نشرت جريدة الباييس الإسبانية مقالا لمبعوث الأمين العام للأمم المحتدة إلى الصحراء بيتر فان والسوم تحدث فيه عن قضية الصحراء والعراقيل التي تقف أمام حل نزاعها. ونظرا لأهميته نعيد نشره مترجما تعميما للفائدة: إنني أكتب مقال الرأي هذا بصفتي آخر مبعوث للأمين العام للأمم المحتدة إلى الصحراء. كنت في الأصل قد عينت في هذا المنصب من قبل الأمين العام الأسبق كوفي آنان في يوم الواحد والعشرين من شهر غشت .2005 ولقد انتهت فترة تعييني الخامسة لمدة ستة أشهر في الواحد والعشرين من غشت الماضي. والسبب الذي دفعني للكتابة اليوم هو رغبتي في اغتنام الفترة القصيرة الفاصلة بين الوقت الذي كان علي فيه تجنب إبداء رأيي لأنني كنت ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة، وكان الوقت المقبل سريعا بحيث لا أحد سيولي فيه أي اهتمام لرأيي الشخصي لأنني سوف لن أكون ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة. نظرا للثلاثة والثلاثين عاما التي عانتها مشكلة الصحراء في نزاعها الطويل والمرير؛ فقد كنت أحيانا أنحو إلى التفكير في أنني عجزت عن إيجاد حل لمشكل الصحراء؛ لأن مشكل الصحراء غير قابل للحل. وإذا كنت قد تمكنت من مقاومة هذا النزوع فذلك لأنني ظللت أعتقد دائما أنه بالإرادة السياسية يمكن حل المشكل. وهذا الرأي عندي لم يتغير منذ أن قدمت أول تقرير شفوي لمجلس الأمن في يناير .2006 وأعتقد أن العنصرين المسببين لهذا المأزق هما قرار المغرب في أبريل 2004 بعدم قبول أي استفتاء يتضمن الاستقلال كخيار، والموقف الثابت الذي لا يتزعزع لمجلس الأمن القاضي بضرورة التوصل إلى حل توافقي لقضية الصحراء. ولقد ركزت على العنصر الأخير ملاحظا بالمناسبة أنه لو أن مجلس الأمن كان مستعدا لفرض حل فإن تحليلي للمشكل كان سيكون مختلفا. ولكن بما أن الأمر كذلك؛ فإن الحاجة لإيجاد حل توافقي هي نقطة بداية أي تحليل للمسألة. وهذا يقود إلى النتيجة التي توصلت إليها وهي أن هناك فقط خيارين لا ثالث لهما: إطالة المأزق الحالي إلى ما لا نهاية، أو مفاوضات مباشرة بين الطرفين. ومفاوضات كهذه ينبغي أن تنطلق بدون أي شروط مسبقة، غير أني رأيت أنه من الواقعي جدا اعتبار أنه بما أن المغرب يسيطر على مجمل تراب الصحراء وأن مجلس الأمن لا يرغب في ممارسة أي ضغط عليه فإن استقلال الصحراء أمر غير ممكن إطلاقا. هذا الاستنتاج لقي انتقادا حادا من قبل أولائك الذين يرون أنه من غير الأخلاقي الانتظار من البوليساريو النزول سياسيا عند الأمر الواقع لمجرد أن المغرب ومجلس الأمن عجزا لم يتمكنا من احترام الشرعية الدولية كما هي هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 لسنة 1960 (حول تصفية الاستعمار وتقرير المصير) ولا من احترام رأي محكمة العدل الدولية لسنة 1975(حول غياب علاقات ما بعد استعمارية بين المغرب والصحراء الغربية (مما يمكن أن يؤثر على تطبيق القرار المذكور) وهي انتقادات ليست من النوع الذي يمكن لوسيط أممي أن يتجاهلها بسهولة. ولكنني أحسست بأنه كان من الواجب الموازنة بين مخاطرة إعطاء البوليساريو آمالا كاذبة بتشجيعه على تجاهل الأمر الواقع الذي لن يتغير أبدا بكون أنه منذ 1975 ومجلس الأمن يؤكد باستمرار و بكل وضوح على أنته لن يكون هناك إلا حل توافقي. ولسوء الحظ فإن من ساندوا البوليساريو أنفقوا بسخاء على أساس هذا النوع من التشجيع؛ لقد راهنوا بإصرار على أن مجلس الأمن عاجلا أو آجلا سوف يحترم الشرعية الدولية ويرغم المغرب على القبول باستفتاء يكون خيار الاستقلال من بين خياراته. والسبب الذي يجعلني أعتقد أن هذا لن يحدث أبدا هو أن الشرعية الدولية ليست هي نفس القانون الدولي. ومجلس الأمن عليه أن يحترم القانون الدولي، وعليه كذلك أن يأخذ في الاعتبار الواقع السياسي. والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية هم الأجهزة الرئيسية لهيئة الأممالمتحدة. ولا توجد فيما بينهم أي تراتبية، فكل منهم له سلطاته الخاصة، المنصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة، وفي القانون الأساسي لمحكمة العدل الدولية. والمادة الرابعة والعشرين من الميثاق تولي الدول الأعضاء إلى مجلس الأمن المسؤولية الأولى في حفظ الأمن السلام الدوليين. وللقيام بهذه المسؤولية ليس أمام مجلس الأمن من خيار إلا وضع الواقع السياسي في الاعتبار. وعندما يقوم بذلك فهو يتصرف وفق سلطاته التي يحددها له ميثاق الأممالمتحدة في احترام للقانون الدولي. ونادرا ما يناقش مجلس الأمن جميع العوامل السياسية مع الأخذ في الاعتبار حالة كل دولة عضو على حدة؛ مما يعني أن وزن كل دولة عضو في سير القرارات لن يكون أبدا معروفا من قبل؛ حتى لدى أعضاء مجلس الأمن بأنفسهم. والعوامل السياسية المؤثرة في اتخاذ أي قرار قد تكون مثلا، الخوف من زعزعة استقرار المنطقة بتأثير اتخاذ إجراءات قسرية، الوعي بأن رفع ظلم ثلاث وثلاثين سنة قد يترتب عنه ظلم آخر، أو الإحجام عن احتمال المساهمة في إنشاء دولة أخرى محكوم عليها بالفشل. إن مجلس الأمن وحده يقرر عند مواجهته لأي مشكل فقيم إذا كان لزاما العمل تحت الفصل السادس( الحسل السلمي للنزاع) أوالفصل السابع (إمكانية استعمال القوة في حالة تهديد السلم أو لرد عمل عدواني)؛ وهذا لا يمكن أن ينتظر موافقة أو قرارا من أي جهاز آخر غير مجلس الأمن وحده. وليست هناك أي قاعدة في القانون الدولي تلزم مجلس الأمن باستعمال القوة التي تحت تصرفه لتفعيل قرارات الجمعية العامة أو تفعيل فتوى من محكمة العدل الدولية. ولهذا السبب لم يكن أبدا للانتقادات الموجهة لمجلس الأمن بخصوص عدم احترامه للشرعية الدولية إلا تأثير جد صغير. وما بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن فإن معظمهم يرى أنه لن يكون هناك إلا حل توافقي لمشكل الصحراء. ولم يسبق لي أبدا أن التقيت واحدا يرى بأن هذا فيه أي خرق للقانون الدولي. وهذا لا يعني أن مجلس الأمن لا يشعر بالانزعاج من استمرار المأزق ودوامه. غير أن هناك وعيا متزايدا بأن إصرار البوليساريو على الاستقلال التام للصحراء قد زاد عن غير قصد في تعميق المأزق وإطالة أمد حالة الجمود. إن هناك مخرجا؛ ولكنه شاق وصعب وسيؤدي إلى مفوضات حقيقية. إذا كان في الإمكان أن تفكر البوليساريو في حل أقل من الاستقلال التام؛ تأكيدات دولية، أو ضمانات ضد أي تراجع على الاتفاقات الدستورية المبرمة، أو أي تخلٍّ تدريجي عن الحقوق المدنية؛ مثل حرية التعبير؛ بمبررات تتعلق الأمن الوطني؛ إذا ما كان البوليساريو مستعدا في المستقبل للمضي في هذا الخيار؛ فإنني أرى أنه من غير المنصف إدخال تعديلات في هذا الاتجاه على المقترح المغربي بما يضمن مقترحا للحكم الذاتي مقبولا من الجانبين. وأتوقع أن البوليساريو سوف تتخذ هذه الخطوة في المستقبل المنظور. وفي الوقت الراهن لن يكون هناك أي تغيير: سوف تستمر البوليساريو في المطالبة باستفتاء يكون من بين خياراته الاستقلال، والمغرب سوف يستمر في رفض ذلك، ومجلس الأمن سوف يستمر في التأكيد على حل توافقي. وفي الانتظار سوف يستمر المجتمع الدولي في التعود على جمود الوضع الراهن. الباييس يوم 2008/08/28