وقد كان يكفي الأستاذ عصيد أن يتنبه إلى المعطيات العلمية التي كشف الأستاذ الباحث بكلية الطب بالرباط عبد الله عباسي والتي تضمنتها دراسة علمية أنجرت في المجال الصحي أكدت أن الإصابة بالسرطان في صفوف المدمنين على التبغ والخمور، تصل إلى ما بين 65%و 95%، وأكدت أن الذين لا يدخنون تكون نسبة الإصابة بالسرطان في وسطهم أقل مقارنة بالمدمنين، والمعطيات الطبية تؤكد أن الخمور تعد سببا رئيسا في الإصابة بسرطان الكبد، وسرطان المعدة كما هو الحال بالنسبة إلى الروج. فكم هي تقدير هذه الأضرار بلغة الأٍرقام، وهل هذا مستعص على الدراسات العلمية التي تريد فعلا أن تتجه في مقارباتها إلى رصد هذه الكلفة والتي تقدرها بعض البحوث الجامعية التي أنجزت بكلية الحقوق بطنجة ما بين 10 و 12 مليار درهم. 4 الإسلام يحرم الخمر، وهو مرجعية الدولة المغربية المدنية: أما تفريق عصيد بين الدولة الدينية والدولة المدنية بهذا الخصوص فهو تمييز في غير محل النزاع، إذ الحديث يجري في دولة اسمها المغرب، وهي دولة مدينة باتفاق وليست بحال دولة دينية، فلا أحد يحكم فيها باسم الإله، لكن لا أحد يمنع الدولة المغربية أن تتبنى المرجعية الإسلامية ما دامت تتصرف في المؤسسات الدستورية وتترجم في شكل قوانين منصوص عليها، وتستمد مشروعيتها من قبول المجتمع لها، فالخمر ثابت حرمته دينيا، والتشريع المغربي كان واضحا على مستوى تجريمه للسكر العلني البين، حيث رتب عليه عقوية بمقتضى المرسوم الملكي رقم 66,724 بتاريخ 11 شعبان الموافق 14 نونبر 1967 بمثابة قانون بالحبس من شهر واحد إلى ستة اشهر مع غرامة تتراواح بين 150 إلى 500 درهم، وهو مسلك قانوني لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، إذ اعتبر القانون ضمنيا أن الامتناع عن الخمر هو مما يتطلبه الضمير الديني للمغاربة، وأن العقوية إنما ترتب على الفعل الظاهر العلني. وتتضاعف عقوبة هذا الفعل في الترشيع المغربي إذا تعلق الأمر بإقلاق راحة العموم، كما يتعرض نفس المرسوم الملكي لجريمة بيع الخمر للمغاربة المسلمين أو تقديمه مجانا لهم ويرتب عليها عقوبة ما بين شهر وستة أشهر مع غرامة تتراوح بين 300 و 1500 درهم، ثم إن القانون المغربي يتحدث عن السكر كظرف تشديد كما هو الحال في السياقة، ولذلك فالجواب على ما أورده عصيد بهذا الخصوص من جهتين: - الأولى لم يذكر أصحاب العريضة أن المغرب دولة إسلامية وأن عليه بمقتضى ذلك منع الخمور لأنها حرام فهذا نوع ثان من التدليس والتلفيق الذي يمارسه عصيد دائما في مقالاته، وإنما جرى الحديث في العريضة عن استغراب ترخيص الجهات المسؤولة لهذا المتجر وتحميلها المسؤولية عن الآثار السلبية أخلاقيا واجتماعيا وأمنيا... والمطالبة بالسحب الفوري لبيع الخمور بالسوق الممتاز ومراجعة القرارات الصادرة سابقا بالترخيص لبيع الخمور بأماكن أخرى بمدينة سلا. - الثانية: أن المشرع المغربي يمنع بيع الخمور للمغاربة المسلمين أو تقديمها لهم مجانا، وهو ما يستسمك به المحتجون على الترخيص الذي سلم للسوق الممتاز، فمسلكهم لا يحيل على أي إعادة لإحياء مفهوم الدولة الدينية، وإنما هو سلوك مدني يحترم القوانين وينطلق منها، ولا يسعى إلى فرض قيم خاصة يهيمن بها على المجتمع كما هو ادعاء عصيد، بل هو منطوق ومفهوم النص القانوني، بل هو ما تؤكد عليه توصيات الأممالمتحدة بهذا الشأن لحماية الأسرة والناشئة والشباب 5 الحداثة والحضارة تقوم بحملات لمكافحة الخمر: أغرب ما في المقال أن الأستاذ عصيد يحيل فيه إلى تجارب الدول المتقدمة بهذا الخصوص، لكنه للأسف لا يذكر أي تجربة بهذا الخصوص مع أن الدارسين لتجارب هذه الدول يؤكدون أن سياساتها بإزاء الخمر تتوزع بين سياسة الحظر، وسياسة التحجيم وسياسة التنظيم، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية - وهي دولة مدينة وليست دينية - سبقت إلى اعتماد سياسة مكافحة الكحول منذ سنة في ولاية المين,1856 وعممت التجربة تدريجيا سنة 1919 لتشكل ثلاثة أرباع السكان، وتبنى الكونغرس الأمريكي التعديل 18 للدستور الأملاريكي الذي يحرم صنع وبيع ونقل المشروبات المسكرة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك تصديرها أو استيرادها ودخل هذا التعديل حيز التطبيق في 18 يناير 1919 بعد أن حصل على أغلبية كاسحة إذ لم ترفضه من أصل 33 ولاية سوى ولايتين. هذا ليعلم عصيد أن سياسة التحريم ليست بدعا وأن دولا كثيرة اعتمدت هذه السياسية، كما أن دولا أخرى لجأت مؤخرا إلى سياسة مكافحة الكحول إما بالتشديد في التحجيم وإما بسن سياسات وإجراءات تقلل من خطورته، ونذكر في هذا الصدد اقتراح كبير مستشاري الحكومة البريطانية للشئون الصحية خلال سنة 2009 رفع سعر المشروبات الكحولية للحد من تناول هذه المشروبات في هذا البلد، ونذكر أيضا شروع روسيا مع مطلع هذا العام في تطبيق قرار للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف برفع أسعار الخمور من خلال وضع حد أدنى لأسعار الفودكا في إطار حملة لمكافحة إدمان المشروبات الكحولية. كما نذكر مضاعفة الحكومات الأوروبية في الأشهر الأخيرة من حملاتها للتوعية بأضرار الإفراط في تناول الخمور والكحوليات بعد أن رفعت نسبة الوفيات بين متعاطيها، خصوصا في أوساط الشباب؛ حيث كانت السبب الثاني بعد المخدرات في وفاة أكثر من 137 شخصا في العاصمة الألمانية برلين في الفترة من يناير إلى نونبر من العام الماضي بسبب التعاطي المفرط للمخدرات والكحول.فإذا كانت هذه الدول، لجأت مؤخرا إلى تشديد سياسة التحجيم من خلال المطالبة برفع أسعار الخمور أو المطالبة برفع الضرائب عليها، فإن ذلك بسبب غياب المستند المجتمعي الذي ييعين على تحريم الكحول، فالخمر جزء متأصل في الثقافة الأوربية والأمريكية، بخلاف الثاقة الإسلامية، ولو كانت الولاياتالأمريكية في العشرينيات تمتلك رصيدا ثقافيا ومجتمعيا يمكن أن تستند عليه لإنجاح تجربة منع الخمر لما ترددت في ذلك، خاصة وأن سبب فشل تجربتها عاد بدرجة أولى إلى البيع السري للكحول، فهل المطلوب، والمغرب يملك هذا الرصيد الثقافي والديني الذي يعينه على تجنب الآثار الخطيرة للكحول، أن يتخلى عنه، ويعمل مفهوم الحريات الفردية في هذا الموضوع كما يذهب عصيد، أم المطلوب أن نقتدي بتجارب الغرب المتقدم الذي آل أمره إلى التفكير في طرق لمكافحة الكحول دون أن يسعفه الصريد المجتمعي والديني لمواجهة مضاعفات الكحول الخطيرة بفعالية. بلال التليدي