يصر القيادي الحركي على أنه لا يمثل بآرائه التي أدلى بها في هذا الحوار موقف الحزب، فهو يعبر عن قناعات شخصية بخصوص ما آل إليه المشهد السياسي المغربي بدخول الوافد الجديد. وفي هذا السياق ينتقد سعيد أمسكان بشدة الخطاب السياسي لحركة لكل الديمقراطيين ويصفه بكونه مستفزا للأحزاب السياسية، كما ينتقد السلوك السياسي الذي اعتمده حزب الأصالة والمعاصرة خاصة في استقطاب نواب الحركة ومستشاريها ومرشحيها، ويعتبر أن ذلك من شأنه أن يشكل عوائق حقيقية تشوش على أي تنسيق متصور في المستقبل، ويتحسر على عدم ترشح الحركة الشعبية في الانتخابات الجزئية، وسيصف الأمر بأنه مؤلم وغير مرض، كما يتوقع من الانتخابات الجماعية ألا تسهم في تحسين المشهد السياسي في اتجاه القطع مع البلقنة. يعيش المغرب مشهدا سياسيا متغيرا، فهو بصدد تشكيل معادلته السياسية الجديدة، كيف تقرؤون الحراك السياسي بدخول حزب الهمة أو ما يصطلح عليه بالوافد السياسي الجديد؟ بكل صراحة، أنا من المؤمنين بأن المغرب منذ استقلاله مر من ثلاث مراحل أساسية، فمن فترة الاستقلال إلى سنة ,1996 كانت الأحزاب السياسية منقسمة إلى قسمين: قسم يصوت على الدستور، والقسم الآخر يرفض التصويت عليه، لكن مع سنة ,1996 حصلت للقسم الثاني ما أسميته وقتها بالتوبة السياسية، وهي التسمية التي لم ترق العديد من الإخوان، فلأول مرة صوت المجتمع السياسي بأكمله على الدستور، فوقع إجماع أو شبه إجماع بين الفاعلين السياسيين إذا ما استثنينا منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي لم تصوت بالإيجاب لصالح الدستور، فأكد المجتمع السياسي برمته، وعبره الشعب المغربي قاطبة أنه مع الثوابت والمقدسات، وأنه مع النظام الديمقراطي بالبلد. في هذه السنة اتفقنا كأحزاب وفاعلين سياسيين خ وهنا أؤكد أنه لا ديمقراطية بدون فاعلين سياسيين وهم الأحزاب السياسية - على تجاوز الماضي وتنقية ذاكرة المغرب من أخطاء الماضي وشوائبه حتى لا تنتصب أمامها في مسيرتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أعتقد أن ما سميناه بالانتقال الديمقراطي كان فترة ضرورية للقطيعة مع هذا الماضي. وقد قطعنا بالفعل العديد من الأشواط في مجال الحريات وحقوق الإنسان وحرية الصحافة، وأعتقد أن تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة عالج ما يفوق ثمانين بالمائة أو خمسة وثمانين بالمائة من القضايا الحقوقية العالقة، سواء من خلال جلسات الاستماع للكشف عن الحقيقة، أو تعويض من يستحق التعويض أو جبر الضرر، وأستطيع أن أقول بأننا في هذه المرحلة استطعنا أن نطوي صفحة مؤلمة من صفحات الماضي، وقد اعتمد المغرب دراسات البنك الدولي ، وبرنامج الأممالمتحدة للإنماء، واعتمد تقرير الخمسينية والذي كان بمثابة تشخيص للحالة الوطنية لمدة خمسين سنة، وقد اطلعت على هذا التقرير، ووقفت على ما فيه بعناية، ولمست الجوانب العلمية والمهنية فيه، وظهر لي أنه خال من الاعتبارات الإيديولوجية والسياسية، وقد توفق بحمد الله 100 خبير في تشخيص الاختلالات الكبرى المعيقة لتقدم المغرب، ووضعوا الأصبع على الأعطاب التي يعاني منها مغرب اليوم في شتى المجالات، وحددوا نقاط القوة التي يتوفر عليها وأيضا نقاط الضعف التي تعيق تطور المغرب نحو التقدم، والتي اصطلح عليها التقرير بعقد المستقبل التي ينبغي للمغرب أن ينتبه إليها ويجتهد في إبداع الحلول لفكها. هذه الفترة استمرت عشر سنوات، واليوم نحن نعيش حالة سياسية جديدة، وأعتقد أن من واجبنا ألا نترك المحللين السياسيين وكذا المراقبين الخارجيين في حيرة مما يحصل من تحولات سياسية في المغرب، فكثير منهم لا يفهم كيف يجتمع التقدميون واليمينيون وأحزاب الوسط في حكومة واحدة. نحن ندرك الأسباب الحقيقية التي آلت بالمعادلة السياسية في البلد إلى ما آلت إليه، ولا علاقة لهذه المعادلة السياسية الموجودة بالمغرب بالعبث، فتجمع اليسار واليمين والوسط في حكومة واحدة كان نتيجة هذا الأسلوب الحضاري الذي انتهجه المغرب والذي كان من ثماره توافق جميع مكونات الحقل السياسي على طي صفحة الماضي والانشغال بقضية الانتقال نحو الديمقراطية، والتفكير الجدي في تجاوز الأعطاب التي تعيق تقدم المغرب، وأتصور أنه بعد مرور عشر سنوات، قد حان الوقت للمرور إلى فترة ثالثة عنوانها الرئيس اعتماد ديمقراطية طبيعية وحقيقية، يقع فيها فرز للقوى السياسية على أساس أقطاب واضحة، قطب اليسار وقطب اليمين وقطب الوسط، وأعتقد أن الشروط قد نضجت بما فيه الكفاية لخلق هذه الأقطاب للتناوب على الحكم بشكل ديمقراطي سلس. كيف تصنفون الأحزاب السياسية الحالية ضمن هذه الأقطاب الثلاثة؟ هناك أولا اليسار بجميع مكوناته، ولو أن كلمة اليسار تستصحب معها مجموعة من الدلالات غير المنسحبة على واقع المغرب، لكن نحن نسميه كذلك تجاوزا، وهناك حزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من أن بعض الأطراف تعلن عدم استعدادها التعامل معه، إلا أنه حزب له موقعه داخل الخريطة السياسية، وهو حزب محترم ووطني، لا يشك أحد في نجاعته وفعاليته في أداءه السياسي، وهناك الوسط الذي يجمع الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار والحزب الوطني الديمقراطي وما تبقى من الأحزاب الأخرى، ويمكن أن يدخل في قطب الوسط حزب الأصالة والمعاصرة. لكن، للأسف، الطريقة التي اعتمدت من طرف بعض الأعضاء في جمعية حركة لكل الديمقراطيين، لم تخدم هذا المسار، بحيث إن أول ما بدأت به هذه الحركة كان هو القدح، على لسان أحد ممثليها، وفي أول ظهور إعلامي له على القناة التلفزية، تحدث عن العبث والفراغ السياسي، وكأن الساحة السياسية لا يوجد فيها أحد، وهو ما اعتبر خطابا مستفزا للآخرين، فالأحزاب السياسية التي تشتغل على الأرض نظرت إلى هذا الخطاب على أساس أنه يستفزها، وهو أمر غير مقبول، فحزب الاستقلال حزب عتيد، تاريخ نضاله يفوق سبعين سنة، والحركة الشعبية يمتد عمرها النضالي خمسين سنة، ولا يمكن أن ننكر أن حزب الاتحاد الاشتراكي متواجد على الساحة أكثر من خمسين سنة، ولا يمكن بجرة قلم أو زلة لسان أن نمسح هذه الأحزاب من الخريطة السياسية وندعي أنها غير موجودة. والذين يفكرون بمنطق محو الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة والحلول مكانها أعتقد أنهم ليسوا على صواب. وهناك خطاب آخر يستعمله البعض في هذه المجموعة يوجه إلى الآخرين بحيث يقال لهم إن القطار ماض في سكته نحو الطريق المحدد له، فمن أراد أن يركب فليركب، وهو خطاب سياسي غير مقبول نهائيا لأن مضمنه أن هذه المجموعة هي القاطرة، ومن أراد أن يمضي معها فليلصق عربته وراءها، فهو كما قلت خطاب غير مقبول نهائيا، لأنه لا يترك فرصة للتداول والنقاش على قدم الندية والتكافؤ. كان من الصواب أن يأتي هذا الحزب ويعرض أفكاره، وكنا بدون شك سنرحب به مثله في ذلك مثل الأحزاب التي يمكن أن تظهر مستقبلا، فأي مجموعة لها الحق أن تنشئ حزبا سياسيا، لكن في ظروف فيها احترام تام لقانون الأحزاب. كان على هذا الحزب أن يتبنى خطابا آخر، يعتمد منطق التنسيق مع الأحزاب الموجودة في الساحة لخلق قطب الوسط في إطار الاحترام المتبادل بين الأحزاب، وفي إطار احترام أدبيات السياسة، واحترام الهيئات الموجودة والأشخاص الموجودين أيضا. ثم إننا لا نحتاج أن نذكر بأن المنتمين للأحزاب السياسية بالإضافة إلى العاطفين عليها والمناصرين لها لا تفوق نسبتهم بالقياس إلى المجتمع المغربي 12 في المائة على أكبر تقدير، ومعنى هذا أن ما تبقى من هذه النسبة مجال واسع يسمح بإنشاء حزب سياسي يضم شخصيات وطنية وازنة يمكن أن تعبأ فتقتنع بمشروع جديد وأفكار جديدة وبرنامج سياسي جديد، لكن مع الأسف الشديد شيئا من هذا لم يحصل، والذي وقع أن الاستقطاب السياسي يتم من داخل الأحزاب السياسية العاملة، ونحن نشاهد ونتابع بعض عمليات استقطاب مستشارينا ونوابنا التي مورست من قبل هذه المجموعة والتي خلقت استياء كبيرا داخل حزبنا، فهذا السلوك غير مقبول وغير معقول، فضلا عن كونه يستفز شعور المناضلين المنضبطين داخل الحزب. على أي، أنا هنا أقدم رأيا خاصا، ولا أتكلم باسم الحزب ولو أنني ناطق باسم الحزب، لأن الأجهزة التقريرية للحزب لم يسبق أن ناقشت موضوع التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة فضلا عن أن تتخذ القرار بخصوص هذا الموضوع، فاللجنة المركزية لم تجتمع بعد، كما أنني كرئيس للفريق، لم يسبق لي أن أخذت تفويضا من الفريق للتعبير عن هذا الموقف، فأنا أتحدث هنا عن رأيي الشخصي، ريثما ينضج الحزب موقفه بهذا الخصوص، وسأكون وقتها ملزما بتبني موقف الحزب والتعبير عنه بحكم الصفة التي خولها إلي. فلا يمكن أن أتحدى الحزب وهياكله، ولا يمكن لي أن أتحدى الفريق، ولا يمكن أن أسمح لنفسي بعد ثلاثين سنة من النضال داخل هذا الحزب أن أظهر بصورة الانتهازي حين تدعو الضرورة لذلك. قلتم إن المغرب دخل مرحلة سياسية جديدة عنوانها اعتماد ديمقراطية حقيقية، هل تتصورون ديمقراطية حقيقية بدون احترام للأحزاب؟ أعتقد أنه في بلد قام بخطوات جبارة من أجل أن دولة الحق والقانون، لم يعد ممكنا لأي قوة سياسية أن تكون خارج القانون، فالقانون يفرض احترامه، سواء كان قانون الأحزاب السياسية أو قوانين أخرى تنظم جانبا من جوانب الحياة العامة، ولذلك أقول لا ديمقراطية بدون احترام القانون. كيف ترون تأسيس حزب سياسي من خمسة أحزاب أغلبها لم يعقد مؤتمره الاستثنائي؟ نحن سبقنا هذا الحزب في هذا الأمر، بحيث قمنا بعملية اندماج بين فصائل الحركة الشعبية التي كانت لها هويات مختلفة وجمعنا بينها وعادت إلى أصلها، لكن ذلك كله تم في إطار احترام قانون الأحزاب، فعقدنا المؤتمر واستوفينا كل الشروط المنصوص عليها في قانون الأحزاب، وكنا بذلك نوجه رسالة سياسية إلى كل الأحزاب التي قد تأتي من بعد هذا الاندماج أن تحترم قانون الأحزاب وأن تستوفي الشروط المنصوص عليها ضمنه، وإلا لماذا صنعت هذه القوانين إن لم تكن لتطبق من الجميع بدون استثناء؟ صرح أكثر من مسؤول في قيادة الحزب الجديد أن المرحلة القادمة بعد دمج الأحزاب الخمسة في حزب الأصالة والمعاصرة ستكون للتحالف مع الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، هل تم اقتراح أي أرضية عليكم في هذا الاتجاه؟ الذي كان لم يتعد سقف الحوارات الشخصية، وقد كنت حاضرا في بعضها، وحضر الأمين العام في بعضها الآخر، وقد طلب منا أن نبدي رأينا في هذه الخطوة، لكن يبقى القرار بيد الهيئات التقريرية للحزب، وهي التي لم تجتمع بعد للحسم في الموضوع، وما يمكن أن أقوله بهذا الصدد أن هذه الحوارات هي بمثابة تمهيد، فنحن من حيث المبدأ لا نرفض فكرة التعامل والتعاون، فقناعتنا أن المغرب يحتاج لتكوين قطب الوسط الذي يجمعنا والأحزاب التي تتقاسم معنا الرؤية أو تقترب من رؤيتنا، لكن تبقى المعضلة متعلقة بسؤال الكيف ومنهجية الوصول إلى هذا الهدف وهذا التطلع. ولا أخفيك أن الطرق التي تشتغل بها هذه المجموعة من شأنها أن تعرقل عملية التعاون هذه. وبالمناسبة، فالسيد الأمين العام أخبرني أنه لم يرشح أحدا من الحركة الشعبية للمشاركة في الانتخابات الجزئية. وما سبب اتخاذ مثل هذا القرار؟ ألأا تخشون من أن يضعف حضور الحركة الشعبية انتخابيا وسياسيا؟ بالنسبة إلى مراكش والمحمدية، تقدير الأمين العام أن الذين أسقطوا من دوائرهم هم الذين سيتمكنون من حسم الانتخابات لصالحهم لأنهم يمتلكون أرضية صلبة في هذين الدائرتين، فإذا كانت مشاركتنا ستكون من أجل المشاركة وإثبات حضور الحركة، فلا داعي لذلك، لكن في آسفي زكى الأمين العام شخصا للمشاركة باسم الحركة في الانتخابات الجزئية، و كان مناضلا في الحركة الشعبية، وسبق له أن كان نائبا برلمانيا عنها، لكن بعد مرور أيام معدودات نفاجأ بهذا الشخص يرد التزكية للحزب ويخبرنا بأنه لن يشارك في هذه الانتخابات، ولم يمض وقت طويل حتى اكتشفنا أنه مدرج في المرتبة الثانية في لائحة حزب الأصالة والمعاصرة، وهكذا لم ينحصر الاستقطاب في النواب والمستشارين البرلمانيين وإنما انتقل أيضا إلى المرشحين الذين نالوا تزكية الحزب، وأعتقد أن مثل هذه السلوكات المستفزة تشكل عوائق حقيقية من شأنها أن تعرقل أي تنسيق في المستقبل. ألا يعني هذا أن الساحة أفرغت للحزب الجديد؟ للأسف، الحركة الشعبية لا وجود لها في الانتخابات الجزئية. وهل هذا في صالح الحركة الشعبية؟ هذا الوضع غير مرض، وهو يؤسفني ويؤلمني، ومن المقلق حقا أن يعيش حزبنا لمدة خمسين سنة يحقق نجاحات انتخابية كبيرة، ويؤول إلى هذا الوضع. نظام اللائحة لا يخدم مصلحة البلد ألا تتخوفون أن يحصل في الانتخابات الجماعية نفس ما حصل في الانتخابات الجزئية؟ لا أعتقد أن ذلك ممكن الحصول، لأن الانتخابات البرلمانية ليست هي الانتخابات الجماعية، فالانتخابات الجماعية لها رهانات محلية، وتدخل فيها مجموعة من الاعتبارات القبلية والإثنية، وتكون فيها منافسة شرسة بين القبائل والمداشر والدواوير. في اعتقادي ما حصل في الانتخابات الجزئية قد نجد صورة له في بعض المدن، لكن من المستبعد أن يحصل في البادية. ألا تتوقعون أن تتم عملية قرصنة مرشحيكم ممن له حظوظ كبيرة بالفوز في دوائرهم كما حدث لكم في دائرة آسفي؟ كل شيء متوقع، لكن إذا وقع ذلك، فما الذنب الذي اقترفناه؟ وما العمل لإيقاف مثل هذه السلوكات المستفزة؟ هل سنعلن الحرب؟ أم سنسكت؟ أعتقد أن الأمر يعود في النهاية إلى قناعة المواطن، فإذا ارتأى أن يسير خلف الحزب الجديد أو أي حزب آخر فهو يمارس في المحصلة اختياره وقناعته. إذا مضت الانتخابات الجماعية على هذه الشاكلة هل تتصورون منها أن تضيف شيئا جديدا للساحة السياسية في المغرب؟ حسب تحليلي المتواضع، وحسب تتبعي للتحركات التي تجري على الأرض لا من طرف الأشخاص ولا من طرف الأحزاب السياسية لا أعتقد أننا في طريق تحسين المشهد السياسي المغربي.. ستبقى دار لقمان على ما هي عليه، وستبقى المجالس مبلقنة هذا إن لم تزدد بلقنة بحكم نظام الاقتراع المعتمد الآن. ولذلك نحن نطالب بإعادة النظر في نظام اللائحة لأنه لا يخدم مصلحة البلد، ولأنه سبب التشرذم والبقلنة التي يعرفها مشهدنا السياسي، ونطالب برفع العتبة إلى 6 في المائة حتى نساهم في عقلنة هذا المشهد. لن نعادي حزب العدالة والتنمية ولن نجاري من يعاديه في ظل هذه الممارسات التي أعطيتم صورة عنها، هل تتوقعون لنسبة المشاركة في الانتخابات الجماعية أن ترتفع عما كانت عليه في انتخابات السابع من شتنبر 2007؟ لا أظن أن نسبة المشاركة ستعرف تراجعا، لأنه كما سبقت الإشارة الانتخابات الجماعية تختلف عن الانتخابات البرلمانية. فالذي يحكم الأولى اعتبارات محلية وعائلية وقبلية، وهذه الاعتبارات تزيد من نسبة المشاركة. كل أملي أن يتراجع المال لأنه أضحى السلطة الوحيدة التي تحسم في نتائج الانتخابات. أدرك أن هذا حلم، لكن لا بد أن نرفع هذا التحدي. علينا أن ننتبه إلى أن الذي يحدد نسبة المشاركة هم المنتمون إلى الأحزاب والعاطفون عليها والذين لهم نوع من العلاقة مع المرشح بالإضافة إلى الذين اشتريت ذممهم، وما عدا ذلك، فنسبة كبيرة من الشعب المغربي غير مكترثة تماما بما يجري في المشهد السياسي لأن شغلها الشاغل هو توفير المعاش. هذا شيء معروف وليس جديدا، فوزارة الداخلية أنجزت استطلاعا قبيل الانتخابات الأخيرة، وكان متقنا بحيث استجمع كل الشرائط الفنية والمنهجية، وكان من أرقامه المثيرة أن 2 في المائة هي التي تثق في السياسة والأحزاب السياسية، وهو ما يكشف أن نسبة المشاركة المسجلة في انتخابات 2007 لم يكن أمرا مفاجئا، وما يزيد في تأكيد هذه الحقيقة أن الاستطلاعات التي أنجزها المعهد الوطني الديمقراطي وكذا المعهد الجمهوري الأمريكي توقعت ذلك، وهو ما يزيد في تأكيد حقيقة أن المواطن يهمه بالدرجة الأولى الأمن والخبز، وما عدا ذلك يأتي في الدرجة الأخيرة أو لا يكون ضمن أجندة المواطن تماما، وهذا هو الواقع المر الذي نعيشه اليوم. ولا سبيل إلى تجاوزه إلا بتغيير السياسة واعتماد سياسة تنموية شاملة ومتوازنة، فالعديد من مناطق المغرب يشعر أبناؤها أنهم ليسوا فقط مهمشين ولكنهم غير معدودين أصلا، والمفارقة أنهم يتابعون كل يوم عبر وسائل الإعلام بعض المناطق المحظوظة التي صرفت عليها ملايير الدراهم من أجل تنميتها في الوقت الذي لا يتوفرون هم على مجرد مستوصف للاستشفاء، ولعل هذه المتابعة لهذه المفارقات تجعل أبناء المناطق المهمشة تنتج ردود أفعال احتجاجية إلى درجة أن بعض الجماعات قاطعت الانتخابات بشكل جماعي، فلم يشارك أي منتم إلى ترابها في التصويت. وأعتقد أنه لا سبيل إلى إشراك واسع للمواطنين في العملية الانتخابية من غير اعتماد سياسة تنموية متوازنة تشمل كل مناطق المغرب على قدم السواء، سياسة تحد من الفوارق الاجتماعية، وتجعل الجميع داخل المغرب يعتقد أن بلده يسير بسرعة واحدة وليس بسرعتين، فبدون هذه الرهانات لا أتصور أن ثقة المواطن يمكن أن تعود في السياسة وفي الأحزاب السياسية. لو افترضنا أن العوائق التي تشوش على التنسيق بين حزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية، هل سيكون من مقتضى هذا التنسيق أن تتبنوا نفس موقفه المعادي لحزب العدالة والتنمية؟ لن يكون لنا نفس الموقف، فنحن نحترم جميع الأحزاب، ونحترم حزب العدالة والتنمية، فهو حزب وطني شكله المغاربة، وهو حزب له مرجعيته الإسلامية كما لنا نفس المرجعية، وهو حزب له رؤيته الاجتماعية والاقتصادية، وغالبا ما نلتقي معه على العديد من النقاط المشتركة، وقد نختلف في بعض النقاط، ولذلك فنحن لا نحمل ولن نحمل أي موقف عدائي ضد العدالة والتنمية، وإذا كان لأحد رأي معاد لهذا الحزب فهو يلزمه وحده، ولا يمكن أن نجاريه في ذلك.