نظمت المجلة المغربية للسياسات العمومية، بشراكة مع النقابة الديموقراطية للعدل و تعاون مع المؤسسة الألمانية فريديريك نيومان ندوة وطنية حول ‹› القضاء المغربي ومستلزمات الإصلاح الشامل.›› وذلك يومي 18-19 دجنبر 2009, بمركز الأعمال الأجتماعية التابع لوزارة العدل بمدينة مراكش بحضور مجموعة من الباحثين و الفاعلين و الحقوقيين. وقد شارك في هذه الندوة عدد من الاباحثين والفاعلين ، حيث تم التركيز على أهمية إصلاح القضاء كمدخل لإنجاح الانتقال الديموقراطي قال حسن طارق مدير المجلة المغربية للسياسات العمومية إن تنظيم ندوة «القضاء المغربي ومستلزمات الإصلاح الشامل» بشراكة مع النقابة الديمقراطية للعدل و دعم مؤسسة فريديريك نيومان ، يندرج ضمن توجه المجلة لخلق فضاءات لنقاش وتحليل وتقييم السياسات العمومية وذلك بمساهمات متقاطعة من الفاعلين وبين الجامعة. وتحدث طارق ضمن فعاليات هذه الندوة التي احتضنتها مراكش، عن الحساسية الخاصة التي يكتسيها قطاع العدل، وهو ما يجعل من المشروع - يضيف الباحث- نواة لطرح أسئلة حول إمكانية الإصلاح وحدوده وفاعليه ومرجعياته والخطابات المنتجة حوله ، وحول التباسات إصلاح قطاع يوجد في قلب رهانات سياسية قوية بالنسبة للسلطة وفي قلب انتظارات مجتمعية متعلقة بالتخليق والنجاعة والفعالية واحترام حقوق الإنسان . وختم حسن طارق بالدعوة إلى بحث حدود المقاربات التقنوية في التعامل مع هذا الملف الذي يوجد في تماس مع قضية توزيع السلطات وهندسة النظام السياسي الدستوري . عبد الصادق السعيدي الكاتب العام للنقابة أكد أن هذه الندوة الوطنية تأتي للإسهام في دينامية النقاش الذي يعيشه المغرب حول القضاء ووضعه ومتطلبات إصلاحه وشروط هذا الإصلاح وكيفيته، انطلاقا من إيمان النقابة الديمقراطية للعدل كمكون أساسي ، و كذا ضرورة إشراك كل الفاعلين المرتبطين بسؤال العدالة والقضاء، مشددا على أن مشروع الإصلاح لم يعد ذلك المطلب السياسي الروتيني والنخبوي وإنما بات ضرورة إنسانية مجمع عليها في ظل التوافق الحاصل بين مختلف المؤسسات الرسمية منها و غير الرسمية، مشيرا في ذات الوقت الى فضل ملك البلاد في توطيد هذا التوافق عبر مبادراته بالدعوة لإقرار ميثاق وطني للقضاء، و إقرار جلالته بوجوب إدخال إصلاحات شاملة وعميقة ، منهيا كلمته في الجلسة الافتتاحية للندوة التي احتضنها نادي القضاة والموظفين أن الضرورة تستلزم تحصين الإجماع الوطني الحاصل حول أهمية الإصلاح وراهنيته وفق ما يترجم نزوع ضميرنا الجمعي لعدالة فعالة وجهاز قضائي يتسم بالنجاعة والفعالية . النقيب ادريس أبو الفضل في مداخلته قام بسرد كرونولوجي للخطب الملكية التي عالجت سؤال القضاء وعرج على المشاورات التي أطلقها وزير العدل، مؤكدا أن المدخل الاساسي للإصلاح هو التعديل الدستوري الذي سيمكن من إصلاح شامل وجذري، معرجا في نهاية مداخلته على أوضاع كتابة الضبط . عبد المولى خرشش القاضي السابق والكاتب العام لجمعية عدالة حاول تفكيك مفهوم الاستقلالية، عبر التطرق إلى إشكالية القضاء ، التمييز بين كونه سلطة أو مرفقا حكوميا ، و قال إن أخطر ما يهدد الحريات هو تجميع السلط في يد واحدة ، و إنكار سلطة القضاء يفضي به مباشرة إلى التبعية، والتبعية - يضيف - تنفي الاستقلالية . وساق في مداخلته عناصر استقلال القضاء حاصرا إياها ، في حيادية القاضي والنأي به عن الضغوط والتخصص كعنصر ثان ، ثم حرية الرأي و الاجتهاد و قدرة القاضي على إملاء الأحكام وفقا لضميره ، فالمعرفة البشرية لا تنمو في الأقفاص والجانب المغيب في النقاش - يتابع خرشش - أننا نتواجه مع السلطة السياسية وننسى غياب المجتمع المغربي غير المشرك في النقاش. كما أن القضاء - يختم - مكسب للشعوب و يحتاج إلى الحماية الدستورية و الحماية الشعبية .. لأن المحكمة كما قال قاض فرنسي عندما طلبت منه الحكومة أن يغلق جريدة زمن بومبيدو، تصدر قرارات و لا تؤدي خدمات . و في نفس السياق تدخل الدكتور حسن الخطابي في موضوع إشكالية فصل السلط في الدول المغاربية، متحدثا عن الانتقال الديمقراطي الذي بات ظاهرة عالمية و تحول إلى علم الانتقال متسائلا هل ما وقع في المغرب هو تحول ديمقراطي أم سياسي، مؤكدا أن التحولات التي وقعت في الدساتير المغاربية أبقت على نفس الفاعلين السياسيين الأساسيين وعلى نفس قواعد اللعبة مع تركيز السلطة وهيمنة مؤسسة رئيس الدولة ، إذ نجد يتابع الخطابي أن رئيس السلطة هو الشخصية السياسية الأولى وهو المجسد الأكبر للسلط، وأن هناك تشابها في الدول المغاربية باستثناء النظام الليبي الذي يصعب تصنيفه ووضع معايير حوله . فالرئيس هو حامي الدستور، يعفي ، يترأس ، يحل ، يمارس السلطة التنظيمية ، يخطب في الأمة ، يقيل، مع التنصيص - يختم الأستاذ الخطابي - أن مؤسسة الدولة في الأنظمة المغاربية ذات مكانة مرموقة في النظام السياسي مع استبعاد أية مساءلة أو مراقبة للمسؤول الأول فيها، وأن كل ديمقراطية تستوجب فصل السلط لتفعيل مبدأ استقلال القضاء وتجاوز المعيقات البنيوية لأي انتقال ديمقراطي . الأستاذ أحمد مفيد من جامعة فاس قارب الضمانات الدستورية و القانونية لاستقلالية القضاء، مستحضرا في ورقته المعايير الدولية لاستقلال القضاء التي حصرها في النص على وجوب دسترة القضاء كسلطة وحياديته في التحقيق وفق القانون دون تأثير أو تدخل. كما أن هناك معيار النص على الولاية الشاملة للقضاء على جميع القضايا ، ضرورة المحاكمة العادلة و حق القضاة في حرية التعبير و الاجتماع . مفيد قال إن واقع القضاء بالمغرب يقتضي إصلاحا عميقا، لأن القضاة لا يتوفرون على مجموعة من الحقوق ، كما أن المجلس الأعلى للقضاء لا يتمتع بأي استقلال إداري أو مالي، مع تفشي بعض مظاهر الفساد كما نبهت إلى ذلك التقارير الدولية والوطنية .وخلص الأستاذ مفيد إلى ضرورة النص على دسترته كسلطة و استبعاد الوزير من المجلس الأعلى لأنه سلطة تنفيذية ، و ضرورة أن يمس الإصلاح شخص القاضي وشروط توظيفه وتحويل ما تبقى من المحاكم إلى محاكم عادية مع زجر كل المظاهر المخلة باستقلال القضاء . عبد الرحمان السحمودي عضو المجلس الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل ، عالج الاختلالات المنهجية في التعاطي مع التشخيص لإشكالات القضاء ووضع الحلول ، متحدثا عن السقوط في الاختزالية وحدد مدخل الإصلاح في إصلاح المنظومة القضائية.. في مكونات أخرى غير القضاة ، أي جهاز كتابة الضبط الموكول إليه القيام بأكثر من 65% من المساطر القانونية ، متسائلا عن أية كتابة ضبط نتحدث إذا لم يكن أفرادها يعيشون مستوى معينا من الرضى الوظيفي والتأهيل المهني. بقية المداخلات ركزت على نفس الإشكالات. الدكتورة إيمان والجي ناقشت مؤسسة الوسيط و ذ. محمد أوشن ختم بالأدوار المنوطة بالقضاء لبناء دولة الحق والقانون واستفاض هو الآخر في المعيقات والإكراهات التي تحول دون تأهيل هذا الورش . النقاشات كانت عميقة وغنية وملمة بالسؤال المطروح، ساهمت في إغناء محاور الندوة الوطنية حول مستلزمات الإصلاح القضائي وشكلت مسك الختام في أجواء حوارية ناضجة و حضارية .