يرى الأستاذ عبد الهادي خيرات أن المهم بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي في هذه المرحلة ليس هو اتخاذ الموقف من البقاء في الحكومة أو الخروج منها، ولكن هو تحديد ماذا يريد الاتحاديون بالضبط، وتصريف هذا الموقف بصراحة داخل الحكومة وخارجها، وأكد أن مواقف حزبه الصريحة ستضطر الجهات المعنية إلى الاختيار، وطالب خيرات بفتح جبهة واسعة للدفاع عن الديمقراطية تناضل من أجل إعادة المغرب إلى السكة، مؤكدا أن التقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي ما هي إلا بداية يلزمها أن تكبر، وتضم بالإضافة إلى مكونات حزبية جمعيات من المجتمع المدني وفعاليات علمية وشخصيات وطنية وازنة، وانتقد خيرات بشدة عدم وجود إرادة سياسية للإصلاح؛ مدللا عليها بفشل ورش إصلاح القضاء في مسايرة الاستحقاقات الانتخابية، والضرب بيد من حديد على لوبيات الفساد وسماسرة الانتخابات، ووصف المؤسسات القائمة بأنها أصبحت شكلية، وأن التصريح الحكومي لم يعد هو الموجه للمشاريع المنجزة، وأعرب خيرات عن انزعاجه وقلقه من وجود مشاريع كبرى باعتمادات مالية كبيرة تصنع خارج الحكومة بحسب تعبيره. حاوره بلال التليدي في البدء كيف تقيمون الدخول السياسي؟ في الحقيقة كلمة دخول سياسي حمولتها ثقيلة، ولكن ذلك موجود في البلدان الديمقراطية التي تعرف حراكا سياسيا مهما، وتكون السياسة ذات معنى. والمفترض أن الدخول السياسي يأتي بعد عطلة واستجماع نفس، وبعد سنة مليئة بالإنجازات السياسية وحافلة بالعطاء، سواء أكانت نجاحات أو إخفاقات، أما بالنسبة لحالة المشهد السياسي في المغرب، فمن الصعب أن نتحدث عن دخول سياسي. فمن جهة، نحن نعيش تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، لكن للأسف هناك نوع من الاستخفاف في التعاطي معها من قبل الحكومة، صحيح أننا لم نتأثر على مستوى الأبناك، وهذا أمر طبيعي جدا، بحكم أنها تأخذ كافة الاحتياطات والضمانات في تعاملاتها المالية، ولا تتحمل أعباء المخاطرة، ولذلك، فإنها بقيت في منأى عن تداعيات هذه الأزمة العالمية، لكننا لم ننج من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على مجموعة من القطاعات. ومن جهة ثانية، لا جديد يذكر على مستوى ملف الحوار الاجتماعي، فلا زال التشنج من جهة الحكومة سيد الموقف، ولا يبدو في الأفق أن هذا الحوار سيثمر في القريب العاجل التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والنقابات، سواء على المستوى المركزي أو القطاعي، بل لا يظهر أي مؤشر على أن المشاكل الاجتماعية ستجد حلها، فقد وصل احتياطي المغرب من العملة الصعبة إلى ستة أو خمس أشهر بعد ما كانت في السابق ثلاث سنوات، وأصبحنا اليوم نفاجئ المؤسسات المالية الدولية؛ نظرا للوضعية الصعبة التي وصلنا إليها. ومن جهة ثالثة، فهذه السنة كانت سنة الاستحقاقات الانتخابية، فقد عشنا ستة أو سبعة أشهر من العمليات الانتخابية، لكن يبدو أن المغرب لم يكن في الموعد، ولم يستفد من دروس الاستحقاقات الماضية، ولا يبدو أن هناك إرادة حقيقية لوضع المغرب في السكة. المؤسف حقيقة، أننا أصبحنا أمام مؤسسات شبه فاقدة لمصداقيتها، وأصحبت العملية الانتخابية بمثابة سوق للنخاسة، وأصبحنا أمام لوبيات وعصابات متحكمة في الأحياء والدواوير، إذ أصبحت عملية البيع والشراء تتم بشكل مفضوح في الانتخابات الجماعية، سواء كانت قروية أو حضرية، ثم في انتخابات مجالس الأقاليم والعمالات، ثم على مستوى الجهات، وبعد ذلك على مستوى مجلس المستشارين، وبعد ذلك تنقلب تلك اللوبيات إلى أدوات للسمسرة على امتداد السنة. ولذلك، كان المفترض أن نقوم بعملية تقييمة شاملة لهذه الاستحقاقات وهذه الظواهر الخطيرة التي تهدد مصير ومستقبل المؤسسات المنتخبة. أمام هذه الأزمات الثلاث، هناك أمر رابع، فلا أخفيك، أن هناك أخطار خارجية تتهدد المغرب، فالجزائر التي تسارع إلى التسلح إلى درجة أنها أنفقت هذه السنة 12 مليار دولار في تجديد وتنويع ترسانتها العسكرية، ولم تعد تحصل على الأسلحة من أوربا الشرقية، بل صارت أوربا والولايات المتحدةالأمريكية المزود الرئيس للجزائر، وبالتالي أنا لا أعتقد أن الجزائر تستعد عسكريا لمواجهة مالي، وإنما تستعد للمغرب. ولذلك، فأقل ما يتطلبه هذا التحدي، أن نكون جبهة متراصة داخليا كما كانت من قبل، لكن للأسف نحن نعيش اليوم حالة من التفكك والتهلهل وضعف التعبئة. فهذه العوامل كلها، كان المفروض أن تكون هي العناوين الكبرى للدخول السياسي، وكان المفروض أن تتعبأ الجبهة الداخلية، ويحصل التضامن والتآزر لمواجهة هذه الأخطار، ولم لا شد الحزام . لكن للأسف، أنا لا أرى لهذه العناوين بروزا، وكأن الأمور عادية، وألا شيء يستدعي مثل هذه القضايا، وألا خطر يتهدد مستقبل المغاربة الاجتماعي والسياسي. ترتسم في المشهد السياسي المغربي ثلاث ملامح أساسية، فمن جهة هناك حكومة ضعيفة ومفككة، ومن جهة ثانية هناك حزبجديد تصدر نتائج الانتخابات يعلن تموقعه في المعارضة لكن من غير هوية، ومن جهة ثالثة، هناك التقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، والذي تجاوز كونه مجرد شعارات يرفعها رموز من التيارين إلى تنسيق استراتيجي عبرت عنه التحالفات التي شكلت مجالس الجماعات بالعديد من المناطق، في نظركم، كيف ستتفاعل هذه الملامح الثلاثة في ظل وجود ملفات ثقيلة لها كلفة اجتماعية كبيرة؟ بالنسبة إلى ضعف الحكومة أو قوتها، بصريح العبارة أنا لا أعطي لهذا الأمر كبير أهمية، أولا لأن هذه الحكومة هي حكومة أقلية منذ تشكيلها، فقد كانت في البدء حكومة أقلية وأعطيت أوامر للوافد الجديد كي يضمن لها الأغلبية، وحتى اليوم، لا أعتقد أنها فاقدة للأغلبية، فستسير كما هو مرسوم لها، ولن يكون الوافد الجديد أكثر من قوة ضاغطة تنتزع بعض الأشياء من هنا ومن هناك وفق توجه معين، ولذلك، قلت لا أعطي أهمية لقضية امتلاك الحكومة للأغلبية أو عدم امتلاكها لها. المقلق حقا، هو التوجهات، ذلك أنك حينما تنظر إلى التوجهات، أول ما يتبادر إليك هو سؤال الجدوى من هذه المؤسسات. إذا أصحبنا أمام وزير أول يقدم تصريحا حكوميا من المفترض أن يحكم سير الحكومة وتوجهها، ثم بعد مدة وجيزة، نرى مشاريع كبرى لم يتحدث عنها التصريح الحكومي. أنا لم أسمع ولم أقرأ شيئا في التصريح الحكومي اسمه المغرب الأخضر مع أن هذا المشروع يتعلق ب 20 مليار درهم، ثم نسمع مشاريع أخرى كبيرة ترصد لها مبالغ مالية كبيرة لم يشر إليها التصريح الحكومي، هذا في الحقيقة مزعج لأنه يعيد النظر في التصريح الحكومي برمته، وهذا شيء ينبغي أن يقال للمغاربة. أما أن يكون التصريح في واد، وأشياء أخرى تصنع في أماكن أخرى خارج الحكومة، فهذا حقيقة ما يدعو إلى القلق والانزعاج، لأن هذا يحكم مسار المغرب ويحكم ميزانيته، ويرهن مستقبل البلاد وتوجهها، ولذلك، لا أخفيك إذا قلت إن المؤسسات أصبحت شكلية، وإن هناك أشياء أخرى تصنع في أماكن أخرى، فإذا قررنا أن نكون دولة المؤسسات، فينبغي أن نقطع مع هذه الممارسات، وإذا قررنا أن نكون دولة ديمقراطية فينبغي أن تكون للمؤسسات مصداقيتها وأن تكون مؤسسات حقيقية، وإذا قررنا أن نكون دولة التعددية السياسية، فينبغي أن تكون الأحزاب تقوم بدورها. هذا ليس اختيارا خاصا بالمغاربة، هذه هي الصيغة الحضارية التي توصلت إليها البشرية. لا أرى الآن أن قناعة حاصلة في المغرب بهذه الصيغة الديمقراطية، فالذي يتكلم عن المؤسسات يريدها مؤسسات شكلية، والذي يتحدث عن الديمقراطية، يريدها ديمقراطية زائفة وشكلية لأن نتائجها صادمة ومخيفة. هناك قناعات لا يريد البعض أن ينفك عنها، إذ يتصور أن الذي يعارض والذي يحتج وينتقد الأوضاع إنما يريد أن يضعف الدولة؛ في حين أن مثل هذه القناعات لم يعد لها محل في الدول الديمقراطية. نحن نريد دولة قوية وقوية جدا، بل إننا نتصور أن الدولة إذا لم تكن قوية بأجهزتها لن نكون ولن تكون أي ديمقراطية، هذا ما تعبر عنه المقولة الآتية إذا كانت الدولة قوية تسحقنا وتقوم اعوجاجنا، وإذا كانت الدولة ضعيفة لم نبق في حيز الوجود ولذلك، نحن حين نقول بأننا نريد دولة قوية لا نقول ذلك نفاقا ولا مجاملة، ولكننا نقول ذلك قناعة ومبدأ، أما الذين يخوفون الدولة من الديمقراطيين، فحين يقولون ذلك، إنما يقولونه نفاقا وتزلفا. نحن نعتقد اعتقادا راسخا، أنه إذا كان هناك من أحد يريد أن يحمي الدولة من أي بأس أو خطر يتهددها، وإذا كان من أحد يسعى في تقويتها، ويموت من أجل ذلك، فهو نحن، أما الآخرون فشيء آخر. لكن للأسف، هذه القناعة لا أراها على المستوى المركزي، ولا في مستويات أخرى. وأعتقد أن بداية الطريق أن تحصل القناعة عند الجميع بأن القوى التي تتطلع إلى الديمقراطية وإلى محاربة الفساد إنما تريد أن تقوي الدولة لا أن تضعفها. على المستوى الحزبي، يلاحظ أن هناك حزبا كان طرفا قويا في صناعة التناوب في المغرب، وكان يمثل حزب الدولة والضامن للتوازنات السياسية، الآن يعيش صراعا داخليا وتخترق أجهزته ورموزه، وهناك من يرى انتهاء مهمته ما دام أن الوافد الجديد صار جاهزا لأداء مهامه، وهناك من جهة ثانية حكومة تعيش تحت رحمة الوافد الجديد، ومن جهة ثالثة هناك تقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، كيف تقيم تفاعلات هذا المشهد الحزبي؟ هناك من يرى بأن هذه أحزاب نحن صنعناها وانتهت مهمتها، ولا يعتبر أن الأحزاب هي نتاج ديناميكية اجتماعية فرضتها واستجابة لمطالب وتطلعات شريحة مجتمعية أو طبقات اجتماعية، أو تعبيرات عن توجهات فكرية وسياسية. نحن كنا نسمي الأحزاب التي لا تخضع لهذه الديناميكية بالأحزاب الإدارية. المرحوم الحسن الثاني، كان ينزعج من هذا الوصف إلى درجة أنه قال مرة باراكا من هذه الأحزاب الإدراية، هذه أحزاب خلقت وهي اليوم في الميدان، فقد كان يقر بذلك، وفي لحظة قال: هذه الأحزاب الإدارية انتهت وقال لوزير الداخلية إدريس البصري: ابحث عن أبناء العائلات، فإني سألت عنهم فوجدتهم لا يترشحون للانتخابات، وعي اللحظة التي دخل فيها أبناء هذه العائلات إلى جمعيات مثل جمعية سايس وأبي رقراق وغيرها، فقد كان القصد ألا يدمجوهم في أحزاب حتى لا يدفعوا بهم إلى الصدام مع الاتحاد الاشتراكي، والآن ثبت أن هذه الخطوة فشلت ولم يعد لها اليوم أي دور، ولذلك، كما قلت لك، أنا لا أهتم بقضية قوة الحكومة أو ضعفها، فهذا بالنسبة إلي جد ثانوي، أما بالنسبة لما يجري لحزب التجمع الوطني للأحرار، فكل الاحتمالات ممكنة بما في ذلك السيناريو الذي تم مع الأحزاب الخمسة الصغيرة التي أدمجها الوافد الجديد لتجد نفسها في نهاية المطاف قد التهمت. السؤال الذي يطرح، هل سيتوقف هذا عند الأحزاب؟ أم سيتعداه إلى النقابات هي أيضا؟ لكن بالرغم من كل هذا الحراك، أنا أعتبر هذا شيئا ظرفيا، إن لم يكن محاولة لملء الوقت، هو بالتأكيد ليس ربحا للوقت، وإنما هو خسران له، إذ لو كان ربحا للوقت لكان في الاتجاه الصحيح، هذا مضيعة للوقت، وسيأتي الزمان الذي يقول فيه الناس بصريح العبارة: باراكا. أما بالنسبة للحكومة، فأعتقد أنها تعرف حدودها ولن تتجاوزها. ينبغي ألا نكذب على أنفسنا ونقول إن للحكومة توجه مرسوم، وهي تنتهج السياسات في ضوئه، هذا غير موجود. هل ستكون عندنا الشجاعة الكافية لنقول هذا الكلام؟ هذا هو سؤال المرحلة. اليوم كلمة انتقال ديمقراطي في المغرب لم تعد تعني شيئا، ومضمونها جد محدد، لأنها تتضمن سؤالين: من وإلى؟ أي أين كنا، وإلى أين سنصل؟ وقد تبين أنه لا وجود لأي انتقال ديمقراطي في المغرب، وإلا ينبغي أن نعيد تعريف الديمقراطية من جديد، أو أن الديمقراطية أصبحت بالميزان، إذ يمكن أن نأخذ منها ربع كيلو أو نصفه أو أقل منه أو أكثر، إلى درجة أننا مللنا من عبارة هامش من الديمقراطية. نحن نريد ديمقراطية كاملة، ونريد دولة المؤسسات ودولة القانون. نحن لسنا مع التسيب، نحن مع تطبيق القانون حتى على الصحافة التي أحيانا تتجاوز دورها وتمضي إلى استهداف أعراض الناس، نحن نريد أن نحتكم إلى القضاء. الكل يتحدث عن إصلاح القضاء، لكن أول امتحان وضع فيه هذا القضاء خسر فيه المعركة. أجمع الكل على أن الدولة لا يمكن أن ينصلح حالها إلا بإصلاح القضاء، لكن الاستحقاقات الانتخابية التي مرت أثبتت أنه فشل في أول معركة. القضاء كان يتفرج. والغريب أن المجلس الدستوري، الذي يضم قضاة سامين معينين، لم يقل كلمته في ملفات تعود إلى انتخابات 2007 ولم يبت في الطعون التي قدمت ضد بعض المنتخبين، بل عن هناك ملفات أنا أعرفها جيدا، فيها مجرد العد والحساب وإعلان الفائز، وليس فيها إعادة الانتخابات، للأسف المجلس الدستوري لم يقم بالبث في هذه الملفات. أعتقد أن هذه هي المعركة الأولى التي كان على القضاء أن يبرهن فيها على جدية ومصداقية إصلاح هذا الورش، كان عليه أن يتتبع هذه الانتخابات، وأن يضرب بيد من حديد ويعتقل من يعتقل ويتنصت على من يتنصت، لكنه لم يفعل شيئا من ذلك. كان يكتفي بالتفرج. لا نريد أن نسمع عبارة لم نتوصل بشكاية. بالله، لا توجد مدينة ولا قرية، لا يعرف فيهما القضاة المرتشون، وسماسرتهم، والمبلغ الذي يقبضونه في كل قضية، وشهود الزور معدون سلفا، وتتكرر نفس الأسماء في العديد من القضايا، فيأتون ويشهدون على هذه القضية وتلك، ويسكنون في المحكمة، ناهيك عن لوبيات السمسرة. هذه الأشياء تعرفها الدولة. الكل يعرف الأطباء الذين يسلمون شواهد طبية مزورة فيها الشهر والشهران بدون إخضاع مستلم الشهادة للفحص، وهم جزء كبير من ظاهرة فساد القضاء، سواء فيهم المشتغلون في القطاع العام أو الخاص. نتحدث هنا عن فضيحة الطبيب الذي سلم شهادة مزورة يثبت فيها وجود كسر دون أن يباشر عملية الفحص. طبعا، انكشفت الفضيحة لأن المتضرر كان من حزب الاستقلال، لكن ما القول في الذين لا ينتمون إلى حزب الاستقلال، والذين يعدون بالمئات والآلاف، كيف يمكن لهم أن يزيلوا الظلم عليهم إذا ما سلم طبيب شهادة مزورة لشخص تتضمن 21 يوما وتوجب اعتقال الطرف الآخر؟ هل يمكن أن نتحدث عن إصلاح القضاء ونحن لا زلنا نتحدث عن قضاء الجماعات والمقاطعات، وشبه الأميين في البوادي والأسواق يظلون يجلدون الناس، وأحكامهم لا تستأنف، كأننا في المغرب لا نعاني من شيء اسمه بطالة الخريجين، ولا نتوفر على أطر قانونية. الآلاف من القضايا تمر، والنخبة السياسية تتكلم في المدن ولا تعرف المجازر اليومية التي تحدث في البادية. لكننا أستاذ خيرات، حين نتحدث عن القضاء تشار السهام إلى حزبكم، بحكم أن المسؤول عن حقيبة القضاء هو الاتحاد الاشتراكي؟ أبدا. نحن حين نتحدث عن إصلاح القضاء نتحدث على المستوى السياسي، نحن كحزب، لم نطرح وجهة نظرنا في القضاء، ولكننا طرقنا جميع الأبواب، أخذنا رأي الهيئات المرتبطة، التي هي بدورها فيها كثير مما ينبغي أن يقال، فلا يخفى أن الارتزاق صار سائدا في هيئة المحامين، وهناك لوبيات ومافيات تسكن هذه الهيئة، ولم يعد هناك فقط المحامي النزيه الكفء هو الذي يؤهل ليكون نقيبا، ولكن هناك عدد من المحامين الذين لا تتوفر فيهم هذه الشروط، ومنهم من يأكل ودائع الناس وصار نقيبا. نحن لم نلتجئ فقط إلى هيئة المحامين، ولكننا أخذنا رأي جميع المعنيين. قمنا بعمل، هل هو عمل كبير أم صغير، لا أستطيع أن أقيم بشكل كامل وشامل، وقد سلم العمل الذي قمنا به إلى ملك البلاد، لكن النقاش ينبغي أن يبقى مستمرا ويتوج بندوة وطنية في الموضوع. ولذلك، ينبغي أن نكون صرحاء، ليس لأن حزب الاتحاد الاشتراكي يملك حقيبة القضاء فهو الجهة المسؤولة عن إصلاحه. ليس بمقدور أي حزب أن يقوم لوحده بإصلاح هذا الورش إذا لم تكن هناك إرادة متكاملة في جميع الجوانب، وأن تؤخذ بعض القرارات بحزم شديد، وأن تطال هذه القرارات الجميع بما في ذلك الصحافة، لأن النيابة العامة حين ترى أن هناك تجاوزا من بعض الصحف يلزمها أن تفتح بشأنها نازلة، فهي بمثابة شكاية غير مباشرة، بل ينبغي أن تحدث أقسام لتتبع الصحف. ينبغي أن يلتزم الجميع بالقانون، وهذا يتطلب تجنيدا كبيرا على مستوى المؤسسات التعليمية، والإعلام السمعي البصري، لكن مع كامل الأسف لا زال ينتظرنا الكثير. وأنا أتصور لو أصلحنا قضاءنا لانطلقنا ولحققنا أمورا كثيرة. يعيش الاتحاد الاشتراكي حراكا داخليا متصاعدا مع اقتراب المجلس الوطني، إذ بدأت تتصاعد دعوات للخروج من الحكومة، كيف تقيمون هذا الحراك؟ لا أخفي عليك أني لست من دعاة الخروج من الحكومة. أنا من دعاة ماذا نريد؟ وحين نختار على الآخرين أن يحددوا موقفهم منا. وكما كان يقول عمر بن جلون والسي عبد الرحيم بوعبيد رحمهما الله:نحن لم نخرج من حكومة عبد الله إبراهيم، ولكن شاتونا أخرجونا نحن نريد منهم أن يخرجونا من الحكومة، لكن ينبغي أن يكون لنا توجه واضح، وموقف نعبر عنه داخل الحكومة أو خارجها. فحين يكون لي توجه واضح وموقف أعبر عنه لا يهمني بعد ذلك أأخرج من الحكومة أو أبقى فيها، المهم أني داخل الحكومة أعبر عن رأيي وأقول إن التصريح الحكومي يقرر شيئان وهناك أشياء أخرى تجري في الأرض تصنع في أماكن أخرى غير الحكومة، هذا شيء مهم بالنسبة إلي. وعلى الآخرين أن يختاروا بعد ذلك، وسواء اليوم أو غدا سيأتي اليوم الذي سيجدون فيه أنفسهم مضطرين إلى الاختيار. هذا الآن لا زال محور نقاش بيننا داخل الاتحاد الاشتراكي. هل وصلنا إلى درجة غسل أيدينا من الحكومة، وفي هذه الحالة كيف سنصرف الموقف داخل الحكومة وخارجها ونقول للهم إن هذا منكر، لم نعد نقبل الاستمرار في اللعب؟ نحن الآن وصلنا إلى حالة غريبة جدا، أصبحت فيه الحكومة كأنها حظيرة، الكل يدخل إليها. الحكومة لا تظهر بصورة الكيان المتماسك الذي تشكل من تحالف ويملك برنامجا يدافع عنه ويحكم توجهه وسياساته، للأسف وصلنا إلى حالة تكون فيها الأحزاب مشاركة في الحكم، بحيث لا نملك رؤية حول مرحلة زمنية أو توجه معين نحتكم إليه. كان لكم تقييم بعد 2007 وأصدرتم بيانا سياسيا يتضمن تحديد التوجه الذي سيختاره الاتحاد الاشتراكي؟ قمنا بالتقييم، وأصدرنا البيان السياسي، لكننا لا نريد أن نكون سببا في عدم استقرار بلدنا، ولا نريد أن نعطي الفرصة للبعض ليقول بأننا مجرد متنطعين. نحن نريد أن نعطي فرصة لبلادنا والمسؤولين لدينا. لابد أن تقوم الحكومة بتقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية التي مرت، وأن تكون محطة أساسية نستخلص منها ما ينبغي فعله. وهل تعتقد أن مكونات الحكومة، وفي مقدمتهم حزب الاستقلال يمكن أن يستجيب لهذه الدعوة؟ نحن نقوم بما يفرضه علينا الواجب، فقد سبق أن طلبنا من مكونات الكتلة رأيها في قضية مذكرة الإصلاحات الدستورية، لكن كان رأيها أن تؤجل حتى مرور الاستحقاقات الانتخابية، ومضينا في عملنا، ووجهنا المذكرة إلى ملك البلاد، ورأينا أن ننشرها على نطاق واسع لنفتح حولها نقاشا واسعا، وكان من اللياقة أن نؤجل نشرها حتى يعطى الوقت الكافي للاطلاع على مطالبنا والتجاوب معها. ومتى ستنشرونها؟ في أجل معقول، فالبلاد لها التزامات، ولا نريد أن نقوم بتعديل دستوري وحدنا، ولكن نريد أن يتم ذلك في إطار توافق. لحد الآن، ألم تتلقوا أي إشارة تفيد التجاوب مع المذكرة التي سلمتموها إلى الملك؟ إشارات متعددة، فنحن حين طالبنا بالجهوية الموسعة، وجاء الخطاب ليؤكد ما طالبنا به، نحن نعتبر أن هذه إشارة واضحة. لكن نحتاج الآن إلى الأجرأة والتنفيذ. نحن الآن نعيش عهد محمد السادس، لا يعقل أن نبقى محكومين بدستور وضعه الحسن الثاني. قد يقال إن هذا الأمر شكلي، ولكن لا يمكن أن نستمر بدستور أصبحت فيه بعض الفصول غير قابلة للاستمرار. ما حصل بين "الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية"بداية ينبغي أن تكبر بعد انتخابات 2007 انطلق تقييم من داخل الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، وتقاطعت العديد من القناعات، وانطلق على إثرها تقارب بدأ على مستوى الدعوات، وترجم إلى تقارب استراتيجي في تحالفات تشكيل مجالس الجماعات والأقاليم والعمالات وحتى الجهات، في نظركم كيف تقيمون الخطوات التي تمت على هذا المستوى؟ أنا أعتقد أن الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية ومكونات ما يعرف بالمجتمع المدني، والديمقراطيين الموزعين في كل اتجاه، أعتقد أننا ينبغي أن نتوحد جميعا ضمن جبهة واسعة متماسكة من أجل الدفاع عن الديمقراطية والعودة إلى المؤسسات. لا يمكن لنا أن نتفرج على ما يحدث في البلاد، ولا يمكن لنا أن نسمح بالتراجع عن ما تحقق من مكتسبات. ما حصل بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية ينبغي أن يكبر، اليوم هو موضع حديث، وهي بداية، لكنها ينبغي أن تكبر. السي عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله كان من الذين يؤمنون بتوسيع جبهة النضال، وأذكر أنه حين كان يعتزم تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رفض أن يدخلها الاتحاديون، كان يقول لنا ابحثوا عن أساتذة وفقهاء وشخصيات وطنية، وكان يدلنا على بعض أسماء المحامين المستقلين والأساتذة الجامعيين وبعض الشخصيات الوطنية الوازنة، وكان رحمه الله يقول: إذا كنا سنؤسس هذه الجمعية ليدخلها الاتحاديون فقط فلا حاجة لنا بها، لأن الاتحادي يقوم بسلوكه النضالي كل يوم دون الحاجة إلى جمعية. كان رحمه الله يسعى إلى إعطاء مصداقية لهذه الجمعية من خلال الانفتاح على شخصيات وطنية مستقلة ومحايدة، وهذا ما نراه حقيقة في بعض الجمعيات والمنظمات التي أثبتت جدارتها مثل منظمة العفو الدولية، وقد كنا سباقين لطرح هذه المبادرات، لكن للأسف، الدولة حاربت هذا التوجه منذ البداية دون أن نغفل دور بعض الانزلاقات في تحريف مسار هذه المبادرات، وقد رأينا الصراعات التي تفجرت داخل هذه الهيئة، وأصبحنا أمام هيئتين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظومة المغربية لحقوق الإنسان. الشاهد عندنا، أننا كنا نبحث من داخل المجتمع من يقوم بحركة واسعة تستوعب الشخصيات الوطنية وبعض النزهاء من الشخصيات العلمية والجامعية والأطر وتنخرط في معركة الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن هذه المحاولة تم محاربتها. وأتذكر هنا أن الحسن الثاني رحمه قال للسي عبد الحريم بوعبيد: لقد أصبحنا في وضعية صعبة، وأخبره بأنه لا يعرف الجامعة والأطر التي تخرج، وقال له: لقد أمرت إدريس البصري بأن يختار كل سنة 150 من الأطر، ويلقي بهم في البحر يقصد مسؤوليات في الدولة فمن سبح ونجا فقد ربحناه، ومن غرق، فهناك العديد ممن غرقوا فكانت الدولة وقتها تبحث عن النخب، لكن هذه السياسة أفسدت الجامعة، وأصبح الأساتذة الجامعيون يتسابقون أيهم يقترب من ديوان وزير الداخلية حتى يحظى بمنصب في الدولة. ولم يسلم من هذا الداء إلى بعض قليل احتفظوا باستقلاليتهم ونزاهتهم، بعد أن استشرى مرض التهافت في الجسد الجامعي. واليوم، نحن نرى كيف يتهافتون على الحزب الجديد. وللأسف، هذه الرغبة في التسلق أصبحت ثقافة ومناخا وهواء يتنفس، وأصبحت في مقابلها سياسة لإفراغ المؤسسات الجامعية من مضمونها وضرب ما تبقى من منسوب بالمصداقية والاستقلالية فيها. وهذا للأسف كانت الدولة من ورائه، فالمغاربة لم يكونوا ولم يرغبوا أبدا أن يكونوا أذلاء، فالكل يتذكر أنه غداة الاستقلال، حفر المغاربة سد طريق الوحدة بالأظافر، إذ لم تكن وقتها الآليات متوفرة. ولم تكن إلا أدوات البناء التقليدية، لكنهم مع ذلك فتحوا أوراشا كبيرة؛ ليس فقط في المدن ولكن حتى في الجبال الوعرة المسالك. ولذلك، أنا دائما أحمل سؤالا كبيرا، هل هناك من وطنية صادقة تحركنا للنهوض ببلدنا؟ للأسف ما نراه اليوم يسير في الاتجاه المعاكس. الوطنيون الصادقون يتحسرون، في حين ينتفع المتزلفون. أعتقد أن كلمة الحق ينبغي أن تقال، وأعتقد أن هذا هو وقتها. اليوم نحن نعيش وضعية جد صعبة، ففي الوقت الذي تنهض فيه الدول المتقدمة بالتربية والتعليم وتعتبره قاطرة أساسية للتنمية، لا زلنا نحن في نبحث توفير وسائل التعلم، لا زلنا لم نبن المؤسسات الكافية لاستقطاب المتعلمين، ولا زلنا نتحدث عن توفير السبورة والطباشير وغيرها من الوسائل التعليمية، ولا زلنا نعاني من فقر الموارد البشرية، فأغلب المؤسسات لا تتوفر على أعوان لأننا لا نملك الميزانية الكافية لنؤدي لهم رواتبهم. أنت تتحدث عن جبهة واسعة، نريد أن نعرف طبيعتها، هل هي جبهة حزبية مكونة من أحزاب؟ أم جبهة مدينة؟ أم ماذا؟ ينبغي أن تكون جبهة موسعة تضم الأحزاب ومكونات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية الوازنة وكل النزهاء في هذا البلد. والحقيقة أن بعض العناصر النزيهة قد أهملت، ولم يلتفت إليها أحد، حتى وجد نفسه تحت ضغط الحياء أو اعتبار آخر وسط مشروع لا يتقاسم معه أي شيء من القناعات والمواقف. ولذلك، أنا مع توسيع مكونات الجبهة، ومع فتح نقاش حقيقي يمضي في هذا الاتجاه.