أولا:التحديد المجمل للخلفيات العقدية والمنهجية الشيعية "" مبدئيا يمكن القول وعن قناعة شخصية بأن التشيع هو الوباء العضال في هذه الأمة ووبالها المدمر،وهذا ليس تعصبا أو حكما طائفيا وجزافيا ومسبقا من غير ضوابط وأخلاق وإنما هو مبني على دراسات وملاحظات علمية منها ذات المرجعية التاريخية الموثقة ومنها ذات البناء العقدي والتشريعي المتكامل. غير أنني في هذا العرض الموجز والمستعجل قد لا أريد أن أطرح المذهب الشيعي على محك النقد من ألفه إلى يائه وذلك لأنه مذهب غير قار ويتضمن مزيجا من العقائد والأفكار التي قد تجمع بين الصحيح والفاسد على مائدة واحدة فتؤلف بين المتناقضات وتذلل الطريق أمام الشذوذات ،حتى لقد قال بعض الأوائل من هذه الأمة عن معتنقيه "لم أر أحمق من الشيعة"كما نقله ابن حزم في كتابه "الفصل في الأهواء والنحل" وكما أورده بتفصيل ابن تيمية في كتابه"منهاج السنة النبوية"عن أحد كبار التابعين يقول عنه :"من أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة ،وقد ثبت عن الشعبي أنه قال:"ما رأيت أحمق من الخشبية ،لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا،والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي لأعطوني ،والله ما أكذب عليه أبدا"[1] . والشعبي هذا هو الذي كان قد قارن بين اليهود والنصارى والشيعة وانتهى بنتيجة خطيرة ومثيرة وهي:"فضلتهم اليهود والنصارى بخصلة،قيل لليهود من خير أهل ملتكم ؟قالوا :أصحاب موسى.وقيل للنصارى :من خير أهل ملتكم ؟قالوا :حواري عيسى،وقيل للرافضة :من شر أهل ملتكم ؟قالوا:حواري محمد،يعنون بذلك طلحة والزبير.أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم"[2] . ويعلق ابن تيمية على الموقف الشاذ والمتنافي مع مقتضيات العقيدة والأخلاق نحو الصحابة رضوان الله عليهم:"وذلك أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقا وعلما وعملا وتبليغا،فالطعن فيهم طعن في الدين موجب للإعراض عما بعث الله به النبيين،وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع ،فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة،فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى فقبل معه الضلالة،وهذا أصل كل باطل"[3] . ومن هنا فلا غرابة إذا رأينا أفراخ الشيعة في عصرنا يتطاولون على صحيح البخاري ومسلم ويطعنون في الأحاديث المروية عن طريق الصحابة رضي الله عنهم كتمهيد لإلغاء الأصل الثاني من الدين والتشريع والمبين العملي لمقاصد النصوص القرآنية وإشاراتها. وفي معرض المقارنة بين الشيعة والخوارج يرى ابن تيمية أيضا بأن هؤلاء الأخيرين أسلم عقيدة ومبدأ ومواقف من خلفيات الشيعة الروافض الذين أصل بدعتهم:"عن زندقة وإلحاد،وتعمد الكذب كثير فيهم وهم يقرون به حيث يقولون:"ديننا التقية ،وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه،وهذا هو الكذب والنفاق،ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق نفسهم في ذلك كما قيل:رمتني بدائها وانسلت،إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم ،واعتبر في ذلك بالغالية من النصيرية وغيرهم وبالملاحدة الإسماعيلية وأمثالهم"[4] . في حين قد يجمل ويلخص لنا التوجه العقدي والنظري والعملي للشيعة بطريقة ذكية ومتكاملة فيقول:"والقوم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات ،يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب أو الغلط والجهل بما ينقل وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية وتارة يتبعون المجسمة والجبرية وهم من أجهل هذه الطوائف بالنظريات ،ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين"[5] . فاستشهادي المكثف هذا بأقوال ابن تيمية لم يكن تقليدا أو تفاعلا عشوائيا ولكن له بواعث موضوعية ومن باب نسبة العلم إلى أهله وضبط المناقشة بالأدلة والحجج الموثقة . فهو كان قد ألف كتابه المشهور :"منهاج السنة النبوية "كعنوان ذي دلالات لفظية للدفاع عن مذهب أهل السنة بمفهومه العام وليس بالتحديد الأشعري الكلامي المحض وذلك في مواجهة الشيعة وخاصة الرافضة وهم الأغلبية منهم. هذا الكتاب قد سلك فيه منهجا موضوعيا نسبيا وامتلك فيه نفسا طويلا للمتابعة والتدقيق،جملة جملة وبابا بابا،وذلك من خلال مناقشته لكتاب أحد أبرز علماء الشيعة في عصره ومن أكثرهم اعتدالا وحجة كما يزعمون وهو "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" لابن مطهر الحلى. بحيث كما قد يعلم عن ابن تيمية من أنه جد متحري في النقل بل هو قد يعد من رواة الحديث والمدافعين عن أهله وخاصة الإمام أحمد بن حنبل.ومن ثم فله الإجازة مبدئيا في الأمانة العلمية ونقل النصوص كما هي من غير تحريف أو إسقاط،وهذا ما قد يعترف له به رغم خلافه الفكري معه أحد كتاب الفكر الإسلامي المحدثين وهو المرحوم الدكتور علي سامي النشار في كتابه :"نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام "،كما قد عقب له في إثبات هذه الميزة لابن تيمية الدكتور محمد رشاد سالم كأهم محقق لكتبه بقوله في مقدمة "منهاج السنة":"واستغنيت في هذه الطبعة عن طبع كتاب "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة لابن المطهر الحلى مع مقدمة الكتاب ،واكتفيت بمقابلة ما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية من نصوص الكتاب على أصله ،أعني على "منهاج الكرامة"... من هنا فقد أنصح كل قارئ أو مريد معرفة حقيقة التشيع بأن يقرأ كتاب "منهاج السنة" لابن تيمية وذلك لأنه قد يوفر له العناء عن البحث فيما لا طائل تحته من كثرة المراجع والأقوال المتشابهة والمتضاربة حول المبادئ الرئيسية عند الشيعة في كل زمان .كما أنه قد يفوز بهذا الاطلاع على كتابين ويسقط عصفورين في آن واحد ويضع مذهبين متعارضين على مجهر واحد وهما :أولا مذهب أهل السنة وموقفهم العقدي والسلوكي والسياسي والفقهي والاجتماعي الشامل ،وبجانبه مذهب الشيعة على اختلاف طوائفهم وزئبقياتهم ومرجعياتهم وإسقاطاتهم في المجالات المذكورة . وأقول زئبقياتهم لأن التشيع كمذهب يبدو غير مضبوط ولا مربوط، لا بالقواعد ولا بالسند التاريخي المتسلسل، وإنما هو عبارة عن مزيج من العقائد المتناقضة والتي قد تعمل ضدا على النصوص والمضمون الإسلامي الصحيح والمصلحة العامة كما هو عليه الجمهور من العلماء. كما أنصح القارئ بالاطلاع على سلسلة أحمد أمين الرائعة وخاصة "ضحى الإسلام" في جزئه الثالث ،حيث أنه قد أجاد وأفاد في وصف موضوعي لآراء الشيعة وسلوكياتهم على اختلاف طوائفهم والذين قد كادوا يقتلونه بسببها لما زار العراق لولا فراره كما يحكي في كتابه"حياتي". إن أهم ما في الكتاب إضافة إلى تحليلاته وتعليقاته العلمية والنظرية الجادة هو نقله الحرفي على نموذج ابن تيمية لنصوص من كتاب "الكافي"للكليني (توفي ببغداد سنة 338ه)والذي قد يعدمن أفاضل الشيعة ورؤسائهم وهو عندهم كالبخاري عند أهل السنة ،وكتابه في ثلاثة أجزاء :الأول في الأصول والثاني والثالث في الفروع. هذا الكتاب قد يسلك نفس المنهاج ويرسم نفس الخط الذي سطره ابن طاهر المحلى في كتابه"منهاج الكرامة لإثبات الإمامة".بحيث سيرى القارئ مباشرة ومن غير وسائط تأويلية أو إسقاطية ما هو مستوى الأوهام أو التوهيم الذي يعتمده علماء الشيعة وساستها في باب الإمامة لتذليل رقاب الجماهير وجرهم إلى حتفهم بظلفهم تحت غطاء حب آل البيت كما يزعمون. يقول أحمد أمين كنموذج واستنتاج في الموضوع :"هذه خلاصة نظر الشيعة إلى الإمام مستمدة من أوثق كتبهم ومعتمدة على ما روي من أقوال الأئمة أنفسهم مجردة من الشروح والحواشي...وظاهر أن عقيدة الشيعة على هذا المنوال تشل العقل وتميت الفكر وتعطي للخليفة أو الإمام سلطة لا حد لها ،فيعمل ما يشاء ،وليس لأحد أن يعترض عليه ،ولا لثائر أن يثور في وجهه ويدعي الظلم،لأن العدل هو ما فعله الإمام ،وهي أبعد ما تكون عن الديموقراطية الصحيحة للتي تجعل الحكم للشعب في مصلحة الشعب،وتزن التصرفات بميزان العقل ولا تجعل الخليفة أو الإمام إلا خادما للشعب ،فيوم لا يخدمهم لا يستحق البقاء في الحكم. حكم الإمام في نظر الشيعة حكم ديني معصوم ،وفي هذا إفناء لعقليتهم وتسليم مطلق لتصرفات أئمتهم .وأين هذا من النظر المستند إلى الطبيعة،وهو أن الله لم يخلق فرعا أو أسرة من الناس تمتاز كلها –متسلسلة- بامتياز لا حد له ،وفوق مستوى كل الناس في العقل والدين والحكم والتصرف،إذ المشاهد أن كل أسرة فيها الطالح والصالح والذكي والغبي ،وكلنا لآدم وفينا أصلح الناس وأفسد الناس ..."[6] . ثم يضيف قائلا بجرأة متخلقة وموضوعية عادلة:"وقد كان عمر يخطئ وأبو بكر يخطئ وعلي يخطئ،ولو كان لعلي كل هذا الذي يدعونه من عصمة أو علم ببواطن الأمور وخفاياها ونتائجها لتغير وجه التاريخ،ولما قبل التحكيم ،ولدبر الحروب خيرا مما دبر.فإن ادعوا أنه علم وسكت وتصرف وفق القدر فهو خاضع للظروف خضوع الناس ،تتصرف فيه حوادث الزمان كما تتصرف في الناس ،خاضع للحكم عليه بالخطأ والصواب خضوع الناس،والنبي نفسه يقول:"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء"الآية. - الحق أن هذه أوهام جرت على الناس البلاء وجعلتهم يذلون ويخضعون خضوعا مطلقا للظلم والفساد ويرضون به ،ولا يرفعون أصواتهم بالنقد ولا يقومون بأضعف الإيمان وهو الاستنكار بالقلب!"[7] . - إن شئت فاستعرض ديوان ابن هانئ الأندلسي المغربي الشيعي تر العجب العجاب ،فاستمع مثلا لما يقوله في مدح المعز لدين الله الفاطمي: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار أنت الذي كانت تبشرنا به في كتبها الأحبار والأخبار هذا إمام المتقين ومن به قد دزخ الطغيان والكفار هذا الذي ترجى النجاة بحبه وبه يحط الإصر والأوزار هذا الذي تجدي شفاعته غدا حقا وتخمد أن تراه النار من آل أحمد كل فخر لم يكن ينمى إليهم ليس فيه فخار كالبدر تحت غمامة من قسطل صحيان لا يخفيه محنك سرار[8] يقول علي سامي النشار :"ومن العجب أن يبدأ التشيع بعقيدة مؤداها أن علي بن أبي طالب هو الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنص الجلي أو الخفي ،وأن الإمامة لا تخرج عنه وعن أولاده ،وإن خرجت فبظلم أو تقية منه ومن أولاده – عجبا أن تبدأ هكذا ثم تنتهي إلى مذاهب فلسفية وسياسية معقدة تمام التعقيد ،مركبة من مختلف المذاهب،أو بمعنى آخر إن عقيدة في حب آل البيت – تتطور خلال التاريخ وتبعا لحوادث السياسة إلى مذهب فلسفي يبطن الاعتزال أحيانا والغنوص أحيانا ويتستر خلفها مجموعات من أشد أعداء محمد صلى الله عليه وسلم ضراوة ،ويحاولون بكل الوسائل القضاء على رسالته وعلى العقيدة التي حارب ابن عمه علي لأجلها بكل قواه"[9] . هذا عرض مختصر جدا للمناخ الذي يسود الوسط الشيعي برمته كما أنه قد يختزل مسألة الإمامة والخلافة أو الموقف السياسي في أربعة تعاليم رئيسية وهي:العصمة والمهدية والتقية والرجعة. في حين قد يتميزون اجتماعيا وأسريا بمسألة مركز عليها لديهم ومرفوضة أشد الرفض عند أهل السنة وهي :زواج المتعة المنسوخ حكمه،ناهيك عن تحديد المرجعيات الرئيسية للأحاديث النبوية واعتبار الصحيح منها وغير الصحيح ،وهذا هو مربط الخيل في مجمل الخلاف والتناقض والزئبقية والتحدي عند الشيعة... من هنا فقد يمكن لنا وضع النقط على الحروف موضوعيا ودراسة الأجواء والمناخات المؤهلة لتفريخ التوجه الشيعي في المغرب أو لنقل البلدان العربية عموما وخاصة تلك التي تدعي أن مذهبيتها الرسمية هي السنية ثانيا: أجواء تسييس أهل السنة والبدائل الشيعة أ- البديل السياسي وسباق العواطف من الأخطاء التي وقع ويقع فيها كثير من الحكام العرب هو العمل على توظيف أو استغلال مذهب أهل السنة في تكريس توجهات أيديولوجية وسياسات سلطوية لتدجين الشعوب وترويضها على الطاعة والامتثال تحت غطاء ديني ومن منطلق مذهبي سني قد يلزم بطاعة الأمير والخضوع لسلطته كمراعاة للمصلحة العامة ودرء للفتنة. فالمبدأ جميل ومعقول لاستتباب الأمن والسلام في المجتمعات وبين الدول ،ولكن قد كان لا بد له من مقابل ألا وهو العدل واحترام الحقوق وأداء الواجبات وخاصة فيما يتعلق بالرعية لأنها هي المقصد بالحكم والتسييس،ومن ثم فإذا ألغي العدل وافتقد فقد يندثر حينئذ معه مفهوم الطاعة والولاء ويصبح الحكم عبارة عن عبثية وظلم في ظلمات بعضها فوق بعض. ومن هنا كما يقول أحمد أمين :"إني أرى رأيا لا تحيز فيه أن نظر أهل السنة إلى الخلافة كان أعدل وأقوم وأقرب إلى العقل ،وإن كانوا يؤاخذون مؤاخذة شديدة على أنهم لم يطبقوا نظريتهم تطبيقا جريئا فلم ينقدوا الأئمة نقدا صريحا ولم يقفوا في وجوههم إذا ظلموا ولم يقوموهم إذا جاروا ولم يضعوا الأحكام الحاسمة في موقف الخليفة من الأمة وموقف الأمة من الخليفة،بل استسلموا لهم استسلاما معيبا فجنوا بذلك على الأمة أكبر جناية،ولكنهم كانوا أحسن حالا من الشيعة،فهناك من مؤرخيهم من دونوا تاريخ الخلفاء في أمانة وصوروهم كما يعتقدونهم وعابوا بعض تصرفاتهم،ومن المشرعين من وضعوا الأحكام السلطانية يبينون فيها ما يجب للإمام وما يجب للأمة إلى غير ذلك".[10] فإذا كان الحكام قد سيسوا أهل السنة وخاصة علماءهم إلى هذا الحد فإنه بالضرورة سيتهيأ المناخ المناسب لتوغل أو تغلغل كل ذي سياسة معارضة وواعدة بالبديل المفقود، وخاصة فيما ترتكز عليه السياسة الشيعية بالدرجة الأولى من مسألة الإمامة وبثها في الأوساط الشعبية وبقوة وعنف متصاعد وغير متوقع.! وذلك لأننا حينما نرفض مبدئيا ملاحظات بعضنا البعض ونقمع كل نقد صادر عن الغيرة الدينية والمذهبية والوطنية بزعم أنه قد يفتح باب الفتنة ويهدد الأمن العام رغم أنه قد يكون صابا في صلب المصلحة العامة ومساهما في تكريس الاستقرار ،فإنه والحالة هذه من مظاهر شد الحبل قد يسلط الله علينا من يقض مضاجعنا ويفت في أمننا من حيث لم نكن نحتسب.بحيث قد وجد الباب مفتوحا والأجواء مهيأة للتسرب واستغلال الفرص كمثال الذئبين الذين قاما يتصارعان من أجل الفوز بالدجاجة في حين قد استغل الثعلب وضعهما ففاز بها من غير عناء أو اعتراض يذكر!هكذا تعلمناها من سلسلة اقرأ التي كانت مقررة مدرسيا. إذ ظلم كثير من الخلفاء الأمويين وامتلاكهم ناصية الحكم باسم القرشية والاستحقاق الوراثي من دون مراعاة الكفاءات والآراء الجيدة لباقي شرائح الشعب ،هذا مع تسليط الحجاج الثقفي على رقاب الناس باسم الطاعة وعدم جواز الخروج عن الجماعة كيفما كان الحال بسلبياته قد مهد الطريق بقوة لتفريخ التشيع السياسي المهدوي في أسوأ خلفياته وأبعاده إلى حين انتظار الإمام المعصوم والذي قد يملأ الدنيا عدلا بعدما ملئت جورا فيما يعتقدون. من هنا فقد يأتي مبدأ ليس بسياسي ظاهرا لكنه باطنا قد يؤول إليه ويخدمه على أعلى مستوى من الاستسلام والخضوع المطلق جسما وقلبا ،وذلك بما يمكن أن نصطلح عليه بمعادلة العواطف .أي أنه إذا كان الحكام في ساحة ما يسمى بأهل السنة هم أولى بالطاعة والأمر مع الاستناد إلى نصوص شرعية يتأولونها أو يؤولها لهم علماؤهم الرسميين والمأجورين بحسب التوجهات السياسية الآنية والعابرة فإن الشيعة سيكونون في هذه الحالة أقوى استدراجا وستكون المعادلة لصالحهم في اختراق الصفوف الشعبية المهضومة حقوقها ظلما وتهميشا وتجهيلا وتفقيرا،وذلك بطرحهم البديل المنشود والمفقود ألا وهو: الإمام المعصوم والمهدي المنتظر ...والذي قد يربطونه عاطفيا بآل البيت الذين يكن لهم جمهور الأمة كامل الاحترام والتقدير مع اعتبار خصوصية القرابة من مصدر التشريع: رسول الله صلى الله عليه وسلم . في حين أن حكام الواقع والآخذين بزمام الأمور حاليا وفي الماضي لم يقدموا في المقابل أي بديل على هذا المستوى من الحجم العاطفي ،لا ظاهريا ولا باطنيا،لا من العقيدة ولا من الشريعة ،لا من باب المال ولا من باب الأعمال. وحتى إذا كان الحكام غير واعين بهذه الخطورة التي قد تؤدي إليها بعض تصرفاتهم باعتبارهم بشرا عاديين وغير معصومين عن الخطأ،وهذا هو الواقع لا غير ،فإنه قد كان واجبا على علماء السنة أن لا يجاروهم بالكلية في الخطأ ويصبحوا حينئذ مبررين لا مقررين،وخاصة في مجال السياسة الدينية والفتاوى والوعظ والإرشاد ومحاربة الفساد السلوكي والمالي في البلاد. وهذه هي الملاحظة التي كنت قد وجهتها إلى الوهابية وموقفها من إجراءات حكامها في كتابي المتواضع:"التغيير الاجتماعي عند الوهابية:الآفاق والسلبيات"وكذلك بشكل عام وشامل في كتابي"البطالة الفكرية في مجتمعنا "والذي قد وجهته إلى كل علماء من يسمون بأهل السنة من المشرق إلى المغرب على حد سواء.لأن الوظيفة واحدة والنتيجة قد تكون بحسبها . فإذا كان حكام مناطق وشعوب من يسمون بأهل السنة غير قادرين على أن يأتوا بالبديل العاطفي الوراثي والمستند على انتظار أشخاص وهميين لتحقيق العدالة ،طالما أن نموذجهم الحالي غير مؤهل لكسب العواطف كما كسبها هؤلاء ،فالأولى بهم أن يلجئوا إلى البديل الصحيح وهو الممثل الحقيقي وغير المصبوغ لأهل السنة عقيدة وشريعة كما أنه مطلب إنساني عام ألا وهو:العدل والحكمة والصدق والأمانة وتحمل المسؤولية بصرامة وجدية من منطلق :"كلكم مسئول وكلكم مسئول عن رعيته ". بحيث لا شيء أجمل في كسب العواطف الشعبية وإكسابها التبعية عند تعرضها للاختراق من الخارج المذهبي والسياسي مثل تحقيق العدالة والإحسان إلى الخلق من باب العفو والصفح الجميل والرفق بالعباد من غير استعباد كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من حرم الرفق فقد حرم الخير"و"من ولي من أمر أمتي هذه شيئا فشق عليهم اللهم فاشقق عليه". فالحديث واضح في تحديد نتيجة الظلم والتعسف في استعمال السلطة والفساد الإداري...إذ شقاء الحاكم قد يكون من مظاهره ظهور المذاهب المناوئة واختراقها للصفوف العامة للمجتمع وخاصة على مستوى الأطر العلمية والمثقفين الذين بدورهم قد يمررون الرسالة تحت غطاء الإقناع وإغراء الجماهير الشعبية باليوم الموعود والخلاص المنتظر الذي هو عين السياسة الشيعية في خلخلة القوى المذهبية لبلد ما. يأتي المناخ الثاني في المعادلة المذهبية للأمة ألا وهي مقابلة الجفاف للعواطف،ولقد قيل في المثل:"أرق من دمعة شيعية"،ولكن أية دمعة هاته ؟إنها ليست مظهرا للخشوع والتقوى والخوف من الله تعالى،أو مظهرا للرحمة والمحبة والحنان،وإنما هي دمعة النياحة وإلهاب المشاعر بالحب الوهمي والمزيف لأهل البيت مع تبطينه بالحقد على سائر أفراد الأمة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا،وذلك بنشر أكذوبة أن أهل البيت قد غصبوا حقوقهم منذ البداية وأهدرت مباشرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم،والتي عليها نسجوا الأساطير والملاطم بدل الملاحم ،وتففنوا في الأكاذيب كما سبقت الإشارة، وبذلك حركوا مشاعر البلداء والأوباش والمغفلين من الناس فتراكم الحقد المنظّر له مع الحقد المغنّى له والمنفعل بالتقليد والعواطف الجياشة المجرورة بمحرك العقل الجماعي،وبالتالي فقد أعطوا صورة للعالم الإسلامي كلها قاتمة وعبارة عن حقل ملغوم بالمظالم ومقاتل الطالبيين والنياحة عليهم إلى ما لا نهاية له. وهذه المظاهر لم تكن لتتربع على عرش القلوب منذ العهد الأول الإسلامي وذلك لأنها قد كانت مملوءة بالحق والصدق والعدل والحب الذي قد حافظ عليه الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله عليهم جميعا:أبوبكر وعمر وعثمان وعلي. غير أن نزعتهم العاطفية السلبية والنائحة هاته ستقابلها نزعة جافة وسطحية حجرية إلى حد ما ،وذلك من خلال ظهور ما يسمى بالسلفية التاريخية عند سقوط بغداد على يد هولاكو وتخلخل موازين القوى المذهبية آنذاك مما قد استدعى الرد المباشر والسريع من طرف علماء ذلك العصر كان من بينهم تقي الدين بن تيمية في كتابه "منهاج السنة النبوية"كما قدمنا له. إلا أن الجفاف الحالك هو الذي سيتمخض بعد ظهور مذهب الوهابية الذي قد ينسب نفسه إلى أهل السنة وبغطاء سياسي سعودي متلازم،وبالتالي فقد تغلغل هذا المذهب في البلدان العربية والإسلامية لعدة أسباب منها عنصر المال والبترول وعنصر الاستعمار والموقع الجغرافي المتمركز في الحجاز، وكذا سريان ظاهرة الجهل العام في الأوساط الشعبية وحتى لدى من يسمون غلطا بعلماء أهل السنة. بحيث هنا قد تحصل المغالطات،فشتان الفرق بين مذهب أهل السنة كعقيد وسياسة ومنهج تفكير وبين توجهات الوهابية التي لها ارتباط نفسي وعاطفي شعوري أو غير شعوري بجفاف الخوارج تاريخيا. من هنا فقد وجدت الأرضية مهيأة لتغلغل العواطف الشيعية الشاذة في مقابل الجفاف الوهابي المتسلف،فأولئك دموعهم تسيل من غبر مبرر وجدية داعية وحب حقيقي يقتضيه،وإنما تمثيل في تمثيل وتهييج في تهييج،وهؤلاء عيونهم غائرة وجافة وألفاظهم شديدة وأقوالهم لا تتجاوز حناجره.وبهذا فقد وقع العالم الإسلامي جله بين مطرقة الوهابية وسندان الشيعة المتطرفة،والذي قد برز بقوة بعد سقط بغداد للمرة الثانية ورحيل الشهيد صدام حسين رحمه الله تعالى ،والذي قد كان رادعا قويا وضابطا لتحركات الشيعة ومن وراءهم من الأنظمة الانتهازية ،على رأسها النظام الإيراني الشيعي الصفوي.