أطلق جلالة الملك محمد السادس نصره الله من خلال الخطاب السامي الذي وجهه إلى الشعب المغربي مساء أول أمس الأربعاء مبادرة وطنية تحت اسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وهي المبادرة التي تتعلق بالمعضلة الاجتماعية التي اعتبرها بمثابة التحدي الأكبر لتحقيق المشروع المجتمعي التنموي. الخطاب الملكي حدد أربعة مرتكزات مرجعية للمبادرة المذكورة يتمثل أولها في المعطيات الموضوعية للإشكالية الاجتماعية، المتمثلة في الظروف الصعبة التي تعيشها فئات ومناطق عريضة، والمتمثلة في الفقر والتهميش والافتقار إلى أبسط المرافق والخدمات والتجهيزات الاجتماعية الضرورية، وما يرتبط بذلك وما ينتج عنه من آفات اجتماعية كالأمية والبطالة والانقطاع عن التمدرس وضعف فرص الشغل والأنشطة المدرة للدخل. ويتمثل ثانيها في اعتبار عملية التأهيل عملية معقدة وشاقة وطويلة النفس لا يمكن اختزالها في مجرد تقديم إعانات أو مساعدات موسمية مؤقتة، ولا يمكن التعويل فيها على الأعمال الخيرية والإحسان العفوي، مع التأكيد على أهمية هذه الفضائل، ومن ثم اعتبر جلالة الملك أن المرتكز المرجعي الثاني للمبادرة يتمثل في مقاربة مندمجة ومتماسكة ومشروعة، وتعبئة قوية متعددة، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية أما المرتكز المرجعي الثالث: فهر خيار الانفتاح للانخراط في عالم يعرف تحولات واسعة مع ما يفرضه ذلك من تعبئة جميع المغاربة للانخراط في عمل جماعي يمكن من مجابهة إكراهات الانفتاح والتحولات السريعة التي يفرضها. أما المرتكز الرابع فيتمثل في الاستفادة من تجارب بلدان سابقة في مجال محاربة الفقر والإقصاء. أما محاور البرامج العملية لهذه المبادرة فتتمثل، كما أوضح جلالة الملك، في التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصة بتوسيع استفادتها من المرافق والخدمات والتجهيزات الأساسية، كما أعلن جلالة الملك، في إطار المبادرة، عن برنامج استعجالي يستهدف في المرحلة الأولى التأهيل الاجتماعي ل360 من الجماعات الأشد خصاصة في العالم القروي، و250 من الأحياء الحضرية الفقيرة العتيقة منها والعشوائية. أما على مستوى مسؤولية الالتزام بتحقيق المبادرة، فقد حدد جلالة الملك ثلاثة مستويات من الالتزام: المستوى القريب، ويتعلق بالدفعة الأولى من المبادرة التي ينبغي أن تنكب الحكومة على إنجازها من خلال برامج مندمجة وملموسة، حيث طالب الحكومة بإنجاز خطة عمل متكاملة خلال الأشهر الثلاثة القادمة. المستوى المتوسط: ويتعلق بالطبقة السياسية المقبلة على استحقاقات 2007 التي عليها أن تجعل في صلب اهتمامها بلورة مشاريع ملموسة لتجسيد المبادرة الملكية. المستوى البعيد: الذي يعتبر تتويجا للبرامج قريبة المدى ومتوسطة المدى، أي الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إذن تعتمد مقاربة شمولية تجعل الإنسان في صلب برامج التنمية، كما تعتمد مقاربة مندمجة تدعو مختلف القطاعات الحكومية إلى تجاوز المقاربات القطاعية التجزيئية وتجميع الجهود والإمكانيات من أجل تحقيق مشاريع هيكلية ضمن أولويات تستهدف مواجهة الإقصاء والخصاص الاجتماعي واستنفار وترشيد إمكانيات الدولة دون فرض تحملات ضريبية على المقاولات أو المواطنين، كما أنها مقاربات تكاملية تقوم على التشاور وإشراك القوى الحية في المجتمع، إنها خطة مستقبلية تقوم على الاستمرارية من أجل تحقيق هدف استراتيجي مركزي ألا وهو الإقلاع بمؤشرات التنمية البشرية. ومن دون شك فإن هذه المبادرة تحتاج إلى ثقافة جديدة، ثقافة النجاعة وحسن التدبير وثقافة المسؤولية والتكامل والعمل المندمج المترفع عن الحسابات السياسوية الضيقة. ومن دون شك فإن حسن الخاتمة من حسن البداية، وذلك يعني أن الحكومة الحالية المكلفة بإعداد وتنفيذ المرحلة الأولى من هذه المبادرة تتحمل مسؤولية جسيمة، بما يتطلبه ذلك من تجاوز المعوقات البنيوية والسياسية التي جعلتها ضعيفة الإنجاز والأداء كي تنخرط في فلسفة وروح المبادرة القائمة على العمل المتكامل والمندمج. المبادرة الملكية أيضا تنهي عمليا بعض التكهنات واللغط الذي ما فتئ يتردد في أعمدة بعض الصحف الوطنية حول احتمالات التغيير أو التعديل الحكومي، إذ أنها تحمل الحكومة الحالية مسؤولية إطلاق وإنجاز المرحلة الأولى من المبادرة. ومن جهة ثانية تلقي بالمسؤولية على الأحزاب الوطنية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني من خلال الإسهام في الارتفاع بمستوى قوتها الاقتراحية لبلورة مشاريع اجتماعية تنموية تكون قادرة على الاندماج في أهداف المبادرة الملكية وتجاوز ثقافة السلبية والحسابات السياسوية الضيقة والحروب الحزبية الداخلية. نشرنا أول أمس في زاوية من مصادرنا خبرا عن زيارة خبير أمريكي إلى المغرب لتقييم فعالية البرامج السياسية الموجهة للهيئات والأحزاب، وقلنا إن الخبير الأمريكي >فوجئ بالمصداقية الشعبية لحزب العدالة والتنمية وبخصوصية تجربته بالمقارنة مع تجارب العدالة والتنمية في أندونيسيا وتركيا<. الخبر انتهى عند هذه الجملة، ولكن الأحداث المغربية تابعت القراءة من خارج النص وقولت الخبر ما ليس فيه، واعتبرت أن ذلك يؤكد بأن حزب العدالة والتنمية هو أيضا يتلقى الدعم المالي الأمريكي الموجه لبعض الهيئات والأحزاب السياسية في المغرب، ولا نعرف من أين استقت الجريدة ملعوماتها. لقد نشرنا الخبر المذكور في عدد أول أمس واحتفظنا بأسماء الهيئات المدنية والسياسية التي تلقت دعما ماليا أمريكيا سخيا (انظر من مصادرنا أعلاه) بغية الابتعاد عن الإحراج، لأن الحقائق والمعطيات واضحة ولا تحتاج إلى جهد كبير لكشفها. نص الخطاب الملكي