يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الى تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. في سنة 1993 كان هناك عرض ملكي للمعارضة وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للمشاركة في الحكومة على أن يضمن الملك لهذه الحكومة الأغلبية داخل مجلس النواب. العرض الملكي أثار ردود فعل متباينة داخل الاتحاد الاشتراكي، لكن العرض رفض من طرف اللجنة المركزية. وجاء عرض ملكي آخر سنة 1994، وفي هذه المرحلة تقدم النقاش في الموضوع خطوات الى الأمام، لكن عقدته كانت تكمن في وجود أو عدم وجود وزير الداخلية ادريس البصري في حكومة التناوب، بالإضافة إلى عدد حقائب السيادة، وطوي الملف بصدور بلاغ من الديوان الملكي يخبر بمضمون النقاش السياسي الذي عرفته البلاد، ويعلن طيه بعدم الوصول إلى توافق في الموضوع. كنت من بين المعارضين لهذه المشاركة لأسباب شرحتها في استجواب مع جريدة »الاتحاد الاشتراكي«، الأول سنة 1993 والثاني 1994 ( وسيتكرر العرض الذي سيتوج هذه المرة بتشكيل حكومة التوافق برئاسة الأخ عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي. وفي هذه المرحلة، كان موقفي ضمن الأغلبية الواسعة داخل اللجنة المركزية التي صادقت على مبدأ المشاركة. قد يطرح سؤال: لماذا تغير موقفي من المعارضة (94/93) إلى تبني المشاركة سنة 1998؟ ذلك يرجع إلى أنه بعد مصادقة اللجنة المركزية على التصويت بنعم على دستور 1996 أصبحت المشاركة تبدو وكأنها آتية، فعزمت على امتزاج الرأي مع أكبر عدد ممكن من الاتحاديين والاتحاديات، فنظمت لقاءات في العديد من الأقاليم ذات طابع نقابي أو سياسي (الرباط، سلا، بنسليمان، مجموعة من فروع الدارالبيضاء، سطات، الجديدة، آسفي، خريبكة، بني ملال، مراكش، القنيطرة، سيدي قاسم، مكناس، وجدة، فكيك، الناظور، طنجة، تطوان)، كنت أحاول خلالها أو في لقاءات الهامش أيضا، جس نبض التنظيمات والمناضلين، والخلاصة التي توصلت إليهاأن المشاركة تحت شعار إخراج البلاد من أزمتها تحظى بدعم واسع داخل الحزب، وأن معارضتها هي تغريد خارج السرب أو ترف فكري. إن الظروف التي جاء فيها عرض 94/93 وشكل المفاوضات في هذه المرحلة يختلف تماما عن ظروف المرحلة الثانية وشكل المفاوضات فيها، ففي مطلع التسعينات، عرف المغرب بعض المعطيات الهامة أشرت على تململ ميزان القوى ولو ببطء شديد لصالح النضالات الشعبية، وأعني بذلك المذكرة المشتركة بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال الموقعة من طرف المرحوم سي عبد الرحيم بوعبيد والأستاذ امحمد بوستة المتعلقة بالإصلاحات السياسية والدستورية التي أصبح من الضروري إقرارها، ثم تلاها ملتمس الرقابة المقدم من طرف المعارضة، والذي كان بمثابة محاكمة للسياسات الحكومية التي زجت بالبلاد في النفق المظلم،حيث أوصلها لما سيسميه المرحوم الحسن الثاني فيما بعد بالسكتة القلبية. وقد كان هذا الملتمس حدثاً سياسياً هاماً، فهو أول ملتمس رقابة تعرفه الحياة البرلمانية بالمغرب منذ ملتمس رقابة الفريق الاتحادي لسنة 1963 مع الفرق في الشكل والمضمون والسياق. فقد جاء هذا الملتمس معززاً لموقف المطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية، أما المعطى الآخر، فهو الحدث الذي عرفته الساحة الاجتماعية، فبعد نضالات قطاعية وبعد احتجاجات عمالية هنا وهناك، توج هذا النضال العمالي بإضراب عام يوم 14 دجنبر 1990 دعت له كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين ، هذا النضال العمالي المشترك وكذلك ملتمس المعارضة بكل مكوناتها، ومطالبة أكبر حزبين مغربيين بإصلاح أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خلق وضعاً جديداً في البلاد، هذه المعطيات مجتمعة جعلت ملف الإصلاحات يطرح على طاولة التفاوض خلال حوار 94/93 بين الملك الراحل الذي قاد الحوار بنفسه وبين الاتحاد الاشتراكي ممثلا بالأخ محمد اليازغي والأستاذ امحمد بوستة عن حزب الاستقلال. أما مشاركة 1998، فقد جاءت الدعوة إليها في المناخ الذي انتجته الموافقة لأول مرة على دستور 1996، لكن في ظروف سياسية واجتماعية تختلف جذريا عن المرحلة السابقة، فسمات هذه المرحلة هو الإضراب العام لسنة 1996 وماتلاه من حوار اجتماعي بين الحكومة و الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، هذا الإضراب وذاك الحوار الذي كان عنوانهما غير المعلن هو العمل على فك الارتباط بين القوى الديمقراطية والشغيلة، والهدف واضح هو اضعاف هذه القوى، وإن كانت الحقيقة هي اضعاف الطرفين معا، وكنتيجة لهذه التحولات السلبية فإن تدبير مشاركة المعارضة في الحكومة لم يباشرها الملك بنفسه كما هو الشأن في المرحلة السابقة، بل أوكل الأمر إلى وزيرالدولة في الداخلية ا لمرحوم إدريس البصري، هذا الأخير الذي مهد للمشاركة بالقيام بعملية محو الفوارق بين الاحزاب الوطنية التي جاء انشاؤها وفق مشروع مجتمعي مدعوم من فئات واسعة من الشعب المغربي، معبر عنه من طرف قيادات حقيقية، أفرزها الكفاح الوطني ضد الاستعمار، والنضال من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع وكذا الصراع الاجتماعي من أجل الدفاع عن الحقوق وحماية المكتسبات، وتلك الأحزاب التي أنشئت تحت الطلب، وحسب المناسبات لتأثيث مشهد سياسي وهمي في مواجهة بنيات سياسية حقيقية، وقد تجلت هذه الخطوة التي قام بها المرحوم ادريس البصري في التوقيع على »ميثاق الشرف« الذي أعتبره الأخطر آنذاك، خصوصا وأن ذلك يتم في مرحلة كانت ثقافة الأحزاب الإدارية وثقافة الحزب السري فيها هي شعارات المرحلة.فهذا الإجراء الطعم (ميثاق الشرف) تم التحضير له في ظل حملة إعلامية ضد الأحزاب الوطنية، مفادها أنه لم تعد قادرة على التأثير وقيادة المواطنين، في مقابل ذلك فإن هناك قوتين حيويتين سيكون لهما الدور الأساسي في النضال من أجل بناء »مجتمع متوازن«. والقوتان هما: النقابات العمالية، ونقابة الباطرونا. إن هذا السيناريو الذي تم التنظير له ابتداء من سنة 1996 وما بعدها، سيعرف طريقه إلى التنفيذ الفعلي في مراحل لاحقة. قادالاتحاد الاشتراكي إذن، حكومة التناوب التوافقي، هذه المشاركة التي قيل عنها الكثير ايجابا وسلبا، أعتقد شخصيا ودون الدخول في التفاصيل أن المشاركة: 1- حققت بعض أهدافها على المستوى الاقتصادي والمالي حيث أبعدت المغرب من دائرة السكتة القلبية. 2- توسيع هامش الحريات واشاعة إعمال الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، وهو ما توج بانتخابات 2002 التي اعتبرت الأقل سوءا من كل الاستحقاقات السابقة. 3- ساهمت في الانتقال السلس، للسلطة من عهد المرحوم الحسن II إلى عهد جلالة محمد السادس. ومثل ما لهذه المشاركة من ايجابيات كثيرة، كانت لها العديد من السلبيات، يعود بعضها الى المشاركة في حد ذاتها، والبعض الآخر الى تصريف هذه المشاركة وسأتعرض لبعضها. كنت وسأظل أعتقد أن الخطأ الكبير الذي ارتكبناه كحزب قضى في المعارضة ما يقارب الأربعين سنة وتشبع بثقافتها، انتقل الى الضفة الأخرى دون توضيح وتحديد للعلاقة مع أهل هذه الضفة، ودون كذلك توضيح أو تحديد للعلاقة بسكان الضفة التي انتقلنا منها، على سبيل المثال جريدة الاتحاد الاشتراكي كانت أهم منبر إعلامي وحزبي في المعارضة حيث المواطنون يطلعون على وجهة النظر من خلال وسائل الاعلام الرسمية المقروءة والمرئية والمكتوبة، ويتطلعون في اليوم الموالي الى سماع الرأي الآخر من خلال صحافة الاتحاد الاشتراكي. فهذه الجريدة وقد انتقلنا الى الضفة الاخرى لم نجب عن السؤال الملح والبديهي، هل ستصبح ضمن خانة الصحافة الرسمية (الصحراء المغربية و le Matin ) ام ستبقى طبعا الى جانب التعريف بالمنجزات الحكومية، محتضنة لقضايا المواطنين ومعبرة عن آمالهم وآلامهم، او كما كانت تسمى بضمير المواطن. ومثال آخر، التواصل مع المواطنين خصوصا وقد تعودوا على الاتحاديين وهم يدافعون عن مصالحهم وحقوقهم، فلم نضع تصورا لاستمرار التواصل معهم بواسطة وزرائنا، نوابنا ومسؤولي وأطر حزبنا. وفريقنا في البرلمان وقد انتقلنا الى الضفة الاخرى، واصوات اعضائه دفاعا عن المواطنين وحقهم في العيش الكريم لاتزال تصم آذانهم، ماهو الدور الذي سيوكل إليه غدا؟ هل هو فقط الدفاع عن الحكومة وشرح سياساتها، ام الى جانب ذلك سيتحول الى قوة نقدية واقتراحية في نفس الوقت. وانتقالنا الى الضفة الاخرى هل معناه اننا أصبحنا من سكانها ولاتربطنا بضفتنا الاصلية الا ذكريات الماضي، ام أن انتقالنا هو للقيام بمهمة وطنية، وان موقعنا الحقيقي هو ضفتنا الاصلية؟ هذه الاسئلة وغيرها كان يجب ان تكون محور نقاش داخل الحزب لوضع تصور مدقق لمرحلة المشاركة في الحكومة لكننا أضعنا الوقت في نقاش عقيم حول شرعية المشاركة من عدمها، وانشغلنا بالمواقع والدواوين وأصبح لنا تنظيم لا علاقة له بالحزب لكن مرتبط بالاشخاص اسمه موظفو الدواوين. قال البعض أن المشاركة في الحكومة جعلت الحزب يساهم في إنقاذ البلاد من السكتة القلبية ويصاب صوبها، وقال آخرون اتحاديون وغير اتحاديين، الحزب دخل الحكومة فأفرغ مواقعه في المجتمع? ما أعتقده شخصيا أن الحزب لو أحسن تدبير المشاركة وتحكم في مجرياتها، بدل أن تتحكم في مصيره، لكانت مخاطر المشاركة أقل، وأذكر هنا بما قاله الموحوم عبد الرحيم حين عرضت علىا لحزب المشاركة سنة 1984 (ما معناه) (لو كنت متيقنا أننا سندخل الحكومةوننجز من برنامجها 10% لكنت من بين المدافعين عن المشاركة ولو أن الحزب سيتضرر من ذلك...- فالمرحوم سي عبد الرحيم وهو يجزم بدخول الحكومة لو توفر ذلك الشرط، كان يراهن أن الحزب في هذه الحالة سيشتغل في الواجهة الحكومية دون توقيف الاشتغال في الواجهات الأخرى وبالأحرى إفراغها، حكومة التناوب التوافقي أنجزت أكثر من 10% من برنامجها وهذه حقيقة يعرفها الجميع، ومع ذلك فالاضرار كبيرة لأن الحزب اشتغل علي واجهة واحدة? أما علي مستوى المقولة الثانية (افراغ المواقع بعد الدخول للحكومة)، الحزب في الحقيقة أفرغ العديد من المواقع قبل الدخول إلى الحكومة لاعتبارات أهمها الخلافات التي عاشها المكتب السياسي وانعكست سلبا علي تنظيمات الحزب، خلافا لفترات سابقة، حيث كان التنظيم متماسكا، والخطة موحدةو واضحة، وكان الاتحاديون يملؤون المجال يبادرون في تأطير وقيادة النضالات، على سبيل المثال سنة1979 وبعد طرد المئات من رجال ونساء التعليم والصحة، خرجت مظاهرة من مقر النقابة بحي ديور الجامع بالرباط تعرض لها الأمن بالقمع لجأ العشرات من رجال التعليم وأغلبهم غير اتحاديين الي مقر الاتحاد الاشتراكي بزنقة فاطمة الفهرية، فعمدت الشرطة إلى اغلاق مقر الاتحاد، لست أدري من أخبر السي عبدا لرحيم بذلك والذي حضر إلى المقر علي الفور، سمحت له الشرطة بالدخول ومنعت المناضلين الآخرين، توقف رحمه الله عند الباب وصاح في المناضلين على مسمع من الأمن (مقركم مسدود اعتبروا الشارع مقرات لكم فاشتغلوا في الشارع)، ويتذكر عبد الهادي خيرات أننا قررنا من تلك اللحظة وكانت الساعة12 زولا، القيام بتنظيم مظاهرةو الدخول الى المقر بالقوة، وتوزعنا لاخبار المناضلين وقد حضر المئات منهم في الساعة الثالثة لنجد الشرطة قد انسحبت من المقر? نموذج آخر، ففي سنة 1981، وبعد اتخاذ الحكومة لتلك القرارات الخطيرة، وقبل الإعلان عن اضراب 20 يونيو، عرفت العديد من المدن المغربية تظاهرات احتجاجية، ومن بين هذه المدن الرباط التي أصبحت تعيش على آيقاع المظاهرات تقريبا كل مساء، خصوصا بشوارع محمد الخامس، بشارع الجزاء والسويقة، ومن بين المناضلين الاتحاديين الذين كانوا يقودون هذه المظاهرات كل ليلة، المناضل يحيى البوعبدلاوي الذين لم يكن عاطلا بل كان مهندس دولة آنذاك في مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، والشريحة التي ينتمي إليها اجتماعيا هي آخر من يتضرر من القرارات المجحفة التي اتخذتها الحكومة، لكنه كان يتحرك كل ليلة لتأطير المظاهرات وقيادتها بوحي من نضالية واختيارات حزبه، وقد ساهمت قامته الفارعة في تسهيل مأمورية الشرطة في اقتناصه والأخ عادل بنسعيد لنجدهما في استقبالنا بسجن لعلو بالرباط? وفي نفس السنة أيضايوم 20 يونيو، وبعد إحكام الحصار علي مقر الكنفدرالية بالرباط، والذي كان يضم يافعين من الجنسين بالإضافة الي العشرات من الطلبة و الطالبات والموظفين نساءا ورجالا، فكرنا في إخراجهم من المقر، اتصلت والأح عبد الهادي خيرات بالأخوين محمد بوبكري وعبد الرحيم أغماني مسؤولا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب آنذاك، وطلبنا منهما تنظيم مظاهرة وقيادتها باتجاه المقر وذلك قصد فك الحصار الأمني، ليتسنى لنا إخراج الجميع من المقر، وفعلا جاءت التظاهرة وتوزع رجال الأمن في مطاردتها، ولم يبقى أمام باب المقر سوى شرطي واحد حاملا لسلاحه، فتحت الباب المقر، فصاح الأخ عبد الهادي خيرات فليخرج الجميع، لكنهم رفضوا? نموذج آخر علي حيوية وتمساك وفعالية التنظيمات الاتحادية، تلك التعبئة التي عرفتها صفوف نساء ورجال التعليم الاتحاديات والاتحاديين بالرباط سنة 1984 لتخليص النقابة من عناصر تنتمي الي تيار سياسي معين، جمدت النقابة وحولتها إلى فرع لهذا الحزب. كانت تعبئة الاتحاديات والاتحاديين شاملة قادها وأطرها الأخ عبد اللطيف مقين والأخ أحمد آيت المدني، توجت بتجمع كبير للاتحاديين والاتحاديات، حيث شكلت التنظيمات السياسية مجتمعة جزءا صغيرا منه وخلاصة القول أن: 1 الاتحاد الاشتراكي قبل دخوله الحكومة سنة 1998 أخلى العديد من مواقعه في المجتمع نتيجة الخلاف داخل قيادته، وانعكاس ذلك علي التنظيمات المجالية من جهة، وكنتيجة لتخليه عن التنظيم القطاعي وهو الوسيلة الأكثر فعالية ونجاعة للاشتغال داخل المجتمع. 2 ان الاتحاد دخل الحكومة ببرنامج لانقاد البلاد من أعراض السكتة القلبية وقد اعتبرت مشاركة الكاتب الأول ونائبه في الحكومة مؤشرا على عدم الاهتمام بالجانب التدبيري والتنظيمي المتعلق بالحزب. وجاءت انتخابات 2002 ووضع الناخبون الاتحاد الاشتراكي في مقدمة الاحزاب المنافسة ولو بأغلبية بسيطة، لكن الاشارة السياسية التي بعث بها المواطنون كانت أقوى من عدد المقاعد المحصل عليها. فرسالة الناخبين تفيد دعم قيادة الاتحاد للتجربة قصد استكمال اوراش الاصلاح المفتوحة، و هي اشارة فاصلة في مواجهة كل المشككين في نجاح هذه التجربة، لكن التراجع عما اسميناه في الاتحاد بالخروج عن المنهجية الديمقراطية، بمعنى تعيين وزير اول من خارج الاغلبية لرئاسة الحكومة (ولو ان الوزير الاول المعين رجل يحظى باحترام الجميع وقاد التجربة ضمن اطار نفس خيارات حكومة السي عبد الرحمان)، خلق وضعا سياسيا جديدا داخل الحزب، وترقبا كبيرا لدى الرأي العام ولدى كل المتتبعين الوطنيين والدوليين، وحظي بيان المكتب السياسي في الموضوع برضى غالبية الاتحاديات والاتحاديين واعجاب الملاحظين والمتتبعين، ولو انه لم يرق حلفاءنا في الكتلة والاغلبية. بالخروج عن المنهجية الديمقراطية التي هي إحدى ركائز توافق 1998 والمدخل لتكريس التداول الديمقراطي على السلطة، وبصدور بلاغ المكتب السياسي، اصبح المغرب يقف على ابواب الدخول في مرحلة جديدة، واسترد الاتحاد زمام المبادرة في جانبها السياسي، فلو أحسن استغلالها لمكنته من تصحيح علاقاته داخل المجتمع وإعادة تكريس زعامته للمشهد السياسي بأقل كلفة، وفي وقت وجيز. ان بلاغ المكتب السياسي عبر طريق عدم المشاركة في الحكومة وخلق اجواء من الحماس الداخلي كانت ستساعده في إعادة هيكلة الحزب وتأهيله، وهيأ الساحة الوطنية لاستقبال العائد من الضفة الأخرى استقبال المنتصر، بعد ان ساهم بفعالية في انقاذ البلاد من سكتتها القلبية، وانتصاره للمنهجية الديمقراطية. خلال اجتماعين للمكتب السياسي في اسبوع واحد، كان هناك تناقض صارخ في المواقف. فاذا كان الاجتماع الاول قد أعاد الحزب الى واجهة الاحداث باعتباره القوة المؤثرة في الساحة السياسية والمحرك لها، فإن الاجتماع الثاني جعله في موقف التذبذب وعدم وضوح الرؤية وأضاع عليه فرصة عودة المنتصر إلى مواقعه سالما، كيف جرى ذلك؟ كل ما أستطيع قوله أنه خلال الاجتماع الثاني المشار اليه بدأ النقاش من جديد حول المشاركة، فتساءلت: ألم نطو الملف بصدور البلاغ السابق؟ كان الجواب من أحد المتدخلين، البلاغ يعني الموقف المبدئي مما جرى وهو لا يعني الموقف النهائي. وفي كل الاحوال، فإن الحزب حتى لو انسحب في ما بعد فلن يسترد الفرصة التي أضاعها. ان الانسحاب من الحكومة ليس بالخاتم السحري الذي يجعل الحزب في وضع أحسن سياسيا وتنظيميا بمجرد اتخاذ القرار، فالمغادرة كالمشاركة، يمكن ان تنعش الاحزاب ويمكن ان تضعها على طريق الموت البطيء. المميز للحالتين هو البرنامج والتصور وخارطة الطريق، وقبل هذا وذاك، الإرادة السياسية لإعادة بناء حزب القوات الشعبية على قواعد الديمقراطية وقيم الاشتراكية والحداثة. < يتبع