مرت ما يزيد عن سنة ونصف على دخول قانون التغطية الصحية الإجبارية حيز التطبيق والتي سبقتها الاقتطاعات من أجور الموظفين دون سابق إنذار، ومع ذلك لا زال القطاع الصحي يعاني من أمراضه ويعجز عن الوفاء بحاجيات عشرات الآلاف من الأسر التي لا تزال عاجزة عن الولوج إلى العلاج. لقد كان المأمول من نظام التغطية الصحية الإجبارية مواجهة أمراض القطاع وتسهيل عملية ولوج المرضى إلى النظام الصحي بكل سلامة ويسر، لكن يبدو أن الصحة بالمغرب أصبحت امتيازا لا ينفذ إليه إلا المحظوظون أي بعض الموظفين والعاملين في القطاع الخاص (CNOPS et CNSS )، فيما يتطلب علاج باقي أفراد الشعب التحلي بصبر نبي الله أيوب، خاصة في ظل القرارات التي ما فتئت تمطرق المواطن كل يوم. فبعد الإجهاز على وثيقة كانت عشرات الآلاف من الأسر تلجأ إليها للتطبيب ونعني بها «شهادة الضعف» أصبحت هذه الشهادة مجرد حبر على ورق ولا حجية قانونية لها، رغم أنها صادرة عن أحد أقوى القطاعات الحكومية بالمغرب ممثلة في وزارة الداخلية والتي لا يمكنها أن تصدرها إلا بعد أن تتأكد من مدى العسر الذي يعيشه طالبها، ولكنها سرعان ما تغدو مجرد ورقة أمام المستشفيات العمومية بسبب رفضها من طرف لا أقول وزارة الصحة وإنما المستشفيات الإقليمية والجهوية وحتى الجامعية وعدم اعتمادها كإحدى أدوات الاستفادة من العلاج، إذن هناك عدم التنسيق بين وزارتي الصحة من جهة والداخلية من جهة أخرى مما حرم مئات الآلاف من المرضى الاستفادة من هذه الوثيقة وبالتالي أضحوا مجبرين على الخضوع لقانون «الأداء قبل العلاج» الذي تطبقه المستشفيات، خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الحالات الطارئة أو التي تتطلب تدخلا طبيا استعجاليا، حيث يكفي النزول إلى مصالح المستعجلات للاستماع لعشرات الحكايات التي تدمي القلب والتي لا يتم إيلاء أي أهمية لها بسبب هذا القرار التعسفي في حقهم الذي تم تطبيقه تدريجيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، علما أن الهيئة الطبية العاملة بالمستشفيات العمومية لا يمكنها خرق هذا القرار حتى وإن كانت الحالة المعروضة أمامها خطرة حتى لا تتعرض للمساءلة من طرف الإدارة بدعوى خرق القوانين، رغم أن هذه الممارسة تتنافى كليا مع قسم أبقراط الذي يقسم به كل الأطباء يوم تخرجهم والذي يدعو إلى تقديم العلاج لكل طالب له بغض النظر عن جنسه أو مستواه الاجتماعي. أمام هذه الكارثة التي حلت بقطاعنا الصحي، وفي غياب بدائل تسهل ولوج المواطن الفقير إلى العلاج يبرز السؤال الكبير حول دور الأحزاب، حكومية كانت أو معارضة، وهل عجزت قياداتها عن إنتاج أفكار ومقترحات بإمكانها دمقرطة الولوج إلى العلاج، خاصة وأن هذه الأحزاب رفعت جميعها بدون استثناء بمناسبة الحملة الانتخابية ليوم 7 شتنبر2007 الماضي شعار «الصحة للجميع» قبل أن تولي ظهرها لهذا الموضوع تاركة وزارة الصحة وكأنها المسؤولة الوحيدة تسن قوانينها الخاصة التي تجعل المواطن يضع يديه على قلبه كلما فكر في التوجه إلى المستشفى للعلاج بسبب الأسعار التي تفرض عليه في غياب نظام المساعدة الطبية (RAMED) والذي يعتبر الأمل الوحيد للمعوزين والفقراء. فرؤية طبيب عام مثلا في المستعجلات تتطلب في حدها الأدنى 60 درهما، أما الطبيب المتخصص فإن تسعيرته ترتفع لتبلغ 100 درهم مقابل الفحص، وغالبا ما لا يؤدي ذلك إلى نتيجة، حيث يطلب من المريض إجراء فحوصات أو أشعة قد لا يكفي ما يحمله معه من نقود لإجرائها ليجبر على العودة وهو يجر ذيول الخيبة مستعينا بإيمانه من أجل أن يعجل الله له بالشفاء. إن الوضع الصحي ببلادنا، ورغم تطبيق قانون 65/00 المتعلق بمدونة التغطية الصحية الإجبارية، لم ينجح في تجاوز معيقاته، بل وحتى المستفيدون من هذه التغطية البالغ عددهم أقل من 8 ملايين يعانون أمام أبواب المستشفيات، فرغم أن الاقتطاعات من أجورهم الهزيلة لفائدة هذه التغطية ابتدأت شهورا قبل تفعيل هذه التغطية، إلا أن الكثير منهم لا زالوا لا يعرفون كيفية الاستفادة منها بسبب غياب حملة وطنية كان من المفروض القيام بها منذ سنة 2000 للتعريف بها والعلاجات وكيفية الأداء، بل إن هناك منهم من لا يعرف بوجودها رغم الاقتطاعات المتكررة من أجورهم، مما يقتضي معه دق ناقوس الخطر من أجل إيقاظ الجهات المكلفة بالصحة من سباتها حتى تهتم قليلا بالمواطن المغربي وعدم اعتباره مواطنا من الدرجة الثانية، لكن وللأسف فإن الاعتمادات المالية المخصصة للاستثمار أي مليار واحد وأقل من 300 مليون درهم والتي ترصد سنويا لهذا القطاع غير كفيلة بترشيدها وتدبيرها لتضمن الصحة للجميع. ففي رأيي المتواضع يجب تخصيص ميزانية إضافية لا تقل عن 3 ملايير درهم لقطاع الصحة لأن المغرب يتوفر على بنيات صحية في حاجة إلى إعادة التأهيل، كما يتوفر على موارد بشرية وطاقات طبية مهملة بسبب قلة مناصب الشغل، وهو ما يجعل المغرب من بين البلدان التي يرتفع فيها معدل عدد السكان مقابل طبيب واحد ليبلغ أزيد من 3000 نسمة، رغم أن المعايير العالمية توصي بأن لا يتجاوز العدد 1000 أو 1500 مقابل كل طبيب ناهيك عن وجود مراكز صحية لا تتوفر على أي طبيب وتناط مهام تسييرها بالممرضين في الوقت الذي بشرتنا فيه وزارة المالية أن المغادرة الطوعية لم يكن لها تأثير على الصحة. لقد حان الوقت لكي يتم إيلاء نوع من الاهتمام للقطاع الطبي ببلدنا حتى نكون مؤهلين لندخل نادي الدول التي تهتم بصحة سكانها، خاصة وأن الساكنة المغربية من أنشط الساكنات بالعالم، فلا تتركوا تدني الخدمات الصحية يعصف بها ويجعلها فريسة سهلة لكل الأمراض وتردد إلى متى وإلى أين يسير قطاعنا الصحي بالمغرب؟ فهل ستكون للأحزاب الجرأة كي تتكلم عن صحة المواطن في برامجها الانتخابية مستقبلا ؟