المتابع لردود الفعل الصادرة بعد الخطاب الملكي الهام حول إصلاح القضاء يقف على حالة من الاتفاق إن لم نقل الإجماع عند عموم الأطراف المعنية سواء منها السياسية أو الحقوقية أو الاقتصادية، على كون الخطاب حمل تعبيرا واضحا على ضرورة الانخراط في إصلاح جذري وشامل ومتكامل للقضاء المغربي، كما جسدت التوجهات المعلنة تحديدا دقيقا للأولويات المطلوب الاشتغال عليها من قبل مختلف الفاعلين، وذلك لمواجهة الأعطاب العميقة في نزاهته واستقلاليته وكفاءته وفعاليته. ثمة أمل قدمه الخطاب حول حاجة المغرب المستعجلة إلى طي صفحة الماضي القضائي، والذي تفاقمت اختلالاته لتشكل عنصر إعاقة لمختلف مجالات الحراك المغربي، وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والسياسية، وهو أمل ينطلق من كون الخطاب جاء صريحا بما عرضه من محاور اشتغال ستة عبرت عن تفاعل كبير مع ما سبق لمختلف الهيئات السياسية والمهنية أن عبرت عنه من توجهات، وأحال على الحكومة بلورة مخطط تجسيدها، بما يجعل من الفترة المقبلة مرحلة حرجة من تاريخ القضاء ببلادنا، وتفرض الوقوف عند ثلاث تحديات كبرى ينبغي الانتباه إليها. أولى هذه التحديات يتعلق بتوفير شروط تعبئة وطنية لمصلحة الإصلاح، وبما ينتج ثقافة مجتمعية تعتبر معالجة الاختلالات الكبرى للقضاء قضية مصيرية، وتوفر الدعم المجتمعي المطلوب، خاصة أن أعطاب القضاء الحالية نمت طيلة عقود ولم تكن نتاج يوم أو ليلة ليختزل الإصلاح في مجرد مجموعة إجراءات وقرارات وموارد، وهو ما يتطلب مشروعا للتعبئة وما يقتضيه من مواقف ومبادرات مدنية وسياسية تحقق هذا الهدف، وما يقتضيه من تحديد دقيق لدور المؤسسة التشريعية في بلورة ومواكبة مسيرة الإصلاح. ثاني هذه التحديات يرتبط بمعالجة ما قد يصدر من مقاومات، سواء من داخل الجسم القضائي أو من خارجه لمسيرة الإصلاح، ذلك أن الفساد ينتج مصالح تهددها هذه المسيرة الإصلاحية، وهو ما يقتضي اعتماد سياسة حازمة تنطلق وتستند على الإرادة السياسية المعلنة اليوم، والتي توفر فرصة كبرى لإنجاز ما هو مطروح من أهداف. ثالث هذه التحديات يتمثل في الحاجة إلى اعتماد سياسة عمومية قضائية جديدة كلية، تنطلق من الأهداف الستة، وتحقق الموازنة بين المؤشرات الكمية والنوعية لضمان إنجازها، بما يحول دون تكرار تجربة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي بالرغم من مرور عشر سنوات على اعتماده ما يزال متعثرا في تحقيق ما وعد به على المستوى النوعي، ونعتقد أن هناك ضرورة لتأهيل نظام حكامة فعال خاص بمتابعة تنفيذ الإصلاح، يستفيد من الخبرة الذاتية في مجال معالجة إشكالات التعليم وما كشفته من محاور قصور تفرض عدم تكرارها. لا نتردد في القول إن مستقبل المغرب الراهن بمختلف أوراشه وقضاياه أصبح وبشكل متزايد رهينة لاستقلالية ونزاهتة وفعالية قضائه، وبدون ربح هذه المعركة فإن المغرب سيفقد تدريجيا القيمة المضافة لما يعرفه من أوراش اقتصادية واجتماعية.