مشروع التغطية الصحية ليس وليد اللحظة أي الولاية التشريعية الحالية فقد تم تقديمه إلى البرلمان قبل حكومة التناوب، وهو كما صرح بذلك الوزير الأول عند تقديمه له في جلسة عمومية: "لبنة لتأسيس مشروع ذي بعد حضاري من شأنه أن يؤمن على مراحل، تعميم إتاحة الخدمات الطبية لكل فئات مجتمعنا في البوادي والحواضر دون تمييز". ويتضمن المشروع قانون رقم 00.56 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية أربعة كتب، حيث يهم الكتاب الأول أحكاما عامة، والثاني نظام التأمين الإجباري عن المرض في القطاعين العام والخاص، والثالث نظام المساعدة الطبية، والرابع أحكاما متفرقة وختامية. ويتألف المشروع قانون من 941 مادة تصدرتها بديباجة تعتبر تحسين المستوى الصحي أحد المكونات الأساسية لسياسة التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى ضمان مشاركة المواطنين مشاركة كاملة في التنمية المستدامة للبلاد. ويشير المشروع إلى أن تمويل الصحة يقوم على مبادئ التضامن والإنصاف، قصد ضمان استفادة جميع سكان المملكة من الخدمات الطبية، ويقوم نظام المساعدة الطبية على مبدإ التضامن الوطني لفائدة السكان المعوزين. وتشير المادة الثانية إلى أن إجبارية التأمين الأساسي عن المرض تسري على موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، والأشخاص الخاضعين لنظام الضمان الاجتماعي الجاري به العمل في القطاع الخاص، وأصحاب المعاشات بالقطاعين العام والخاص، والعمال المستقلين والأشخاص الذين يزاولون مهنة حرة، وجميع الأشخاص الآخرين الذين يزاولون نشاطا غير مأجور. وحددت المادة الخامسة الأشخاص الذين يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض؛ فبالإضافة إلى الشخص الخاضع لإجبارية التأمين الأساسي عن المرض برسم النظام الذي ينتمي إليه أفراد عائلته الموجودين تحت كفالته، شريطة ألا يكونوا من المستفيدين بصفة شخصية من تأمين آخر مماثل؛ بالإضافة إلى الأطفال المتكفل بهم طبقا للتشريع الجاري به العمل؛ وهنا نشير إلى مشروع القانون الذي صادق عليه البرلمان والخاص بكفالة الأطفال المتخلى عنهم. ويضمن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض تغطية للمخاطر ومصاريف الخدمات الطبية الناجمة عن مرض أو حادثة، أو ولادة، أو تأهيل طبي عضوي أو وظيفي. ويخول التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الحق في إرجاع مصاريف العلاجات الطبية والوقائية، ومصاريف إعادة التأهيل، التي تستلزمها طبيا الحالة الصحية للمستفيد وعند الاقتضاء تحمل تكاليفها مباشرة، والمتعلقة بالخدمات التالية: العلاجات الوقائية والطبية المرتبطة بالبرامج ذات الأولوية المندرجة في إطار السياسة الصحية للدولة، وأعمال الطب العام والتخصصات الطبية والجراحية والعلاجات المتعلقة بتتبع الحمل والولادة وتوابعها، والعلاجات المتعلقة بالاستشفاء والعمليات الجراحية بما في ذلك أعمال الجراحة التعويضية، والتحاليل البيولوجية الطبية، والطب الإشعاعي والفحوص الطبية المصورة، والفحوص الوظيفية، والأدوية المقبول إرجاع مصاريفها، وأكياس الدم ومشتقاته، والآلات الطبية وأدوات الانغراس الطبي الضرورية لمختلف الأعمال الطبية والجراحية، أخذا في الاعتبار طبيعة المرض أو الحادثة ونوعية هذه الآلات والأدوات. بالإضافة إلى ما سبق يضمن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الأجهزة التعويضية والبدائل الطبية المقبول إرجاع مصاريفها، والنظارات الطبية وعلاجات الفم والأسنان، وأعمال التقويم الوظيفي والترويض الطبي، والأعمال شبه الطبية. فيما تحدد المادة الثامنة الخدمات الطبية المستثناة من التغطية. وحدد القسم الثالث من المشروع شروط وكيفيات إرجاع المصاريف أو تحملها، وكيفية إبرام الاتفاقيات، والمراقبة الطبية. أما القسم الرابع فخصص لأحكام مشتركة تتعلق بتدبير خدمات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ومراقبتها، وشروط تخويل الحق في الاستفادة من الخدمات والاحتفاظ به ووقفه وفقدانه، وأوضح أن قواعد تدبير كل نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وكذا الهيئة المكلفة بهذا التدبير تحدد بموجب الأحكام الخاصة به. وأما الأحكام الخاصة بالموارد والتنظيم المالي فحددها القسم الخامس في: العائدات المالية، والهبات والوصايا، وجميع الموارد الأخرى التي ترصد لفائدة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية خاصة، ومن اشتراكات المؤمنين حسب نظام الأجور، إلا أن اشتراكات المقاومين وأعضاء جيش التحرير تقدر بمرسوم، واشتراكات الطلبة تقدم في شكل مبلغ جزافي يحدد بنص تنظيمي. وبالنسبة للمراقبة المالية والمحاسبية والتقنية فتخضع حسابات وعمليات الهيآت المكلفة بتدبير أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض سنويا لافتحاص محاسبي ومالي خارجي، يقرره مجلس إدارة الهيئة المعنية، ويحرر في شأن كل مهمة للافتحاص تقرير يبلغ للإدارة وللوكالة الوطنية للتأمين الصحي. والوكالة الوطنية للتأمين الصحي المحدثة بموجب المشروع قانون 00.56: "مؤسسة عامة" تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتخضع لوصاية الدولة. ويكون الغرض من هذه الوصاية ضمان تقيد أجهزتها المختصة بأحكام هذا القانون، وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالمهام المسندة إلى الوكالة، وبوجه عام السهر على حسن سير نظام التغطية الصحية الأساسية. ومن مهام الوكالة التأطير التقني للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض. أما الهيئات المكلفة بالتدبير هي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. أما المنازعات والطعون والعقوبات والحلول فتحدث عنها الكتاب الرابع كما أسلفنا الذكر بتفصيل. وذكرت المادة 741 أن دخول أحكام هذا القانون حيز التنفيذ يكون ابتداء من فاتح يناير من السنة المالية الموالية للتاريخ الذي تنشر فيه بالجريدة الرسمية النصوص التطبيقية اللازمة لتنصيب أجهزة إدارة وتسيير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وإذا علمنا أن تمويل النظام الصحي بالمغرب يتميز بضعف الإنفاق الإجمالي المخصص للصحة ب5.4% من الناتج الداخلي الإجمالي؛ ومساهمة الأسر المرتفعة التي تصل إلى 95% من مجموع الاستهلاك الطبي، والتمويل غير الكافي من قبل القطاع العام 5% من الميزانية العامة للدولة حاليا والتضامن المؤسساتي الضعيف، حيث لا يشمل التأمين الاختياري عن المرض سوى 61% يتبين الضعف والحالة المزرية التي يعيشها قطاع الصحة بالمغرب. فشهادة مديرة الشؤون القانونية لوزارة الصحة داخل لجنة القطاعات الاجتماعية والشؤون الإسلامية أثناء المناقشة تقر بأن 76% من الخدمات المجانية في المستشفيات يستفيد منها الميسورون، لكونهم ليست لهم تغطية، في حين أن 5% الأكثر ضعفا لا يتمكنون من الاستفادة من هذه الخدمات. من هنا تتضح الحاجة الماسة إلى مشروع قانون من هذا النوع والذي ينبغي فعله من قبل الدولة: هو مراقبة القطاع الخاص والباطرونا التي تهضم حقوق المشتغلين الذين تضيع حقوقهم. ويتم ذلك بمساعدة وقوانين أكثر مرونة للمستثمرين وتخفيف العبء الضريبي عليهم مع محاسبة المتملصين. عبد الغني بوضرة