لا تزال بعض القبائل من المناطق النائية تحتفظ ببعض الأعراف التي تجاوزها القانون المغربي، كالزاوج بدون وجود عقد، إذ يتم الاكتفاء بالشهود لإعلان ذلك، والذين غالبا ما يكونون من أفراد القبيلة ذاتها، زواج معقول من الناحية الشرعية؛ إذا كان حقيقيا وهدفه الاستقرار والإنجاب لتكوين أسرة، لكنه مرفوض من الناحية القانونية، مما دعا وزارة العدل والسلطات الإدارية منذ أربع سنوات إلى تنظيم حملات توعوية بالمناطق النائية؛خصوصا بالجبال والبوادي، بل ومساعدتهم على توثيق عقود الزواج وتسوية أوضاع الأطفال لضمان حقوقهم في النفقة والإرث والحضانة..، والمبادرة إلى تقديم الطلبات إلى المحكمة، من أجل استصدار أحكام بثبوت الزوجية، قبل نهاية الفترة المحددة قانونا، في الأسبوع الأول من فبراير .2009 هذا بالنسبة للقبائل التي لا تزال تؤمن ببعض العادات والتقاليد القديمة، وترى أن الركن الأساس في الزواج هوالإعلان والإشهار بين أهل القبيلة، إلا أن العديد من الأشخاص المتواجدين بالمدن الكبرى استغلوا هذه الوسيلة للتلاعب بالقانون. ففي حال تورطهم في الفساد كـالدعارة مثلا يبادرون إلى إثبات أن العائلتين قامتا بإشهار الزواج للتهرب من العقاب، في حين يلجأ البعض إلى إقامة العرس؛ لكن بدون عقد القرآن، ودون اعتبار للتبعات القانونية التي توفرها تلك الوثيقة القانونية من قبيل الإرث، وغيره من الأمور الأخلاقية (إثبات شرعية العلاقة) والاجتماعية كتسجيل الأطفال من هذه العلاقة بالحالة المدنية .. كثيرة هي الدعاوى التي تملأ مدرجات المحاكم حاليا، والتي تدرج في إطار العلاقات المشبوهة بين اثنين، وكأننا أمام الوجه الثاني للزواج العرفي. في قضية اليوم حالة قررت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء (قرار جنحي رقم 690 بتاريخ 1999) من خلالها أن عدم وجود عقد الزواج لا يعتبر سببا لاعتبار العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة فسادا. زفاف..وفساد تعرفت سعاد على أمين، وبعد فترة تقدم لخطبتها، ثم أقاما بعد ذلك حفل الزفاف بمباركة أفراد العائلة، وصارت سعاد تقابل زوجها بكل حرية من غير إنجاز عقد الزواج، في انتظار حصول الزوج على الإذن من الإدارة التي يعمل بها. وبعد مرور شهور علمت بأنه متزوج فقبلت بذلك، ودعاها إلى مسكن زوجته الأولى؛ التي وجدت سعاد في خلوة ببيتها مع زوجها، فقامت بضربها رفقة أخيها وتابعتها بالخيانة الزوجية.ولأن أمر الارباط بينهما جاء بعد الزفاف وإشهار الزواج؛ اعتبرت سعاد أن علاقتها بـأمين شرعية، ولا شبهة فيها مطلقا، وعلى ضوء هذا الفهم كانت تتصرف معه كزوجة، لذلك قامت رفقة زوجها بكراء بيت والسكن معا، والاستقرار به دون عقد، وبالتالي الحياة بشكل طبيعي كما يعيش أي زوجين. قد يقبل الأمر كما قلنا آنفا لدى قبائل نائية عن المدن، لازالت تؤمن بأن الإشهار وإعلان الزواج كافييين حتى تصير العلاقة رسمية، والتي تحاول الجهات الرسمية من خلال حملاتها التوعية بمخاطر هذه العقود، بالرغم من النية المتعارف عليها هناك أن الزواج صحيح، إلا أن الذي يحدث هو أن العديد من قضايا الفساد أوالدعارة التي تعج بها المحاكم يحاول المتهمون بها التهرب من المسؤولية فيها بدعوى أنهما مخطوبين اعتراف بالخطيئة لم تتردد الظنينة سعاد في الاعتراف بأنها تمارس العلاقة الجنسية غير المشروعة مع خطيبها عند استجوابها أمام الضابطة القضائية، وأوضحت أنها كانت على علاقة بالمعني بالأمر، وأنه كذب عليها وأغر بها حيث أوهمها أنه غير متزوج أعزب، ورغم ذلك قبلت به، وهي تتعامل معه الآن كزوجة، حيث يقوم بإعالتها ماديا، إلى حين توثيق عقد الزواج بعد فترة. والثابت من مقتضيات قانون مدونة الأسرة أن كتابة أوتدوين العقد بين الزوجة والزوج شرط، والإشهاد به أمام العدلين والقاضي واجب، وعقد النكاح هو الوسيلة الوحيدة لإثبات حقيقة الزواج، ويعتبر هذا الموضوع من القضايا التي تطرح بحدة على القضاء لأهميتها البالغة، ولارتباطها بالدين والمجتمع، وعلى الخصوص وضعية الأسرة، وما يتعلق بها من حقوق، كالنسب والإرث، والنفقة، فرسم النكاح يعتبر أهم وثيقة إثباتية يعتمد عليها عند أي نزاع، ويحتج بها حول ثبوت الزوجية، وما يلحق بها. و كتابة العقد بعد الحضور أمام العدلين، ومن القاضي أمر ضروري، وواجب ذلك ما أكدته مدونة الأسرة في مقتضيات المواد 4 و 16 و 17 إلا إذا أحالت أسباب قاهرة وبمفهومها الضيق دون توثيق العقد في وقته حيث استثناء تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية. ********* تعليق الأستاذ ميمون لغميري:وثيقة عقد الزواج هي الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج تنص المادة 4 من قانون مدونة الأسرة جاءت بما يلي : الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة ...والميثاق كما هو معروف هو الوثيقة أوالعهد المكتوب، بل هو أكثر وأقوى من العقد، وكلمة تراض تعني العقد الحضوري الرضائي الفوري المنجز لآثاره بمجرد إبرامه، وتنص المادة 16 من قانون مدونة الأسرة أن وثيقة عقد الزواج هي الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج، كما يتبين من المادة 6 من نفس القانون أن الطرفين في فترة الخطبة لا يعتبران متزوجين إلا حين الإشهاد على العقد ضرورة الكتابة. وخلافا لما أشير إليه أعلاه صدر قرار جنحي تحت رقم 690 بتاريخ 24/1/1991 عن استئنافية الدارالبيضاء في القضية رقم 944 /834/89 منشور بمجلة الأمن الوطني عدد 187 لسنة 1996 جاء في منطوقه بالبراءة بناء على التعليل التالي: 1 إن عدم إبرام عقد الزواج لا يعد سببا لاعتبار العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة فسادا 2 مادام الظنين يعاشر الظنينة معاشرة الأزواج حيث تقدم لخطبتها، وأقام لها حفلا للزفاف وتعتبر نفسها زوجة، وكان يعولها، واكترى لها بيتا فإن جريمة الفساد غير قائمة. 3 بما أن نية الظنينة لم تنصرف إلى المعاشرة الجنسية غير الشرعية فإن جنحة المشاركة في الخيانة الزوجية تكون غير قائمة. إن هذا القرار ناقص التعليل الموازي لانعدامه، ومناقض للصواب ومخالف للقانون، كما يعتبر مع كامل التقدير للهيئة الصادر عنها تشجيعا لسيئي النية على الفساد والخيانة الزوجية، ومن ناحية أخرى تحريض أوطريق سهل لمن أراد التعدد بسوء نية، وتحايلا على القانون، فيكفي إذن وعملا بهذا القرار أن يعمل الرجل على خطبة فتاة، ويكتري لها غرفة، ويعولها ويعيش معها لسنة أوأكثر، ثم يرمي بشريكته إلى الشارع، وتكون التهمة بعد التظلم أمام العدالة هي البراءة. فبقراءة محتويات هذا القرار يتضح أنه مخالف أصلا للفصل 490 من القانون الجنائي المغربي؛ الذي ورد فيه ما يلي كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة للفساد يعاقب عليها بالحبس، فالمشتكى به متزوج، وغرر بالمشبوه فيها الواعية بحكم موطنها، وافتض بكارتها برضاها واستمرا في الفساد لمدة تزيد عن سنة دون عقد، وكان جزاؤهما هو البراءة؛ عملا بالتعليل الأول للقرار أن عدم إبرام عقد الزواج لا يعد سببا لاعتبار العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة فسادا، والسؤال الذي يفرض نفسه في الموضوع حول اشتراك الطرفين في هذا العمل المحرم دينا، والمنبوذ من قبل المجتمع، والأسرة، والمعاقب عليه طبقا للفصل 490 المذكور أعلاه هو التالي: ما هو التكييف القانوني لجرم هذين الشخصين معا؛ والذي تحدد في افتضاض بكارتها وممارسة الفساد لمدة؟ وهل تصرفهما ذلك يسمح به الشرع والقانون ؟ جاء في التعليل الثاني للحكم بالبراءة: ما دام الظنين يعاشر الظنين معاشرة الأزواج، وتقدم لخطبتها وأقام حفل زفاف، واكترى لها بيتا فإن جريمة الفساد غير قائمة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الشق كذلك هو: ما مستقبل ومآل هذه المرأة بعد النزاع مع شريكها أمام القضاء، والانفصال عنه بعد سنة من المعاشرة غير الشرعية؟ هل ستقبلها أسرتها؟ بل وحيها ؟ وهل ستكون استثناء على قاعدة أنه لا يعذر أحد بجهله للقانون ؟ طالما جاء في التعليل الأخير، بما أن نية الظنين كانت حسنة؛ فإن جنحة المشاركة في الخيانة الزوجية تكون غير قائمة. خلاصة القول إن الحكم بالبراءة في القضية أعلاه، وإن كان إباحة لما يغضب الله ورسوله، فإنه كذلك قد أحدث ضررا شديدا بتلك المرأة التي سمحت لنفسها بالتماسك والمعاشرة مع رجل تحت سقف واحد، ولمدة تزيد عن سنة دون إبرام عقد الزواج، وقذف بها إلى الشارع محرومة من حق النفقة بجميع مشمولاته، وكذا من جميع الحقوق التي تلي الانفصال، وحتى لو فرضنا أنها لو استمرت على تلك الوتيرة إلى حين وفاة شريكها فإنها لا ترثه لانتفاء العقد بينهما، وبالتالي فأمام ضعف الوازع الديني يبقى العقد واجبا و ضروريا في الحياة الزوجية طبقا للقانون، وأساسا للترابط الشرعي بين رجل وامرأة لإنشاء أسرة على وجه البقاء والدوام، والكفيل كذلك بتحمل المتعاقدين لالتزاماتهما، والقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين. القضية رقم 944 /834/89 ، منشور بمجلة الأمن الوطني عدد 187 لسنة 1996