في نظركم ما هي الرؤية التي تؤطر موقف حركة التوحيد والإصلاح في التعامل مع التشيع؟ إن رؤيتنا بشكل عام للتشيع مستمدة من انتمائنا لأهل السنة والجماعة باعتبارهم أصل الأمة الإسلامية فهم ليسوا فرقة بل هم الأمة. أما الخوارج والشيعة وغيرهم فهي فرق منشقة عن الأصل. ورؤية أهل السنة والجماعة مستمدة من الوحي أي القرآن والسنة النبوية. فرؤيتنا ألا عصمة إلا لنبي في باب الوحي وتبليغه بالخصوص. أما ادعاء فرق الشيعة بعصمة أئمتهم من الذنب والخطأ ومعرفتهم للعلم الغيبي فهو بدع منكرة. ورؤية أهل السنة والجماعة للصحابة أنهم عدول، و أنهم أفضل الناس بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والطعن فيهم بل ولعنهم كما يجري عند أهل الشيعة فمنكر عظيم. فعلى أبواب ضريح أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإيران اليوم كتب ( لعنة الله على الجبت و الطاغوت). والجبت عندهم هو أبو بكر رضي الله عنه والطاغوت هو عمر رضي الله عنه. إنه الطعن في أشرف الصحابة وأعلاهم مرتبة عند رسول الله وعند كافة المسلمين. ففي دستور الجمهورية الإيرانية الشيعية الإثنى عشرية اليوم أن مصدر التشريع هو الكتاب و سنة الأئمة المعصومين و لا حديث عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وبالمناسبة فسنة الرسول وأحاديثه المروية على لسان أهل السنة و الجماعة كالبخاري ومسلم مرفوضة كمصدر للتشريع عند الشيعة. أنا أكرر هنا فتوى إمام الوقت الشيخ يوسف القرضاوي بأن الشيعة فرقة مبتدعة ، لكنهم مع ذلك هم أهل قبلة لا يجوز تكفيرهم، وفرع من الأمة الإسلامية، لكنهم أهل بدع مرفوضة بميزان الشرع الإسلامي والعقل البشري معاً. سبق للحركة أن أصدرت فيه بلاغا تؤيد فيه الدكتور يوسف القرضاوي في موقفه ضد التشيع وتناصره ضد الحملة التي شنتها عليه بعض وسائل الإعلام الإيرانية، كيف تفسرون هذا الموقف؟ أولاً لأن أسلوب الرد من بعض علماء الشيعة وإعلامهم لم يكن مؤدباً مع عالم جليل من علماء الأمة الإسلامية، بل هو كبير علماء الأمة اليوم بلا منازع. ثانياً لأن ما قاله عالمنا الجليل الشيخ القرضاوي هو تعبير صادق و أمين على خطر يتهدد الأمن العقدي والاجتماعي للمجتمعات السنية الخالصة كمنطقة شمال أفريقيا والسودان ومصر وغيرها من المجتمعات الإسلامية السنية المحض. إنه خطر التمدد الشيعي في وسط هذه المجتمعات. وحركة التوحيد الإصلاح يهمها بقاء هذه المجتمعات ومنها المغرب على دين واحد وهو الإسلام. لذلك، نحن مناهضون لحملات التنصير ببلاد المسلمين . ويهمها وبقاء المغاربة بل الغرب الإسلامي كله على مذهب إسلامي واحد وهو المذهب السني عموما والمذهب المالكي بصريح العبارة خصوصاً.فالأمن العقدي و المذهبي والاجتماعي للأجيال المقبلة أمانة في عنقنا نحن أبناء الصحوة الإسلامية في بداية القرن 21 ، فنحن لا نريد أن نتصور مجازر طائفية بين السنة والشيعة في بلادنا كما حدث ضد السنة مع قيام الدولة الفاطمية الشيعية في العصر الوسيط. أو كما حدث و يحدث اليوم من مجازر طائفية في العراق بسبب تبين المذاهب، لقد قطعت مئات آلاف الرؤوس من العراقيين. لا أريد أن أتصور فتنة كمثل هاته ترتكب فيها نفس المجازر بلاد الغرب الإسلامي بالرباط والجزائر وتونس وغيرها. فدرء الفتنة اليوم هو الوقوف الجاد و الحازم ضد تشيع شباب السنة في بلادنا. أما السكوت على هذا الخطر المحتمل فهو السماح بها إن لم يكن الفتنة عينها. فالشيخ القرضاوي كان نذير قومه و أمته، يريد تفادي الحريق الطائفي في المستقبل في المجتمعات السنية الخالصة. و منها المغرب الذي ينعم بوحدة الدين و المذهب. فهذا رصيد هام من الأمن تركه لنا أجدادنا بتضحيات جسام في عصر الدولة الفاطمية الشيعية. علينا حمايته وصيانته. فتلك مسؤولية الجميع بما فيها حركة التوحيد والإصلاح. من هنا نفهم تأييد و نصرة الحركة للشيخ القرضاوي. كيف توفقون في رؤيتكم بين رفض التشيع المذهبي وبين الدعم السياسي لإيران ضد التهديدات الأمريكية؟ وكيف تفسرون الاختلاف في تقييم الدور الإيراني في كل من فلسطين والعراق؟ لكن الحركة أيضا تميز بين رفضها لتشييع السنة على المستوى العقدي ، ومناصرة أهل الشيعة في مواجهتهم للعدوان الغربي على أوطانهم كما حدث مع حزب الله في جنوب لبنان على المستوى السياسي. فدفاعنا و مناصرتنا لحزب الله لأنه فصيل مجاهد ضد عدونا الأول في المنطقة وهو إسرائيل وحلفائها من الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية. فمساندتنا السياسية له لا تقل أهمية عن مساندة المقاومة السنية في العراق و أفغانستان والصومال. وإن كنا نطمح أن تكون مساندته لهذه المقاومة السنية بنفس مقدار دعم أهل السنة وعلمائها له. لكننا في نفس الوقت نتخذ الحذر من تحول النصرة السياسية له أو لإيران في دفاعها عن مصالحها القومية إلى تسرب لبدع الشيعة وعقائدها لشبابنا السني المسلم .. أما على الموقف المزدوج في سياسة إيران اتجاه فلسطين بالتأييد لقضيتها والعداء للمقاومة و الجهاد السني في العراق فهذا أمر يمكن تفسيره بالحضور القوي المصالح القومية لإيران في سياستها الخارجية بالدرجة الأولى وليس مصالح الأمة الإسلامية.وهو أمر مؤسف حقاً. حركة التوحيد والإصلاح وإشكالية التشيع من الطبيعي أن يلاحظ المتتبع لموقف حركة التوحيد والإصلاح من إيران والتشيع تطورا كبيرا، ولعل ما يفسر هذا التطور هو المبدأ الذي وضعته كإطار موجه لموقفها، فلم تضع نفسها ضد إيران وتوجهها الشيعي وفي نفس الوقت لم تقدم شيكا على بياض لهذه التجربة التي جعلت الإسلام مرجعيتها والمنهاج المؤطر لنظمها، ولذلك فقد تابعت بعض المواقف وتعلق عليها دون أن تكون رؤية متكاملة في الموضوع، فكانت انتقاداتها ومآخذها على الخمينية كمنهج ومسلك في تدبير الثورة الإيرانية، لكنها بعد ذلك ستغير من موقفها مع صعود مرشد الجهورية علي خامنئي، وستنشر خطابه الذي دعا فيه إلى الوحدة الإسلامية وتجنب أسباب الفتنة الطائفية بين المسلمين، وستعمد بعد ذلك إلى تبني ما تخرج به مجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية ملتزمة في ذلك الاتفاقات التي تصدر عن هذه المؤتمرات، وسيكون لها نفس موقف علماء السنة الذين اختاروا الصبر على مجموعة من الإخلالات التي كانت ترتكب من الجانب الشيعي حفاظا على وحدة الأمة، لكنها، وبعد خروج الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخطابه الصريح إلى القادة الإيرانيين بعدم التزامهم بالمبادئ التي سطرتها مجامع التقريب وخاصة منها ما يتعلق بنشر التشيع في بلاد السنة، والتعريض بالصحابة وأمهات المؤمنين والسكوت عن جرائم التطهير المذهبي والطائفي التي قامت بها بعض الميليشيات الشيعية المتطرفة في حق أهل السنة وعلمائهم، وبعد تعرضه لحملة مسعورة من قبل بعض الجهات المتطرفة في إيران وعلى رأسها وكالة مهر الإعلامية، أصدرت الحركة بلاغا تستهجن فيه الحملة التي تقف وراءها هيئات إعلامية ومرجعيات شيعية تستهدف النيل من الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعبرت عن رفضها لإصرار عدد من المؤسسات الشيعية على اختراق المجتمعات السنية الذي من شأنه إثارة الفتنة المذهبية بين المسلمين. وحتى توضح الحركة موقفها الصريح من قضية للتشيع، أصدرت بلاغا أعربت فيه عن انشغالها بموضوع التشيع الذي بدأت بعض حالاته تطفو على سطح المجتمع المغربي، لكنها أكدت أن المقاربة الصحيحة في معالجة هذه الظاهرة تحتاج أن تكون بنائية إيجابية تستحضر مرتكز وحدة الأمة والحاجة إلى التحصين الثقافي والتناول العلمي الهادئ للظاهرة بما يضمن مكتسبات الأمن الديني و الوحدة المذهبية. ملخص الموقف، أنه من الصعب مقاربة الظاهرة دون استحضار وحدة الأمة وتحصينها من الفتنة الطائفية، ومن الصعب أيضا القفز على معطى الوحدة المذهبية التي ضمنت الأمن الديني للبلاد وجنبه الفتنة الطائفية. وبين هذين الحدين، لا يكون إلا التناول العلمي الهادئ للظاهرة وفهم أسبابها ومحدداتها، وتحديد إستراتيجية للتدخل من أجل محاصرتها وقطع أسبابها، وتلك هي الرؤية البنائية التي تراهن عليها الحركة وتعطي به إشارة إلى أن كل تعامل سياسي مع الظاهرة لن يكون له نفس المفعول كالذي يمكن أن تقوم به المقاربة البنائية.