدك من تمثل الإسلام؟ نحن جميعا نمثل الإسلام ومسلمون؟ ولكن ينبغي أن نوفر الجانب الضروري من الاحترام لهذه العقيدة، ولهذه المقدسات وهذه المسلمات التي دأبت عليها الأمة». وأوضح رئيس المجلس العلمي بفاس أن هناك تفاوتا واضحا بين هذه المنابر، فهناك من تروج للفساد وللفجور بكيفية علنية، وربما تخصص أكثر من يوم واحد أو عدد واحد في الأسبوع للتشهير بالشذوذ الجنسي بالفسق والفجور، وهذا لا يليق ولو كان تحت ستار أنهم يتكلمون عن الواقع الذي تعيشه الأمة البشرية. ورغم أن الانحرافات كانت سائدة داخل المجتمعات بأسرها، فإنه ينبغي أن يتوفر حد من الحياء خصوصا لدى وسائل الإعلام التي تصل إلى فئة عريضة من المواطنين، حسب قول بنشقرون. ولا يقتصر دور الحفاظ على قيم المجتمع المغربي على وزارة الداخلية أو العلماء فقط، بل لا بد من تضافر كل الجهود لأجل ذلك، إذ يعتبر مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة، أن»الحفاظ على قيم المغاربة هو «مشروع مجتمعي يتطلب أن تتعاون فيه كل الأطراف المعنية، بمن فيها العلماء الذين لهم رسالتهم التي هي رسالة البيان والإيضاح، دون إلغاء فاعلين آخرين مثل الإعلام والتعليم والسلطات، ليقوم كل واحد بدوره وكل من موقعه حتى نصل إلى الهدف المنشود». ويرى عبد الله بوغوتة أنه لمحاربة كل المظاهر المرتبطة بالانحلال الخلقي، لا بد من تربية شاملة ومتوازنة، يتجند لها الجميع كل من موقعه، وعلى قدر مسؤوليته، في إطار القوانين.