تعتبر الانتخابات بالنسبة إلى الشعوب أشبه باتخاذ القرارات المصيرية التي تعني تغييرا جذريا في حياة الفرد، و هي بالتالي قد تؤثر على مستقبل الأجيال القادمةوهي بذلك تعتبر عنصرا جوهريا في الديمقراطية و هي لها بمثابة الروح للجسد و يتطلع المغاربة إلى الانتخابات الجماعية المقبلة المقرر إجراؤها في 12 يونيو 2009 وفي حوزتهم كما هائلا من الأسئلة. "" ولقد تعرضت الانتخابات المغربية – التشريعية والجماعية- منذ بداية انطلاقتها مثلها مثل بقية الانتخابات في العالم العربي إلى سقطات ونكسات كثيرة ، حيث اتسمت بمفاسد انتخابية كبيرة، مثل شراء الأصوات ، وتدخل وزارة الداخلية بشكل سافر في مسار الانتخابات عبر تسهيل الخدمات الحكومية لبعض المرشحين وغيرها من مفاسد بالإضافة إلى الحياد السلبي اللادارة والتي لا تقوم بزجر و ردع رواد الفساد و الرشوة و تتكرر مشاهد الفضائح السياسية في المغرب مع كل عملية انتخابية جديدة، وتنتشر الخروقات التي تمس عمق التحول الديمقراطي الذي يراهن عليه المغرب، يغطيها غياب قضاء مستقل، وضعف التنشئة السياسية التي تلقتها فئات قليلة من المجتمع، بينما تغيب عند فئات عريضة، لتتحول كل عملية انتخابية إلى مجازر ترتكب في حق الديمقراطية والمصداقية آخرها وقائع انتخابات شتنبر 2007و وكذا ما عرفته الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) و ما صاحبها من خروقات غطت معظم جهات المملكة، لم يعطيها القضاء ما تستحقه من متابعة، و قد أدى ويؤدي تكرار مثل هذه المشاهد إلى: ̈ تراجع الوعي السياسي : من المسلمات التي أصبحت راسخة في الشارع المغربي كون شريحة كبيرة من المغاربة قد فقدوا ثقتهم في الشأن السياسي والسياسيين، وفي ما تفرزه الانتخابات، وما يصاحبها من خطابات تتغذى على قضايا هامشية، وتستغل معاناة المواطن لتوظيفها لأغراض انتخابية، لكن الخطير في الأمر هو اتجاه المثقف المغربي إلى نفس النتيجة، ليصبح أكبر الغائبين عن تعزيز مبادئ بناء دولة قوية في ظل العولمة الشرسة، والاستهداف الذي يطالها من الداخل والخارج . ̈ تراجع المشاركة السياسية: وهو ما دفع بهيئات مدنية وسياسة إلى تعبئة واسعة للتسجيل في الانتخابات، لكن هذه التعبئة تبقى ضعيفة لكونها لا تستجيب لتغيير جذري يتطلبه المشهد السياسي. ويعرف المغاربة هذا " العرف الانتخابي " منذ عقود، إذ تنشط عمليات ترصيف الشوارع، وتبليط الأزقة، ومد قنوات التطهير، وتحريك كل المشاريع التي كانت مجمدة، لتذكير الناخبين بمنتخبيهم الذين كان من النادر مصادفتهم في الدوائر التي صوتت عليهم قبل اقتراب موعد الانتخابات. ولا يقتصر هذا "العرف الانتخابي " على الأزقة والشوارع، وبعض الحدائق التي كانت إلى عهد قريب عبارة عن مزابل تزعج السكان، بل تمتد إلى المساجد، حيث تشهد بعض الأحياء ببعض المدن تجهيز مساجدها ومدها بالزرابي، والساعات الحائطية، والمروحيات الهوائية من طرف بعض "المحسنين" الذين سبق لهم أن ترشحوا في الانتخابات الماضية، ويبدو أن أغلب المكونات السياسية المغربية لا تعترض على هذه السلوكات التي تصنف في خانة "الحملة الانتخابية السابقة لأوانها"، بقدر ما يقلقها ما تعرفه الساحة الوطنية من تسخير للوسائل والأدوات المملوكة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وشبه العامة في حملة انتخابية سابقة لأوانها" لأن ذلك بمثابة "تحضير لإفساد العمليات الانتخابية". وفي انتظار الثاني عشر من يونيو المقبل، على المواطنين أن يتحملوا المزيد من الضجيج والغبار الذي تحدثه آلات الجماعات المحلية (البلديات) من أجل ترصيف، وتشجير، وترميم الطرقات. وأمام هذا الوضع ، وحتى لا تتكرر سيناريوهات الفساد الانتخابي التي عرفتها الانتخابات التشريعية (شتنبر 2007) وكذا الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) ، فإن الحكومة اليوم تجد نفسها أمام محك لإثبات مدى مصداقيتها وقدرتها على بسط النظام، ومدى جديتها في إعادة هيبة القانون والدفاع عنه من خلال مواجهة الفساد الانتخابي. وللتأكيد على حسن نيتها، فعلى الحكومة بالإضافة إلى كل مكونات المجتمع المدني أن تقوم باستخدام كل الوسائل من اجل محاربة الفساد الانتخابي، وعليها التصدي لمفسدي الانتخابات، مهما علا شأنهم، وعلى وزارة العدل مثلا أن تستعين بجميع الطرق التي يكفلها القانون، بما في ذلك التنصت الهاتفي لملاحقة كل من اشتبه فيه انه مفسد للانتخابات، من خلال شراء ذمة الناخبين، أو تبييض أمواله في المجال السياسي، ذلك لآن القانون الانتخابي يعتبر «إفساد الانتخابات جريمة تستوجب العقاب». كما يجب متابعة ورصد تحركات المرشحين وفضح الخروقات الانتخابية المتعلقة باستعمال المال العام في الحملات الانتخابية تحصينا لها من الشوائب والفساد الانتخابي ، ومن أجل احترام الإرادة الشعبية ، ومن اجل تشكيل مجالس وهيئات محلية نزيهة ومستقلة وقوية وقادرة على وضع استراتيجيات تنموية واقعية وعملية. وعلى الحكومة، في ذات السياق، أن تصدر دليلا انتخابيا يوضح بما لا يدع مجالا للشك لكل الأحزاب السياسية كيفية خوض حملة انتخابية نظيفة وكذا حثها على تفادي كل الخروقات الممكنة، وعلى هذه الوزارة و بتنسيق مع وزارة الداخلية، أن تحكم الطوق على مفسدي ا لانتخابات وذلك من أجل ضمان منافسة ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة بعيدة عن استغلال النفوذ وبعيدة عن استغلال المواقع، ومن أجل حماية المال العام في خضم الاستحقاقات المقبلة ، و ذلك في أفق المساهمة في تخليق الحياة العامة ونشر ثقافة القدوة والامتثال للقانون ومحاربة ناهبي المال العام . ولكن و في ظل غياب قانون واضح لفترة ماقبل الحملة فانه يصعب تصنيف المخالفات ورصدها لان بعض الأحزاب وبواسطة بعض الجمعيات تقوم ، في الآونة ، الأخيرة بعمل الخير أو البر والإحسان بغايات انتخابية، كما أن تنظيم الولائم وتمويل حفلات الزفاف والختان والفحوص الطبية كلها أعمال يصعب تصنيفها في خانة الجرائم الانتخابية. أما من جهة المواطن - كناخب - فعليه أن لا يذهب إلى الانتخابات المقبلة و كأنه ذاهب إلى حفلة أو فسحة أو مناسبة دينية أو اجتماعية، لأن المشاركة في الانتخابات تقتضي وعيا سياسيا و اجتماعيا يمكن الناخب من الاحتراس من الوقوع في فخ المفسدين وسماسرة الانتخابات، وتقتضي أيضا الإحاطة بأسرار و خفايا العملية السياسية، و هو ما يقتضي أيضا أن يشارك الفرد مجموعة من الناخبين من أمثاله في البحث عن المرشح الأنسب و الأكفأ و المناسب في المكان المناسب ، و هذا الأمر و إن كان نسبيا بمعنى أن لا رجل مثالي و مناسب مائة بالمائة، إلا أن الديمقراطية و الانتخابات تعني البحث عن أفضل الموجود، وعليه فإن الناخب يمكنه الاسترشاد بهذه القائمة من المواصفات، فيعمل على تقييم المرشحين، حتى يختار الأكثر ملائمة لشغل منصب رئيس وأعضاء المجلس الجماعي ، فلا يندم على اختياره فيما بعد، ولا يلوم هؤلاء المسؤولين المحليين إذا ما قصروا في أداء رسالتهم، ومن بين تلك المواصفات التي ينبغي توفرها في هذا المرشح اوذاك نقترح ما يلي : 1- قيم النزاهة والشفافية واحترام القانون : ̈ غير متورط في شراء الأصوات بالمال أو الهدايا أو الخدمات، ̈ يتصدى للفاسدين سياسيا وماليا وإداريا، ̈ مشهود له بالنزاهة والاستقامة في حياته العامة، ̈ يساهم في كشف التجاوزات ومختلف أنواع الفساد بشكل موضوعي. 2- المؤهلات الشخصية – الخبرة والكفاءة: ̈ صاحب مؤهل علمي. ̈ يهتم بالجوانب الاقتصادية ومشاريع التنمية، ̈ لديه إلمام بالجوانب القانونية والتشريعية ودراية بالقيم والمفاهيم الدستورية، ̈ لديه وعي سياسي بالقضايا المحلية والإقليمية وإلمام بالقضايا الدولية. ̈ لديه خبرة في أحد القطاعات بالدولة، كالمجتمع المدني، أو القطاع الخاص، أو القطاع الحكومي، مع إلمام بهموم المجتمع وحاجاته. 3- السمات الشخصية – القيم الأخلاقية : ̈ يتسم بالقوة في الحق ويتمتع بالأمانة ، ̈ يمتلك الحكمة والموضوعية ، ̈ يتسم بالمصداقية والبعد عن الانتهازية ، ̈ لديه حس عال في مجال الرقابة على تطبيق القوانين، 4- الأطروحات الفكرية : ̈ لا يثير الأحقاد وينبذ العنصرية والتعصب القبلي، ̈ يقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ومصلحة الأقارب،. ̈ يؤمن بالانفتاح والتعاون مع الجماعات والأفراد كافة في إطار المصلحة العامة ، ̈ يمتلك رؤية تنموية شمولية للجماعة التي يمثلها. 5- البرنامج الانتخابي: ̈ يضع خطة عمل وأولويات واضحة المعالم تتضمن مجموعة من المشاريع التنموية الواقعية، ̈ يحتوي برنامجه الانتخابي على تصور لمكافحة مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي، ̈ يؤمن بالحريات ويطالب بمزيد من الشفافية ، ̈ يسعى إلى تطبيق النصوص القانونية بصورة عادلة وبدون أي تمييز وإقصاء بين أفراد المجتمع، ̈ يعمل على تنفيذ (قانون اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الفساد) من خلال إقرار قانون الكشف عن الذمة المالية وقانون حق الاطلاع و قانون مكافحة الفساد. و تأسيسا على ما ورد ذكره يبقى واردا بأن نقول بأن الناخب الذي يسترشد بهذه القائمة من المواصفات، قد يستطيع بالفعل أن يختار المرشح الأكثر ملائمة لشغل منصب رئيس وأعضاء المجلس الجماعي ،وفي ذات السياق يجب على جميع الأحزاب السياسية أن تراجع طريقة تزكية مرشحيها وأن لاتكون هذه التزكيات عبارة عن أوراق تمنح لمن هب ودب، كما يتضح بجلاء كبير بأن محاربة الرشوة والفساد الانتخابي ، واستغلال النفوذ، وتوزيع الغنائم، مسؤولية الجميع : سلطات وهيئات، مواطنين وجماعات... ،و بمعنى آخر فان كل مواطن مغربي رجلا وامرأة مسؤول ، ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولة ، والقوى السياسية مسؤولة ، والإدارة الحكومية مسؤولة ، والسلطة السياسية مسؤولة . و نأمل جميعا أن يشكل استحقاق 12 يونيو 2009المقبل منعطفا على طريق الديمقراطية و محطة تحول نوعي في الممارسة السياسية النزيهة والمسؤولة، وإعلانا عن القطيعة مع الماضي، ليس فقط من زاوية ما كان يشوب الانتخابات من إفساد، بل أيضا، وهذا هو الأهم، من حيث تحول التشكيلات السياسية من كائنات انتخابية إلى قوة اقتراحيه فعالة على أساس البرامج والإنجازات لأن المغرب قد عانى لعدة عقود الكثير من مظاهر التزوير والتزييف والتدليس، وكشفت التجربة حجم مخاطر العبث بإرادة الشعب، الذي كان يفضي إلى الفشل في تمكين البلاد من مؤسسات محترمة وقوية وقادرة على تحقيق إصلاحات جوهرية في البنيات الأساسية، إذ أن المؤسسات، التي تتشكل بالغش والتدليس، لا يمكن أن تنتج إلا كائنات فاسدة مغشوشة، والبضاعة الفاسدة لا يمكن الاعتماد عليها في قيادة المؤسسات نحو إصلاح جوهري ، من هذه الزاوية، ندرك جيدا أبعاد ودلالات الحرص على مسألة النزاهة، وتحميل الجميع مسؤولية التصدي لأعداء الديمقراطية. وفي الأخير يمكن القول بأن الفساد الانتخابي الذي أضر بالتجربة الديمقراطية المغربية، سوف يستمر ويتفاقم ما لم تبادر الحكومة بشكل جاد وحازم في تطبيق القانون على الذي ينتهك القانون ويسيء لسمعة المغرب الذي نريده جميعا ، فإذا فشلت الحكومة في فرض النظام والقانون خاصة على من يسعى للوصول إلى المجالس الجماعية بطرق غير قانونية، فعلى هذه الحكومة السلام، وعليها أن تعلن عجزها وفشلها في أهم دور مناط بها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من رقعة الفساد العام والتسيب وفتح الأبواب أمام المفسدين ليعيثوا في الأرض فسادا. لكن وبضمان المصداقية والشفافية واحترام القوانين، قد نضع البلاد على سكة التغيير الديمقراطي المؤدي حتما إلى محطة الحداثة والتقدم والتنمية الشاملة ذلك لأن هيبة القانون وقوة الدولة لا تتأتيان إلا من خلال الحزم في تطبيق القانون، خاصة اتجاه الممارسات التي تمزق المجتمع مثل الانتخابات التي تعمل على نشر الرشوة وشراء ضمائر المواطنين عبر شراء الأصوات الانتخابية، خصوصا إذا كانت هذه الممارسات صادرة من قبل أشخاص سوف يدخلون مجلسا يتولى تسيير شؤون ومستقبل جماعة محلية سواء تعلق الأمر بجماعة حضرية أو قروية . ومن المسؤوليات الجسيمة التي ينبغي أن يتحملها (الجميع) هي المحافظة على (المجتمع) وحمايته من الفساد في مختلف صوره معنوياً ومادياً.. فلنحارب جميعا الفساد الانتخابي، كما نحارب الإرهاب والجهل والأمية والسرطان... [email protected]