في الحلقة السابقة رأينا كيف أن الفراغ الضار ينتج عن فقر لدى الشخص في العادات الحسنة والهوايات المفيدة والأوراد التعبيدية اليومية. وانتهينا إلى السؤال عن الكيفية التي يمكن بها إغناء رصيدنا ورصيد أبنائنا من الأعمال التي تملأ الفراغ لديهم بما ينفع. ولا بد من الإشارة إلى مسؤولية التنشئة الأسرية والاجتماعية في افتقار الأشخاص إلى الأعمال التي تنقدهم من طاحونة الفراغ وما يترتب عنها من تدمر و فوضى. ومن الناحية المنهجية يجب التأكيد على أمور هي: أن الفراغ، وبحكم خلو الفرد من الالتزامات التي تفرضها المشاغيل، يجعل ضحاياه يحسون بأنهم أكثر حرية من الحال التي يكون لهم فيها التزام بالعمل وما يفرضه من مسؤوليات وجدية وتقييم ومحاسبة... وهذا يجعلهم، بشكل غير واع ومناقض لما يترتب عن الفراغ من إحساس بالضياع ومن تدمر ومن ضيق ... أكثر تعلقا بحالة الفراغ. المسألة الثانية هي أن طول مدة الفراغ لدى الشخص يولد لديه نوعا من التعلق، إلى حد الإدمان، بالسلبية التي تميز الشخص في حالة الفراغ. وهذا بدوره يولد لدى الشخص نوعا من الرفض والمقاومة لكل محاولات انتشاله من براثين الفراغ. وهذا التناقض هو الذي يفسر كون ضحايا الفراغ، ورغم كل شيء، يدركون أن سبب معاناتهم ناتجة عن فراغهم من المشاغيل. لكنهم في نفس الوقت لا يشتغلون ولا يبحثون عن ما يشغلهم من أعمال الخير بل ويقاومون كل محاولات شغلهم بنشاطات ما. وهذه الملاحظات تبين لنا أن معالجة الفراغ وما يرتبط به من عادات وسلوكات أكبر من أن يعتمد فيها على التعنيف أو على مجرد التوجيه اللفظي وغير ذلك مما يلجأ إليه الآباء عادة، بل يتطلب اعتماد مقاربة شمولية متدرجة تدمج الجوانب النفسية والسلوكية والفكرية في آن واحد وتراعي المرحلة العمرية للشخص وطبيعة شخصيته. فهل إلى ذلك من سبيل؟