معهد باستور جازاه الله خيرا مشغول هذه الأيام بصحة المغاربة ، ليس كل صحة المغاربة ، لأن للصحة وزارة وقطاع خاص وتغطية صحية إجبارية ونظام جديد للمساعدة الطبية ، قيل أنه سيخصص للفقراء المعوزين ، وتأمينات صحية أساسية وتكميلية يلوذ بها المشتغلون في القطاع الخاص ، وينصح بها من لا تسمن ولا تغني في مواجهة أمراضهم المزمنة سلة العلاجات التي تغطيها التغطية الصحية الإجبارية : وعموما ينصح بها من هم خارج التغطية . معهد باستور منشغل على صحة المغاربة من وباء فيروسي جديد في المغرب، ويتعلق بالإصابة بنزلة البرد الحادة المعروفة بـ+لاكريب؛، داعيا المواطنين إلى الخضوع إلى اللقاح ضد هذا الفيروس إلى حدود شهر فبراير المقبل. ويؤكد دكاترة المعهد جازاهم الله خيرا عن صحة المواطنين بأن التلقيح ضد لاكريب ملزم للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، كالسكري والقصور الكلوي وللعاملين في الشركات والإدارات بالنظر إلى سرعة انتقال عدوى الإصابة بالأنفلونزا وانعكاس ذلك على المردودية وما يرافقها من ظاهرة التغيب عن العمل في حالة الإصابة بالعدوى. علما أن أعراض لاكريب تدوم مدة أسبوع وتجبر المصاب بها على ملازمة الفراش والخلود إلى الراحة. كما يحتاج المريض بـ+لاكريب؛ إلى تناول مضادات الحرارة والألم فقط، دون استعمال المضادات الحيوية. دكاترة المعهد جازاهم الله خيرا طمأنوا الرأي العام بان معهد باستور يتوفر العام الجاري على 480 ألف لقاح ضد نزلة البرد مستوردة من فرنسا مع التأكيد أنه مع موجة البرد غير المسبوقة في المغرب منذ 20 سنة خلت، كما يؤكدون أن من مضاعفات هذه الأنفونزا الجديدة الالتهاب الرئوي البكثيري وفقدان الماء من الجسم وكذا تفاقم الأمراض المزمنة التحتية. وتخص معظم حالات الاستشفاء والوفاة الناتجة عن الأنفلونزا الأشخاص المسنين والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة ومنهم الرضع ابتداء من ستة أشهر، والأطفال الذين يشكلون مصدرا أساسيا لنقل العدوى إلى جميع أفراد العائلة. وأن المرض يصيب 40 في المائة من الأطفال دون سن الثالثة، وهم ينقلون العدوى إلى البالغين في غالب الأحيان، وأ يضا الأشخاص المسنون، البالغون 65 سنة وما فوق، وقد يعرضهم للموت المفاجئ، خاصة الذين يعانون أمراضا مزمنة وخطيرة ، والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة كالربو والقصور الكلوي وأمراض القلب . على أن هذه الحملة التحسيسية التي أطلقها معهد باستور وأطباؤه نسيت أن تركز على رفع لبس تواصلي كان ينبغي أن تبين للمغاربة أن ما تقصده بمصطلح لاكريب ليس سوى المعنى الطبي الاصطلاحي الذي لا تستوعبه نخبة محظوظة من المغاربة أتيحت له فرصة التعلم والاستفادة من الامتيازات المادية والاجتماعية والاستشفائية المختلفة ، وليس ما يفهمه المواطن المزلوط . فكلمة لاكريب التي تستخدم في اصطلاحنا الدراج على صيغة مفعول بحيث نقول : را خواك مكريبي لها دلالة خاصة : أي أنني أعاني من أنفولونزا الزلط والتهميش والإقصاء الاجتماعي ، وهو الزلط الذي يدفع بالكثير من الشباب إما نحو قوارب الموت أو المراكب الفضائية ل القرقوبي وغيرها من أدوات الإبحار في عوالم الكون المهلوس ، وتنتهي بأغلبهم حفاة عراة تائهين في الشارع ليس على طريقة المجذوب الذي ينطق بالحكمة وإنما مشهرين السيوف والأسلحة في وجه المواطنين والمواطنات ونساء الأمن ورجاله . السائد في الثقافة الشعبية أنها تعتبر الجوع أكبر مرض ، ولهذا صارت نكث المغاربة تتحدث بسخرية عن الوصفات الطبية التي توصي باستخدام الحمية فتتساءل عن توقيت اللجوء إلى الحمية وهل بعد الأكل أو قبله . كما أنهم لا يفهمون من مصطلح لاكريب إلا قلة ذات اليد التي تشل الإنسان عن الحركة وترفع درجة حرارة القلق على أطفال زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ، أطفال ألقي كاسبهم وعائلهم ـ بتعبير الحطيئة حين استعطف عمر بن الحطاب بعد هجائه للزربرقان ـ في قعر مظلمة من التهميش والفقر وقلة ذات اليد . يتحدث أطباء معهد باستور الموقرون على تأثير الأنفونزا ولا كريب على الأطفال والرضع والشيوخ وأصحاب الأمراض المزمنة وضرورة التلقيح ، وهؤلاء لا يجدون المقومات الرئيسية للتغذية المتوازنة والتغطية الصحية الأساسية في مواجهة الأمراض الرئيسية ، ويموت الكثير منهم من مضاعفاتها قبل أن يصلوا إلى المستشفيات العمومية أو في الطريق إليها أو في قاعات الانتظار أو بإهمال الأطباء أو الممرضين أو في انتظار تدبير الأقرباء المعوزين لمبالغ الرشوة التي تمت مساومتهم عليها من أجل إجراء عملية جراحية . ومهما يكن عدد لقاحات لا كريب التي تم استيرادها هذه السنة والتي قال أطباء معهد باستور إنها قد وصلت إلى 450000 لقاح ، فإنها أولا لا تمثل شيئا بالمقارنة من عدد المغاربة الذي تجاوز الثلاثين مليون ، وثانيا لا تعني بالنسبة للمواطن الفقير الذي يعتبر أن مرضه الأول هو الزلط الذي لا يجد معه ما يأكل ويتداوى من الأمراض الأساسية ناهيك عن الأمراض الثانوية في عرفه. والحمد لله كل الحمد على المناعة المكتسبة تلقائيا دون لقاح ، والحمد لله على أن المغاربة البسطاء قد طوروا من خلال ثقافتهم الشعبية مواصفات لمواجهة نزلات البرد مثل المساخن و لمروزية و لبخور على خلاف في نجاعتها بين مؤمن ومنكر ، و المخينزة على خلاف بين المناطق والجهات في تسميتها وهي التلبيخة التي توضع على رأس المريض بوجع الرأس ، وهي عبارة عن خلطة عجيبة مكونة من عدة أعشاب ، وتوصف نجاعتها العلاجية بأنها : دقة ببطلة ، والحليب الساخن المخلوط ب حب الرشاد ، ولا ننسى الصعتر أو الزعتر أو الزعيترة ولا يضر هذا الخلاف اللغوي في نجاعته وصلاحيته لكل الأمراض من المصارن إلى الدوخة و الشقيقة ، كما لا ننسى التنويه بالأثر الفعال لتدخين الكاغيط الأزرق الذي كانت تلف به قواليب السكر ، وإن كان لابد من إجراء بحث لمعرفة ما إذا كان الكاغيط الأزرق لا يزال يتمتع بخصائصه العلاجية الرهيبة ، وبعض الوصفات المصاحبة مثل احتساء بيضة خضرا بالإبزار ، والحامض مخلوطا بقهوة ساخنة ، والدهان الشينوي العجيب ، والعملية الشعبية المذهلة لامتصاص البرودة من الصدر عن طريق وضع قليل من الكحول في كأس وإشعاله عن طريق عود ثقاب ووضع على الصدر ،وعمليات الكي التي تداوي بوجنب ولعله المصطلح الشعبي الموازي لما يعرف اليوم ب برونشيت وتناول قطعة من السكر مخلوطة بالغاز السائل المخصص للاستعمال المنزلي وإن كان هذا الغاز هو اليوم في عداد الأدوية الشعبية الآيلة للانقراض . ثم هناك عمليات المسد للصدر ب الزيت البلدية أو زيت العود ناهيك عن عمليات التشراط وهي عمليات استخراج للدم الفاسد كانت تتم أحيانا على الأنف أوالذراعين أو مناطق أخرى من الجسد واشتهر بها طبيب شعبي مشهور ومنشط للمسرح الشعبي في الدارالبيضاء يسمى حروش المعروف بذكاء وتجاوب حماره معه إلى الدرجة التي كان الناس يؤكدون بأنه: يميث ويحيي حماره .... وقائمة العلاجات الشعبية طويلة .... إذ لو عول المغاربة على وزارة الصحة وعلى الحكومة وتغطيتها الصحية الإجبارية والاختيارية ونظام مساعدتها الطبية الذي سيتحول إلى عنصر أساسي في توسيع قاعدة مشاركة المواطنين في الانتخابات الجماعية على اعتبار أن القرار الأول فيه والأخير سيكون للشيوخ والمقدمين ، لكانت الأغلبية فيهم قد انتقلت إلى دار البقاء أو لتاهت في الشوارع بسبب الخور العقلي وقلة المنشآت الطبية العقلية والأطباء والممرضين المتخصصين في هذه الأمراض باعتراف الوزيرة. وكاتب هذه السطور جرب كثيرا من تلك الصفات وخرج معافى بفضل الله ، ثم بفضل الثقة فيها أي النية . ولذلك على المغاربة أن يحمدوا الله كثيرا على أنه قد جعل فيهم من النية أولا والثقة في الطب الشعبي وثانيا من التضامن الاجتماعي ومن الإيمان واللجوء ي أدعية الحفظ التي يتلونها في الصباح والمساء ما أبقاهم بمنأى عن استئمان المخزن بالمعنى الشعبي للكلمة على طعامهم وصحتهم وأمنهم ، لأنهم لو فعلوا ذلك لجاعوا ومرضوا وهلكوا لقوله صلى الله عليه وسلم : من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها . وأريدكم أن تصدقوني ، فقد جربت نجاعة النية والإيمان والثقة في تلك الوصفات الشعبية ، وجربت نجاعة أدعية الحفظ كي استنتج أن أخطر ما يخاف منه المغاربة ـ ليس هو انفلونزا الطيورأو أنفلونزا البرد ـ ولكن أنفلونزا البشر أي لاكريب التي تعني أيضا الزلط وقلة ذات اليد .