أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    روسيا تتهم رئيسة اليونيسيف بالاهتمام بأطفال أوكرانيا أكثر من غزة    المكسيك تنشئ مراكز إيواء حدودية تحسبا لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    حصيلة الانزلاقات الأرضية في إندونيسيا ترتفع إلى 22 قتيلا و4 مفقودين    كيوسك الجمعة | أكثر من 10 ملايين ونصف طفل معنيون بالتلقيح ضد "بوحمرون"    عجز السيولة البنكية يتراجع ب 8,26 في المائة ما بين 16 و22 يناير    الولايات المتحدة ترحل مئات المهاجرين    إحباط هجوم إرهابي على مسجد في بروكسيل أثناء صلاة الجمعة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    اتفاق مغربي موريتاني يفتح آفاق التعاون في قطاع الطاقة    بالأسماء.. تعيينات جديدة في مناصب عليا        بسبب "التحرش".. حموشي يوقف شرطيا بالدار البيضاء عن العمل    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    نهضة بركان يسقط في فخ التعادل القاتل أمام أولمبيك آسفي    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    ترامب يسعى لفرض "ضغوط قصوى" على إيران، فكيف ستبدو مع وجود الصين والمشهد الجيوسياسي المتغير؟    الأزمي: تصريحات وهبي حول مدونة الأسرة تفتقر للوقار    شرطة فاس تعتقل ثلاثيني بسبب التزوير وانتحال صفة محامي    توقعات مديرية الأرصاد لطقس يوم الجمعة بالمغرب    تفاصيل تحرك مغربي لدى سلطات بوركينافاسو والنيجر للبحث عن سائقين "مختطفين"    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    خط بحري كهربائي بالكامل بين طريفة وطنجة    نكسة جديدة للجزائر ودميتها البوليساريو .. مجلس الشيوخ الشيلي ينتصر لمغربية الصحراء    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يطلع على الزخم التنموي بجهة العيون    افتتاح السنة القضائية بمحكمة الاستئناف ببني ملال    السكوري: تقوية التمثيليات الاجتماعية غاية.. ومناقشة "الترحال النقابي" قريبة    مفكرون يدرسون متن الجراري .. طلائعيٌّ وسّع مفهوم الأدب المغربي    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    شخص يقتل زوجته بسبب رفضها للتعدد    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد القادر طرفاي ل "التجديد":مشروع التغطية الصحية جاء لأهداف سياسية وانتخابوية والضحية هو المواطن البئيس
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2002

يعاني قطاع الصحة من عدة مشاكل كبيرة على عدة مستويات :منها تقادم التجهيزات الطبية بالمؤسسات العمومية وضعف تمويل الدولة لهذا القطاع مما يجعل المواطن يؤدي تكلفة العلاج، كما أن ارتفاع تكاليف العلاج يجعل الفقراء يعانون من أمراض قد تتسبب في وفاتهم، بسبب وضعيتهم المالية والاجتماعية المزرية، أو يلجؤون إلى مد أيديهم للغير لإنقاذ حياتهم، وفي آخر ولاية تشريعية لمجلس النواب تمت المصادقة على مشروع مدونة التغطية الصحية،هذا الأخير الذي يهم مجموعة من الأطراف منهم المهنيين ، التقت التجديد بالدكتور عبد القادر طرفاي: طبيب جراح بمستشفى سيدي لحسن بمدينة تمارة، وحاصل علي الإجازة في القانون ، مهتم بالقوانين الصحية، وهو كاتب عام وطني للجامعة الوطنية لقطاع الصحة التابعة للإتحاد الوطني للشغل بالمغرب، فكان معه الحوار التالي: لاشك أن مشروع مدونة التغطية الصحية مشروع مهم لأنه يهم جميع المواطنين ، ما هي الدوافع التي أدت إلى التفكير فيه ؟ مشروع التغطية الصحية الذي قدمته الحكومة مؤخرا هو مشروع قديم جديد، لأن فكرة المشروع ابتدأت منذ حوالي عشرين سنة، خاصة في بداية التسعينات، وما ينبغي أن نذكر به هو أن الفكرة كانت
بإيحاء من البنك الدولي نتيجة تفاقم الوضع الاجتماعي، الذي كان نتيجة تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بالدول المتخلفة والفقيرة منها المغرب، ولما تفاقم الوضع وكثر الفقر وتفاحشت الفوارق الاجتماعية، ووقع تدني في مستوى الخدمات الاجتماعية بخصوص قطاع الصحة، كان إملاء من البنك الدولي بوضع ما يسمى بشيكات أمنية les fillets de sucureté، الذي تضم نوعا من الاهتمام بالجانب الاجتماعي سواء في ميدان التعليم أو الصحة، لكسر الضغط على القواعد الشعبية، الذي قد يسبب بعض الانفجارات، وهكذا تم الحديث عن تعميم التغطية الصحية، فكان هناك خبراء من المنظمة العالمية للصحة، بتعاون مع وزارة الصحة، فتم القيام بدراسات ووضع مقترحات في نهاية 2991، فكل النقط المهمة الواردة في المشروع كانت من مقترحات الخبراء الدوليين بداية 3991، منها ما أطلق عليها الوكالة الوطنية للتغطية الصحية، وربما أن الحكومة تتباهى بأنها من الإبداعات التي أتت بها، في حين أن الفكرة قديمة.والمعطيات لازالت كما هي تدني في مستوى الخدمات الصحية وتراجع في العديد من الميادين، ارتفاع عديد من الأمراض كانت قد تراجعت خلال الثمانينات، مثلا داء السل الذي ظهر بنسبة مهمة،
وعوامل متعددة تؤدي لذلك منها الفقر وسوء السكن، والأمية، كل هذا ينعكس سلبا على الحالة الصحية للسكان خصوصا الأمهات والأطفال، في ظل هذه الأوضاع المأساوية والكارثية كان ولا بد من التفكير في وسيلة لتسهيل الولوج إلى العلاج الذي أصبح مستحيلا على بعض فئات الشعب، هذا بإيجاز بداية التفكير في المشروع، كانت هناك مشاريع طرحتها الحكومات السابقة آخرها مشروع 6991 الذي صودق عليه في مجلس حكومي ووزاري، وما طرحته الحكومة الحالية لا يختلف عنه كثيرا. هل تم إشراككم كنقابة ومهنيين في إغناء هذا المشروع بالمقترحات؟ المشروع الحالي لم تكن مشاورة مع المتدخلين في قطاع الصحة سواء نقابات أو عاملين بالقطاع أو الجامعات، خاصة في السنتين الأخيرتين، معناه أنه تم الرجوع إلى ما نتجت عنه الاجتماعات السابقة، وكان يشارك فيها آنذاك كل من النقابات وشركات التأمين وممثلين عن صندوق الضمان الاجتماعي وممثلين عن منظمات الاحتياط الاجتماعي، كانت هناك اقتراحات لتعديل المشروع الحكومي ل 6991، كان من الأولى على حكومة التناوب مادام أن هذا العمل كان جاهزا أن تقدمه في بداية عهدها، وبالتالي تشرف على تنفيذ المشروع وتطبيقه على أرض الواقع.وكانت
لنا مقترحات سواء على مستوى منشورات أو بيانات أو على مستوى النشر عبر وسائل الإعلام، ولما كانت لي فرصة متابعة الموضوع منذ بداية التسعينات كانت هناك عدة مقترحات لإغناء جميع المشاريع التي تم تقديمها. في نظركم ما هي بعض نقط ضعف مشروع المدونة بعد المصادقة عليه بمجلس النواب؟ بعد دراسة لهذا المشروع يتبين أنه يتم تعميم التغطية على فئات ذات الدخل سواء كانوا موظفين أو عمال ، غير أن هناك فئات ذات دخل وتنتمي إلى قطاعات غير منظمة وأخرى كانت المناداة دائما بإدماجها في التغطيةلكن لازالت مقصية ،وإن كان المشروع يتحدث عن أنه سيأتي استقبالا قانون خاص يضمن تغطية للطلبة ولكن القانون الحالي لا ينص ولا يدقق فيها، كما أننا نجد نوعا من التمييز في الفئات، فالمشروع به قانونين، الأول مشروع قانون للتأمين الإجباري على الصحة والثاني مشروع المساعدة للفئات المحرومة، لكن هناك فئات لا تدخل ضمن المأجورين ولا موظفين مثل الفلاحين الذين يشتغلون في ضيعات صغيرة فهم ليسوا ملاكين حتى يلجؤوا إلى شركات التأمين والمشروع لم يتحدث عن هذه الفئة.وكيفما كان هذاالمشروع إلا وسوف يصطدم بواقع معروف، وأزمة قطاع الصحة ظاهرة ،لانعدام سياسة
صحية متكاملة وعدم وجود استراتيجية واضحة بالقطاع الصحي. ومشروع التغطية الصحية ما هو إلا جزء صغير داخل المنظومة الصحية التي تستدعي معالجة ومراجعة شاملة لوضع استراتيجية صحية واضحة تشتمل على مراحل قصيرة الأمد ومتوسطة الأمد وطويلة الأمد، فالمهم هو تطبيق المشروع على أرض الواقع حتى تتبين نقط ضعفه وقوته، و كان على الحكومة ما دامت تأخرت في طرح المشروع كان عليها أن تهيء الأرضية لهذا المشروع حتى يتم تطبيقه وتؤهل جميع المؤسسات التي تدخل في تطبيق المشروع منها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأنه سيؤطر المشروع ،وسيسهر على تقديم خدمات صحية، وسيشرف على تغطية المصاريف الصحية بالنسبة للمأجورين وكذلك الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، والتعاضديات التابعة له، ثم المؤسسات الصحية العمومية، هذه الأخيرة وكما يعرف الجميع أنها غير مؤهلة لتدبير خدمات تكون في المستوى، وغير مستعدة للإسهام في هذا المشروع، وبالتالي فالمؤسسات الصحية العمومية لا يمكن لها أن تكون منافسا لمؤسسات ومصحات وخدمات القطاع الخاص، وهذا يؤدي إلى ارتفاع أزمة المؤسسات الصحية العمومية ومادام هناك ممول وحرية اختيار بالنسبة للمريض
للمؤسسة والطبيب المعالج، فالمريض سوف يبحث عن أحسن مرفق صحي، أما التمويل فالموارد المالية ستتجه إلى المرافق التي ستقدم أحسن الخدمات، فمنذ سنوات كنا نتحدث عن المجانية فلا وجود لها ما دام المريض أصبح مضطرا لشراء كل شيء من إجراء تحاليل وفحوصات خارج المستشفى وأيضا شراء لوازم العملية الجراحية، هذا الوضع هو الذي يستمر. كان على الحكومة أن تهيء الجو المناسب لتطبيق هذا المشروع. هل تتوقعون رصد ميزانية كافية لتطبيق مدونة التغطية الصحية؟ يتحدث المشروع عن رصد الميزانية فيما يخص المساعدة الطبية للأشخاص المعوزين من طرف الدولة والجماعات المحلية، أما فيما يتعلق بالتأمين الإجباري علي الصحة فستكون هناك مساهمة المواطن سواء الموظف أو الأجير بنسبة 05% والمشغل سواء مؤسسة خاصة أو الدولة ب 05 % ، وهنا يظهر بأنه فيما يتعلق بالتغطية الصحية ستبقى مجرد حلم لأن الميزانية تخصص سنويا، ونتائج الميزانية المخصصة يعرفها الجميع. ما هو أالحديد الذي جاءت به المدونة؟ أهم شيء هو تمرير المشروع، ونقط القوة التي أتى بها المشروع ستظهر مع التطبيق، لأنه لا يمكن الحكم على قوانين مسطرة، لأنه كم من القوانين ذات مضمون راقي لكن لم تر
النور في أرض الواقع لأن المراسيم التطبيقية لم تصدر وإن صدرت فإنها لا تطبق، وسيكون إيجابيا إذا تم صدور هذه المراسيم، وإلا سيبقى حبرا على ورق. إلى ماذا ترجؤون تأخير مشروع مدونة التغطية الصحية إلى آخر الولاية؟ مرد التأخير واضح، جاء نتيجة حسابات سياسية وانتخابية وإذا رجعنا إلى الوراء، فمنذ سنتين قبل التغيير الحكومي، كان هناك صراع بين عبد الواحد الفاسي وزير الصحة ووزير التشغيل خالد عليوة أنذاك ، حول من سيشرف على المشروع وقد طلب تحكيم الوزير الأول، وكان تشكيل لجنة ومنذ ذلك الوقت تم إقبار المشروع، فهنا تتجلى الحسابات السياسية بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، أما الاحتفاظ بالمشروع حتى النهاية فيظهر أن هناك حسابات انتخابوية صرفة من وراء إخراج المشروع إلى حيز الوجود، ثم إن الكل يعرف على مستوى جميع الأجهزة المكلفة بالمشروع صعوبة تطبيق المشروع وأن الأرضية ليست مؤهلة وغير مستعدة لتطبيق المشروع من هذا النوع، وبالتالي الحكومة لم ترد أن تقوم بواجبها وتخرج المشروع وتشرف على تنفيذه خاصة أن هناك صعوبة في التنفيذ، والمهم هو أن يتم التغلب على هذه الصعوبات وتصحح تدريجيا خلال فترة التطبيق ويمكن مراجعة
بعض البنود والفصول التي لا تناسب الواقع، مع كامل الأسف هذا لم يقع فسيطر الهاجس الانتخابي والسياسي، وسنرى في الأيام المقبلة استغلالهذا المشروع، و ادعاء أن الحكومة جاءت بقانون خارق للعادة ومكسب للشعب، وإن قدر الله أن الأغبلية الحالية تكون في المعارضة سوف يستغلون كل نقط الضعف التي يعرفونها في المشروع لضرب الحكومة المقبلة، فالمشروع مهم وستكون صعوبة في تطبيقه والمسألة تتطلب نزاهة والترفع عن الذاتية والحسابات السياسية الضيقة، والتفكير في المصلحة العامة ومصلحة الشعب. كلمة أخيرة خلال تتبعي لجميع ما ينشر وما يذاع، فجميع ما يقال عن المشروع، يتبين أن هناك تهويلا واستغلالا لمشروع كان من المفروض أن يكون مشروعا اجتماعيا يمكن تجاوز جميع الحساسيات السياسية والتفكير في مصلحة المواطن، والعمل على إنجازه لمصلحة العامة ،فكان الخطاب في وسائل الإعلام لا يغني في إثراء المشروع أو تنفيذه، فليست هذه نظرة إحباط أو يأس، ولكن أؤكد مرة أخرى أنه ستكون صعوبة في تطبيقه فهذا يبين أنهم يجهلون مشاكل القطاع الصحي وما يتخبط فيه من مشاكل،ما تتطلبه مشروع من حجم مدونة التغطية الصحية، والمغرب مع كامل الأسف يبقى متخلفا عن كل
الدول العربية الجارية التي سبقت المغرب في تنفيذ التغطية الصحية منذ عشر سنوات ومرحلة التطبيق هي التي تبرهن العيوب، ومع كامل الأسف يبقى الضحية الأول والأخير هو المواطن البئيس الذي لا حول له ولا قوة. حاورته خديجة عليموسى
يعاني قطاع الصحة من عدة مشاكل كبيرة على عدة مستويات :منها تقادم التجهيزات الطبية بالمؤسسات العمومية وضعف تمويل الدولة لهذا القطاع مما يجعل المواطن يؤدي تكلفة العلاج، كما أن ارتفاع تكاليف العلاج يجعل الفقراء يعانون من أمراض قد تتسبب في وفاتهم، بسبب وضعيتهم المالية والاجتماعية المزرية، أو يلجؤون إلى مد أيديهم للغير لإنقاذ حياتهم، وفي آخر ولاية تشريعية لمجلس النواب تمت المصادقة على مشروع مدونة التغطية الصحية،هذا الأخير الذي يهم مجموعة من الأطراف منهم المهنيين ، التقت التجديد بالدكتور عبد القادر طرفاي: طبيب جراح بمستشفى سيدي لحسن بمدينة تمارة، وحاصل علي الإجازة في القانون ، مهتم بالقوانين الصحية، وهو كاتب عام وطني للجامعة الوطنية لقطاع الصحة التابعة للإتحاد الوطني للشغل بالمغرب، فكان معه الحوار التالي:
لاشك أن مشروع مدونة التغطية الصحية مشروع مهم لأنه يهم جميع المواطنين ، ما هي الدوافع التي أدت إلى التفكير فيه ؟
مشروع التغطية الصحية الذي قدمته الحكومة مؤخرا هو مشروع قديم جديد، لأن فكرة المشروع ابتدأت منذ حوالي عشرين سنة، خاصة في بداية التسعينات، وما ينبغي أن نذكر به هو أن الفكرة كانت بإيحاء من البنك الدولي نتيجة تفاقم الوضع الاجتماعي، الذي كان نتيجة تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بالدول المتخلفة والفقيرة منها المغرب، ولما تفاقم الوضع وكثر الفقر وتفاحشت الفوارق الاجتماعية، ووقع تدني في مستوى الخدمات الاجتماعية بخصوص قطاع الصحة، كان إملاء من البنك الدولي بوضع ما يسمى بشيكات أمنية les fillets de sucureté، الذي تضم نوعا من الاهتمام بالجانب الاجتماعي سواء في ميدان التعليم أو الصحة، لكسر الضغط على القواعد الشعبية، الذي قد يسبب بعض الانفجارات، وهكذا تم الحديث عن تعميم التغطية الصحية، فكان هناك خبراء من المنظمة العالمية للصحة، بتعاون مع وزارة الصحة، فتم القيام بدراسات ووضع مقترحات في نهاية 2991، فكل النقط المهمة الواردة في المشروع كانت من مقترحات الخبراء الدوليين بداية 3991، منها ما أطلق عليها الوكالة الوطنية للتغطية الصحية، وربما أن الحكومة تتباهى بأنها من الإبداعات التي أتت بها، في حين أن الفكرة
قديمة.والمعطيات لازالت كما هي تدني في مستوى الخدمات الصحية وتراجع في العديد من الميادين، ارتفاع عديد من الأمراض كانت قد تراجعت خلال الثمانينات، مثلا داء السل الذي ظهر بنسبة مهمة، وعوامل متعددة تؤدي لذلك منها الفقر وسوء السكن، والأمية، كل هذا ينعكس سلبا على الحالة الصحية للسكان خصوصا الأمهات والأطفال، في ظل هذه الأوضاع المأساوية والكارثية كان ولا بد من التفكير في وسيلة لتسهيل الولوج إلى العلاج الذي أصبح مستحيلا على بعض فئات الشعب، هذا بإيجاز بداية التفكير في المشروع، كانت هناك مشاريع طرحتها الحكومات السابقة آخرها مشروع 6991 الذي صودق عليه في مجلس حكومي ووزاري، وما طرحته الحكومة الحالية لا يختلف عنه كثيرا.
هل تم إشراككم كنقابة ومهنيين في إغناء هذا المشروع بالمقترحات؟
المشروع الحالي لم تكن مشاورة مع المتدخلين في قطاع الصحة سواء نقابات أو عاملين بالقطاع أو الجامعات، خاصة في السنتين الأخيرتين، معناه أنه تم الرجوع إلى ما نتجت عنه الاجتماعات السابقة، وكان يشارك فيها آنذاك كل من النقابات وشركات التأمين وممثلين عن صندوق الضمان الاجتماعي وممثلين عن منظمات الاحتياط الاجتماعي، كانت هناك اقتراحات لتعديل المشروع الحكومي ل 6991، كان من الأولى على حكومة التناوب مادام أن هذا العمل كان جاهزا أن تقدمه في بداية عهدها، وبالتالي تشرف على تنفيذ المشروع وتطبيقه على أرض الواقع.وكانت لنا مقترحات سواء على مستوى منشورات أو بيانات أو على مستوى النشر عبر وسائل الإعلام، ولما كانت لي فرصة متابعة الموضوع منذ بداية التسعينات كانت هناك عدة مقترحات لإغناء جميع المشاريع التي تم تقديمها.
في نظركم ما هي بعض نقط ضعف مشروع المدونة بعد المصادقة عليه بمجلس النواب؟
بعد دراسة لهذا المشروع يتبين أنه يتم تعميم التغطية على فئات ذات الدخل سواء كانوا موظفين أو عمال ، غير أن هناك فئات ذات دخل وتنتمي إلى قطاعات غير منظمة وأخرى كانت المناداة دائما بإدماجها في التغطيةلكن لازالت مقصية ،وإن كان المشروع يتحدث عن أنه سيأتي استقبالا قانون خاص يضمن تغطية للطلبة ولكن القانون الحالي لا ينص ولا يدقق فيها، كما أننا نجد نوعا من التمييز في الفئات، فالمشروع به قانونين، الأول مشروع قانون للتأمين الإجباري على الصحة والثاني مشروع المساعدة للفئات المحرومة، لكن هناك فئات لا تدخل ضمن المأجورين ولا موظفين مثل الفلاحين الذين يشتغلون في ضيعات صغيرة فهم ليسوا ملاكين حتى يلجؤوا إلى شركات التأمين والمشروع لم يتحدث عن هذه الفئة.وكيفما كان هذاالمشروع إلا وسوف يصطدم بواقع معروف، وأزمة قطاع الصحة ظاهرة ،لانعدام سياسة صحية متكاملة وعدم وجود استراتيجية واضحة بالقطاع الصحي. ومشروع التغطية الصحية ما هو إلا جزء صغير داخل المنظومة الصحية التي تستدعي معالجة ومراجعة شاملة لوضع استراتيجية صحية واضحة تشتمل على مراحل قصيرة الأمد ومتوسطة الأمد وطويلة الأمد، فالمهم هو تطبيق المشروع على أرض الواقع
حتى تتبين نقط ضعفه وقوته، و كان على الحكومة ما دامت تأخرت في طرح المشروع كان عليها أن تهيء الأرضية لهذا المشروع حتى يتم تطبيقه وتؤهل جميع المؤسسات التي تدخل في تطبيق المشروع منها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأنه سيؤطر المشروع ،وسيسهر على تقديم خدمات صحية، وسيشرف على تغطية المصاريف الصحية بالنسبة للمأجورين وكذلك الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، والتعاضديات التابعة له، ثم المؤسسات الصحية العمومية، هذه الأخيرة وكما يعرف الجميع أنها غير مؤهلة لتدبير خدمات تكون في المستوى، وغير مستعدة للإسهام في هذا المشروع، وبالتالي فالمؤسسات الصحية العمومية لا يمكن لها أن تكون منافسا لمؤسسات ومصحات وخدمات القطاع الخاص، وهذا يؤدي إلى ارتفاع أزمة المؤسسات الصحية العمومية ومادام هناك ممول وحرية اختيار بالنسبة للمريض للمؤسسة والطبيب المعالج، فالمريض سوف يبحث عن أحسن مرفق صحي، أما التمويل فالموارد المالية ستتجه إلى المرافق التي ستقدم أحسن الخدمات، فمنذ سنوات كنا نتحدث عن المجانية فلا وجود لها ما دام المريض أصبح مضطرا لشراء كل شيء من إجراء تحاليل وفحوصات خارج المستشفى وأيضا شراء لوازم
العملية الجراحية، هذا الوضع هو الذي يستمر. كان على الحكومة أن تهيء الجو المناسب لتطبيق هذا المشروع.
هل تتوقعون رصد ميزانية كافية لتطبيق مدونة التغطية الصحية؟
يتحدث المشروع عن رصد الميزانية فيما يخص المساعدة الطبية للأشخاص المعوزين من طرف الدولة والجماعات المحلية، أما فيما يتعلق بالتأمين الإجباري علي الصحة فستكون هناك مساهمة المواطن سواء الموظف أو الأجير بنسبة 05% والمشغل سواء مؤسسة خاصة أو الدولة ب 05 % ، وهنا يظهر بأنه فيما يتعلق بالتغطية الصحية ستبقى مجرد حلم لأن الميزانية تخصص سنويا، ونتائج الميزانية المخصصة يعرفها الجميع.
ما هو أالحديد الذي جاءت به المدونة؟
أهم شيء هو تمرير المشروع، ونقط القوة التي أتى بها المشروع ستظهر مع التطبيق، لأنه لا يمكن الحكم على قوانين مسطرة، لأنه كم من القوانين ذات مضمون راقي لكن لم تر النور في أرض الواقع لأن المراسيم التطبيقية لم تصدر وإن صدرت فإنها لا تطبق، وسيكون إيجابيا إذا تم صدور هذه المراسيم، وإلا سيبقى حبرا على ورق.
إلى ماذا ترجؤون تأخير مشروع مدونة التغطية الصحية إلى آخر الولاية؟
مرد التأخير واضح، جاء نتيجة حسابات سياسية وانتخابية وإذا رجعنا إلى الوراء، فمنذ سنتين قبل التغيير الحكومي، كان هناك صراع بين عبد الواحد الفاسي وزير الصحة ووزير التشغيل خالد عليوة أنذاك ، حول من سيشرف على المشروع وقد طلب تحكيم الوزير الأول، وكان تشكيل لجنة ومنذ ذلك الوقت تم إقبار المشروع، فهنا تتجلى الحسابات السياسية بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، أما الاحتفاظ بالمشروع حتى النهاية فيظهر أن هناك حسابات انتخابوية صرفة من وراء إخراج المشروع إلى حيز الوجود، ثم إن الكل يعرف على مستوى جميع الأجهزة المكلفة بالمشروع صعوبة تطبيق المشروع وأن الأرضية ليست مؤهلة وغير مستعدة لتطبيق المشروع من هذا النوع، وبالتالي الحكومة لم ترد أن تقوم بواجبها وتخرج المشروع وتشرف على تنفيذه خاصة أن هناك صعوبة في التنفيذ، والمهم هو أن يتم التغلب على هذه الصعوبات وتصحح تدريجيا خلال فترة التطبيق ويمكن مراجعة بعض البنود والفصول التي لا تناسب الواقع، مع كامل الأسف هذا لم يقع فسيطر الهاجس الانتخابي والسياسي، وسنرى في الأيام المقبلة استغلالهذا المشروع، و ادعاء أن الحكومة جاءت بقانون خارق للعادة ومكسب للشعب، وإن قدر
الله أن الأغبلية الحالية تكون في المعارضة سوف يستغلون كل نقط الضعف التي يعرفونها في المشروع لضرب الحكومة المقبلة، فالمشروع مهم وستكون صعوبة في تطبيقه والمسألة تتطلب نزاهة والترفع عن الذاتية والحسابات السياسية الضيقة، والتفكير في المصلحة العامة ومصلحة الشعب.
كلمة أخيرة
خلال تتبعي لجميع ما ينشر وما يذاع، فجميع ما يقال عن المشروع، يتبين أن هناك تهويلا واستغلالا لمشروع كان من المفروض أن يكون مشروعا اجتماعيا يمكن تجاوز جميع الحساسيات السياسية والتفكير في مصلحة المواطن، والعمل على إنجازه لمصلحة العامة ،فكان الخطاب في وسائل الإعلام لا يغني في إثراء المشروع أو تنفيذه، فليست هذه نظرة إحباط أو يأس، ولكن أؤكد مرة أخرى أنه ستكون صعوبة في تطبيقه فهذا يبين أنهم يجهلون مشاكل القطاع الصحي وما يتخبط فيه من مشاكل،ما تتطلبه مشروع من حجم مدونة التغطية الصحية، والمغرب مع كامل الأسف يبقى متخلفا عن كل الدول العربية الجارية التي سبقت المغرب في تنفيذ التغطية الصحية منذ عشر سنوات ومرحلة التطبيق هي التي تبرهن العيوب، ومع كامل الأسف يبقى الضحية الأول والأخير هو المواطن البئيس الذي لا حول له ولا قوة.
حاورته خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.