واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلالة الملك في خطاب إلى الأمة..إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
نشر في التجديد يوم 20 - 05 - 2005

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس مساء أول أمس الأربعاء إلى الأمة خطابا ملكيا أعلن فيه جلالته عن إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وفي ما يلي نص الخطاب الملكي السامي:
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز.
لقد عهدتني، منذ تحملت أمانة قيادتك، دائم الانشغال بقضاياك، متجاوبا مع تطلعاتك، حريصا على إشراكك في إيجاد الحلول الناجعة، لرفع التحديات الكبرى للوطن، بروح الالتزام والتعبئة، والعمل والأمل.
وسيرا على هذا النهج، وبعد إمعان النظر فيما استخلصته من وقوفي الميداني الموصول على أحوالك، في مختلف جهات المملكة، فقد قررت أن أخاطبك اليوم بشأن قضية تهم المغاربة جميعا في العمق، قضية تسائل كل المؤسسات، والفاعلين السياسيين والنقابيين والاقتصاديين والهيئات الجمعوية، بل إنها تشكل الهاجس الملح لكافة الأسر والمواطنين.
إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية، التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر لتحقيق مشروعنا المجتمعي التنموي، والتي قررنا بعون الله وتوفيقه أن نتصدى لها بإطلاق مبادرة طموحة وخلاقة باسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية شمولية تشكل قوام مشروعنا المجتمعي، المرتكز على مبادئ الديمقراطية السياسية والفعالية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي والعمل والاجتهاد، وتمكين كل مواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته.
ومن هذا المنظور المستقبلي المتناسق، قمنا بإصلاحات عميقة وأطلقنا مشاريع هيكلية مكنتنا من تحقيق مكاسب هامة على درب ترسيخ دولة الحق والقانون وتوسيع فضاء الحريات، والنهوض بحقوق المرأة والطفل وبأوضاع الفئات الاجتماعية التي تعاني الفاقة والضعف.
وقد قطعنا أشواطا متقدمة في بناء اقتصاد عصري ومنتج، من خلال المشاريع الكبرى، خاصة في مجال التجهيزات الأساسية، وتأهيل النسيج الإنتاجي الوطني، واتخاذ عدة تدابير لتحفيز الاستثمار والمبادرة الحرة. فضلا عما أنجز في إطار السياسات القطاعية، وبرامج التنمية الجهوية، التي أعطينا انطلاقتها مؤخرا بالجهة الشرقية وجهة سوس ماسة درعة، تعزيزا لما تم إنجازه منذ سنوات بالجهات الشمالية والجنوبية للمملكة.
كما حرصنا على توفير الوسائل والآليات الكفيلة بالدفع قدما بعملية التنمية. وفي مقدمتها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تسريع وتيرة إنجاز البرامج الوطنية للتزويد بالماء الشروب والكهربة الشاملة للعالم القروي وفك العزلة عنه.
شعبي العزيز
إن المبادرة التي نعطي انطلاقتها اليوم تعتبر لبنة جديدة لاستكمال بناء هذا الصرح وتوطيد أركانه. وهي تعتمد أربع ركائز مرجعية أساسية:
فهي في المقام الأول تستند على المعطيات الموضوعية للإشكالية الاجتماعية في المغرب. تلكم المعطيات التي تتجلى في كون فئات ومناطق عريضة تعيش ظروفا صعبة بل وتعاني من حالات فقر وتهميش، تتنافى مع ما نريده من كرامة موفورة لمواطنينا.
فالعديد من الأحياء الحضرية الصفيحية أو المحيطة بالمدن، وكذا الكثير من الجماعات التي يوجد معظمها بالوسط القروي تفتقر إلى أبسط المرافق والخدمات والتجهيزات الاجتماعية الضرورية. وتعتبر مرتعاً خصبا لاستفحال معضلات الأمية والبطالة والإقصاء، أو الانقطاع عن التمدرس، وضعف فرص الشغل والأنشطة المدرة للدخل.
ومثلما لا يكفي القول بأن هذه الوضعية غير مقبولة، فإن مجرد الاقتصار على تشخيصها هو الآخر لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنه يظل غير ذي جدوى ما لم يقترن بالعمل الجاد والملموس، الكفيل بمعالجتها وتغييرها إلى الأحسن.
كما أن مصداقية تشخيص الوضعية الاجتماعية، إنما تقاس بمدى نبل الدوافع وسمو الطموح، الذي يحدونا، لتحقيق التقدم الاجتماعي. وبهذا المعيار، فإن أي استغلال للبؤس الاجتماعي، لأغراض سياسوية، أو لإذكاء نعرة التطرف، أو لإشاعة روح التشاؤم والانهزامية واليأس، أمر مرفوض أخلاقيا، باعتباره ضرباً من التضليل والمغالطة.
وتنبع مبادرتنا، في المقام الثاني، من اقتناعنا بأن إعادة التأهيل الاجتماعي عملية معقدة، شاقة وطويلة النفس، لا يمكن اختزالها في مجرد تقديم إعانات ظرفية، أو مساعدات موسمية مؤقتة. كما لا يمكن التعويل فيها على الأعمال الخيرية، أو الإحسان العفوي، أو الاستجابة لوازع أخلاقي، أو لصحوة ضمير.
ومع حرصنا على ضرورة التشبع المستمر بهذه الفضائل، وإسهاماتها المحمودة، فإننا نعتبر أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة، ضمن عملية متماسكة، ومشروع شامل، وتعبئة قوية متعددة الجبهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية.
ومن هذا المنظور، فإن هدفنا الأسمى من وراء تحقيق هذا المشروع، هو توسيع دائرة الاستفادة من الإمكانات المتوفرة، وإتاحة أكبر قدر من فرص الاختيار أمام كل المغاربة، رجالا ونساء. وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بالعمل على استئصال آفة الفقر والبؤس، التي تقف عقبة في وجه استثمار المواطن المغربي لمؤهلاته الذاتية، وتحول دون إسهامه واندماجه الكامل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
وإذا كان مستوى النمو الاقتصادي غير مكتمل ولا منصف، ما دامت ثماره لم تشمل كل الفئات والجهات، إذ لا يزال بعضها يعاني تدني ظروف العيش والتهميش ؛ فإنه لا ينبغي النظر إلى الإدماج الذي نتوخاه نظرة تبسيطية ومحدودة، بحيث تعتبره عبئا ثقيلا على النمو. في حين أنه يعد شرطا أساسيا للعملية التنموية، ومحفزا قويا لها.
أما المرتكز المرجعي الثالث للمبادرة، فهو خيار الانفتاح، الذي اعتمدناه، بكل مسؤولية، للانخراط في عالم يعرف تحولات متسارعة، وتغيرات عميقة، ويفرض بالتالي إكراهات، وتحديات، تعرض تماسك الروابط الاجتماعية والترابية للهشاشة، وتفرض أنماطا للعيش والاستهلاك، ونماذج فكرية كاسحة، لا يمكننا تفاديها أو تجاهلها.
لذلك، فإن تحصين مكاسبنا من انعكاسات الانفتاح، مع الاستفادة مما يوفره من فرص ثمينة وإمكانات هامة، لن يتأتى إلا بتعبئة كل المغاربة، وانخراطهم الفاعل في عمل جماعي، بدل الانغلاق المفضي إلى الطريق المسدود، أو اللجوء إلى الحلول الذاتية، المنافية للمصلحة العليا للوطن. وتنطلق هذه المبادرة رابعا وأخيرا، من العبر المستخلصة من تجاربنا السابقة، ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان، في مجال محاربة الفقر والإقصاء، التي تدل على أن رفع هذا التحدي، رهين بالتحديد المضبوط للأهداف، وبالتعبئة الشاملة لبلوغها.
كما تدلنا تلك التجارب على محدودية جدوى المقاربات التنموية غير المندمجة، ذات الطابع القطاعي الانفرادي، المنعزل عن باقي القطاعات الأخرى. فضلا عما تؤدي إليه من الاختلالات الناجمة عن تعدد الفاعلين، وتشتيت الجهود، وتبذير الموارد.
إنها تجارب تؤكد، على العكس من ذلك، مدى نجاعة الأساليب التي تستهدف التحديد الدقيق للمناطق والفئات الأكثر خصاصة، وأهمية مساهمة السكان، ونجاعة المقاربات التعاقدية والتشاركية، ودينامية النسيج الجمعوي المحلي، لضمان الانخراط الفاعل، في مشاريع التنمية عن قرب واستمرارها، باعتبارها مكسبا لهم.
وتأسيسا على هذه المقومات والمرجعيات والتجارب، فإن المبادرة التي نطلقها اليوم، ينبغي أن ترتكز على المواطنة الفاعلة والصادقة. وأن تعتمد سياسة خلاقة، تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية، مجسدة في برامج عملية مضبوطة ومندمجة، قائمة على ثلاثة محاور : أولها : التصدي للعجز الاجتماعي، الذي تعرفه الأحياء الحضرية الفقيرة، والجماعات القروية الأشد خصاصة. وذلك بتوسيع استفادتها من المرافق والخدمات والتجهيزات الاجتماعية الأساسية، من صحة وتعليم، ومحاربة للأمية، وتوفير للماء وللكهرباء، وللسكن اللائق، ولشبكات التطهير، والطرق، وبناء المساجد، ودور الشباب والثقافة، والملاعب الرياضية.
وثانيها : تشجيع الأنشطة المتيحة للدخل القار والمدرة لفرص الشغل، مع اعتماد توجه حازم يتوخى ابتكار حلول ناجعة للقطاع غير المنظم ؛ داعين الحكومة وكل الفرقاء في هذا الشأن إلى جعل المناظرة الوطنية المقبلة للتشغيل، فرصة سانحة لإجراء حوار واسع وبناء، واقتراح حلول عملية لبطالة الشباب.
وثالثها : العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية، للأشخاص في وضعية صعبة، أو لذوي الاحتياجات الخاصة لانتشالهم من أوضاعهم المتردية، والحفاظ على كرامتهم، وتجنيبهم الوقوع في الانحراف أو الانغلاق، أو الفقر المدقع . وإذا كان من غير الممكن، من الناحية المادية إنجاز هذه المبادرة دفعة واحدة، على مستوى جميع الجهات والفئات ؛ فإن من الأصوب اعتماد معايير موضوعية، قائمة على مدى الاستعجال والحاجة الملحة، لتحديد المستهدفين بالأسبقية.
وهكذا ستستهدف هذه المبادرة، في المرحلة الأولى لانطلاقها، التأهيل الاجتماعي، ل360 من الجماعات الأشد خصاصة في العالم القروي، و250 من الأحياء الحضرية الفقيرة، العتيقة منها والعشوائية والصفيحية المحيطة بالمدن، التي تتجلى فيها المظاهر الصارخة للإقصاء الاجتماعي، والبطالة والانحراف والبؤس.
كما أنها تستهدف التأهيل، بكيفية متدرجة، سواء للطاقة الاستيعابية، أو لنوعية مراكز الاستقبال الموجودة، أو إيجاد أخرى جديدة متخصصة، وقادرة على استيعاب، ومساعدة الأشخاص في وضعية صعبة، كالمعوقين، والأطفال المتخلى عنهم، والمتشردين، والنساء المعوزات اللواتي لا سند ولا مأوى لهن، والعجزة والأيتام، الذين لا معيل لهم.وإن محدودية مواردنا المادية، ليست مبرراً لقبول هذه الوضعية المزرية، التي لا نرتضيها لشعبنا الأبي.
فإيماننا القوي، بعبقريتنا الوطنية، وقدرتنا على الابتكار والاجتهاد، وبمواردنا البشرية المؤهلة، المدعومة بعزمنا الراسخ، والمستمدة من قيمنا الأصيلة، لهي الوسائل الحقيقية، التي نعتمدها لبلوغ الأهداف الطموحة، التي حددناها لهذه المبادرة الحيوية.
وحرصا على التفعيل الدائم لهذه المبادرة، بكيفية توفق بين التقيد بمحدودية زمن كل انتداب برلماني أو حكومي، وبين ضمان استمرار هذه المبادرة، ذات الطابع الوطني ؛ فإني أحدد مسؤولية الالتزام بتحقيقها في ثلاثة مسارات، قصيرة ومتوسطة ودائمة.
فعلى المدى القريب، كلفت الوزير الأول، بالسهر على أن تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة، في دفعتها الأولى، ضمن برامج مندمجة وملموسة، على أن يرفع إلى نظرنا السامي، في غضون الأشهر الثلاثة القادمة، خطة عمل متكاملة، تستجيب لأهداف هذه المبادرة.
أما على المدى المتوسط، فإنه يتعين على الطبقة السياسية، وهي مقبلة على استحقاقات حزبية وانتخابية، في أفق سنة2007 ، أن تجعل في صلب اهتماماتها بلورة مشاريع ملموسة لتجسيد هذه المبادرة، لأن أهدافها التنموية، تشكل جوهر الانشغالات اليومية للشعب، والمحك الحقيقي لإعادة الاعتبار للعمل السياسي.
وأما على المدى البعيد، فإن طموحي الكبير، الذي هو طموحك شعبي العزيز، يستهدف الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية لوطننا العزيز إلى مستوى البلدان المتقدمة.
وتأكيدا للصبغة الوطنية الشاملة لهذه المبادرة، فقد وجهنا وزيرنا الأول بأن يعرضها على البرلمان، في جلسة مخصصة لمناقشتها، بما تقتضيه من دعم بناء.
وبصفة عامة، ندعو الحكومة إلى اعتماد مقاربة تقوم على الإصغاء والتشاور مع كل القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، ومنظمات نقابية، وجماعات محلية، وهيآت المجتمع المدني، وقطاع خاص. وحتى مع المواطنين الذين لهم خبرة وغيرة في مجال التنمية.
كما ندعوها إلى نهج خطة عمل، ترتكز على مبادئ حسن التدبير، من مسؤولية وشفافية، وقواعد الاحترافية، مع إشراك واسع للمواطنين، وتحديد وعقلنة مجال تدخل المؤسسات، والأجهزة العمومية. فضلا عن المتابعة والتقويم المستمرين للمنجزات.
وفيما يخص التمويل، فقد قررنا أن ترصد للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية الاعتمادات الكافية، من الميزانية العامة للدولة، وذلك بشكل قار ودائم. وفي هذا السياق، يجب وضع حد للحلول الترقيعية، والتدابير الجزئية غير المجدية، المتنافية مع ضرورة دوامها.
كما ينبغي أن يقوم التمويل على إيجاد آلية ملائمة ومتميزة، تضمن استمرارية الموارد، وتسهيل ونجاعة مساطر التنفيذ. ونود التأكيد في هذا السياق، على أنه لن يتم اللجوء إلى أي ضرائب أو تحملات جبائية جديدة، لا على المواطن، ولا على المقاولة.
ويجب أن يشكل تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فرصة للاجتهاد والإبداع والتجديد، في آليات وأساليب العمل الاجتماعي. منطلقنا في ذلك أن تكون قوية التأثير في نتائجها، وغير مكلفة في وسائلها، ومعززة بموارد بشرية مؤهلة، وآليات مراقبة ورصد لظواهر الفقر والإقصاء، بكل موضوعية ويقظة.
شعبي العزيز
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا، ولا برنامجا ظرفيا عابرا، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار. كما أنها ليست تغييرا في الأسبقيات التي حددناها، بل هي تأكيد وتجسيد لالتزامنا. إذ ما فتئنا في كل مناسبة نؤكد أسبقية واستمرارية ما نخوضه من معارك موصولة، لتأهيل الموارد البشرية، وتقوية التنافسية الاقتصادية الوطنية، وإدراج إنعاش الاستثمار والمبادرة الخاصة والتصدير، في إطار مختلف السياسات القطاعية. وفي هذا الصدد، نجدد التأكيد على أهمية الدور الحاسم للتفعيل الأمثل لإصلاح منظومة التربية والتكوين، باعتبارها رافعة أساسية للتعبئة والإدماج الاجتماعي. كما نؤكد على حاجة بلادنا إلى انتهاج خطة محكمة بعيدة المدى، في النهوض الفعلي بالتنمية القروية، والاستثمار الأمثل لمواردنا الزراعية.
ومن منطلق انشغالنا القوي، بوجوب التضامن مع العالم القروي، لمواجهة الأوضاع الملحة، الناجمة عن سنة فلاحية صعبة، فإننا نؤكد ضرورة اتخاذ حكومتنا للتدابير الاستعجالية الكفيلة بالتغلب على الظرفية الراهنة.
شعبي العزيز، إن سبيلنا ليظل المغرب أمة ناهضة، وبلدا متحركا إلى الأمام، لهو التعبئة من أجل تحقيق هذا المشروع النبيل، الذي ندعو الجميع للانخراط في مساره، في نكران ذات، وسمو عن كل الحسابات الضيقة.
وتشبعا منا بثقافة التقويم والمحاسبة لكل الفاعلين، في قيامهم بمسؤولياتهم، التي نحرص على ترسيخها في تدبير الشأن العام، فإننا نحدد مدة السنوات الثلاث المقبلة، كموعد لتقييم نتائج هذه المبادرة الجديدة، وما ستفرزه من تغيير إيجابي ملموس، في حياة المواطنين.
وإنه لعهد وثيق يجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا لتكريس كل الجهود، من أجل انتشال الفئات والجهات المحرومة من براثن الفقر والإقصاء والتخلف، وتمكينها من الأخذ بناصية التقدم، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم والغد. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.