دخل معتصمو تنكارف أمام ولاية تادلا/ أزيلال يومهم العاشر تحت ظروف مناخية قاسية؛ أمطار وبرد ورياح عاتية، وتعنت واضح من المسؤولين. وفي غياب مساعدات رسمية وفتح الحوار مع الفارين من جحيم حصار الثلوج والجوع، يعتمد المعتصمون على ما يجود به أهالي بني ملال وبعض الهيئات السياسية والجمعوية من مأكل ومشرب وغطاء. معاناة المعتصمين وحدتهم في الجبل كما هي الآن توحدهم في السهل، إلا أن سيدات قبيلة تنكارف نايت عبدي في قمم الجبال يحضين بنصيب خاص من هذه المعاناة، فقد حطمن أرقاما قياسية في عدد وفيات الولادة، إذ أحصت إحداهن 17 وفاة في صفوف مثيلاتها ممن حرمن حق الإنجاب في ظروف صحية مواتية، فانقلبت مناسبة الوضع من فرح إلى قرح قد يؤدي بحياة ذوات الحمل وتودي بمواليدهنز ظروف ولادة لخصتها السيدات بالسيئة، إلا أن المصطلح أقل قوة بكثير مما وصفن. التجديد زارت المعتصمون، ومنه تنقل أجواء السهل والجبل: صمود جبلي تنكارف نايت عبدي أو تاسرافت منطقة تابعة لنفوذ جماعة بوتفردة وقيادة تيزي نسلي بإقليم بني ملال، تشتهر بجغرافيتها الوعرة.. جبال وأودية وعزلة ومناخ بارد، فشتاء تبلغ فيها تساقطات الثلوج ما بين 5 أمتار إلى 9 أمتار كما سجل ذلك هذه السنة. وتاريخ قبائل تنكارف حافل أيضا بصمودهم أمام المستعمر، فقد كان التنسيق في المقاومة إبان الحماية بينهم وبين قبائل آيت سخمان وإحنصالن وآيت عطا غربا وقبائل سوس جنوبا والمقاومة ببوعرفة ومنطقة فكيك شرقا وتادلة شمالا، حيث كانوا يمدون المقاومين وهم المقاومين بالإمدادات القادمة من السهل إلى الجبل، ويؤمنون الطريق ويحمون رفاقهم في السلاح. يعرفون بويفادن و بوضريق واوحمو وآخرون من الذين طوعوا الجبال مشيا على الأقدام، واختاروا شموخ الجبال. بعد الاستقلال ربطت بينهم وبين مختلف قبائل زاوية أحنصال علاقة مصاهرة، ففضلوا الرعي والتشبث بأرض بطولاتهم؛ أملا في تحسن أوضاعهم والالتفات إليهم والاعتراف ببعض ما قدمه أجدادهم من تضحيات هنا في جبال موريق وتمزكيدة وأكرد نواضو. نسوة من زمن آخر وسط النساء المتعصمات حديث لا يشبه حديث هوانم المدن.. فهنا لا واحدة منهن تعرف مهند ولا نور ولا قماش شميشة.. حديثهن تقول فاضمة نعلي 33 سنة يدور حول الزمن أي الحياة وأي حياة، بل الموت.. مرض الصغار.. نفاذ المؤونة.. حالة زميلتهن عائشة حجي التي أصيبت بكسر في يدها اليسرى خلال فترة الحصار بالثلج.. الحالة النفسية التي أصبح عليها الناصري موحى بعد تورم ساقه.. أحاديث تصغر معها مشاكل هوانم المدينة اللواتي يقضين ساعات أمام المرآة أو لصبغ أو تقليم الأظافر.. سيدات الجبل لا أظافر لديهن، فقد استهلكت في الأشغال الشاقة لجلب حطب التدفئة وطحن الشعير وحفر جوف الأرض للعثور على ثمرة يغذين بها صبيتهن.. تحكي فاضمة أن كل أبناء تنكارف ولدوا بالمنازل، وليس منهم واحد منهم ولد بالمستشفى. ذلك أن النسوة تعتمدن على القليل من مساعدة جاراتهن والكثير من شجاعتهن وصبرهن، ويبقى العرعار، وأورمي وتيميجا وبعض الحساء الخشن (من الدقيق الرديء) هي المضادات الحيوية المتوفرة للنفساء في قمم هذه الجبال. وتضيف فاضمة نعلي أن أطفالها الستة ولدتهن في هذه الظروف، اثنان منهما فقط تمكنا من ولوج مدرسة الدوار وأي مدرسة يقول مترجم التجديد تفتح فقط شهرين في الموسم الدراسي بسبب الحصار الذي تعرفه المنطقة. وأحصت فاضمة لـالتجديد عدد الوفيات في صفوف الولادات الجديدة.. وذكرت موت اثنين لـتودة مرعاد وثلاثة لـزهرة اوهي وواحد لـفاضمة اوبانمير.. وأكدت فاضمة أن حبل السرة تقطعه القابلة بشفرة الحلاقة، فيما تتكلف النفساء بمداواة سرة المولود الذي كتبت له الحياة بضمادة من الصوف وتسقيه الحرمل مخدر نباتي ينوم الرضيع أكثر مما يداويه. يبدأ يوم فاضمة ومثيلاتها ممن تزوجن في سن التمدرس على الساعة السادسة صباحا بطهي بعض الشاي لأطفالها وزوجها الضرير، ثم تنطلق في رحلة الشقاء المضني بحثا عن حطب الطبخ والتدفئة خاصة، فتسير في رحلة تسابق فيها الظروف المناخية لساعات طوال في الجبال، ولا تعود إلا والوقت عصرا وعلى ظهرها حمولة تكاد تقسم جسمها النحيف بسبب المرض وسوء التغذية وكثرة الجهد المبذول، لتباشر أشغال البيت والعناية بالأطفال بما تيسر لها مما تجود به الطبيعة أو عنزتها. مؤونة فوق العادة الحياة على قمم الجبال لها طعم آخر لكنه مر، فكل شيء مختلف ولا يخضع لقانون.. يحكي حمو أن ثمن القالب من السكر في منطقتهم يصل ثمنه إلى 20 درهما، وقنينة الغاز الصغيرة 25 درهما، وكيس الدقيق 250 درهما توزعه 3 أسر فيما بينها، بينما يصل اللتر الواحد من الزيت 20 درهما، وهذه الأثمنة فقط خلال الأيام العادية يدقق حمو، أما التنقل فلا سبيل له إلا على ظهور البغال ما بين 3 إلى أربع ساعات إلى بوتفردة عبر طريق ايغيل أو طريق ألواد عطاش، وغالبا ما تكون الأولى مغلقة بالثلوج والثانية بفيضان الواد وانعدام القناطر، أما خلال العواصف الثلجية فتتضاعف الأثمنة حال ساكنة تنكارف نايت عبدي فصل بسيط من فصول سكان من الألفية الثالثة يعيشون ظروفا أقل بكثير من ظروف القرون الوسطى.. فقدوا ثقتهم في من يمثلهم في المجالس المنتخبة، وعاتبوا السلطات بمنطقتهم بالتعتيم على حالهم، فاخترقوا جدار الصمت وحواجز المنع وحلوا ببناية الولاية سعيا في إيجاد آذان صاغية وقلوب رحيمة وأياد بيضاء تمتد لهم لإغاثتهم وتقديم العون لهم.