حوار هذه المرة مع امرأة ما زالت بطاقة تعريفها الوطنية مثل العديدات تشير إلى أن مهنتها بدون، رغم الثورة الهادئة التي أحدثتها في المجتمع المغربي مدونة الأسرة التي تعتبر من أهم أحداث السنة التي ودعناها قبل أيام. أمينة بناني ربة بيت تمارس فن الصباغة على الزجاج، من مواليد ,1962 منخرطة في جمعيات خيرية، أم لأربعة أبناء، ولدين وبنتين، إحداهما رسامة. استقبلتنا السيدة أمينة بناني في بيتها المزين برسومها بدءا بالباب الخارجي، وحكت لنا عن أثر الفن في العلاقة الزوجية وتربية الأبناء وصولا إلى المجتمع. وهذا نص الحوار: متى كانت بدايتك مع فن الصباغة على الزجاج؟ من أحب اللحظات في حياتي أن أكون مصدر عطاء، والعطاء في الظرف الحالي هو الفن بصفته موهبة ونعمة أسأل الله أن يديمها ويحفظها من الزوال. ترعرعت في بيت تملؤه بصمات الفن لوالدي الذي كان يعمل في الجيش، وكان يعشق الفن لدرجة أنه كان يملأ أرجاء البيت بأعماله الفنية، ويتعلق الأمر بالنقش على الخشب. هذا بالإضافة إلى أن أمي رحمها الله هي الأخرى كانت تتقن فن التطريز والخياطة. الصباغة على الزجاج جاءت في المرحلة الثانية من مساري الفني، إذ الأولى تميزت بالرسم حيث كنت أدرس في الثانوية العسكرية وكان المجال مفتوحا أمامنا نحن التلاميذ لممارسة جميع الفنون التي تعجبنا، وكنت حينها من المتفوقات في الفنون التشكيلية وكنت أرغب دائما في الإبداع. والصباغة على الزجاج بدأتها منذ أربع سنوات تتويجا لموهبة الرسم التي تعتبر القاعدة الأساسية لفن الصباغة على الزجاج. وأخترت الزجاج لأنني أحب الشفافية والوضوح. كيف توفقين بين هذا العمل الفني وأشغال البيت؟ العمل الفني والقيام بأشغال البيت هما عبارة عن فن في قلب فن، كل واحد منهما يساعد على الارتقاء في الآخر. وبخصوص الوقت المخصص لهما فهما متكاملان إذ يمكن أن أقضي أشغال البيت وأنا أفكر في اللوحة التي سأعدها بل في بعض الأحيان أترك الأشغال الأخرى لأطبق فكرة جديدة في اللوحة الزجاجية. ما هو الوقت المفضل لديك للرسم على الزجاج؟ حينما أكتب شعرا أفضل أن يرسم على شكل لوحة زجاجية، ثم إنني أختار الصباح الباكر بعد صلاة الصبح انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: بورك لأمتي في بكورها وفعلا أنا ألمس ذلك حين أرسم في الصباح ومعظم اللوحات التي أعدها قبل طلوع الشمس تبدو زاهية مما يشجعني على الإبداع سواء في اختيار الألوان أو الكتابات التي ترافق الرسوم. كيف يمكن لهذا الفن في رأيك أن يخدم مصالح الأسرة؟ يحز في نفسي أن أسمع عن ربات البيوت أنهن أسيرات الفراغ، فبالفن يمكن لربات البيوت أن يكونن ورشات خاصة بالرسم أو التطريز، بل ويمكن أن يكون الفن وسيلة من وسائل الدعوة إلى فضائل الأخلاق وحسن المعاملات، ولِمَ لا تجاوز أعظم المشكلات داخل الأسرة. فالرسم والفن بصفة عامة يهدئ الجو داخل البيت ويدفئه، فالأبناء يعايشون هذا الفن مما يجعلهم يميلون نحوه أو غيره من الهوايات ولا يضيعون أوقاتهم في الفراغ القاتل، كما أنني آخذ برأيهم في أعمالي وهو ما يوطد العلاقة بيننا ويزرع روح التشاور والحوار البناء، ليبقى زوجي في الأخير هو الحكم، ونِعْمَ الحكم. إن نعمة الدفء التي يضفيها الفن على العلاقات داخل الأسرة لا يستشعرها إلا من ذاق طعمها. ثم إن الفن راحة ومتنفس من المتاعب النفسية التي يمكن أن تصدر حتى من خارج البيت. والمثل المغربي يقول: ما تعمله يدك يفرح له قلبك فذاك شأن اللوحات التي يمكن اعتبارها في بعض الأحيان بمثابة الأبناء. بالإضافة إلى أن المتنفس من معظم المشاكل اليومية يتحول إلى إبداع بدل أن يكون رد فعل سلبي سواء داخل الأسرة أو خارجها. مما يلاحظ على لوحاتك أنها تمزج بين جمالية الصورة والكلمة المعبرة من أقوال أو وصايا. لماذا هذا المزج؟ أعتبر ذكر الله والكلمات الهادفة من عناصر القوة داخل لوحاتي، وأعتبر ذلك من أساليب الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، فمثلما تسوق اللوحات الإشهارية التي تملأ الشوارع لمنتوجات معينة وترسيخ ثقافة ما، فأنا اخترت أن يكون متأمل اللوحة أمام سلعة تقربه من الله ومن الأخلاق الفاضلة وهو يتمتع بجمال الفن، فرُب كلمة بسيطة رسمت مسار شخص نحو الخير أو الشر. وأنا كلما كتبت عبارة تذكر بالله في لوحاتي سألت الله أن لا أُحْرَمَ أجر ذكره. ومن جهة أخرى أؤكد أن المرأة يمكن أن تقدم الكثير لخدمة دينها وأمتها من قلب بيتها بواسطة هذا الفن أو غيره. ومن هذا المنبر أحيي النساء اللواتي يخترن لوحاتي لهذا الهدف، بل منهن من شجعنني للمضي في هذا المسار وإخراجه للعموم بعدما كنت أقتصر على الرسم لبيتي. هل تخضعين لمواصفات يحددها الطالب للوحة أم تقتصرين على ذوقك؟ أغلب اللوحات التي أعدها هي بالدرجة الأولى تستجيب لطلب نفسيتي وفي غالب الأحيان الطلبات تكون مبنية على نماذج أعددتها تعجب الزائر فيطلب مثلها. وأصارحك أنني أكره التقيد بمحددات الطلب، لأنها لا تسمح للإبداع بالانطلاق. لذا يكفي أن أعرف المناسبة التي يقصد طالب اللوحة إهداءها فيها وبعد ذلك يبقى شكل اللوحة وألوانها من اختياري لكي أتمكن من العطاء أكثر. ومعظم لوحاتي هي عبارة عن هدايا تدخل ضمن ثقافة الهدية الهادفة، فالذين يشترون اللوحات الفنية يفضلون أن تكون هديتهم في مناسبة زفاف أو عقيقة أو نجاح ... هادفة لا أن تكون مادية فقط. والهدية الهادفة يكون تأثيرها أقوى على الشخص المتلقي. هل سبق لك أن عرضت لوحاتك في مكان عمومي؟ شاركت برواق يهم الأسرة بقاعة با حنيني بوزارة الثقافة بالرباط بالموازاة مع اليوم الدراسي الذي نظمته منظمة تجديد الوعي النسائي بمناسبة اليوم العالمي للأسرة في ماي .2003 لقيت اللوحات إقبالا والحمد لله. والذي يهمني هو أن ينتقل هذا الفن إلى أبنائنا وبناتنا حتى إذا متنا يحتفظون لنا بالمشعل. يسعدنا أن يعرف قراء ملحق الأسرة موضوع آخر لوحة أعدتها الفنانة أمينة بناني؟ كانت هدية مني لزوج بنتي، وهي عبارة عن ورود بلون داكن بقوة الحب الذي يربطني ببنتي وزوجها، وهذه اللوحة اخترت لها دعاء: بارك الله لكما وجمع بينكما في خير. وقد قوبلت بنفس القوة التي رسمت بها وبدفء الصلة التي أسأل الله أن يديمها بيننا. كيف يكون انطباعك بعد الانتهاء من لوحة معينة؟ كلما أتممت لوحة، صغيرة كانت أم كبيرة، أتأملها لأقرأ من خلالها نفسيتي سواء من حيث الألوان، أو التركيب، خصوصا وأن لوحاتي تتأثر بما يحيط بي من أحوال الأمة الإسلامية وخصوصا ما يذاع عبر الفضائيات وما يقرأ في الجرائد من مآسي فلسطين السليبة ومسلسل الذل بالعراق... وما يعرفه محيطي من أفراح ومسرات. هل تتذكرين حدثا أثر في حياتك وأنت تمارسين فن الصباغة على الزجاج؟ لا أكاد أنسى حين عرضت بعض لوحاتي التي أعتبرها جد عادية وأعددتها بعفوية في مهرجان نظمته إحدى الجمعيات بالرباط لتجد ثلاث لوحات من يؤدي مقابلها ثمانية آلاف درهم والتي كانت مساهمة مني بدوري في عمل خيري، وهذه بصمة يحق لي الشرف بجعلها ضمن أعز ذكرياتي. ما هي الصعوبات التي تعترضك إزاء هذا الفن؟ هناك مجموعة من الناس تعجبهم لوحاتي ويسعون لأعلمهم وأنا مستعدة لذلك إلا أنه يبقى مشكل المكان الذي سأعلمهم فيه عثرة أمامي. والآن ما هو مستقبل هذا الفن؟ كل من أراد لفن أن لا يندثر فيجب عليه أن يضعه بين أيد آمنة، لهذا ينبغي أن نعلم هذا الفن لأبنائنا ويعلمونه هم بدورهم لمن يخلفهم. وأهمس للأمهات المغربيات اللواتي يسعين ليتعلم أبناؤهن الرياضات المختلفة ويحملن مصاريف ذلك رغم أنها كلفة وأقول لهن لا بأس أن يسعين كذلك ليتعلم أبناؤهن فن الصباغة على الزجاج فهو غير مكلف؟ ولكن هناك فئة محرومة لا تجد من يفكر لها في الرياضة أو غيرها، ما موقفك منها؟ أنا رهن الإشارة لمن يرغب في خدمة المحرومين والمنكوبين بهذا الفن، فلم لا ننظم أياما خاصة بالأطفال المرضى في المستشفيات يتعلمون الرسم على الزجاج وتبقى لوحات من إنتاجاتهم في غرفهم ينسون بها هموم ما يكابدونه من المرض. فكل من له الإمكانيات لتوفير المواد الأساسية للصباغة على الزجاج أمد يدي من أجل هذه الفئة التي لم تختر وضعها بيدها. ألم تفكري في زيارة بعض المراكز التي تؤوي بعض المحرومين؟ ستضطرينني إلى البوح بما كان مشروعا ولم أعلن عنه إلى حينه، فأنا أفكر في تقديم لوحة خاصة للأطفال المحرومين الموجودين بمركز للا مريم لحماية الطفولة بالرباط، كما أنني بصدد دراسة كيفية رسم لوحة جماعية رفقة هؤلاء الأطفال وأسأل الله التوفيق. وقد سبق لي أن زرت المركز ووجدت أن هناك مشرفين طيبين يستحقون الشد على أيديهم. بماذا تنصحين من يرغب ممارسة فن الصباغة على الزجاج؟ أقول له إنه فن متاح لكل الأعمار والفئات ويمكن أن يدخل أي بيت، فليعقلها ويتوكل. حاورتها: حبيبة أوغانيم