حضر الكاتب اليهودي يعقوب رابكين إلى المغرب لتقديم وتوقيع كتابه باسم التوراة: تاريخ المعارضة اليهودية للصهيونية الذي طبع طبعة خاصة بالمغرب في دار النشر طارق بالدارالبيضاء. بعد مشاركته في ندوة حول كتابه، وتوقيعه له، التقته التجديد واجرت معه حوارا حول عمله هذا وانعكاساته، وهذا نص الحوار: أنتم البروفيسور يعقوب رابكين، من أصل روسي، ولكنم اليوم في كندا، كيف حدث هذا؟ منذ اثنتين وثلاثين عاما، هاجرت من الاتحاد السوفياتي وبسرعة حصلت على منصب في جامعة مونتريال، في مجال هو مجال تخصصي، أي تاريخ العلوم، وإذن فأنا منذ 1973 في الجامعة أدرس وأبحث وأكتب كتبا ومقالات، هذا هو مساري. ومنذ عقد من الزمن، اهتممت بالتاريخ اليهودي بكيفية أكثر تخصصا، ونشرت بمشاركة زميل لي كتابا حول التداخل بين الثقافة اليهودية والعلمية في الزمن المعاصر، وهذا من القضايا التي تشغلني كثيرا، وألقيت محاضرة في الموضوع منذ مدة قصيرة في المكسيك بعنوان اليهودية والإسلام في مواجهة العلم الحديث. حضرتم إلى المغرب لتقديم وتوقيع كتابكم حول تاريخ المعارضة اليهودية للصهيونية، لماذا طبعة خاصة بالمغرب؟ القرار اتخذته دار النشر طارق، وليس أنا، وأظن أنهم قدروا أن القراء المهتمين بالموضوع كثيرون بالمغرب، والنسخة المغربية زهيدة الثمن (90 درهما) بالنسبة للنسخة الكندية. وقد قبل الناشر الكندي أن يتنازل عن النشر لفائدة المغرب، وأنا هنا أقوم بجولة للتوقيع والتقديم، وهي جولة تمر في ظروف جيدة جدا وهامة بالنسبة لي. إذن هو كتاب هام، وخطير، أليس كذلك؟ هام ، أوافقك النظر، لكن خطير لماذا، ما وجه الخطورة فيه؟ إنه خطير بالنسبة للصهيونية؟ أليس خطيرا من الزاوية السياسية؟ ألا تشعر بخطورته بالنسبة لك؟ (يبتسم) أتمنى أن ألا يكون كذلك. اسمعني، ما أفعله في كتابي ليس فيه موقف سياسي. أنا لا أتخذ موقفا سياسيا، أسعى إلى توضيح المواقف والمصطلحات المستعملة أحيانا كثيرة دون تبين، وخاصة أن ما دفعني إلى إنجاز هذا العمل، هو التباسان كبيران يقع فيهما الكثيرون دون وعي وتفكير، وهما مصطلحا اليهودي والصهيوني، فعندما يتحدثون عن اليهودية يقصدون بها اليهودية والعكس بالعكس. وفي نظري، ليس هذا قلة في الضبط فحسب، فباعتباري مثقفا يمكنني أن أتعايش مع كثير من الأشياء غير المضبوطة في العالم، ولكن هذا الالتباس بين اليهودية والصهيونية خطير شيئا ما بالنسبة للكائنات الإنسانية. ففي الوقت الذي نلصق اليهود أوتوماتيكيا بدولة ليسوا فيها ناخبين، ولا علاقة لهم بها، وهي دولة تتصرف بطريقة إشكالية في العالم، فمن المؤكد أن انعكاسات سيئة سيعاني منها اليهود الذين يعتبرون موضوعيا رهائن لهذه الوضعية. وأجد أن هذا الكتاب من دوره أن يوضح الالتباسات وينير بعض الأشياء المعتمة بالنسبة للذين يريدون أن يبصروا الحقائق، وقطعا هناك أناس آخرون لهم نوايا سيئة سوف يبقون مصرين على هذا الالتباس والعيش به، ولا أستطيع أن أفعل لهم شيئا، إنما قصدي هم النزهاء الذين يريدون المعرفة، ولهم أقدم هذا التاريخ بصفتي العلمية والجامعية والثقافية دون أن أتخذ موقفا معينا مع الصهيونية أو ضدها. قلتم في ندوة الدارالبيضاء، وفي كتابكم، إن الصهيونية بدأت في روسيا وانتهت في الولاياتالمتحدة، هذا أمر مدهش؟ لا ليس الأمر بهذه السهولة. لنكن أكثر ضبطا. لقد قلتم هذا في ندوة الدارالبيضاء، وأنا كنت حاضرا وسجلت مداخلتكم. قلت إن روسيا هي التي وفرت العدد الأضخم من المستوطنين، ووفرت الإطار التصوري، ولكن، بطبيعة الحال تيودور هرتزل كان نمساويا، وآخرون كثيرون معه لم يكونوا روسيين. فئة صغيرة من أوروبا الوسطى لم يكونوا لينجحوا في مساعيهم لولا الاضطهاد والتخويف الذي تعرض له اليهود الروس الكثيرون، الذين كانوا محاصرين بين الحرمان من الجنسية الروسية ونزع اليهودية منهم، أو نزعهم من اليهودية بسبب ما أتى به عصر الأنوار. وهذه العلمنة الشديدة التي لم يكن لها أي مخرج هي التي أنشأت وضعية انفجارية انتهت في جزء منها إلى تصدير جزء كبير من اليهود إلى فلسطين. قلتم أيضا، إن الصهيونية تهديد لليهودية، كيف؟ لست أنا من قال هذا، بل قاله يوسف سالمون الكاتب الإسرائيلي الذي كتب حول تاريخ اليهودية والصهيونية، وقد نقلت كلامه في الصفحة 13 الرومانية من الصفحات الأولى من كتابي. وفي هذا السياق ينبغي التفريق بين ما أكتبه وما أنقله عن آخرين وتكون النصوص المنقولة أحيانا حساسة جدا. هذا صحيح، ولكن هل أنت موافق على قوله؟ نعم، أنا موافق باعتباري مؤرخا، فالصهيونية باعتبار حركة علمانية قدمت لليهود هوية بديلة عن يهوديتهم هي بالفعل ودون شك تهديد لليهودية، لأن التعريف الجديد تعريف قيل عنه إنه وطني، ولهذا فقد استعملت التعريف القديم لليهودية على أنها أمة، هي جماعة من المؤمنين، وفي الوقت الذي تغادر فيه جماعة المؤمنين وتختار أن تكون فرنسيا أو إنجليزيا أو أمريكيا، فإنك في هذه الحالة يصبح التهديد حقيقيا، لأن هؤلاء يقولون إننا يهود ولكننا يهود علمانيون، مثلما يقول البعض من المسلمين نحن مسلمون ملحدون، ما معنى مسلمون ملحدون؟ وماذا يعنون بقولهم يهود علمانيون؟ بالضبط، هؤلاء يعنون إننا لم نعد مرتبطين بالتقاليد اليهودية والواجبات التي تمليها التوراة، نحن قوم حداثيون، مثل الأوكرانيين والبولونيين الذين قمعوا من لدن الإمبراطورية الروسية ولم تكن لهم بلدانهم، نحن أيضا نريد وطنا لنا. هذا يعني أنهم حولوا الهوية الروحية المتعالية على الأوطان إلى هوية علمانية ووطنية، هذا تحول كبير. لقد استشهدت في ندوة الدارالبيضاء بقول الحاخام المحتج هذا الذي يأكل لحم الخنزير ولا يحترم يوم السبت، ولا يفعل شيئا، لماذا يسمي نفسه اليهودي؟ ليفعل ما يشاء ولكن لا ينبغي أن يسمي نفسه اليهودي. المشكل ليس هو عدم الالتزام والتطبيق، ولكن المشكل هو أن نقول إننا يمكن أن نكون يهودا دون أن يكون لنا الإطار النظري. وكتابي يستعرض كيف تفاعل المفكرون اليهود مع هذا التهديد، ويجب أن نفهم فعلا أن هذا تهديد، لأن كثيرا من الشباب اليهود يقولون نحن يهود وسنبقى يهودا لكننا لن نلتزم بالتوراة، وعندما تسأله كيف تكون يهوديا دون توراة، يقولون سنذهب إلى إسرائيل وسأتعلم العبرية وغير ذلك... طيب، إذا أرادوا ذلك سوف يصبحون إسرائيليين، وليس لدي مشكل مع هؤلاء، ولكن هل هذا هو اليهودي، لا أظن ذلك. في نظركم، ماذا يمكن أن تفعل اليهودية ضد الصهيونية؟ (يسكت قليلا) اليهودية لا تستطيع أن تفعل شيئا، ماذا يمكن أن يفعل الأحبار المناهضون للصهيونية؟ هناك أحبار وحاخامات صهاينة وآخرون معادون للصهيونية... أجل هذا صحيح، وهناك حاخامات لا هم إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. ماذا يفعل الحاخامات المناهضون للصهيونية؟ بعض منهم ينظمون مظاهرات ووقفات للتمييز بين الصهيونية واليهودية. مثل ناتوري كارتا؟ نعم مثل هؤلاء. ولكن من وراء ناتوري كارتا، وهذا هو المهم، يوجد مئات الألوف من الناس التقليديين لا يحرقون العلم الإسرائيلي لأن هذه ليست طريقتهم، والصهيونية بالنسبة إليهم مرفوضة جملة وتفصيلا. وقد فصلت في كتابي الخلفية الثقافية والروحية لهؤلاء، وماذا يمكن أن يفعلوا. وهؤلاء في الحقيقة ليس لهم رؤية سياسية واضحة، وهم يصرون على تطبيق وصايا التوراة حرفيا، ويتمنون أن تتحقق العدالة الإلهية، لهم ثقة كبيرة في الله. صحيح أنهم لا يقومون بشيء كبير، ولكن في اعتقادهم أنهم على شيء مهم. أنتم ستقولون، باعتباركم متدينين إنهم سلبيون، ولكنهم ناشطون على طريقتهم. والإعلام لا يتحدث عنهم، وهم لا يبحثون عنه، وفي النهاية والجوهر، هم النواة الصلبة لليهودية، لنكن واضحين في هذا المجال. هل يمكن أن يوجد عمل مشترك بينهم وبين المسلمين مثلا؟ توجد عناصر للعمل المشترك والتعاون. أظن أن هناك شيئا مهما يمكن البدء به من الجانبين، وهو التمييز بين السياسي والروحي. هناك حبر أمريكي هو البروفيسور جيك بروسنر قال إن الديانتين الإسلامية واليهودية قريبتان من بعضهما البعض، في قضايا عدة يمكن التفاهم حولها. أظن أنه في قلب كل مجتمع، سواء كان مغربيا أم كنديا، توجد قضايا مشتركة تتعلق بالأخلاق والحشمة وأشياء أخرى يمكن استثمارها والتنقيب فيها. مثلا أنا اقترحت على الطلبة اليهود في مونتريال، يمكنكم أن تفعلوا أشياء كثيرة مع الطلبة المسلمين، مثلا الحشمة عند المرأة المسلمة والمرأة اليهودية، وفعلا قاموا بهذا، ونجح العمل، ثم تطور العمل بينهم. وبالعودة إلى سؤالك، ينبغي أولا التمييز بين اليهودية والصهيونية، وأن الإسلام ليس دينا للإرهاب والتخويف، وأنهم جميعا في خدمة الله وطاعته بأشكال مختلفة. سؤالي الأخير يتعلق بما صرحتم به في الندوة من وجود مسيحيين صهاينة أشد خطرا وأكثر عددا من الصهاينة اليهود؟ أنا لا أتكلم بسوء عن المسيحيين ولكن هناك حركة صهيونية مسيحية توجد منذ القرن التاسع عشر، وفكرتها الأساسية أنه أهم شيء في حياة المسيحي هو تسريع حركة التاريخ لتقريب العودة الثانية للمسيح، ولهذا يجب تجميع اليهود في الأرض المقدسة، والحق أن مثل هذه الأفكار ليست مقربة من اليهود، ولكنها تعبير عن طريقة للتخلص من اليهود من أوروبا. وليس من قبيل الصدفة أن يكون بلفور هو صاحب الوعد، وأن يتصدى له عضو من الحكومة البريطانية وكان يهوديا، هو إن لم أخطئ، مونتيغيو، احتج ضد هذا قائلا إننا رعايا جلالة الملك، ليس لنا وطن آخر، لا نريد وطنا آخر، نحن هنا في وطننا. الصهيونية المسيحية انتشرت بقوة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتعرضت لهذا في كتابي المذكور، وتوقفت عند قول جيري فولويل أهم وجه من وجوه الصهيونية المسيحية عندما صرح بأن أهم حدث بالنسبة للمسيحي هو مولد دولة إسرائيل عام ,1948 منذ صلب المسيح. واليوم يقدر عدد أعضاء التحالف المسيحي الأمريكي حوالي 40 مليون شخص الذين يعلنون بصراحة وقوة عن صهيونيتهم، ولا يكتفون بهذا، بل يساعدون الجماعات الأكثر تطرفا في قلب دولة إسرائيل. ويوجدون في دول أخرى. هذه ظاهرة تهدد اليهود أنفسهم، فقد قال أحد المراقبين اليهود أنفسهم، إن الحلم الصهيوني المسيحي يتكون من خمس مشاهد، ونحن سنختفي في المشهد الرابع لأننا سنكون مرغمين على الاختيار بين اعتناق المسيحية والموت. حاوره: حسن السرات