إن الدول الإسلامية كانت دائما ذات استقلالية في منظومتها القانونية المستمدة من الفقه الإسلامي وفق أحكام الشريعة الإسلامية. وإن الخاصة منها بالعائلة كانت متفرقة بين الكتب والمخطوطات، ولم يهتم بها تجميعا وتصنيفا إلا بمبادرة الدولة العثمانية التي أصدرت مجموعة من القوانين الخاصة بالأسرة تحت عنوان قانون حقوق العائلة وذلك سنة 1917. ولقد حال الاستعمار دون أن تقوم الدول الإسلامية بهذا العمل إلا بعد عمليات التحرير حيث تعززت السيادة السياسية بسيادة القوانين الوطنية، لكن رياح الغرب ما لبثت أن وجدت في فئة من العلمانيين والنسوانيين مددا لعولمة القوانين استكمالا للعولمة الاقتصادية والهيمنة السياسية، فجاءت في ذلك مطالب بالتغيير والتعديل لهذه القوانين بل والتخلي عنها واستبدالها بالنموذج المقترح دوليا والذي يعمل على تدويل مفاهيم الجندر Gender التي لم تبق في حدود النظرية التي تطلع عليها النخبة و تتداولها، ولم تحصر في ذلك المنهج الذي يتبناه البعض دون الآخرين اقتناعا واختيارا، بل أصبحت إطارا للتعميم والإلزام يفرض على السياسات العامة والقطاعية للدول ... ويتسرب إلى الحياة الخاصة للأشخاص والأسر من باب القانون حيث تدبر حالات الزواج والطلاق والنسب والإرث وغيرها من منظور الجندر الذي يهدف فيما يهدف إلى المساواة حسب الجنس. في هذا المناخ الدولي تجد الدول الإسلامية نفسها بين ضرورة تحيين قوانينها للانضمام إلى صف الدول المنضبطة لتوجهات المنتظم الدولي و بين الحفاظ على هويتها التشريعية، حماية للأسرة من التهجين والتدجين. I – المفاهيم الخاصة بالأحوال الشخصية بين الشرعي والوضعي أ- إشارات تعريفية إن مفهوم الأحوال الشخصية نفسه رومي الأصل، وهو ترجمة حرفية لعبارة «statut personnel » التي يتداولها الغرب. وأول من استعمل هذا الاصطلاح في العالم الإسلامي، العثمانيون من خلال بعض مشرعيهم، نذكر على رأسهم محمد قدري باشا (1821- 1888) في مؤلفه الأحكام الشرعية في مدونة الأحوال الشخصية 1. وقد كان مستمسك الاعتراض لدى العديد من المتخصصين على هذا الاستعمال للمصطلح، كونه لا يعني في ذاته جميع وضعيات الأسرة المسلمة في علاقتها بأحكام الشريعة الإسلامية. وقد استبدل في المغرب اسم مدونة الأحوال الشخصية التي صدرت في 22 نونبر 19572، باسم مدونة الأسرة والتي نشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 5 فبراير 20043، مع العلم أن اللجنة التي حررت مدونة الأحوال الشخصية كانت تشتغل تحت اسم لجنة لوضع مدونة لأحكام الفقه الإسلامي 4. ب- الاتفاقيات الدولية الإطار لتغيير أحكام الأسرة لاشك أن المقاربات التشريعية تكون محكومة بتوجهات فكرية وأخرى إيديولوجية تنتقى بموجبها المراجع التشريعية وتحدد بمقتضاها مواضيع التركيز، وبالتالي فان المشرع في الدول الإسلامية يستحضر الاعتبار الأسري في صياغة الأحكام، و يتعاطى مع إشكالات العلاقات الأسرية من منطلق الحكم الشرعي الذي تأسس هو أيضا على مبدأ عظيم في الإسلام وفي العلاقة الزوجية تحديدا، كونه ميثاقا غليظا ! بينما المقاربة الوضعية تتأسس على الفردانية وعلى البراكماتية وبالتالي تتركز الأحكام على الأفراد في معالجة جزئية تجزيئية لمجموع منظومة العلاقات الأسرية، فتصبح المرأة هي مدخل التشريع وهي مبرر التعديل، معتمدين في ذلك على مواثيق دولية وإعلانات عالمية تصبح مرجعا قانونيا وسندا تستمد منه المشروعية ونذكر في هذا السياق: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان5 الذي ينص في ديباجته على تساوي الرجال والنساء في الحقوق وفي مادته الأولى على انه يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق . كما أن الميثاق الدولي بشان الحقوق المدنية والسياسية6، في الاتفاقية الحالية تنص على اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه. وكذلك الميثاق الدولي بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حيث يؤكد في المادة 3 بان تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بتأمين الحقوق المتساوية للرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدونة في الاتفاقية الحالية. كما لعبت الاتفاقيات الخاصة بالتمييز الجنسي دورا كبيرا في تشكيل المواقف ورسم التوجيهات مع الانخراط الفعلي في التوقيع على هدف الاتفاقيات والعمل بها ونذكر أهمها: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة7 (CEDAW) وبالرغم من اقتفاء الدول العربية والإسلامية نفس خطوات المواثيق الأممية في تحقيق شرط المساواة بين المرأة والرجل في مواثيقها مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان8 ووثيقة حقوق الإنسان في الإسلام9 .. وغيرها، فان عموم الدول الإسلامية كانت تتحفظ على الكثير من المواد التي ترمي تحقيق المساواة، في تعارض مع بعض الأحكام الشرعية10 أو مع بعض المقتضيات الدستورية11. ولقد اضطرت الكثير من هذه الدول إلى رفع تحفظاتها على اثر الضغوط الدولية الممارسة عليها، ومما ساعد على ذلك أن تقاطع الدول الإسلامية في وضع التحفظات لم يكن إلا في الشيء اليسير من المواد المتحفظ عنها وان كان التحفظ لدى جلهم بمقتضى أحكام التشريع الإسلامي ...وإن التخلي عن التحفظات واستبدالها ببيانات تفسيرية هو خروج اضطراري من الحرج الذي وجدت هذه الدول نفسها فيه بين ضغوط سياسية خارجية ومسؤولية سيادة داخلية . ج- مفاهيم للضبط المساواة/ العدل إن التشريع عموما جزء لا يتجزأ من الحياة العامة والخاصة للأفراد في مجتمع ما، لذلك فإنه يتبلور انطلاقا من الواقع ومن الحاجيات حسب طبيعة الناس وأعرافهم ومراجعهم الثقافية والشخصية 12 ويعود ليؤطرهم وينظم علاقاتهم ويفصل في نزاعاتهم. وعليه فلكي تكون التشريعات ناجعة لا بد أن تكون ابنة بيئتها. فالقوانين الجاهزة القادمة من بيئات عقدية واجتماعية وسياسية أخرى قد لا تتلاءم في شق منها مع منظومة القوانين المحلية القائمة، وفي شقها الثاني، قد لا تستجيب للانتظارات المرتقبة أو الحاجيات المحلية أو تلبي رغبات غير مطلوبة وغير منتظرة. كما أن اختلاف المبادئ التصورية تكون أهم أسباب هذا التفاوت بين المأمول والمعروض. فلاشك أن المساواة مطلب إنساني بين الناس أجمعين بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم وفقرهم أو غناهم، لكن المساواة كمفهوم يحتاج إلى مفهوم أعم منه، نضبط ونحقق به المقصد. وهو مفهوم العدل الذي يخرج مطلب المساواة من التطبيق الميكانيكي بهدف التماثلية والتطابقية التي يضيع معها الحق ، إلى رفع الظلم وإقرار العدل. فكثير من حالات المساواة تؤدي إلى المساواة في الحرمان أو المساواة في تحمل الأثقال بدلا من تمكين الفرد من حقوقه داخل دائرة المقارنة بين الجنسين أو خارجها، لذلك نبه التشريع الإسلامي إلى ذلك وتبنى مبدأ تبادل الحقوق والواجبات بين النساء والرجال والأبناء، واعتمدت في ذلك فكرة التكامل بين الأزواج في الأدوار لا الصراع حول الأدوار، وهي ضمن القواعد الأساسية في استمرار الأسرة كلبنة متماسكة تضمن تماسك جسم الأمة. II- قضايا النقاش في قوانين الأسرة : لعل المدخل لأي إصلاح الضبط المفاهيمي للتصور الذي يحكم نوع التدخل والخلفية المرجعية له، وفي ذلك يجب التمحيص. فمدونة الأسرة بالمغرب نموذجا وهي النسخة المعدلة لقانون الأحوال الشخصية السابق، عرفت انقلابا مفاهيميا من ديباجته إلى مختلف مواده، حيث استبدل مفهوم النكاح ب الزواج ومفهوم البناء ب الدخول وعرفت المادة 4 وهي أول مادة في الكتاب الأول13 انتكاسة في تبني المصطلح ذي الحمولة الإسلامية بالمصطلح الذي لم يستعمل إلا للاعتبار الاصطلاحي لا غير، وفيه تم التخلي عن أن من غايات الزواج، تكثير سواد الأمة، وتم التنصيص على أن إنشاء الأسرة يكون برعاية الزوجين بدلا من رعاية الزوج على خلفية النقاش الدائر حول علاقة الرئاسة بالقوامة وبشرط القوامة المتغيرة، بحجة واقع الأسر في الإنفاق المشترك بين الزوجين، حيث أن علة القوامة لم تعد دائما قائمة وبذلك يدور الحكم مع العلة وجوبا وعدما. ولقد سيطر في هذا الفقه، هاجس جندرة القوانين ! وإضافة إلى الحجر على اللغة في التعبير بعمقها العقدي والحضاري تمت المطالبة بمصادرة بعض المصطلحات بترجمتها بأدوات ثقافية من خارج اللغة، كتقديم المهر للمرأة الذي اعتبر ثمنا للبيع وليس حقا شرعيا لقوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن..... ، ولم يعتبر في ذلك أن الصداق ركن من أركان الزواج فأنى يتخلى عنه! أ- الخطبة : شروطها ومقتضياتها ومن أهم ما وقع فيه ارتباك تشريعي بسبب ازدواجية المعايير، الخطبة التي تحولت من وعد أو تواعد بالزواج14، إلى شبه زواج تتأسس على ما يتأسس عليه الزواج ومن ذلك ما جاء في المادة 5 من قراءة الفاتحة وما جاء في المادة 156 من حصول الإيجاب والقبول واشتهار الخطبة حيث تصبح مآلات الخطبة في هذه الحالة هي مآلات الزواج من إلحاق النسب في حالة الحمل من الخاطب إذا أقر، وباللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية إذا أنكر. وقد يبدو في الأمر مصلحة كالتقليل من عدد أبناء الزنا في المجتمع بسبب الذين ولدوا خارج العلاقة الشرعية في فترة الخطبة، وإنه من نافلة القول أن الخطبة لا يمكن أن تكون عوضا عن الزواج . ب- الزواج ظروفه (الولاية) واكراهاته (التعدد) الولايـــة : الولاية في الزواج هو تكريم للمرأة وسند، ولا يمكن للإسلام أن يسمح بان يصبح وصاية بالنظر لمبادئ الحرية وتحمل المسؤولية التي يتأسس عليها التشريع الإسلامي، وفي هذا السياق تندرج حرية الاختيار للفتاة ومنع العضل عنها... إلا أن فقهاء الأمة اختلفوا في مستويات ممارسة الولاية التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل.... فالشافعية والمالكية جعلوا منها ركنا من أركان الزواج، فأصبحت بذلك شرط صحة بينما جعلت منها الحنفية والحنابلة شرطا لا ركنا، فأصبح بذلك شرط كمال مع إقرار حق الولي في مراجعة العقد عند الزواج بغير الكفء. فالاختلاف الفقهي إلى جانب الضغط الدولي الذي تمت ممارسته من خلال المؤتمرات الدولية والمواثيق المبرمة، هيأ المناخ وبرر الدافع لضرورة رفع الولاية عند الزواج عن الفتاة وتمكينها من تزويج نفسها بنفسها كما تقول المادة 24 من مدونة الأسرة: الولاية حق للمرأة، تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها والمادة 25 التي تنص على أن للرشيدة أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض لأبيها أو لأحد أقاربها 15، وهي تكييفات يضطر إليها المشرع لتسلم الجرة من ضمة السندان الوطني ومطرقة المنتظم الدولي . ولقد جاءت دراسة وطنية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط16 لتؤكد أن المؤيدين من المجتمع المغربي لإلغاء الولاية في الزواج التي تنص عليها المدونة لا تتجاوز 23.4% 17 والآراء المخالفة بلغت 73.4% نسبة النساء منها 71.2% (وقد تكون نسبة 23.4% نفسها مضخمة لكون السؤال الذي طرح انسجاما مع عنوان المحور الذي جاء في الدراسة يتحدث عن الموقف اتجاه إلغاء الوصاية عند زواج المرأة). ولقد كانت الأرقام التي تقدمت بها وزارة العدل بمناسبة الذكرى الثالثة لصدور مدونة الأسرة يوم 20 فبراير 2007 تزكي نتائج تلك الدراسة وبالتالي تصبح مؤشرات المواقف منسجمة مع مؤشرات السلوك أو التصرف. إلا أن ما يجب أن نتوقف عنده وهو جدير بالتأمل والتساؤل، النسبة الدالة على الزيادة في ممارسة الزواج بدون ولي حيث سجلت 22.21% ما بين سنة 2005 و200618. فقد يرجع ذلك إلى أن الرشيدة التي لا أب لها والتي كانت مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1993 تخول لها الزواج بدون ولي، كانت تتورع من الزواج من غير ولي فكانت تجتهد في أن يكون لها أحد أقاربها أو غيرهم وليا لها لتكون في الوضع الطبيعي ككل النساء ! اليوم مدونة الأسرة تخرجها من عزلتها وذلك بتعميم الحق على كل الراشدات فلا يصبح في ذلك حرج (فإذا عمت هانت) وتضفي بذلك مشروعية أكبر مما يدفعها إلى مزيد من التطبيع مع وضعية الزواج بدون ولي التي يخولها لها القانون. و من أسباب ارتفاع الزيادة أيضا في النسبة، ما يعود إلى إجراءات التطبيق لدى بعض المتطرفين من قضاة الأسرة الذين يقصون الولي من العقد رغم حضوره مما جعل بعض الحالات لا تحقق رغبتها في إجراء عقد الزواج بقدر ما تجد نفسها متورطة في تحقيق رغبة القاضي وفي هذا الشأن نذكر الضغوط التي تخضع لها الوزارة والأجهزة القائمة على التطبيق من لدن القوى المطالبة برفع الولاية والتي جاءت سلوكات المواطنين على غير هواهم، فلازالت حملتهم متواصلة بإصدار اتهامات بعدم التشدد في تنزيل مواد مدونة الأسرة كمنع الزواج دون السن الأهلية (18) والتضييق في التعدد. وفي ذلك مخالفة بينة لحاجات ورغبات عموم المجتمع . التـــعدد: إن التعدد هي التهمة التي يروجها الغربيون والتابعون لهم في الدول العربية والإسلامية ضد الإسلام باعتبارها ممارسة تعسفية، تشبع غرائز الرجل وتعرض المرأة للظلم والنكران. ولعل الواقع يزكي ذلك. فحق التعدد يحاكم بسلوك ممارسيه من منطلق أن الرجل مستغل وأن المرأة ضحية. إلا أن الموقف يساءل امرأتين إحداهن يقع عليها التعدد لسبب مرتبط بها أو لنزوة من الرجل، وأخرى تدخل فيه رغبة واختيارا ! ولقد زاوج مشرعو مدونة الأسرة بين تأويلات النص القرآني وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا سورة النساء الآية 3، وبين مطالب الحركة النسائية بالتخلي عن التعدد ! فانتقل النص بعد تعديل سنة 1993 من جواز التعدد بشرط إذن الزوجة إلى منع التعدد في المادة 40 إذا خيف عدم العدل بين الزوجات ، كما منع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها. وفي المادة 41 لا تأذن المحكمة بالتعدد إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي . وهكذا تم التضييق إلى درجة الاستحالة مما جعل الكثير من الزيجات تعدد من غير توثيق عقد الزواج مع توفر جميع أركان الزواج والعودة بعد حين إلى توثيق ثبوت الزوجية الذي تخوله المادة 16. و هذا التحايل إلى جانب حالات التزوير في وثائق رسمية لإثبات العزوبة للمتزوج تؤشر على أن أي خلل في التشريع وأي تجاهل للحاجات الفطرية والاجتماعية للناس ستكون سببا في بروز مظاهر انحراف أخلاقي وسلوكي. ولقد أشارت الأرقام الرسمية إلى أن عدد حالات التعدد قد انخفضت بنسبة 3.57% ما بين سنة 2005 حيث سجلت 841 رسما وسنة 2006 حيث سجلت 811 رسما. وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام تدل على عدد الرسوم ولا تدل على عدد الحالات فالتعدد في السر قد يصبح ملجأ للعديد من الزيجات، الوضع الذي يصعب معه حفظ حقوق المرأة و تأمين مستقبلها. ومع مجيء الأطفال تبلغ المشاكل ذروتها، وقد يؤول الأمر إلى ما آل إليه الوضع في تونس حيث أن ضبط حالة التعدد أصبح أفظع من حالة الزنا وبأن الارتباط بالخليلة أو المومس، هو أقل جرما من الارتباط بزوجة ثانية وأن الزوج جاني لا محالة في الحالة الثانية وليس جانيا بالضرورة في الحالة الأولى. كذلك تتغير الموازين بموجب القانون عندما يسخر القانون ـ ضدا على إرادة الشعب ـ لخدمة الإيديولوجيا !! أو بكل بساطة عندما يزور على إرادة الشعب بإرادة فوقية خارجية. فالديمقراطية ليست فقط مساطير ومناهج ولكنها ثقافة تتجلى فيها أهمية القاعدة قبل النخب... والقواعد من خلال الإحصاءات الرسمية تعبر عن مواقف مخالفة لما أكره عليه القانون (مدونة الأسرة). ج- انحلال ميثاق الزوجية:الطلاق والتطليق ومسطرة الشقاق أما كتاب انحلال ميثاق الزوجية وآثاره فقد عرف اجتهادات حضر فيها هاجس تحقيق المساواة حيث أصبحت العملية تمر تحت مراقبة القضاء ولا تتم إلا بإذن من المحكمة . همشت فيها صيغ أخرى كالخلع الذي استغنى عنه فعليا باللجوء إلى مسطرة الشقاق التي تمكن من التطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق! إلا أن الخلع ملجأ للنساء فقط وعوضه (مسطرة الشقاق) ملجأ للرجال والنساء على حد سواء . واهم ما في هذه المسطرة سرعة البث (6 اشهر) والتي ستضع حدا لتعليق المرأة لقوله تعالى ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة النساء الآية 129. إلا أن التحدي في التعجيل بالأحكام لا زال كبيرا أمام المحاكم والأجهزة المختصة. ولقد كانت السبل المتنوعة في إجراء الطلاق والتطليق كالطلاق الاتفاقي والتطليق للشقاق متنفسا ومخرجا لكثير من الوضعيات المتعثرة والمستعصية المتعلقة بانحلال ميثاق الزوجية خصوصا بالنسبة للمرأة. ولقد تسربت أرقام تدل على ارتفاع حالات الطلاق والتطليق مباشرة بعد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق لكن حصيلة سنة 2006 (28239 رسما) تسجيل انخفاض بنسبة 4,82 % 20 وهذا يعني – إن صحت الأرقام- أن إيقاع الطلاق كان في أغلب الصيغ سلطة يملكها الرجل ويتصرف بموجبها بحق أحيانا وأحيانا كثيرة يتعسف في استعمالها ولا يراعي فيها سوى رغبته أو مصلحته الذاتية، إلى أن جاءت مدونة الأسرة فقننت صيغ الطلاق والتطليق وأتاحت للمرأة امتلاك نفس ذلك الحق مما حد معنويا من جموح الرجل في استعمال ما تفرد به من سلطة التحكم في مسار الحياة الزوجية، وقيدته عمليا مطوقة إياه بشروط إيقاع الطلاق أو التطليق أهمها حضور المرأة كطرف معني و مشارك في تحديد المسار من خلال المساطر المقترحة كالطلاق الاتفاقي ومسطرة الشقاق . و- الحضانة والرجوع عن خطأ التعديل إن إصلاحات 1993 لمدونة الاحوال الشخصية تحت ضغط الجمعيات النسائية أدت إلى تعديل تسقط بموجبه الحضانة عن فرع الأم بمجرد زواجها مما أدى إلى امتناع المطلقات عن الزواج للحفاظ على حضانة أبنائهم مما كان يؤدي في بعض الحالات إلى أشكال التزاوج غير الشرعية مثل (الزواج العرفي أو الزنى أو البغاء) ، وقد حرصت مدونة الأسرة على إعادة الحضانة إلى فرع الأم في المادة 171 التي تخول الحضانة للام ثم للأب ثم للأم...... . فتصحيح الوضع فضيلة وهذا مكسب للمرأة في المدونة . ه- اقتسام الأموال المكتسبة في الحياة الزوجية: إيمانا بالمساواة على أساس الجندرة، اضطرت التيارات النسوانية أن تطالب باشتراك المرأة في الإنفاق على البيت مقابل المطالبة باقتسام الأموال المكتسبة في الحياة الزوجية، إلا أن الأمر الأول وان لم تكن له موجبات شرعية وقانونية قد تحقق بحكم الواقع، والأمر الثاني لم يجد استجابة وان كان يحاكي حق الكد والسعاية للمرأة وهو حق المرأة في الثروة التي ينشؤها ويكونها زوجها خلال فترة الحياة الزوجية 19.و الذي لم يعمم وبقي حبيس بعض المناطق في المغرب ومصدر اجتهادات قضائية يعمل به في مناطق سوس جنوب المغرب وفي ذلك قرارات وأحكام قضائية، والمعنى الحقوقي للكد والسعاية المادة 49 من المدونة تنص على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر غير انه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الإنفاق على استثمارها وتوزيعها.و يضمن هذا الإتفاق وثيقة مستقلة عن عقد الزواج ... إلا أن الوثيقة الممكنة من هذا الإجراء، قليلا ما تستعمل عند عقد الزواج، للظروف التي تكون محيطة بهذا الحدث الذي تغمره أجواء الفرحة وحسن النية. وان كان الأمر ليس اكثر من إجراء لضمان الحقوق فيما بعد، لأن الأمر ذو بعد نفسي واجتماعي ولهذا السبب أيضا تحصل الأمور بالتطور المجتمعي وليس بالإملاء أو الإيحاء القانوني. ي- الميراث لن ندخل في تفاصيل الأحكام وأسباب الإرث وشروطه وموانعه وطرائقه. لكننا لا بد من التأكيد على انه من ضمن القلاع المحصنة في الأحكام الشرعية، والتي تهددها دعاة الجندر ويتوعدونها بالهتك أحيانا وبالمناورات القانونية أحيانا أخرى. كما أن أصوات النسوانيين من داخل الدول الإسلامية لازالت محتشمة بفعل صد الأبواب أمام زعمها محاولة الاجتهاد. وأي اجتهاد من خارج المنظومة الشرعية ؟! والجديد في هذا الموضوع في مدونة الأسرة بخصوص هذا الموضوع توريث الحفيدة والذي يعتبر اجتهادا من داخل المنظومة مما يبرر قبوله والعمل به، فمن أصاب في الاجتهاد فله أجران ومن أخطأ فله أجر . ولا يجب أن يوكل الأمر إلا لأهله. والسلام 1 - انظر: محمد الشافعي، أحكام الأسرة في ضوء مدونة الأحوال الشخصية، مراكش دار وليلي 1998، الطبعة الثالثة. ص 7. 2 - وكانت لجنة تتألف من العلماء، اشتغلت ايضا على مدونة العقود والالتزامات، وكانت تعتمد في جل الأحوال المذهب المالكي، ولقد أكدت في مذكرة المقرر العام للجنة انه إذا أردنا أن ندون الفقه في المغرب لتقريبه للمحاكم المغربية وجب ان نراعي المذهب المالكي بقدر الإمكان مع اعتبار الأصول العامة وخصوصا المصلحة المرسلة - 3 - صدرت مدونة الأحوال الشخصية بخمسة ظهائر أولها في 22 نونبر 1975 وآخرها في 3 ابريل 1958. 4 - هناك تسميات أخرى في دول إسلامية: - الاردن: قانون العائلة الصادر سنة 1927 - سوريا: حقوق العائلة (العهد العثماني)/ الاحوال الشخصية التي صدرت سنة 1953 تونس: مجلة الاحوال الشخصية صدرت 1956 5 - معتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948 6 - أبرم بنيويورك يوم 16 ديسمبر 1966 7 - اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع وللتصديق والانضمام بقرارها 180/34 المؤرخ في 18 دسمبر 1979 8 - المجلة العربية لحقوق الإنسان عدد2. ص 201. 9 - صادرة عن منظمة المؤتمر الإسلامي. 10 - أحكام الإرث. 11 - المادة الثانية من (CEDAW) تتعارض والمقتضيات الدستورية بالمغرب التي تنظم قواعده توارث العرش بالمملكة. 12 - أئمة الشيعة على سبيل المثال. 13 - مدونة الاحوال الشخصية: الفصل الأول من الباب الأول: الزواج والخطبة الزواج ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وامرأة على وجه البقاء غايته الاحصان والعفاف مع تكثير سواد الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج على أسس مستقرة تكفل المتعاقدين تحمل أعبائها في طمانينة وسلام وود واحترام مدونة الاسرة: المادة 4 من الكتاب الاول: الزواج و الخطبة الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين أسرة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لاحكام المدونة 14 - مدونة الاحوال الشخصية السابقة: الفصل 2 من الباب الاول الزواج والخطبة الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج.... مدونة الأسرة الحالية : المادة 5 من الكتاب الأول الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج 15 - مدونة الاحوال الشخصية: الفصل 12 من الباب الثالث: الولاية في الزواج للراشدة التي لا اب لها ان تعقد على نفسها او توكل من تشاء من الأولياء . من العوامل المتعددة لاختلاف مضمون النصين القديم والحديث المادة الجديدة 19 في قسم الأهلية والولاية والصداق التي تشترط اكتمال أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة لسن 18. 16 - المندوبية السامية للتخطيط، مستقبيلية مغرب 2030. المرأة المغربية تحت مجهر محيطها الاجتماعي. بحث النتائج الرئيسية الرباط شتنبر 2006. 17 - سنة 2005: 49.175 رسما، سنة 2006: 60095 رسما.(حسب وزارة العدل) 18 - المنشور عدد 44س2 الصادر عن وزير العدل إلى السادة قضاة الأسرة المكلفين بالزواج بخصوص الإذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية: ... تبين من خلال الإحصائيات والمقررات المتعلقة بهذه الأذون أن هذه المقتضيات لا تطبق ـ أحيانا ـ بكيفية سليمة، وهو ما يتنافى مع غاية المشرع وتترتب عنه نتائج سلبية، ويؤجج العديد من الانتقادات ويطرح الكثير من التساؤلات حول مدى استيعاب مبررات التغيير الذي جاءت به مدونة الأسرة لرفع سن الزواج . 19 - الحسن الميلكي. نظام الكد والسعاية من الحقوق المالية للمرأة . الرباط ، مطبعة دار السلام 1999 ص .9. نائبة برلمانية-رئيسة المجلس الإداري لمنظمة تجديد الوعي النسائي