كلما طُرحت اشكالية الزواج الثاني ، إلاوجاءت الآراء متعددة وربما متناقضة حول هذه المسألة، بعضها يعتمد على التشريع القرآني والسيرة النبوية في تأكيد تعدد الزوجات، وبعضها يرفض هذا المبدأ لأنه يتنافى والحياة العصرية بقيمها ومفاهيمها، والمكانة التي وصلتها المرأة من علم وعمل وتحرر اقتصادي بحيث لم تعد تقبل بزوجة ثانية تشاركها حياتها وبيتها. ولما كان الزواج يمثل استقرار عاطفيا ونفسيا واجتماعيا لكلا الطرفين، الرجل والمرأة ومن خلاله تنشأ الخلية الأولى والأساسية (الأسرة) لتشكل رفد المجتمع بأناس صحيحي الجسم والروح والفكر، وهذا ما شرعته كل الأديان والأعراف الاجتماعية، فبالزواج يتم ضبط المشاعر والانفعالات وتهذيب الخلق من حيث الالتزام الزوجي والأسري ومن ثم الاجتماعي. ولكن ولظروف معينة، كانت الرخصة الشرعية لامكانية الجمع بين أكثر من زوجة، وذلك لأسباب ودوافع كانت موجودة آنذاك، وبعضها ما زال قائما (كالعقم) الذي يعد من الأسباب الداعية لزواج آخر. لكن، وللأسف الشديد تم استخدام هذه الرخصة لأغراض وموجبات ذاتية بحتة من قبل الرجل تحديدا مستغلا في أكثر الاحيان ظرفه المادي الذي يسمح له بتعدد الزوجات حتى لو لم يكن هناك داع، أو لأن الزوجة الأولى وبسبب متاعبها الأسرية من حمل وإنجاب وعناية بالأسرة قد فقدت بريقها وحيويتها، وبالتالي لم تعد تليق بالزوج الذي يسعى لأخرى تعطيه ما يريد، وعندما تسأل الزوجة عن مبررات هذا الزواج يبادرها بالقول: ان الشرع قد حلل له أربعا، فلماذا لا يفعل ما حلل له طالما انه قادر على واجبات أكثر من زوجة...؟؟ إنه منطق غير سليم أخلاقيا، لأن الزواج الثاني يدمر الخلية الأسرية برمتها (زوجة أطفال) إضافة الى توابع العلاقات الاجتماعية والعائلية والمرتبطة به، وبالتالي يلحق بالمجتمع أفظع الضرر من حيث تشتت الأسرة والأولاد، الذين قد يدفع بهم للضياع والأذى النفسي والاجتماعي، وإلحاق الدمار النفسي بالزوجة الأولى التي بدأت مع شريك حياتها مسيرتهما الكفاحية والروحية والتي بدورها أوصلته ربما لتك البحبوحة التي سمحت له بالزواج الثاني. ازاء هذه المشكلة الاجتماعية والأخلاقية أوجب المشرع ضبط وتحديد تلك التشريعات، بحيث لا تبقى فضفاضة، فيتم استغلالها بشكل سلبي ومدمر، مع العلم بأن المشرع المغربي لم يسمح بزواج ثان مالم توافق الزوجة الأولى أو يتم إخبارها، غير أننا نجد العكس، فكثير من الأحيان توضع الزوجة أمام الحقيقة المرة والأمر الواقع في مثل هذا الزواج.. والقبول به من أجل الحفاظ على أسرتها وبيتها، وقد يكون الزواج الثاني زواجا عرفيا سريا دون إدراك عواقب هذا الزواج على الأطفال عندما يكون هناك إنجاب.. إذ غالبا ما يتنكر الوالد لهم، وتحار الزوجة الثانية بالطريقة التي تؤكد نسبهم وحقهم في العيش الطبيعي في المجتمع. مما يجعل، المسؤولية الكبرى تقع غالبا على الزوجة الثانية نفسها لأنها تحارب ذاتها بقبول زواج يحمل بوادر فشله، فلو التزمت فتياتنا الرفض المطلق لزواج ثان ودون مبرر لما كانت هناك مشكلة. قد يقول البعض: وهل تبقى الفتيات دون زواج؟ خصوصا اذا لم يتقدم لها غير متزوج أو كما قال أحدهم: إنه يقدم فرصة للعانس لتتزوج، فيخلصها من حالتها الاجتماعية تلك خصوصا وأن الشباب يستنكفون عن الزواج لظروف مادية بحتة (غلاء المعيشة، ارتفاع تكاليف الزواج..). إن هذا المنطق مرفوض لأنه يضاعف الضرر الاجتماعي والأخلاقي بسبب أهداف الزواج الثاني، ولأنه لو وافقت الفتاة على شاب عازب تبدأ حياتها معه بظروف معقولة ومقبولة وضمن إمكانياته المتاحة، لاسيما ان كانت منتجة. لما اضطرت للبقاء حتى تصبح عانسا ولا تجد فرصتها إلا في أن تكون الثانية في الترتيب. وماذا ..عن الرجل ؟ أما الرجل الذي بنى أسرة مستقرة سعيدة تنيرها وجوه الأطفال وتغرد بين حناياها ضحكاتهم... ليس من حقه أن يتزوج مرة ثانية... فزوجته وأم أطفاله تستحق أن تبقى متربعة على عرش قلب زوجها ومملكتها دون منازع. ويستحق أطفاله أن ترى أعينهم وجه والدتهم الباسم الآمن دائما وكذلك يستحق هؤلاء الأطفال ألا يشاركهم أحد بحب والدهم ورعايته واهتمامه.. في هذه الأيام انخفضت نسبة الحب بين الإخوة، وهم من الأم والأب نفسهما، وارتفعت نسبة المصالح الشخصية والأنانية الى أقصى درجاتها، تغلفها الغيرة والكراهية التي تقطع أوصال رابطة من أقوى الروابط!!!. فكيف إذا كان الإخوة، كل واحد من إم؟؟؟ ولكن هناك من يقول: لن انجب من زوجتي الثانية!! لاتستغربوا.. هناك من يفكر بهذه الطرية وينفذ قوله بالفعل وأحيانا بأساليب بشعة!!! يحلل لنفسه ما يحرمه على سواه، ويبرر هذا التصرف الآناني بتحديد النسل، إن هذا التحديد ليس للنسل فقط بل للإنسانية وللرحمة، لأنه يحرم تلك الزوجة من حقها في الأمومة التي هي حلم كل امرأة... المرأة هي المرأة ان كانت الزوجة الأولى أم الثانية، فهي انسانة تحلم بالسعادة والاستقرار والحياة المتكاملة الكريمة، وإذا كان لامانع لذلك الزوج ان كان دينيا او اجتماعيا، وإذاكان باستطاعته الانفاق على أكثر من أسرة، ألا يوجد شيء يضع فيه ماله سوى تعدد الزيجات؟. ولكن هل صحيح أنه لايفكر في الزواج الثاني الا الغني؟؟ ربما كان الرجل غني بعاطفته المراهقة، وغني بقلة إرادته لماذا لايفكر بعقله؟؟. زوجة طيبة حنونة وأولاد أصحاء وجو عائلي دافئ يعيش بسعادة لاتشوبها شائبة. عجبا لمن يترك كل ذلك ويركض على دروب متشعبة لايدري من يرضي وكيف يرضي، يكون هنا وعقله وقلبه هناك والعكس.. ويضيع أمنه واستقراره على تلك الدروب الباردة، لأن كل أسرة تحاول استنزاف أكبر قدر من العطاء، وتنهكه الواجبات ولايستطيع مهما كان قويا أن يشمل برعايته متطلبات أطفاله وزوجاته إن كانت مادية.. نفسية.. معنوية، وستغفل عينه المتعبة عن مراقبة أبنائه، لايعلم في أي طريق يسيرون.. فالمسؤولية لاتقع على الأم وحدها فهو الأب، وله الدور الكبير وهو عماد الأسرة!! فإن تشعب ذلك العمود أصبح هشا تحطمه نسمة هواء تعلو في سماء و يتدحرج الزواج الى سفوح جبال الحياة...