الإسرائيليون الذين شعروا بالإهانة، المصدومون والغاضبون من إصدار مذكرات الاعتقال ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع السابق، غير مؤهلين لتقديم شهاداتهم. الإسرائيليون الذين يشهرون بمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي غير مؤهلين لتقديم شهاداتهم. الإسرائيليون الذين يصرخون "لاسامية" غير مؤهلين لتقديم شهاداتهم. في الحقيقة، جميع الإسرائيليين غير مؤهلين لتقديم شهاداتهم. فما الذي شاهدوه في غزة في السنة الأخيرة؟ أي فكرة لديهم عما يحدث باسمهم هناك؟ وما حجم الدمار الذي شاهدوه وكم هو عدد جثث الأطفال الممزقة الذي شاهدوه؟ كم مرة شاهدوا المستشفيات المدمرة والمدارس المدمرة التي أصبحت أماكن إيواء، وتم قصفها أيضاً؟ هل شاهدوا وجه طفل جائع؟ هل شاهدوا قوافل الترحيل والكراسي المتحركة التي تجر على الرمال؟ أي فكرة لديهم عن الجرائم التي ترتكب باسمهم؟
لا يمكن التظاهر بالصدمة من دون رؤية ما ترتكبه إسرائيل في غزة. الإسرائيليون لم يشاهدوا أي شيء ولا يريدون أن يشاهدوا. لذلك، لا يحق لهم محاكمة مذكرات الاعتقال. في أكثر الأوقات إهانة، ساعدتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية على عدم رؤية أي شيء، ليس المعرفة أو الشعور، لذلك الإسرائيليون غير مؤهلين لتقديم شهادتهم. هم يعرفون عن غزة تقريباً ما يعرفونه عن رواندا. لذلك، هم غير مؤهلين أيضاً لمحاكمة قيمية. بعد كل هذه السنوات الكثيرة من غسل الأدمغة ونزع الإنسانية عن الفلسطينيين، لا يمكن الاعتماد على قدرة الإسرائيليين على الحكم. هذا نبقيه للقضاة في لاهاي، الذين يعرفون ما هو مسموح وما هو ممنوع أكثر من أي إسرائيلي، حتى بالنسبة لإسرائيل ولليهود بعد الكارثة، وللإسرائيليين بعد 7 أكتوبر. الذين يشككون في مصداقية المحكمة ويدعون إلى المس بها، يشبهون الذين يحاولون القيام بالانقلاب النظامي ويريدون تشويه جهاز القضاء. القاضي ليس ابن زانية، ولا المدعي العام كذلك؛ هم يقومون بدورهم. عندما تدين إسرائيل قرار المحكمة بالإجماع، بدءاً ببن غفير وانتهاء بيئير غولان، بما في ذلك يئير لبيد، فإنها تثبت إلى أي درجة تم غسل دماغها وكم هي غير مؤهلة لتقديم شهادتها. الوحيدون الذين يعرفون ما حدث في غزة هم الجنود. وهم بالتأكيد غير مؤهلين لتقديم الشهادة. معظمهم يتفاخرون بأفعالهم. شاهدوا الأفلام المثيرة للاشمئزاز التي ينشرونها في الشبكات الاجتماعية. آخرون على قناعة بأنه لا خيار عدا الخروج إلى حملة العقاب البربري هذه. هم يرون التطهير العرقي ويتعايشون معه بسلام، وهم على قناعة بأن التدمير هو قدر من الله، وأن المذنبين هم الفلسطينيون، وأن كل غزة هي 7 أكتوبر. يجب أن تقرأوا ما كتبه رجل الاحتياط ("هآرتس"، أول أمس). "الوحيدون الذين يتأثرون هنا بشيء ما، هم الحيوانات"، كتب. تقريباً، لا أحد من الجنود رفض أي أمر، سواء الطيار الذي قصف من دون شفقة أو تمييز، أو رجل المدفعية أو المشاة أو رجال المدرعات. لقد تعودوا بسرعة على ما قاموا به. رأوا، طبعوا وبرروا. هم بالتأكيد ليسوا شهود حق. رئيس الحكومة ووزير الدفاع السابق يمثلون أمام محاكمة الشعوب؛ لأن العالم رأى ولم يكن بإمكانه الصمت. لو ضبطت محكمة لاهاي نفسها ولم تصدر المذكرات لخانت مهمتها، لأنه ما الذي يجب عليها فعله إزاء التطهير العرقي، والتجويع، والقتل الجماعي للأطفال والتدمير بمثل هذه الأبعاد؟ هل عدم إصدار مذكرات الاعتقال؟ الحقائق تصرخ من أرض غزة المدمرة والمشبعة بالدماء. هناك أحد يجب أن يتحمل الذنب. رئيس الحكومة ووزير الدفاع السابق هما بداية مناسبة. هذه أقوال يصعب استيعابها في إسرائيل؛ لأن مواطنيها يعيشون في وعي كاذب. وقد أحسن وصف ذلك البروفيسور رشيد الخالدي في مقابلة أجرتها معه "هآرتس" أول أمس، التي يجب على كل إسرائيلي قراءتها، عندما قال: "هل تعتقدون أنه لا يمكننا قراءة العبرية، بربكم؟". سأل الشخص الذي يعرف الوعي الإسرائيلي الكاذب أفضل من معظم الإسرائيليين. ومن يعش في الوعي الكاذب فهو غير مؤهل لتقديم شهادته. القلب مليء بالخجل والألم، ليس على مذكرات الاعتقال، بل بسبب ما فعلناه. المصدر: موقع "القدس العربي"