كان مثيرا أن المعطيات التي قدمت من قبل مسؤولي وزارتي الداخلية والعدل حول حجم الخروقات الانتخابية والأحزاب المتورطة فيها ومدى انتشارها، وهي المعطيات التي تقول بدرجة ما إن الانتخابات بخير وإن الفساد في تراجع وإن ما يقع مجرد شوائب، وإن نزاهة الانتخابات مضمونة مسبقا. أبرزت تلك المعطيات حقيقتين وهميتين، الأولى أنها محدودة من الناحية العددية، إذ لم تتجاوز الشكايات المحالة على القضاء 900 شكاية، ومجموع الشكايات التي وجهت للسلطات المحلية 1100 شكاية، والثانية لا تختلف كثيرا من حيث العدد عن حجم الخروقات التي عرفتها الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 والتي بلغت الشكايات المسجلة فيها ما يقل عن 800 شكاية، وكلا الحقيقتين الرقميتين تقفان في تناقض صريح مع الواقع الفعلي لسير العملية الانتخابية، وما كشفته من تقدم كبير في آليات اشتغال شبكات الإفساد الانتخابي. ما يعمق من حالة التناقض هو كون الاتنتخابات التشريعية عرفت ترشيح حوالي 6700 مرشح في مقابل الانتخابات الجماعية التي تجاوز عدد المرشحين فيها 130 ألف مرشح، كما أن عدد الدوائر في الانتخابات التشريعية كان هو 95 دائرة انتخابية؛ في الوقت الذي يبلغ فيه عدد دوائر الاقتراع الفردي في الانتخابات الجماعية 20 ألفا و545 جماعة، أما الاقتراع باللائحة ففيه 92 جماعة قدم فيها لوحدها أزيد من 59 ألف ترشيح. من هنا فالطبيعي أن يحصل ارتفاع كبير ومضاعف في تسجيل الخروقات الانتخابية، لكن ذلك لم يقع بالرغم من أن واقع الإفساد الانتخابي بلغ مستويات غير مسبوقة، وعوض عن ذلك لا تتردد السلطات في تحميل المسؤولية للأحزاب ومطالبتها بتدقيق شكايتها الخاصة بالخروقات، وإلا فإنها شكايات مردودة، وكأن الأحزاب أصبحت مطالبة بتأجير فرق للتحقيق والرصد والمتابعة لمعرفة ما يجري من عمليات شراء وبيع للأصوات أو كشف الشبكات المتخصصة في إفساد الانتخابات، أما السلطة بإمكاناتها وتجهيزاتها وقدراتها وخبرتها، فيكفيها استلام الشكايات والتحقيق في مدى صدق الأدلة المقدمة، وإلا فهي في وضع المتفرج المحايد. غدا سنتوجه للاقتراع، وخفونا هو أن تتكرر مأساة انتخابات شتنبر 2007 عندما تم صال الإفساد الانتخابي وجال دون أن يكون له رادع حقيقي، بل وحصل الانسحاب والإخلاء له في عدد من الدوائر، تحت دعوى الحيلولة دون فوز طرف سياسي محدد.