يشكل نظام المساعدة الطبية مشروع أمل فئة عريضة من المجتمع المغربي للاستفادة واحد من أهم الحقوق الأساسية ألا وهو المتعلق بالحق في الصحة، مع العلم بأنه مشروع موجه خصيصا إلى المغاربة الأكثر حاجة، وهم الفقراء والمعوزون والمهمشون. الدراسات التي أنجزت من طرف الدولة حددت معايير تخلص إلى أن عدد المغاربة المعوزين الذين يحق لهم الاستفادة من هذا النظام يمثلون 8.5 ملايين مغربي، وأن التكلفة السنوية للتكفل الصحي تقدر ب2.7 مليار درهم. رقمان لهما من الدلالات ما يجعل من نظام المساعدة الطبية مشروع المجتمع برمته. فالقانون 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية يرتكز على نظامين مستقلين: نظام التأمين الإجباري عن المرض AMO)) ونظام المساعدة الطبية RAMED))، ويعتبر بذلك الإطار القانوني للحق في الصحة. إذا أخذنا بعين الاعتبار المدة التي استغرقتها الحكومة السابقة والحالية لإخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ منذ المصادقة على مدونة التغطية الصحية الأساسية الصادرة في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 نوفمبر 2002، نقف أمام لغز طريقة تعامل الحكومة مع نظام المساعدة الطبية، مما يدفع بالضرورة إلى تساؤلات حول مصير هذا المشروع الاجتماعي والمجتمعي. لفهم هذه المفارقة، لابد من الرجوع إلى سنوات التسعينيات من القرن الماضي، حين بدأ التفكير في إصلاح المنظومة الصحية بهدف تحسين الخدمات الصحية وجعلها ترقى إلى المستوى المطلوب في معادلة مع الجانب المالي لإنجاح هذا الإصلاح. تحديد عناصر هذه المعادلة ساهم في إزالة عدد من المخاوف والتردد، مما ساعد حكومة التناوب على وضع الإطار القانوني لإصلاح هذه المنظومة الصحية بصفة عامة عبر إقرار مبدأ منظومة التغطية الصحية، حيث تمت المصادقة على القانون 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية المكونة من نظامين مستقلين: نظام التأمين الإجباري عن المرض AMO)) القائم على مبادئ المساهمة والتأمين الاجتماعي لفائدة الأشخاص المزاولين نشاطا يدر عليهم دخلا والمستفيدين من المعاشات وقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والطلبة. ونظام المساعدة الطبية RAMED)) القائم على مبادئ التضامن الوطني والمساعدة الاجتماعية لفائدة المغاربة المعوزين، الشيء الذي يجعل من القانون 00-65 إطارا ذكيا وعمليا لتجسيد بعض القيم الإنسانية التي تجمعنا كمغاربة كقيم الإنصاف والتضامن. وهنا يطرح التساؤل التالي: ما هو النظام الأقرب إلى التطبيق؟ إن نظام التأمين الإجباري عن المرض المبني على مبدأ مساهمة المستفيد ورب العمل، وبرغم تعقيداته من حيث عدد المتدخلين فيه ونوعية الإشكاليات المطروحة، تم الوصول إلى الاتفاق على مجموعة من النقط من حيث قيمة المساهمة، تحديد سلة الرعاية المشمولة ونوعية الخدمات الصحية المقدمة من طرف الدولة، وكذلك من طرف القطاع الخاص، هذا الاتفاق الذي ساهم في أجرأة نظام التأمين الإجباري عن المرض سنة 2006، وتعقيدات هذا النظام تتجلى بشكل واضح في عدد النصوص القانونية المنظمة له والتي بلغت 19 ما بين نص تنظيمي وإداري. عكس ذلك، فنظام المساعدة الطبية المبني على مبدأ التضامن الوطني، يطرح إشكالا وحيدا يتجلى في تحديد معالم ومعايير الفئة التي ستستفيد من هذا النظام، وهو ما تجلى من خلال النصوص القانونية المنظمة له والتي لم تتجاوز ثلاث نصوص. بالتالي ومن باب المنطق، كان من المفروض إخراج نظام المساعدة الطبية إلى حيز الوجود قبل نظام التأمين الإجباري عن المرض، علما أن تحديد المعايير القانونية والإمكانيات المالية التي يجب أن ترصد للاستفادة من هذا النظام تمت من خلال الدراسة التحيينية التي أنجزت سنة 2001 والتي كلفت الدولة 5 ملايين درهم. لكنه بفعل مماطلة الحكومة السابقة، أضحى من اللازم تجديد المعطيات من خلال دراسة تحيينية أخرى أنجزت سنة 2006 من طرف وزارة الصحة بتكلفة ناهزت مليون درهم، كما يعتبر التوقيع على ميثاق تفعيل مدونة التغطية الصحية الأساسية أمام جلالة الملك بالقصر الملكي بأكادير في يناير 2005، التزاما أمام أعلى سلطة في البلاد لأجرأة المدونة برمتها. لكن الحكومة السابقة، مع الأسف، لم تكن لها الإرادة الكافية لتنفيذ نظام المساعدة الطبية، وتعاملت بمبدأ التمييز بين النظامين، حيث قامت بإخراج نظام التأمين الإجباري عن المرض إلى حيز التطبيق سنة 2006 متبجحة بأن نسبة التغطية الصحية ستنتقل من 17% إلى 34%، في حين تم التعامل بنوع من اللامبالاة مع نظام المساعدة الطبية. عندما نقول اليوم إننا نشك في نوايا الحكومة في ما يخص نظام المساعدة الطبية، فإننا لم ننطلق من العبث في حكمنا، بل استندنا إلى مجموعة من المعطيات في تحليلنا، وهنا لابد أن نستحضر محطات نعتبرها أساسية لتستوضح الصورة: 04 يناير 2005: ترأس الملك محمد السادس بالقصر الملكي بأكادير حفل التوقيع على ميثاق تفعيل مدونة التغطية الصحية الأساسية (الوزير الأول، النقابات الخمس الأكثر تمثيلية، الكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب)، صرح وزير الصحة آنذاك بأن التكلفة الإجمالية السنوية لنظام المساعدة الطبية تتراوح بين 1.7 و2.3 مليار درهم، وسيتم تنفيذه سنة 2006. 12 يوليوز 2005: الحكومة تؤكد أن نظام المساعدة الطبية سيدخل حيز التنفيذ سنة 2006. 14 نوفمبر 2006: ترأس الوزير الأول اجتماعا للجنة الوزارية المشتركة المكلفة بمشروع نظام التغطية الصحية، حيث تقرر إطلاق هذا النظام في فبراير2007. 22 مايو 2007: ترأس الوزير الأول اجتماعا للجنة الوزارية المشتركة المكلفة بمشروع نظام التغطية الصحية، وصرح وزير الصحة بأن هذا النظام سيدخل حيز التنفيذ قبل سنة 2008، وأن التكلفة الإجمالية لعام 2007 تقدر ب2.6 مليار درهم مع زيادة نسبة سنوية إلى غاية 2010 تقدر ب%1.9. 14 نوفمبر 2007: ترأس الوزير الأول اجتماعا لاستعراض التقدم المحرز في نظام المساعدة الطبية، وأكد على ضرورة وضع خطة نموذجية تستهدف جهة تادلة-أزيلال، وقال إن بدء سريان هذه الخطة سيتم في أوائل سنة 2008، في نفس الوقت صرحت وزيرة الصحة بأن التكلفة الإجمالية لنظام المساعدة الطبية لسنة 2008 تقدر ب2.6 مليار درهم. 14 مارس 2008: اجتماع ببني ملال لتقييم تنفيذ مشروع نظام المساعدة الطبية، مصدر من الوزارة الأولى يصرح بأن انطلاق هذا النظام سيكون خلال «أسبوعين أو ثلاثة أسابيع». 07 يوليوز 2008: المصادقة في مجلس الوزراء على الظهير المتعلق بنظام المساعدة الطبية، لم يتم نشره في الجريدة الرسمية إلا بعد مرور ثلاث أشهر من اعتماده (09 أكتوبر 2008). 04 نونبر 2008: ترأس الوزير الأول حفل انطلاقة نظام المساعدة الطبية ببني ملال بتوزيع بضع بطاقات لا تتجاوز العشرة من المستفيدين. قراءة سريعة في المحطات السالفة الذكر، تبرر الشكوك التي تراودنا بخصوص التعامل الغريب للحكومة مع نظام المساعدة الطبية. عناصر أخرى تساهم في إذكاء هذا الشك، فاختيار جهة تادلة-أزيلال يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة أن الدراسات التي قامت بها وزارة الصحة تحدد المعايير والإمكانيات المالية المخصصة لنظام المساعدة الطبية على المستوى الوطني، ليس فقط جهة معينة، ومن ناحية أخرى يطرح التساؤل حول مدى التزام وزارة المالية للمساهمة في تعميم هذا النظام في يناير 2010. لدينا الحق في التشكيك في النوايا الحكومية، عندما تصرح وزيرة الصحة بأنه تم رفع الاعتمادات المخصصة لنظام المساعدة الطبية في ميزانية وزارة الصحة لسنة 2009، وأنه تم تجهيز مستشفيات جهة تادلة-أزيلال، وتم خلق مراكز لتصفية الدم جديدة بالجهة، كل هذا جيد لكنه طبيعي لأنه يدخل في إطار اختصاصات وزارة الصحة على الصعيد الوطني وليست لجهة واحدة ولا يهم عملية تطبيق نظام المساعدة الطبية، وهنا تبرز كذلك بعض المفارقات الإضافية، فالقانون 00-65 يحدد ضمن اختصاصات الوكالة الوطنية للتأمين الصحي تدبير الموارد المرصدة لنظام المساعدة الطبية (المواد 60 و127)، وليست وزارة الصحة هي الجهة المخولة لهذا التدبير. بالتأكيد، اليوم نشك في نجاح مشروع نظام المساعدة الطبية، وعلى الحكومة إثبات عكس ذلك، وأن تظهر حسن نيتها للتنفيذ الحقيقي لنظام المساعدة الطبية ودون تأخير. لهذه الغاية، فهي مطالبة بثلاث مبادرات من شأنها زرع الثقة في نياتنا: الإعلان الرسمي عن جدولة تطبيق نظام المساعدة الطبية: متى ستنتهي عملية إحصاء المستفيدين لجهة تادلة-أزيلال؟ متى سيستفيد هؤلاء من الخدمات الصحية؟ متى سيتم تقييم التجربة؟ كيف ستتم معالجة الاختلالات؟ متى ستعمم التجربة على الصعيد الوطني؟ وهل تلتزم الحكومة برصد الغلاف المالي اللازم لتحقيق هذا التعميم والمقدر ب2,7 مليار درهم؟ تطبيق المادة 118 من القانون 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية التي تهم نزلاء المؤسسات الخيرية ودور الأيتام والملاجئ أو مؤسسات إعادة التربية وأي مؤسسة عمومية أو خاصة لا تسعى إلى الحصول على الربح، وتعمل على إيواء أطفال مهملين أو أشخاص بالغين لا أسر لهم، نزلاء المؤسسات السجنية والأشخاص الذين لا يتوفرون على سكن قار. تطبيق المادة 2 من القانون 00-65 التي تهم طلبة السلك العالي العام والخاص. بينما نحن نتحدث عن نظام المساعدة الطبية، والحكومة تماطل في تنفيذ هذا النظام، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن هناك مغاربة في مواجهة الأمراض والآلام التي يمكن معالجتها، والمجتمع أقر إظهار التضامن الوطني ليشمل الحق في الحصول على الرعاية الطبية كما نص عليه القانون في الجانب المتعلق بنظام المساعدة الطبية، ومن غير المقبول أن تقف الحكومة عاجزة عن تطبيقه، فيما تستمر المعاناة والموت...